أثر القضاء بعدم دستورية نص جنائي على الأحكام القضائية الباتة
* الكاتب: المستشار الدكتور طارق محمد عبدالقادر - الرئيس بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا
** تنشر "منشورات قانونية" هذه الورقة بإذن خاص من الكاتب
تمهيد:
وسد دستور جمهورية مصر العربية الصادر في 11 سبتمبر عام 1971 للمحكمة الدستورية العليا- وحدها دون غيرها- سلطة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، على النحو الوارد بنص المادة (175) منه، والمقابلة لنص المادة (192) من الدستور الحالي، وقد عهد الدستور للقانون بتنظيم ما يترتب على الحكم بعدم الدستورية من آثار، ونفاذاً لذلك، صدر قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، ونص فى المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979- قبل تعديلها بالقانون رقم 168 لسنة 1998- على "أن أحكام المحكمة الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة.
وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها فى الفقرة السابقة في الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ صدورها.
ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم.
فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائى تعتبر الأحكام التى صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن، ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه".
مشكل التفسير:
أوحت صياغة هذا النص، بأن المشرع قصد أن يكون للحكم الصادر بعدم الدستورية أثر مباشر، حينما نص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم فى الجريدة الرسمية، وهو ما يعنى بقاء النص نافذ المفعول من تاريخ صدوره، وحتى اليوم التالى للنشر فى الجريدة الرسمية رغم عدم دستوريته، أى سريان الأحكام بأثر فورى وحال لا بأثر رجعى، وهو ما يعنى أن الحكم فى هذه الحالة، يعد منشئاً لا كاشفاً لحالة عدم الدستورية.
رجعية أثر الحكم:
غير أنه بالرجوع إلى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون، يتضح أنها قد قررت أن المقصود بعدم تطبيق النص، لا يقتصر على المستقبل فحسب، وإنما يمتد كذلك إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية- أى أن الأصل هو سريان الحكم بأثر رجعى- وأنه يستثنى من هذا الأثر الرجعى الحقوق والمراكز، التى تكون قد استقرت عند صدوره، بحكم حاز قوة الأمر المقضى، أو بانقضاء مدة التقادم. وقد استقرت أحكام المحكمة الدستورية العليا على ذلك فى أحكامها([1])، فذهبت إلى أن "ما يوقف الأثر الرجعى للأحكام الصادرة بعدم دستورية نص تشريعى، صدور حكم قضائى بات، أو انقضاء مدة تقادم، تقررت بموجب حكم بات، استقرت به المراكز القانونية التى ترتبط بالحقوق محل المطالبة القضائية، قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا"([2]).
أثر تعديل الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا:
جاءت المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، لتؤكد على أن الإطلاق فى تطبيق قاعدة الأثر الرجعى لأحكام المحكمة فى غير المسائل الجنائية، قد أدى إلى صعوبات متعددة فى مجال التطبيق، وعلاجاً لذلك، رؤى تعديل حكم الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون المحكمة، بما يكفل تحقيق عدة أغراض، منها تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر غير رجعى لحكمها على ضوء الظروف الخاصة التى تتصل ببعض الدعاوى الدستورية التى تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها، وقدر الخطورة التى تلازمها، وهو ما يعنى اعتراف المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون المشار إليه بتعديل المادة (49) من قانون المحكمة، بأن الأثر الرجعى للحكم بعدم الدستورية هو القاعدة التى تحكم النطاق الزمنى لتنفيذ الحكم الصادر بعدم الدستورية فى المواد غير الضريبية.
على أن الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا- التى لم يمسها هذا التعديل- أكدت على الرجعية الكاملة بالنسبة للأحكام الصادرة بعدم دستورية النصوص الجنائية، وبينت هذه الفقرة الأثر المترتب على القضاء بعدم دستورية نص جنائى، فذهبت إلى إهدار حجية الأحكام الصادرة بالإدانة، واعتبارها كأن لم تكن، حتى ولو كانت باتة، على نحو ما ذهبت إليه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا.
ومعنى "كأن لم تكن" يعنى سقوطها بكل آثارها، ولو صار الطعن عليها ممتنعاً لتفارقها قوة الأمر المقضى التى قارنتها، وهى رجعية كاملة أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية، وهى رجعية لا قيد عليها ولا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفاً لكل عائق على خلافها، ولو كان حكماً باتاً([3]).
