الرقابة الدستورية على قرارات المنظمات الدولية
* الكاتبة: المستشارة د. شيماء نجم - الوكيل العام بالنيابة الإدارية
عرّف فقهاء القانون الدولي العام المنظمة الدولية بأنها" هيئة تتفق مجموعة من الدول على إنشائها للقيام بمجموعة من الأعمال ذات الأهمية المشتركة، وتمنحها الأعضاء اختصاصاً ذاتياً مستقلاً يتكفل ميثاق الهيئة ببيانه وتحديد أغراضه ومبادئه الرئيسية ".[1]
ويعد ميثاق المنظمة هو الوثيقة المنشئة لها، فتأخذ الوثيقة شكل الاتفاقية الدولية، التي توافق الدول بمقتضاها على الانضمام إلى تلك المنظمة.
وتتفاوت المنظمات الدولية من حيث قوة السلطات التي تتمتع بها، وغالبيتها لا تمس سيادة الدول الأعضاء، وتقتصر قراراتها على إصدار التوصيات والاقتراحات التي يتوقف تنفيذها على رغبة الدول الأعضاء.
وقد تتمتع المنظمة، في حالات نادرة، بسلطات قوية تسمح لها بتنفيذ أغراضها بوسائلها الخاصة مستقلة في ذلك عن رغبة الدول الأعضاء، وتكون لقرارات المنظمة في هذه الحالة، آثاراً قانونية معينة تلتزم بها الدول.
وجدير بالذكر أن تنفيذ قرارات المنظمات الدولية يكون عن طريق المنظمات ذاتها أو عن طريق الدول الأعضاء بها. وتقوم الدول الأعضاء في المنظمة الدولية بدور مهم في تنفيذ قراراتها. ومن القرارات التي تناسب التطبيق المباشر في النظم القانونية الداخلية، تلك القرارات التي يصدرها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والتي يتم بموجبها فرض عقوبات عسكرية على الدول المخالفة. وكذلك القرارات الصادرة من صندوق النقد الدولى في شأن تفسير مواد نظامه الأساسى، استناداً لنص المادة (18) من نظامه الأساسى، والتي منحت المجلس التنفيذي للصندوق السلطة المطلقة في تفسير نصوص النظام الأساسي للصندوق.
ويعد مجلس الاتحاد الأوروبي من أهم المنظمات الدولية التي تتخذ قرارات ملزمة وقابلة للتطبيق المباشر بمعرفة المحاكم الوطنية، استناداً لنص المادة (189) من النظام الأساسي للجماعة الاقتصادية الأوروبية، والتي منحت المجلس سلطة إصدار لوائح ملزمة تأخذ طريقها للتنفيذ المباشر في الدول الأعضاء كافة.
وتجد إلزامية تلك القرارات سندها في نصوص ميثاق المنظمة ذاتها، وموافقة الدول عليها.
وعادة لا تنفذ قرارات المنظمات الدولية الأخرى إلا من خلال القانون الوطنى، ولذلك لا يجوز أن تكون قرينة مباشرة أمام المحاكم الوطنية.[2]
وتظهر أهمية الرقابة على دستورية قرارات المنظمات الدولية فى أنها الوسيلة القانونية لضمان سمو الدستور الوطني على تلك القرارات، حال تعارضها معه، لا سيما وأن الانضمام للمنظمات الدولية تلجأ إليه الدول من أجل تحقيق مصالحها الوطنية والدولية فى الوقت ذاته.
التجربة الفرنسية في الرقابة:
وإزاء خلو الدستور الفرنسي الصادر عام 1958، من أي نص يمنح المجلس الدستوري الفرنسي الاختصاص بالرقابة على قرارات المنظمات الدولية، فقد باشر المجلس تلك الرقابة استناداً لنص المادة (54) من الدستور، والتي نصت على أنه " إذا أعلن المجلس الدستوري بناء على طلب مقدم من رئيس الجمهورية أو الوزير الأول أو رئيس أي من المجلسين أو ستين عضواً فى الجمعية الوطنية أو ستين عضواً فى مجلس الشيوخ أن تعهداً دولياً تضمن شرطاً مخالفاً للدستور فلا يمكن الإذن بالتصديق أو الموافقة عليه إلا بعد تعديل الدستور".
