رقمنة منظومة التقاضي وعقد الجلسات عن بعد: توصيات للتطوير ومراعاة الضمانات الدستورية

الاثنين 10 يناير 2022

* تقرير بالتوصيات الصادرة عن مائدة مستديرة عقدتها وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في ديسمبر 2021

شهدت مصر في الآونة الأخيرة خطوات على أصعدة مختلفة في سبيل تطوير منظومة التقاضي وتيسيره على المتقاضين، وبالأخص التحول الرقمي لهذه المنظومة، باعتبار أن رقمنة إجراءات ومخرجات التقاضي بشكل عام من العوامل الأساسية لاستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030 وكذلك دخلت ضمن الأهداف المنصوص عليها في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي في سبتمبر الماضي.

وبين الحين والآخر تكشف وزارة العدل عن مشروعات جديدة في هذا المجال بالتعاون الفني والتقني مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وبالتعاون القضائي والإداري مع الجهات والهيئات القضائية المختلفة، كما تم تدشين مشروعات رقمنة أخرى صغيرة خلال السنوات الثلاث الماضية بين بعض الجهات والهيئات القضائية وبين وزارة الاتصالات، ومن المرجو أن تتكامل جميع هذه المشروعات في منظومة تقاض واحدة مرقمنة تضمن العدالة الناجزة ودقة العمل والأداء.

ففي ديسمبر الماضي أعلنت وزارة العدل إطلاق منصة التقاضي الإلكتروني للمحاكم الاقتصادية بالتعاون مع شركتي "مايكروسوفت مصر" و"لينك ديفيلوبمنت" وذكر وزير العدل عمر مروان خلال احتفالية الإطلاق أن المشروع نواة لتعميم إجراءات التقاضي عن بعد، حيث يمكّن المشروع المحامين من إيداع صحيفة الدعوى عن بعد وسداد رسومها ومصاريفها باستخدام بطاقات الائتمان أو أي وسيلة دفع أخرى وتوقيع الصحيفة بالتوقيع الإلكتروني، وذلك بعد التسجيل المسبق في السجل الإلكتروني للمحاكم الاقتصادية، والمُنشأ منذ عام 2019 بعد صدور تعديلات قانون المحاكم الاقتصادية بالقانون رقم 146 لسنة 2019.

وفي أكتوبر 2020 دشنت وزارة العدل مشروعا لنظر جلسات تجديد الحبس عن بعد، بآلية "الفيديوكونفرانس" والتي تمكن القاضي ومعه المحامي من مشاهدة المتهم في محبسه عن بعد ومباشرة إجراءات تجديد الحبس بدون نقله من مقر محبسه، وأعلنت الوزارة في مارس 2021 أن هذا المشروع سيتم تعميمه في جميع المحافظات تباعا بعد البدء به في عدد محدود من المحاكم في القاهرة والإسكندرية ببعض السجون العمومية والمركزية، وأنه سيكون نواة لمشروع أوسع لعقد جلسات القضايا الجنائية عن بعد.

كما أطلقت وزارة العدل في أكتوبر 2020 خدمة إقامة الدعاوى المدنية عن بعد في 6 محاكم ابتدائية على مستوى الجمهورية، بحيث تتم إجراءات رفع الدعوى ودفع الرسوم وتحديد الجلسات والإخطار بالمواعيد عن بعد.

ونظرا لأهمية هذه الخطوات، التي تشكل طريقا يبدو حتميا إلى التحول الرقمي الكامل عاجلا أم آجلا، عقدت وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة مائدة مستديرة في الأسبوع الأول من ديسمبر 2021 بحضور مجموعة من المحامين والباحثين القانونيين، بهدف تقييم تلك التجارب، وتحديدا الحبس عن بعد وإقامة الدعاوى المدنية والاقتصادية رقميا، ومناقشة مدى الحاجة لإصدار تشريع أو مدونة لتحديد معايير وشروط وضمانات التقاضي عن بعد، وجمع التوصيات والمقترحات العملية لتحسين أداء النظام الجديد والإعانة على أداء وظيفته على أكمل وجه.

كما ناقش الحضور بعض التجارب القائمة في دول عربية وأوروبية، لا سيما في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد، واستعرضوا عددا من المبادئ القضائية الخاصة بالتقاضي عن بعد في المجال الجنائي، والصادرة حديثا من المحاكم العليا في فرنسا وألمانيا، والتي تؤكد على أحقية الدولة والجهات القضائية في التحول إلى المحاكمة عن بعد حفاظا على الصحة العامة، بشرط مراعاة الضمانات الدستورية للمتقاضين وتحديدا للمتهمين ووكلائهم من المحامين.

اتفق الحضور على أن رقمنة منظومة التقاضي بشكل عام ليست غاية، بل وسيلة لتحسين الأوضاع وتحقيق العدالة الناجزة وتخفيض النفقات غير المبررة، وأن هناك مشاكل بنيوية ومرفقية كبيرة في الواقع الرقمي المصري يكون حلها فقط من خلال توفير الاعتمادات المالية اللازمة لاستمرارية مشاريع الرقمنة المختلفة مع وضع الضمانات الدستورية على رأس الأولويات، وليس بمجرد سن قانون خاص أو إدخال تعديلات على قانون، من دون التأكد من صلاحيته للتطبيق.