أثر الرجعية على الحكم الصادر بالإدانة:
ولابد أن يكون الحكم الجنائى صادراً بالإدانة، يستوى في ذلك أن يكون صادراً بعقوبة مقيدة للحرية أو سالبة لها أو بعقوبة مالية سواء كانت غرامة أو تعويضات أو رد مبالغ، ولابد أن يكون الحكم الجنائى قد صدر- أيضاً- مستنداً إلى النص القانوني المقضى بعدم دستوريته، وسواء صدر مستنداً إلى هذا النص وحده أو إلى مجموعة من النصوص الأخرى من بينها النص غير الدستورى، فإن الحكم الصادر بعدم الدستورية يمتد إليه([4]).
أما في حالة الأحكام الصادرة بالبراءة، استناداً إلى النص المقضى بعدم دستوريته، فقد سكت المشرع عن معالجة تلك الحالة بنص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، وهو ما يعنى إخضاعها للقواعد العامة فى هذا الشأن، التى تقضى بسريان الحكم بأثر رجعى، إلا إذا حاز هذا الحكم قوة الأمر المقضى، باستنفاد جميع طرق الطعن المقررة، أى أن الحكم في هذه الحالة يسرى عليه ما يسرى على الأحكام الأخرى الصادرة في غير المجال الجنائى، وذلك بمراعاة عدم مساس الرجعية بقاعدة القانون الأصلح فى المجال الجنائى، إذ يتعين حينئذ إعمال الأثر المباشر، لا الرجعى فى هذه الحالة، للأحكام الصادرة بعدم دستورية نص جنائى أصلح للمتهم([5]).
علة رجعية الأثر فى المجال الجنائى:
ونشير فى هذا الصدد، إلى أن الأثر الرجعى الوارد بالفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، يطبق بصفة مطلقة، حتى ولو كانت الأحكام الصادرة بالإدانة أحكاماً باتة، وفى هذا انحياز كامل للشرعية والحرية الشخصية، ذلك أن الأحكام الجنائية، تمس بطريق مباشر الحرية الشخصية للمواطن، وهى أعز ما يحرص عليه، فإذا اتضح أن النص الذى طبق عليه، كان غير دستورى، فالعدالة تقتضى أن نغلب جانب الحرية على جانب حجية الأحكام الجنائية، وفى هذا إعمال كامل لمبدأ الشرعية، ذلك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يقف حائلاً دون تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته، تطبيقاً لقاعدة أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وأن المشرع قد رأى فى هذه الحالة، تغليب اعتبارات الشرعية على اعتبارات حجية الأحكام([6]).
ولا يقلل من هذا النظر، ما قيل من أن الفقرة الرابعة من المادة (49) من هذا القانون، قد نصت على رجعية الحكم بعدم الدستورية فى المواد الجنائية، مما لم يكن هناك محل له لو كان المبدأ العام، هو رجعية الحكم بعدم الدستورية. فهذا القول غير سديد، لأن ما ورد فى الفقرة الرابعة المذكورة، يقضى بأن تعتبر الأحكام التى صدرت بالإدانة استناداً إلى النص الجنائى المحكوم بعدم دستوريته كأن لم تكن. فهو نص خاص بسقوط الأحكام القضائية الصادرة بالإدانة بقوة القانون بناءً على نص قانونى حكم بعدم دستوريته. فالمحكمة تحاكم النصوص التشريعية فى القوانين واللوائح ولا تحاكم الأعمال التى صدرت ترتيباً على هذه النصوص عندما يحكم بعدم دستوريتها. وتقرير عدم دستورية النص الجنائى، لا يؤدى وحده طبقاً للقواعد العامة إلى بطلان الحكم الصادر بالإدانة بناءً عليه، إلا من خلال إجراءات الطعن المنصوص عليها فى القانون، ما لم يكن هذا الحكم قد حاز قوة الأمر المقضى. لهذا جاءت الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا لعلة خاصة، هى سقوط الأحكام التى صدرت بالإدانة استناداً إلى النص الجنائى المحكوم بعدم دستوريته بقوة القانون، أى اعتبارها كأن لم تكن، ونصت على أن يقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه.
مبدأ الشرعية وأثره:
لا شك أن سقوط الأحكام الجنائية الصادرة بالإدانة، التى حازت قوة الأمر المقضى بقوة القانون، بناءً على الحكم بعدم دستورية نص جنائى، جاء تطبيقاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، باعتبار أن هذا النص، هو سند شرعية الحكم ذاته. ويترتب على سقوطه سقوط سند تنفيذه أيضاً. كما يعتبر هذا السقوط تطبيقاً لأصل البراءة للمتهم، فى مقام التوازن بينه وبين اعتبارات النظام العام، التى تقف وراء احترام قوة وحجية الأمر المقضى([7]).
