محامو الإدارات القانونية في مصر.. شواغل في ظل تشريعات متشابكة
تمثل مهنة المحاماة مكونا رئيسيا من الجماعة القانونية، في أي نظام قانوني وقضائي. وتتعدد أنماط ممارسة المحاماة وتتمايز وفقا للجهات والأطراف الممارسة لصالحها -ضمن معايير أخرى فنية وموضوعية للتمايز- بين نمط المحاماة الحر، ونمط المحاماة الممارسة تحت مظلة الدولة، والتي يُمثل محامو الإدارات القانونية شريحة هامة منه.
ويُعرف محامو الإدارة القانونية باعتبارهم المحامين الممثلين لكل جهة من جهات الدولة بشخصياتها الاعتبارية الخاصة والعامة، أي أنه المحامي الممثل للجهات الحكومية من الهيئات والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية وفقا لما ورد بنص القانون رقم 47 لسنة 1973، والذي انصب على تنظيم أوضاع محامي الإدارات القانونية للجهات المسماة سابقا، ومحامي شركات قطاع الأعمال العام.
وضع قانون 47 لسنة 1973 الخطوط العامة والرئيسية لتحديد طبيعة المهام والأعمال التي يقوم عليها محامي الإدارة القانونية، باختلاف جهات العمل، وهي جميع الأعمال القانونية الخاصة بجهة عمله سواء التي تبادر بها الجهة أو التي تُخاطب بها من أطراف أخرى.
وهي ذات المهام التي يقوم بها المحامي العادي من إعداد الدعاوي ورفعها ومباشرتها أمام المحاكم، وإعداد مشروعات العقود ومراجعتها من الناحية القانونية وإعداد اللوائح الداخلية لجهات عملهم، إلى جانب القيام بمهام الإفتاء في المسائل التي تُعرض على محامي الإدارة القانونية من رؤساء مجلس إدارة جهة العمل، أو من الفصل في المسائل الخلافية التي تنشأ بين الوحدات القانونية الفرعية التابعة للمؤسسة/ الهيئة الأم.
وعين القانون الشروط الواجب توفرها في محامي الإدارة القانونية من حيث القيد بنقابة المحاميين وامتلاكه لسنوات خبرة محددة ليتمكن من شغل الدرجات الوظيفية المختلفة داخل الإدارة القانونية، باعتبار أن محامي الإدارة القانونية هو محام في المقام الأول. مع الاحتكام لقانون المحاماة في بيان المدد المشترطة للتعيين في وظائف الإدارات القانونية.
ومازال القانون 47 لسنة 1973 قائما مع القرارات الوزارية الصادرة من وزارة العدل لوضع اللوائح الخاصة بتطبيقه باعتباره الأرضية الرئيسية المنظمة لعمل محامي الإدارات القانونية حتى اللحظة الراهنة، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الفنية لعمل المحامين والهيكل الوظيفي للإدارات والتعيينات وتنظيم علاقتهم بجهات عملهم المباشرة.
إلا أن عددا من التطورات التشريعية واللائحية استجدت بعد صدور القانون كان من شأنها خلق حالة من التخبط والضبابية حول أوضاع هذه الفئة من المحامين.
أبرز هذه التطورات كان إصدار قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 (الملغى حاليا بواسطة قانون الخدمة المدنية 81 لسنة 2016) الذي انصب بالأساس على العاملين بالخدمة العامة/الموظفين، وتنظيم أوضاعهم، حيث أكسب محامي الإدارة القانونية وضعا مزدوجا يتمثل في كونهم محاميا وموظفا عاما في الوقت ذاته.
هذه الازدواجية تترتب عليها إشكالية عند البحث عن مدى صلاحية أي من القانونين لتطبيقه على شئون محامي الإدارة القانونية، خاصة في مسائل التعيين والترقية، والتي يظهر فيها ثقل وطأة قانون العاملين المدنيين بالدولة، والذي استقرت الممارسة العملية على كونه المرجع الذي يتم الإحالة له فيما لم يرد به نص في قانون محامي الإدارات القانونية، إلى جانب كونه الأساس الذي عُين وفقا له الكثير من المحامين في الإدارات القانونية بالجهات المختلفة.