وقد استطاع المجلس الدستوري من خلال تفسيره لعبارة (التعهد الدولي) مد رقابته لتشمل قرارات المنظمات الدولية، والتي لا تُعَد معاهدات دولية بالمعنى الدقيق، ففكرة المعاهدة الدولية في قرارات المجلس الدستوري، تتسع لتشمل القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية التي ترتب التزاماً على فرنسا.
وقد منح الدستور الفرنسي المعاهدات الدولية مكانة رفيعة في النظام الدستوري الفرنسي، فهى تعلو على القوانين العادية، ولا تصل إلى مرتبة الدستور، كما تتميز رقابة المجلس الدستوري الفرنسي على دستورية المعاهدات الدولية بانها رقابة سابقة على التصديق على المعاهدة الدولية، وليس لاحقة عليه.
ولقد كانت مسألة التطبيق الداخلي لقرارات المنظمات ذات الطابع الأوروبي من التحديات التي واجهت الدول الأعضاء في دول المجموعة الأوروبية، منذ التوقيع على معاهدة روما في 25 مارس 1957. وتكمن أهمية هذه القرارات من ناحية أولى: في أنها لا تعد معاهدات في ذاتها، وإنما أعمال مشتقة من معاهدات سبق التوقيع عليها. ومن ناحية ثانية: في المكانة المميزة التي لابد وأن يتمتع بها القانون الأوروبي في النظم القانونية للدول الأعضاء في الجماعة الأوروبية، في ظل نص المادة (6-1) من المواد المقررة لإنشاء الدستور الأوروبي، والتي منحت دستور وقانون الاتحاد سمواً على قانون الدول الأعضاء.
وقد جرى المجلس الدستوري الفرنسي على إخضاع القرارات الصادرة عن المنظمات ذات الطابع الأوروبي لرقابته، ففي قراره رقم (39-70) الصادر في 19 يونيه 1970 ، بشأن الطعن على قرار مجلس الاتحاد الأوروبي الصادر في 21ابريل 1970، بشأن توفير مصادر مالية مستقلة للاتحاد بدلاً من تلك التي تسهم بها الدول الأعضاء، و لما كان هذا القرار ينطوي على مظنة مخالفة الدستور من حيث معارضته للقواعد المتعلقة بالميزانية ومخالفة مبدأ السيادة الوطنية الفرنسية، فقد استعمل الوزير الأول حقه في اللجوء للمجلس الدستوري الفرنسي استناداً لنص المادة(54) من الدستور ، طالباً من المجلس الدستوري بحث مدى مخالفة هذا القرار للدستور ، وبالرغم من أن هذا القرار لا يعد معاهدة دولية بالمعنى الدقيق إذ إنه قرار صادر بشأن اتفاقيات سبق إبرامها والتصديق عليها، إلا أن المجلس الدستوري قبل الطعن عليه.
كما أخضع المجلس الدستوري الفرنسي لرقابته قرار مجلس الجماعات الأوروبية المشتركة الصادر في 20 سبتمبر سنة 1976، والمتعلق بانتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي عن طريق الاقتراع العام المباشر، حيث قرر المجلس بقراره رقم (76-71) الصادر في 30 ديسمبر 1976 ، أن قرار المجلس الأوروبي المشار إليه يتطابق مع الدستور، لأن ما تضمنه من أن يكون انتخاب أعضاء البرلمان الأوروبي بالاقتراع العام المباشر، لا يتعلق بالنظام المؤسسي للجمهورية الفرنسية، ولا يمس السيادة الوطنية الفرنسية، لتعلقه ببيان طريقة اختيار أعضاء البرلمان، وليس بذي أثر على اختصاص البرلمان، حيث إنه لم يتناول هذه الاختصاصات بالتوسع بالشكل الذى قد يخشى معه النيل من السيادة الوطنية.