كما نبه الحضور إلى أهمية أن تضع الدولة ملف رقمنة منظومة التقاضي على رأس أولوياتها بصورة أكثر جذرية من الاضرار إلى هذا الأمر لمواجهة بعض المشاكل العملية التي فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد، وركز الحضور في هذه النقطة على الإسراع في عقد جلسات تجديد الحبس عن بعد لتخفيض التكاليف والأعباء الأمنية ومنع تفشي المرض داخل السجون بالحد من احتكاك السجناء بالعالم الخارجي، لكن هذا الإسراع أدى إلى ظهور مشكلات عدة في التطبيق رصدها معظم الحضور من خلال تجاربهم العملية منها:

  1. صعوبة تعامل القضاة وسكرتارية المحكمة مع المنصة الخاصة التي يظهر من خلالها المتهم في محبسه.
  2. عدم سماع المتهم لما يجري في مكان انعقاد الجلسة، والعكس أحيانا.
  3. عدم ظهور المتهم بشكل واضح وثابت ورائق يسمح للقاضي بمراقبته عن كثب والاستماع إليه.
  4. عدم قدرة المحامي على التواصل مع المتهم بشكل خاص ومؤمّن.
  5. عدم قدرة المتهم على متابعة عمل المحامي وتمثيله إياه بأمانة وبما يعبر عن مصالحه.
  6. عدم وضوح ظروف المتهم ومن بصحبته في مكان عرضه داخل محبسه.
  7. عدم السماح بوجود محام آخر بصحبة المتهم.
  8. تعذر سير الجلسات بانسيابية ويسر بسبب ضعف الشبكات.

وبالنسبة لتجارب رقمنة الإجراءات في المحاكم الاقتصادية وبعض المحاكم المدنية، أوضح الحضور ترحيبهم بهذا التحول الذي أثمر عددا من المستجدات الإيجابية مثل سرعة إتمام الإجراءات وسهولة الاطلاع على أوراق ومجريات الدعوى والإخطار بالمواعيد عبر الرسايل النصية القصيرة والبريد الإلكتروني، مع وجود سلبيات منها:

  1. الحاجة إلى الحضور الشخصي لإتمام بعض الإجراءات.
  2. الإلزام بسداد مصروفات بسيطة بواسطة بطاقات الدفع الإلكتروني عند الحضور وليس عن بعد.
  3. وجود أعطال في ماكينات الدفع أحيانا بسبب ضعف الشبكات.
  4. وجود أعطال في الخوادم (السيرفر) ببعض الجهات بشكل دائم.
  5. وجود إشكاليات في استيعاب الأدلة الرقمية والتعامل معها حتى في المحاكم الاقتصادية المختصة بنظر أنواع القضايا المرتكزة على تلك الأدلة.
  6. عدم انعكاس الرقمنة بالإيجاب على ازدحام الجلسات بالدعاوى.
  7. اقتصار الخدمات الرقمية على الاطلاع على موقف الدعوى فقط في محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا.
  8. استمرار وجود صعوبة في الحصول على الأحكام من جميع الجهات القضائية بعد صدورها رغم رقمنتها.

وعرض الحضور عددا من التوصيات والمقترحات لمراعاتها والأخذ بها عند التخطيط بصورة أوسع لرقمنة منظومة التقاضي وقبل اتخاذ المزيد من الخطوات التنفيذية:

توصيات عامة:

  1. التدرج في تطبيق المنظومة لتكون البداية بالقضايا ذات الطابع الاقتصادي والمدني والإداري والدستوري، وعدم التسرع في عقد جلسات المحاكمات الجنائية عن بعد.
  2. بدء إعداد مشروع قانون لتنظيم التقاضي عن بعد بالتوازي مع هذه التجارب، بحيث يعبر القانون عن الوضع المنشود بجميع جوانبه، وضمان جدية الدولة في تنفيذه، وليس إعداده لتقنين إجراءات استثنائية أو مؤقتة أو تواجه صعوبات بالشكل الحالي.
  3. ضرورة إشراك المحامين في إعداد مشروع القانون أو أي مدونة تنظيمية.
  4. عدم إصدار القانون قبل إجراء حوار مجتمعي شامل.
  5. مراعاة خصوصية المرافعة الشفاهية في جميع المنازعات التي تتطلب ذلك.
  6. مراعاة خصوصية القضاء الجنائي وأهمية ملاحظة القاضي للغة جسد المتهم وسماع نبرة صوته.
  7. التزام الدولة بتوفير بنية تحتية قوية في المجال الرقمي لتكون مقترحات التطوير قابلة للتنفيذ دون إبطاء أو استثناء.
  8. ضمان تكامل الخدمات بين الأجهزة القضائية المختلفة التي تعمل في نفس القضية، وتوفير إمكانية لأطراف الدعوى والمحامين لمتابعة جميع إجراءات الدعوى من بوابة موحدة.
  9. التزام الدولة بالتدريب والتأهيل لجميع أطراف العمل القضائي، من قضاة وأعضاء هيئات قضائية ومحامين وموظفين وخبراء، وذلك بما لا يرتب أعباء مالية على كاهل هؤلاء.
  10. إنشاء منصة رقمية مفتوحة ومستدامة لكل جهة أو هيئة قضائية لتمكين المتقاضين من متابعة دعاواهم.
  11. تولي وزارة العدل مسئولية التوعية العامة بأنظمة التقاضي الجديدة وذلك من خلال القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بوسائل مكتوبة ومرئية وتفاعلية.
  12. الإسراع في إصدار اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات رقم 151 لسنة 2020 لتفعيل نصوصه.
  13. التأكيد على حق المواطنين في متابعة جلسات المحاكم كافة من خلال التغطية الإعلامية لها بدون الإخلال بمعايير السرية والخصوصية وحماية البيانات في الحالات التي تستوجب ذلك.