يخضع محامو الإدارة القانونية لشبكة معقدة من الأدوات الرقابية وخطوط التبعية بداية من خضوعهم لمجالس إدارة جهات عملهم، والتي يعملون وكلاء قانونيين عنها في جميع المسائل القانونية التي تكون هذه الجهات طرفا فيها.
وبرغم نص القانون على استقلالية محامي الإدارة القانونية، فنيا وإداريا، في أداء مهام عملهم، إلا أن الواقع يكشف عن صورة مغايرة، حيث يختل التوازن في العلاقة بين المحامين ومجالس إدارة جهات عملهم، لصالح الأخيرة، بما تمتلكه هذه المجالس من صلاحيات منع أو منح العلاوات والترقيات، في الوقت الذي لا تُوجد فيه أي ضمانة لأن يجد المنتج النهائي أو الرأي الذي يقدمه محامي الإدارة القانونية طريقه للتطبيق والالتزام به من جانب جهة العمل.
تُضاف لجهات الرقابة على أعمال المحامين، إدارة التفتيش الفني بوزارة العدل، والتي فصل قرار وزير العدل رقم 731 لسنة 1977 بإصدار لائحة التفتيش الفني في بيان تشكيلها ومهامها. وتقوم إدارة التفتيش الفني على مراجعة ورقابة العمل الفني للمحامين وتوجيههم في العمل ونظر الشكاوى المقدمة من أعضاء الإدارات القانونية أو المقدمة ضدهم. إضافة إلى جهات أخرى تبسط سلطتها الرقابية المقررة دستوريا وقانونيا على العاملين بالسلطة التنفيذية.
كما تتعقد خريطة محامي الإدارات القانونية في مصر أيضا تبعا لاختلافات جهات عملهم، والقوانين المكملة لتنظيم عملهم إلى جانب قانون 47 لسنة 1973، وهي التعقيدات التي تنعكس على كيفية مواجهة هؤلاء المحامين للتحديات التي يواجهونها.
وبينما ينظم القانون 47 لسنة 1973 عمل محامي الإدارات القانونية بالهيئات والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية، يخضع محامو شركات قطاع الأعمال العام للقانون رقم 203 لسنة 1991 المنشئ لهذه الشركات، التي جاء إنشاؤها في إطار توجه الدولة للخصخصة ولم تكن متواجدة وقت إصدار قانون 47 لسنة 1973. كما يخضع محامو شركات قطاع الأعمال العام في الوقت ذاته لقانون العمل المصري.
وتعرض محامو شركات قطاع الأعمال إلى تحد جديد على إثر صدور التعديل الأخير بالقانون رقم 85 لسنة 2020 الذي كان في مسودته الأولى مخضعا المحامين للوائح العاملين بهذه الشركات، لينهي عمليا بذلك صفتهم "كمحامين". إلا أن النسخة النهائية للقانون انتهت لإشراك نقابة المحامين مع مجالس إدارة الشركات في وضع اللوائح المنظمة لعمل المحامين، في المادة 42 من القانون، على إثر مطالبات كل من اتحاد عمال مصر والاتحاد العام لمحامين الإدارات القانونية. ومازال المحامون في انتظار إصدار اللائحة التنفيذية للقانون لمعرفة مآلات التطبيق العملي لهذا الوضع.
واتصالا بتفاوت التنظيم القانوني لمحامي الإدارة القانونية، يأتي القرار الوزاري رقم 2102 لسنة 2005 الخاص بالبنك المركزي والذي أخرج بشكل نهائي محامي وأعضاء الإدارات القانونية بالبنوك العامة والبنك المركزي المصري من نطاق تطبيق قانون 47 لسنة 1973 ونص على أن تسري عليهم لوائح العاملين بهذه البنوك على أعضاء الإدارة القانونية.