ويستهدف هذا المقال، إلقاء الضوء على التطبيقات القضائية، الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، بشأن إعمال مقتضى نص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، حيال الأحكام الجنائية الباتة، وهى مسألة لم تنل عناية الفقه الجنائى، وإن كانت قد حظيت باهتمام المحكمة الدستورية العليا بمصر، والتى أرست العديد من المبادئ الهامة في هذا الشأن.
أثر الرجعية على أحكام الإدانة غير الباتة:
نشير –ابتداء- إلى أن اعتبار الحكم الصادر بالادانة كأن لم يكن لا يثير صعوبة،- من الناحية العملية- إذا كان الحكم أو الأحكام الجنائية غير باتة، إذ يجوز الطعن فيها من ذوى الشأن ومن النيابة العامة، وبالتالى إلغاؤها واعتبارها كأن لم تكن.
وقد استقرت تطبيقات محكمة النقض، على ذلك، فذهبت إلى "أن إعمال أثر الأحكام الصادرة بعدم دستورية نص جنائى، والذى قضى باعتبار الحكم الصادر بالإدانة كأن لم يكن، لا يتم بمعزل عن إعمال قاعدة القانون الأصح للمتهم، عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات، والتى نصت على أنه "إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح فهو الذى يتبع دون غيره"([8]).
وقد أيدت المحكمة الدستورية العليا هذا الفهم فى أحكامها، فأشترطت لإعمال قاعدة القانون الأصلح للمتهم فى المجال الجنائى، "أن يصدر هذا القانون قبل الحكم على المتهم بحكم نهائى، لا يقبل طعنًا بالمعارضة أو الاستئناف أو النقض، يستوى فى ذلك أن يكون الحكم، قد صدر غير قابل للطعن فيه، أو أن يكون قد صار كذلك لانقضاء مواعيد الطعن فيه، أو لاستنفاد طرق الطعن المذكورة، فإذا كان الحكم قابلاً للطعن وقت صدور القانون الجديد الأصلح، للمتهم فهذا القانون هو القانون الواجب التطبيق، سواء صدر القانون الجديد أثناء ميعاد الطعن، أو صدر خلال المدة التى تكون فيها الدعوى مطروحة على محكمة الطعن"([9]).
أثر الرجعية على أحكام الإدانة الباتة:
لكن الصعوبة تثور إذا كان الحكم الجنائى أصبح باتا([10])، أو بدأ المتهم فى تنفيذ العقوبة، فهل يعتبر كأن لم يكن من تلقاء نفسه، أم تلزم إعادة المحاكمة والحكم باعتباره كأن لم يكن؟
فطبقاً للقواعد العامة فى قانون العقوبات، إذا انقضت الدعوى الجنائية بحكم بات، حاز قوة الأمر المقضى وأصبح عنواناً للحقيقة، لا تقبل المجادلة وعنواناً للصحة التى لا تقبل المناقشة. فإن المشرع لم يجز فى جميع الأحوال، تطبيق القانون الأصلح الذى يصدر بعد هذا الحكم، بل اشترط لذلك، أن نكون حيال وضع تأباه العدالة بصورة حاسمة، كما إذا أتى القانون الجديد بسبب يؤدى إلى إسقاط وصف التجريم عن الفعل، إما لتوافر أحد أسباب الإباحة، أو لعدم توافر أحد ركنى الجريمة (المادى والمعنوى)، أو لقيام مانع من موانع العقاب. إذ رأى المشرع فى هذه الحالة، ضرورة التوفيق بين اعتبار العدالة واعتبار احترام قوة الأمر المقضى. فنص على أنه إذا صدر قانون بعد حكم "نهائى" يجعل الفعل الذى حكم على المجرم بسببه غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهى آثاره الجنائية (الفقرة الثالثة من المادة (5) عقوبات)([11]). والأمر كذلك فى شأن القضاء بعدم دستورية نص جنائي، إذ أورد المشرع بنص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، نص خاص، يقضى باعتبار الأحكام الصادرة بالإدانة - في تلك الحالة – كأن لم تكن، وهو ما يعنى - على ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – سقوطها بكل آثارها، ولو صار الطعن عليها ممتنعاً لتفارقها قوة الأمر المقضى التى قارنتها، وهي رجعية كاملة أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية، وهي رجعية لا قيد عليها ولا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفاً لكل عائق على خلافها، ولو كان حكماً باتاً([12]).