وذهب بعض الفقه الفرنسي[3] إلى أن قراري مجلس الاتحاد الأوروبي، الصادر بشأنهما قراري المجلس الدستوري سالفي الذكر، قد صدرا عن مجلس الاتحاد الأوروبي استناداً لاتفاقيات سابقة تتعلق بإنشاء الإتحاد، وأنهما يتعلقان بإجراءات تطبيق تلك الاتفاقيات، وبما أن تلك القرارات قد صدرت طبقاً لقاعدة الإجماع المعمول بها في هذا الصدد، فإنه يمكن اعتبارها نوعاً خاصاً من الاتفاقيات الدولية، وبما أن فرنسا هي إحدى دول المجموعة الأوروبية الموقعة على تلك القرارات والملتزمة بها، فإنه يمكن خضوع تلك القرارات لرقابة المجلس الدستوري.
كما جرى المجلس الدستوري على إخضاع القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي لرقابته ، ففي 22 مارس 1976، أصدر صندوق النقد الدولي قراراً يدعو الدول الأعضاء – ومن بينها فرنسا- إلى زيادة حصصها فى ميزانية الصندوق، وإزاء ذلك تم تحريك دعوى أمام المجلس الدستوري، استنادا لنص المادة (61) من الدستور، طعناً في دستورية القانون الصادر بالموافقة على زيادة حصة فرنسا في ميزانية الصندوق، بدعوى أن زيادة حصص الدول الأعضاء تعنى بصورة ضمنية تعديل ميثاق الصندوق ، وهو ما لا يمكن حدوثه دون تدخل البرلمان الفرنسي ، وفقاً لنص المادة (53) من الدستور.
وفي قراره الصادر بتاريخ 29 أبريل 1978، قرر المجلس أن اختصاصه ببحث دستورية قرار مجلس محافظي الصندوق، استناداً إلى أن محتوى هذا القرار يشكل تعهداً دولياً، ويعد من تلك القرارات التي تخضع لرقابة المجلس الدستوري، بصرف النظر عن الشكل الذى صدر فيه، وبالرغم من صدوره عن أحد الأجهزة الدائمة الممثلة للصندوق، وانتهى إلى دستورية القانون المشار إليه، تأسيساً على أن ممثلي فرنسا فى الصندوق كانوا قد وافقوا في اجتماع مجلس إدارة الصندوق بتاريخ 30ابريل 1976، على مبدأ تعديل الميثاق.
والملاحظ أن المجلس الدستوري قبل ذلك الطعن بالرغم من كونه طعناً على قانون التصديق على القرار المشار إليه، وليس طعنا ًفي القرار ذاته.
ومن الجدير بالذكر أن الطعن على قانون التصديق على المعاهدة، استناداً لنص المادة (61) من الدستور، يستتبع تصدى المجلس الدستورى لفحص دستورية المعاهدة حال مباشرته للرقابة على قانون التصديق، وقانون التصديق على المعاهدة هو القانون الذى يصدر من البرلمان بالإذن بالتصديق على المعاهدة الدولية، وهو بطبيعته لا يتضمن أي قواعد موضوعية، إذ أنه مجرد إذن بالتصديق على المعاهدة.
... وماذا عن الرقابة الدستورية في مصر؟
بالنظر إلى المحكمة الدستورية العليا المصرية، نجد أنه بالرغم من خلو كافة الدساتير المصرية المتعاقبة من النص على اختصاص للمحكمة الدستورية العليا بالرقابة على دستورية المعاهدات الدولية، إلا أن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد استقر على مباشرة رقابتها الدستورية على المعاهدات الدولية، استناداً لنصى المادتين (151) من دستور 1971، و(151) من الدستور الحالي الصادر عام 2014، واللتين منحتا المعاهدات الدولية ذات قوة القانون.
وبالرغم من عدم سبق مباشرة المحكمة الدستورية العليا رقابتها على قرارات المنظمات الدولية، إلا أننا نرى -وعلى غرار ما انتهجه المجلس الدستورى الفرنسي- إمكانية مباشرة المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات الدولية، بوصفها نوعاً من الاتفاقيات الدولية المشتقة من اتفاقية الانضمام للمنظمة الدولية.