قد يحمل تطبيق لوائح البنوك على محاميها قدرا من الضمانات الوظيفية قياسا بالقانون 47 لسنة 1973، إلا أنه إجمالا يطرح إشكاليات حول الاستقلالية الفنية، ويطرح تساؤلات حول منطقية استمرار احتفاظ المحامين وأعضاء الإدارات القانونية في تلك المؤسسات بصفتهم الأصلية كمحامين.
يمتد التفاوت بين محامي الإدارات القانونية لمسائل الأجور والتي تتفاوت تبعا لجهات العمل التي يعمل لها المحامي، ولطبيعة الموارد والمخصصات والعوائد ووفرتها لدى الجهات المختلفة وطبيعة نظام ارتباطها ماليا بالدولة، حتى لو تساوى المحامون في الدرجة الوظيفية والمؤهلات التعليمية والأقدمية. وتتعقد طبيعة عمل محامين الإدارات القانونية في ظل غياب الدعم اللوجستي اللازم لقيام المحامي بعمله، وفي ظل غياب الكوادر الكافية للقيام بالعمل والمهام المطلوبة داخل كل جهة، إلى غياب التوجيه والتدريب اللازمين لتمكين المحامي من القيام بعمله.
وعلى الرغم من محدودية التطورات التشريعية التي طالت ملف محامي الإدارات القانونية، منذ عام 1973، لكنها خلفت العديد من التساؤلات الفنية الدقيقة حول طبيعة ممارسة المحامي لمهامه، صدرت بشأنها فتاوى وأحكام من مجلس الدولة وكتب دورية من وزارة العدل، إلا أن توسعا أفقيا طرأ في السنوات القليلة الماضية على ممارسة مهنة محامي الإدارة القانونية، من خلال التوسع في السماح لجهات وأجهزة أخرى بمزاولة مهنة المحاماة، بخلاف الهيئات والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التي صدر القانون في المقام الأول لتنظيم عمل المحامين بها، بداية من جهاز التنسيق الحضاري لمحافظة القاهرة، وجهاز تنمية سيناء، والتمويل العقاري، وجهاز تنمية التجارة الداخلية، وجهاز حماية المستهلك، والمجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي.
وبقدر التفاوت بالصور المذكورة تتنوع تصورات محامي الإدارات القانونية حول التعديلات المتوقعة والمطلوبة لتحسين أوضاع عملهم وضمانات إنجازه بشكل كفء إلى جانب جملة المطالب المتعلقة بتحسين الأووضاع الوظيفية والاجتماعية بما يكفل لهم التفرغ اللازم لمهام العمل الجسيمة التي يفرضها موقعهم القانوني في جهات عملهم، وهم الملزمون بأدائها بدون ضمانات مالية كافية.
وربما تكون خطوة على الطريق الصحيح المبادرة بمحاولة جادة للتوفيق بين الأطر التشريعية المتعددة وحل التعارض فيما بينها، وبخاصة مع إلغاء قانون العاملين المدنيين للدولة رقم 47 لسنة 1978 والذي حل محله إصدار قانون الخدمة المدنية رقم 85 لسنة 2016، لا سيما مع ارتباط أهداف تحسين أوضاع تلك الفئة الوظيفية بغاية أبعد، وهي ضمان كفاءة وفعالية السياسة العامة للدولة، خاصة في ملفات مكافحة الفساد والإدارة الرشيدة للموارد المالية للدولة.
هوامش
* هذه التدوينة من المخرجات البحثية لورشة عمل أقامتها وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، بتاريخ 27 ديسمبر 2020 حول أوضاع محامي الإدارات القانونية.
** يمكنكم الاطلاع على المزيد من المواد القانونية والقضائية الخاصة بعمل محامي الإدارات القانونية، على موقع "منشورات قانونية" ومنها:
*** نسخة من قانون قطاع الأعمال العام، كاملة ومحدثة وفقا لأحدث التعديلات حتى القانون 185 لسنة 2020 هنــــا