وقد اختلفت الإتجاهات الفقهية، فى شأن إعمال الأثر المترتب على عدم دستورية نص جنائى، على الأحكام الجنائية الباتة، التي صدرت قبل القضاء بعدم دستورية ذلك النص.
أحكام الإدانة الباتة لا تعتبر كأن لم تكن:
إذ ذهب اتجاه فقهى([13]) إلى، أن الأحكام الجنائية الصادرة بالإدانة- فى حالة الحكم البات، لا تعتبر كأن لم تكن، بطريقة آلية أو تلقائية، وإنما يتم ذلك عن طريق التماس إعادة النظر، وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية([14])، لأن إعادة المحاكمة، هى التى تسمح ببيان ما إذا كانت الإدانة، قد استندت فقط إلى النص المحكوم بعدم دستوريته أم لا، ويقدم طلب التماس إعادة النظر من النائب العام، فور إبلاغ رئيس هيئة المفوضين له بالحكم، كما يمكن لذوى الشأن، أن يتقدموا بطلبات لإعتبار الحكم الصادر بالعقوبة كأن لم يكن.
وذوى الشأن، تشمل المحكوم عليه أو أى من أقاربه، ولا يلزم أن يكون هذا القريب ممن يرثون المحكوم عليه، ويقدم الطلب إلى محكمة النقض، بالكيفية والطريقة المنصوص عليها فى قانون الإجراءات الجنائية.
ويرى أنصار هذا الإتجاه، أن محكمة النقض، هي التي تفصل فى هذا الطلب، فإن قبلته، حكمت فى موضوعه بإعتبار الحكم- محل الإلتماس- كأن لم يكن، طبقاً لنص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، ولا تقضى بالبراءة أو بأى شىء آخر. أما إذا رأت المحكمة أن الحكم الجنائى، لا يستند فى أساسه إلى النص المقضى بعدم دستوريته، فإنها تقضى بعدم قبول الطلب أو بالرفض حسب الأحوال، ويترتب على قبول الإلتماس، زوال الحكم الصادر بالإدانة بأثر رجعى، واعتبار أن المتهم وكأنه لم يحاكم أصلاً، إذ تزول كل الآثار المتعلقة بالحكم الصادر ضده بأثر رجعى، ويوقف على الفور تنفيذ العقوبات التى ابتدأ تنفيذها، فإذا كانت حرية المحكوم عليه قد سلبت، تنفيذاً لحكم الإدانة أفرج عنه على الفور. وإذا أمكن الرجوع فى التنفيذ الذى تم تعيين ذلك، وإذا لم تكن العقوبات قد نفذت بعد، فلا يجوز البدء فى تنفيذها.
وقد توافق هذا الفهم، مع ما قررته العديد من الأنظمة المقارنة، فى مجال القضاء بعدم دستورية النصوص الجنائية، مثل النظام الألمانى، فوفقاً لقانون المحكمة الدستورية الألمانية، فإن الأحكام الجنائية الحائزة لقوة الأمر المقضى، يمكن أن تكون محلاً لإعادة النظر، إذا صدرت استناداً إلى نص قضى بإلغائه، فالقاعدة أن الإلغاء يتم بأثر رجعى بالنسبة للأحكام الصادرة بالإدانة، غير أن تقرير الأثر الرجعى، يبدو فى هذا المجال وكأنه نظام خاص، لأن الرجعية هنا لا تتم تلقائياً، فأحكام الإدانة، وفقاً للقانون المحكوم بإلغائه، لا تعتبر باطلة من تلقاء نفسها، كما لا تبدأ إجراءات إعادة النظر بقوة القانون، وإنما يقتصر الإلغاء على أن يفتح الباب أمام المحكوم عليه، كى يقوم بتحريك الإجراءات، وفقاً للشروط التى يحددها القانون الجنائى([15]).
أحكام الإدانة الباتة وفكرة القانون الأصلح للمتهم:
فى حين ذهب اتجاه آخر، إلى أن الأحكام الجنائية الباتة الصادرة بالإدانة، يتعين حيالها، إعمال مقتضى فكرة القانون الأصلح للمتهم، المنصوص عليها، بالفقرة الثالثة من المادة (5) من قانون العقوبات، التى يجرى نصها على أنه "... وإذا صدر قانون بعد حكم نهائى يجعل الفعل الذى حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية.....". وقد أيدت النيابة العامة هذا الإتجاه، فى شأن العديد من الكتب الدورية، التى أصدرتها على أثر القضاء بعدم دستورية نصوص جنائية، وخلصت فيها، إلى تطبيق نص الفقرة الثالثة من المادة (5) من قانون العقوبات حيال الأحكام الجنائية الباتة، الصادرة بالإدانة، من خلال وقف تنفيذ العقوبة، تغليباً لإعتبارات الواقع العملى التي تملى عليها سرعة التصرف في إعمال الأثر المترتب على عدم دستورية النصوص الجنائية، عملاً بنص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا([16]).