وفي هذه الحالة يتم تحريك الدعوى الدستورية طعناً على قرارات المنظمات الدولية، وفقاً للإجراءات ذاتها المتبعة بشأن الطعن على التشريعات العادية، ويكون ذلك وفقاً لحكم المادتين (27و29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
ونرى أنه من المناسب أن تستعمل المحكمة الدستورية العليا السلطة المخولة لها، استناداً لنص المادة (49) من قانونها، فى تقرير أثراً مباشراً لأحكامها الصادرة في دستورية تلك القرارات.
وكنا قد نادينا[4] بضرورة إجراء تعديل دستوري، يسمح للمحكمة الدستورية العليا، بمباشرة الرقابة السابقة على المعاهدات الدولية، كاستثناء من القاعدة العامة، وذلك كشرط لازم قبل التصديق عليها، مع جواز خضوع المعاهدة للرقابة اللاحقة إن توافرت شروطها، وذلك لطبيعة المعاهدات الدولية وارتباط الدولة بمقتضاها بالتزامات دولية، وما قد يترتب على الحكم بعدم دستورية معاهدة ما من التزام الدولة بعدم تطبيقها داخلياً، وهو ما قد يثير مسئوليتها الدولية.
الوضع التشريعي الجديد في مصر:
وحسناً فعل المشرع بإصداره القانون رقم 137 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، بإضافة مادتين استحدث بموجبهما اختصاصاً جديدا ًللمحكمة الدستورية العليا بالرقابة على دستورية قرارات المنظمات الدولية والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة، حيث نصت المادة (27 مكررًا) على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة".
كما نصت المادة (33مكررًا) على أنه " لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إليها في المادة(27مكررًا)، أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها. ويختصم في الطلب كل ذي شأن، ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به، وترجمة معتمدة له. ويجب أن يُبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعي بمخالفته، ووجه المخالفة. وتفصل المحكمة في الطلب على وجه السرعة".
وقد تضمن تقرير اللجنة التشريعية بمجلس النواب "أنه رؤي إضافة مادتين جديدتين لأحكام القانون المذكور , تستهدفان منح المحكمة الدستورية العليا اختصاص الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية، ولرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بمثل هذه القرارات أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها، على أن يختصم في الطلب كل ذي شأن ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به، وترجمة معتمدة له، ويبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعى مخالفته ووجه المخالفة، وتفصل المحكمة في الطلب على وجه السرعة؛ نظرًا للأهمية البالغة لمثل هذه الطلبات".
وأورد تقرير تشريعية البرلمان "أن مشروع القانون جاء إزاء خلو الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم ِ(48) لسنة 1979 من نص يتضمن اختصاص المحكمة النظر في أي من القرارات الدولية التي يمكن أن تؤثر على الأمن القومي المصري، لذا رؤي إضافة مادتين جديتين لأحكام القانون المذكور تستهدفان منح المحكمة الدستورية العليا اختصاص الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصري، ومن أن هذا التعديل جاء إعمالاً لحكم الفقرة الثانية من المادة (192) من الدستور والتي تقضي بأنه يعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها".
ونلاحظ أن النصين المشار إليهما قد استحدثا نوعاً جديداً من الرقابة الدستورية ، مغايراً في إجراءاته وآثاره، إجراءات وآثار الرقابة الدستورية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين واللوائح استناداً لنصوص المواد (25 و27 و29 و48 و49) من قانونها، والتي يتعين أن تكون بمناسبة دعوى موضوعية منظورة أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، عن طريق الدفع الفرعي أو الإحالة من محكمة الموضوع أو التصدي من المحكمة الدستورية العليا.
وبالتالي، لا يستلزم اتصال الدعوى بالمحكمة الدستورية قيام دعوى موضوعية مطروحة أمام إحدى المحاكم المصرية أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، حيث تتصل الدعوى بالمحكمة عن طريق طلب يقدم من رئيس مجلس الوزراء بعدم الاعتداد بتلك القرارات أو الالتزامات المترتبة على تنفيذها.
وقد ناط المشرع برئيس مجلس الوزراء وحده الاختصاص بتقديم ذلك الطلب ، وهو ما يعنى عدم جواز أن يقدم الطلب من غيره ، وإلا قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم قبوله.