توصيات بشأن التقاضي عن بعد في مختلف الجهات:

  1. بالنسبة للقضايا الجنائية بجميع أنواعها: عقد جميع الجلسات التحضيرية الإجرائية عن بعد، واستثناء جلسات المرافعة ومناقشة الشهود ومناقشة المتهمين (رحب بذلك معظم الحضور وتحفظت الأقلية باعتبار أن جميع الجلسات يجب أن تكون حضورية وليست عن بعد).
  2. بالنسبة للقضايا الإدارية والمدنية والدستورية: عقد جميع الجلسات عن بعد عدا ما يتطلب المرافعة الشفاهية (رحب بذلك معظم الحضور وتحفظت الأقلية باعتبار أن جميع الجلسات يجب أن تكون حضورية وليست عن بعد).
  3. بالنسبة لرفع الدعاوى في جميع الجهات القضائية: اتخاذ إجراءات عاجلة لتمكين المحامين من رفع الدعاوى والتوثيق والإعلان بصورة رقمية وعن بعد، وسرعة تعميم التعامل بالتوقيع الإلكتروني في جميع الجهات، وتنظيم وسيلة رقمية مضمونة للإعلان بالصيغة التنفيذية للحكم وبدء إجراءات تنفيذها.
  4. بالنسبة للرسوم: اتخاذ إجراءات عاجلة لتمكين المحامين من سداد جميع المصروفات عن بعد.
  5. بالنسبة لعمل الخبراء: عقد جميع الجلسات عن بعد عدا المعاينة وما يستلزم الحضور الشخصي.

توصيات بشأن الجلسات الجنائية:

  1. التأكد من توافر ضمانات المحاكمة العادلة كافة، وبالأخص حق الدفاع، وحق المحامي بالانفراد بموكله، ومناقشته، وإطلاعه على مستجدات القضية، وتبادل المعلومات.، وتمتع المتهم والمحامي بالخصوصية، وذلك في جميع مراحل الدعوى/المحاكمة.
  2. التمسك بجميع المبادئ الدستورية ومبادئ التقاضي المقررة في قضاء المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض.
  3. ضمان علانية الجلسة سواء كانت خاصة بتجديد الحبس أو بالمحاكمة، بحيث يتمكن أي شخص من الاطلاع على مجريات الجلسة.
  4. إنشاء منصة رقمية دائمة لتمكين العامة وبالأخص ذوي الشأن من متابعة الجلسات.
  5. العمل على تأمين الأنظمة الإلكترونية الجديدة وتوفير جميع عناصر الأمان الرقمي والخصوصية.
  6. إصدار وثيقة مكتوبة في صورة قرار من مجلس القضاء الأعلى أو كتاب دوري من النيابة العامة لتنظيم إجراءات جلسات تجديد الحبس عن بعد، والمحاكمات عن بعد حال البدء فيها.
  7. تنظيم إجراءات التصحيح المحو وغيرها مما تستلزمه طبيعة جلسات التحقيق والمحاكمة.
  8. تنظيم جرائم الجلسات وإعلانها.
  9. تبصير المواطنين المتقاضين بالإجراءات الجديدة.
  10. إقرار حق المتهم في رفض جلسة تجديد الحبس أو المحاكمة عن بعد وطلب الحضور الشخصي.
  11. تخصيص فترة انتقالية يمكن خلالها للقضاة والمتقاضين التخير ما بين عقد الجلسات عن بعد أو حضوريا.
  12. المجانية المطلقة للإجراءات بحيث لا تمثل الإجراءات الجديدة أي تكلفة إضافية على المواطنين,

     

المحامون المشاركون في المائدة المستديرة (بالترتيب الأبجدي)

 ا. أحمـد حـسام - ا. أحـمـد راغــب – ا. حسـن الأزهـري – ا. عزيـزة الطويـل – ا. عمرو عبــدالعظـيم
          ا. كــــريم محمــود – ا. محمد عبــدالرحــيم – ا. ممــــــدوح الشـــايــــب

حضر من باحثي وحدة أبحاث القانون والمجتمع: مصطفى شعت – محمد نابليون

إدارة النقاش: محمد بصل