ونشير في ذلك، إلى أن الإتجاه الذى تعتنقه النيابة العامة، في شأن وقف تنفيذ العقوبة، على النحو السالف بيانه، يتشابه مع ما قررته المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا الإيطالية، التي نصت على أنه "يترتب على صدور الحكم بعدم الدستورية وقف تنفيذ الأحكام الجنائية النهائية الصادرة بالعقوبة استناداً إلى القانون الذى تقرر عدم دستوريته، مع ما يترتب عليها من آثار جنائية"([17]).
اعتبار أحكام الإدانة الباتة كأن لم تكن:
وذهب اتجاه ثالث، إلى القول بأن إعمال مقتضى نص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، فيما قرره من اعتبار الأحكام الصادرة بالإدانة كأن لم تكن ولو كانت باتة، يصلح بذاته للتطبيق، دون حاجة إلى تدخل قضائى، لإعتبار الحكم الصادر بالإدانة كأن لم يكن، إذ أوجد هذا النص، تفسيراً وتطبيقاً جديداً إلى فكرة القانون الأصلح للمتهم، المنصوص عليها بنص المادة (5) من قانون العقوبات، ولكنه يختلف عنها من حيث الآثار. فإذا كانت فكرة القانون الأصلح للمتهم، فى الحالة الأخيرة، تتشابه مع نص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، في انعكاسها على الحكم الصادر بالإدانة في المجال الجنائى، فإن الآثار التي يرتبها كلا النصين تختلف عن الآخر، فطبقاً للفقرة الثالثة من المادة (5) من قانون العقوبات، فإن الحكم الصادر بإدانة المتهم يظل باقياً، غير أنه يفقد استمرار صلاحيته كسند تنفيذى. فإذا كان المحكوم عليه يقضى مدة عقوبة سالبة للحرية، وجب الإفراج عنه فوراً، وإذا كان الحكم صادراً عليه بالغرامة، فلا يجوز تحصيلها منه. وإذ قام بسدادها فلا يجوز له استردادها– وفقاً للرأى الراجح - بحسبان أن المشرع قد نص على إيقاف تنفيذ ذلك الحكم، وهو ما لا يكون إلا من تاريخ صدور القانون الأصلح. نظراً لأن القانون الجديد، لا يمس الحكم الصادر ضد المتهم، ولا قوته التنفيذية، ويقتصر أثره على ما لديه من قوة تنفيذية مستقبلة. وقد عبر المشرع صراحةً عن قصده فى عدم المساس بهذا الحكم، إذ نص على وقف تنفيذ الحكم، وهو ما يعنى عدم الإستمرار فى تنفيذ الحكم بالنسبة إلى المستقبل، لا إلغاء ما تم تنفيذه فى الماضى. أما إزالة الآثار الجنائية للحكم، فتنصرف إلى جميع النتائج القانونية التى يرتبها الحكم الجنائى، مثل اعتباره سابقة فى العود([18]).
والأمر على خلاف ذلك، في شأن إعمال الأثر المترتب على نص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، إذ جعل المشرع الأحكام الصادرة فى حالة الحكم بالإدانة كأن لم تكن، وهو ما يعنى – كما سبق القول- سقوطها بكل آثارها ولو صار الطعن فيها ممتنعا،ً لتفارقها قوة الأمر المقضى التي قارنتها، وهى رجعية كاملة أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية، وهى رجعية لا قيد عليها ولا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفاً لكل عائق على خلافها، ولو كان حكماً باتاً([19]).