وأوجب التعديل المشار إليه أن يُختصم في الطلب كل ذي شأن وقد يكون الممثل القانوني للمنظمة أو الهيئة الدولية أو الدولة التي أصدرت إحدى محاكمها الحكم المطلوب تنفيذه في مواجهة الدولة المصرية، ويرفق بالطلب صورة مبلغة من القرار وترجمة معتمدة له. ويجب أن يُبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعي بمخالفته، ووجه المخالفة.
ويكون محل الرقابة هو القرارات الصادرة عن المنظمات أو الهيئات الدولية أو أحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة، ومقتضى ذلك أن يكون القرار صادراً عن إحدى المنظمات الدولية وفقاً لمفهومها المحدد بقواعد الدولي العام وأن يكون مطلوباً تنفيذه في مواجهة الدولة، وليس في مواجهة أحد مواطنيها، وألا يكون مجرد توصيات غير ملزمة، لا يترتب على عدم تنفيذها أية مسئولية على الدولة، ويشمل الاختصاص المستحدث للمحكمة طلب الحكم بعدم الاعتداد بالالتزامات المترتبة على تنفيذ تلك القرارات. كما أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا حال مباشرتها اختصاصاتها استناداً للتعديل المشار اليه، يقتصر على الحكم بعدم الاعتداد بقرار المنظمة الدولية، وليس القضاء بعدم دستوريته، وهو ما يجعل تلك الرقابة تتشابه في آثارها مع آثار الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، حال مباشرتها لاختصاصها المعقود لها بموجب المادة (50) من قانونها، بالفصل في منازعات التنفيذ المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عنها.
وخلاصة القول، أن الرقابة المنوط بالمحكمة الدستورية العليا مباشرتها، استنادًا للتعديل المشار إليه، هي رقابة دستورية من طبيعة خاصة، تباشر من خلالها المحكمة رقابتها على قرارات المنظمات الدولية من كافة جوانبها الشكلية والموضوعية، للوقوف على مدى مطابقتها لأحكام الدستور القائم أو خروجها عليها، ومن ثم جواز تنفيذها، أو عدم الاعتداد بها.
إن ذلك التفرد في إجراءات تحريك تلك الدعوى والآثر المترتب على الحكم فيها، يجد تفسيره في أن محلها قرارات دولية صادرة عن منظمات دولية، لم تنفذ بعد في مواجهة الدولة، وبالتالي فمن غير المتصور أن يكون الطعن عليها أثناء نظر نزاع موضوعي.
ومن جهة أخرى، فإن تلك الرقابة ليست رقابة دستورية بالمعنى الدقيق، فمبتغاها التأكد من مدى صلاحية القرارات محلها للتنفيذ في مواجهة الدولة المصرية، في ضوء أحكام الدستور.
فضلا عن أن قصر أثر الحكم الصادر بشأنها على عدم الاعتداد بقرار المنظمة الدولية في مواجهة الدولية المصرية، هو ما يتفق مع الهدف من تلك الرقابة والطبيعة الدولية لتلك القرارات، لإمكانية تضمنها أطراف أخري بخلاف الدولة المصرية، ومن ثم فإن عدم الاعتداد به في مواجهة الدولة المصرية، هو الأمر الأكثر ملاءمة، على صعيد العلاقات الدولية.
الهوامش
[1] د/ صلاح الدين عامر-قانون التنظيم الدولى، طبعة 2020، ص 235.
[2] راجع د/محمد مصطفى يونس- تنفيذ قرارات المنظمات الدولية- ص80و 81.
[3] )-Luis(F) et Loïc (ph) ;): Le Conseil Constitutionnel، 6em. Ed, P.U.F.1991, P.912
[4] راجع مؤلفنا الرقابة الدستورية على المعاهدات الدولية- منشأة المعارف – طبعة 2021.
"تدوينات" ذات صلة من منشورات قانونية: بين فيينا والسيادة وصعوبات التنفيذ.. كيف تطبق "الدستورية" اختصاصها الجديد؟