ومن هذا المنطلق، أوجب المشرع على رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، تبليغ النائب العام، فور النطق بالحكم بعدم دستورية نص جنائى، لإجراء مقتضاه، فى حين أن الاستفادة من نص الفقرة الثالثة من المادة (5) من قانون العقوبات، لا تتحقق تلقائياً، بل يلزم المحكوم عليه تقديم إشكال لوقف تنفيذ الحكم. ومن جهة أخرى، فإن إعمال هذا الأثر في المجال الجنائى، لا يحده ما يسمى بالقوانين المؤقتة والتى تعد استثناءً على قاعدة رجعية القانون الأصلح للمتهم، كما أن الحكم الصادر بالتعويض الذى استند إليه حكم الإدانة، يزول هو الأخر بأثر رجعى، يستوى في ذلك ان تكون المحكمة الجنائية، هى التى قضت بالتعويض أو تكون المحكمة المدنية، هى التي قضت به استناداً إلى الحكم الجنائى، فإذا كان المشرع قد رتب اعتبار الحكم الجنائى كأن لم يكن، فمن ثم يتعين سريان هذا الأثر على كل حكم بالتعويض ولو صار باتاً.
ومما لا شك فيه، أن نص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا – ومذكرته الإيضاحية – واضح الدلالة فى حالة الحكم بعدم دستورية نص جنائى، من اعتبار الحكم الصادر بالإدانة كأن لم يكن. وهذا التفسير، هو ما يبرر وجود هذا النص. وإلا ما كانت هناك حاجة لوضعه، اكتفاءً بنصوص قانون العقوبات، المتعلقة بالقانون الأصلح للمتهم، وبصفة خاصة، ما ورد بالفقرة الثالثة من المادة (5) قانون العقوبات([20]).
دور المحكمة الدستورية العليا فى حل هذا الإشكال:
ونشير فى هذا الصدد، إلى ان المحكمة الدستورية العليا، - تتصدى وفقاً لإختصاصها الموسد لها بنص الدستور والقانون - لتلك الإشكليات، من خلال فصلها فى منازعات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكامها، وتستهدف من خلالها، إنهاء الآثار القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها، إذ تتدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة هذه العوائق التى يُفترض أن تكون قد حالت فعلاً، أو من شأنها أن تحول، دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً، وسبيلها في ذلك الأمر بالمضى في تنفيذ أحكامها، وعدم الاعتداد بذلك الحائل الذى عطل مجراه، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا - وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 - لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها فى مواجهة الكافة، دون تمييز، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هـــذه العوائق- ســـواء بطبيعتهـــا أو بالنظر إلى نتائجها- قد حالت فعلاً أو من شأنهــــــــــا أن تحول دون تنفيذ أحكامهــــــــــا تنفيذًا صحيحًا مكتملاً، أو مقيدة لنطاقها، فإذا أعاق انسيابها أى عارض، جاز للمحكمة الدستورية العليا التدخل لترفع من طريقها ذلك العارض، لأنه لا يعدو - وإن كان حكمًا باتًّا - أن يكون عقبة مادية هى والعدم سواء، ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها صلة، فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها، ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تُعد طريقًا للطعن فى الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة([21]).
ومن هذا المنطلق، تعرضت المحكمة الدستورية العليا، للعديد من الأحكام الجنائية الباتة، التي تساندت إلى نصوص جنائية قضى بعدم دستوريتها، على نحو أصبحت تشكل معه عقبة من عقبات التنفيذ، التي تعترض تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا، مما يخولها الحق فى التدخل لإزاحة تلك العقبة، عملاً بنص المادة (192) من الدستور، والمادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، إذ تصبح الأحكام الجنائية الباتة الصادرة فى هذا الشأن– على ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا- هى والعدم سواء، بما يستوجب التدخل لإزاحتها، بحسبانها تشكل عقبة من العقبات التنفيذ التي تعترض تنفيذ أحكامها([22]).
وتتصدى المحكمة الدستورية العليا للأحكام الجنائية الباتة، التى تتعارض مع تنفيذ أحكامها، سواء صدرت قبل قضاءها بعدم الدستورية، أوصدرت بعد هذا القضاء، ليس بإعتبارها جهة طعن فى الأحكام القضائية، تنظر من خلاله بحث مدى مطابقتها لأحكام القانون، أو تقويم ما يشوبها من عوج، بل يقوم اختصاصها، على بحث ما يعيق تنفيذ أحد أحكامها الصادرة منها، وفقاً لإختصاصها الموسد إليها بنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979"([23]).
وقد ارست المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن، العديد من المبادئ الهامة في خصوص إعمال الآثر المترتب على عدم نص جنائى، حيال الأحكام الجنائية الباتة، نعرض لها فيما يلى:
1- اعمال الأثر المترتب على عدم دستورية نص جنائى سلب القاضى سلطته فى إعمال نص المادة (17) من قانون العقوبات:
تعرضت المحكمة الدستورية العليا لهذه المسألة، من خلال العديد من منازعات التنفيذ التى عرضت عليها، أثر قضائها بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات، بالنسبة للجرائم المنصوص عليها بالفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة ذاتها؛ من خلال حكميها الصادرين في القضيتين الدستوريتين رقمى 196 لسنة 35 قضائية "دستورية" بجلسة 8/11/2014، 78 لسنة 36 قضائية "دستورية" بجلسة 14/2/2015، إذ أقيمت العديد من منازعات التنفيذ أمامها، على أثر صدور هذين الحكمين، على سند من الأحكام الجنائية الباتة بإدانة المدعين فى تلك الدعاوى، تشكل عائقًا يحول دون إعمال الأثر الرجعى للحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا فى القضيتين الدستوريتين رقمى 196 لسنة 35 قضائية "دستورية" بجلسة 18/11/2014 و78 لسنة 36 قضائية بجلسة 14/2/2015؛ تطبيقًا لما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979؛ من أن الأحكام التى تصدر بالإدانة، استنادًا إلى نص جنائى قُضى بعدم دستوريته تُعتبر كأن لم تكن، وهو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون، بأنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقًا بنص جنائى؛ فإن جميع الأحكام التى صدرت بالإدانة، استنادًا إلى ذلك النص تُعتبر كأن لم تكن، حتى ولو كانت أحكامًا باتة.
وكانت هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، قد إرتأت في التقارير التى أعدتها في هذا الشأن([24])، أن الأحكام الجنائية الباتة، التى صدرت قبل قيام المحكمة الدستورية العليا، بإصدار حكميها الصادرين فى القضيتين رقمى 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، 78 لسنة 36 قضائية "دستورية"، المار ذكرهما، لا تشكل عقبة فى سبيل تنفيذهما، إذ لا يتصور إهدار حجية أحكام جنائية باتة صدرت بالإدانة، وإعتبارها كأن لم تكن، اعمالاً لنص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، ما لم يكن تدخلها، كان على آثر القضاء بعدم دستورية نصوص تشريعية، رتبت زوال التجريم عن الأفعال التى ارتكبها المتهم، أو تضيق من مجاله، أو بما يرتب محو العقوبة كلية، أو يجعلها أقل وطأة، إذ لا يتصور إعادة محاكمة المتهمين، فى تلك القضايا- مجدداً- على أثر القضاء بعدم دستورية نص جنائى، لم يتوافر فيه أياً من الأحوال المار ذكرها، بعد أن أستنفدت حيالهم طرق الطعن المقررة قانوناً.
غير أن المحكمة الدستورية العليا،–خلافاً لما تقدم- ذهبت إلى الإستمرار في تنفيذ حكميها المار بيانهما، وعدم الإعتداد بالأحكام الجنائية الباتة التى صدرت بإدانة المتهمين في تلك الدعاوى، وتساندت إلى نصوص تشريعية جنائية، تحول دون اعمال القاضى لسلطته المقررة بنص المادة (17) من قانون العقوبات بالنزول بالعقوبة، بما يجعل الحكم الصادر منه، بعد إزالة هذا القيد أقل وطأة، إذ إرتأى استعمال سلطته التقديرية، وشيدت قضاءها، تأسيساً على "أن قانونها - ضمانًا لصون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور، واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها عدوانًا - قد نص فى المادة (49) منه على أنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقًا بنص جنائى، فإن أحكام الإدانة الصادرة استنادًا إليه تُعتبر كأن لم تكن. وهو ما يعنى سقوطها بكل آثارها ولو صار الطعن فيها ممتنعًا، لتفارقها قوة الأمر المقضى التى قارنتها، وتلك هى الرجعية الكاملة التى أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية، وهى – بعد– رجعية لا قيد عليها ولا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفًا لكل عائق على خلافها ولو كان حكمًا باتًّا.
كما ذهبت – أيضاً- إلى أن التفسير المنطقى السديد، لما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون هذه المحكمة؛ بشأن إعمال الأثر الرجعى للحكم الصادر منها بعدم دستورية نص جنائى صدر بالإدانة، واعتباره كأن لم يكن ولو كان باتًّا، ينسحب إلى الأحكام التى تزيل وصف التجريم أو تضيّق من مجاله؛ باعتباره وضعًا تأباه العدالة، إذا ما أسقط الحكم هذا الوصف عن الأفعال التى ارتكبها المتهم، أو عن طريق تعديل تكييفها، أو بتغيير بنيان بعض عناصرها، بما يمحو عقوبتها كلية أو يجعلها أقل وطأة؛ استنادًا إلى أن هذا الحكم يسرى فى شأن الأحكام السابقة على صدوره ولو كانت باتة، طبقًا لما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه".
وقد خلصت مما تقدم، إلى "أن الحكمان الصادران من المحكمة الدستورية العليا فى القضيتين الدستوريتين رقمى 196 لسنة 35 قضائية "دستورية" بجلسة 8/11/2014 و78 لسنة 36 قضائية "دستورية" بجلسة 14/2/2015، ولئن لم يتعرضا – سواء فى منطوقيهما أو ما يتصل بهما من أسبابهما اتصالاً حتميًّا – للفصل فى دستورية أى من نصوص مواد الاتهام المسندة إلى المدعين فى تلك الدعاوى ارتكاب الجرائم الواردة بها، والتى صدر على أساسها الحكم بمعاقبتهم فى الأحكام الجنائية التى تم إدانتهم على أساسها، إلا أنهما انتهيا إلى عدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات، بالنسبة للجرائم المنصوص عليها بالفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة ذاتها؛ وتبعًا لذلك، ينصرف أثر هذين الحكمين إلى إزالة القيد الوارد على السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) المشار إليها، وهو القيد المتمثل فى عدم جواز النزول بالعقوبة؛ بما يجعل حكمها– بعد إزالة هذا القيد– أقل وطأة؛ إذا ارتأت استعمال سلطتها التقديرية، طبقًا لنص المادة (17) من قانون العقوبات، ومن ثم تكون الأحكام الجنائية المنازع في تنفيذها، فيما تضمنته من عدم إمكان استعمال تلك السلطة التقديرية، مخالفة لما قضت به المحكمة الدستورية العليا فى حكميها الآنفى الذكر، وتبعًا لذلك تشكل عقبة عطلت تنفيذ هذين الحكمين؛ مع ما يتعين معه القضاء بإزالتها، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها إعادة نظر الدعاوى الموضوعية، واسترداد محاكم الجنايات سلطتها التقديرية فى هذا الصدد؛ نتيجة الأثر الكاشف لحكمى المحكمة الدستورية العليا؛ إعمالاً لأحكام المادة (49) من قانونها على النحو السالف البيان([25]).
وقد تعرضت المحكمة الدستورية العليا، فى خصوص اعمال أثر الحكمين الدستوريين المار بيانهما، إلى منازعات تنفيذ أخرى، أقيمت بغير سند صحيح، بعضها تعلق بأحكام جنائية باتة، صدرت بعد صدور حكمي المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، 78 لسنة 36 قضائية "دستورية"، فألتزمت بحجيتهما، من خلال استعمال الرأفة مع المتهمين، اعمالاً لأحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنزول بالعقوبة المرصودة لجريمة إحراز السلاح، الأمر الذى ارتأت معه المحكمة الدستورية العليا، انتفاء وجه العقبة فى تنفيذ حكميها الآنفى الذكر([26]) والبعض الآخر، تعلق بأحكام جنائية باتة، صدرت في شأن جرائم ارتكبت قبل العمل بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر، والمعمول بأحكامه من اليوم التالى لتاريخ نشره فى الجريدة الرسمية، الحاصل بتاريخ 12/1/2012. الذى شدد العقوبات المنصوص عليها فى المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المشار إليه، فيما تضمنه نص فقرتها الأخيرة من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجرائم المنصوص عليها فى باقى فقرات تلك المادة، ومن ثم ارتأت أن هذا المرسوم بقانون، لا يشكل قانوناً أصلح للمدعى، إذ لم تتم محاكمته جنائيًا بمقتضاه وإدانته من محكمة الجنايات، ومن بعدها محكمة النقض، ومن ثم تنعدم الصلة بين الحكم الصادر بإدانة المدعى، والحكمين الصادرين فى الدعويين الدستوريتين رقمى 196 لسنة 35 و78 لسنة 36 قضائية، وينتفى معه مناط قبول الدعوى المعروضة([27]).
وأخيراً تعرضت لأحكام جنائية باتة، ارتكبت الجرائم محل التأثيم فيها لغرض إجرامى واحد، مما تعين الحكم باعتبارها جريمة واحدة، والقضاء بعقوبة الجريمة الأشد، عملاً بنص المادة (32/2) من قانون العقوبات، التى تجاوز عقوبة جريمة إحراز أسلحة نارية مششخنة "بنادق آلية"، المعاقب عليها بموجب المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، إذا ارتأت المحكمة الدستورية العليا، أن مناط التأثيم الذى استندت إليه المحكمة الجنائية، لم يتساند إلى النص المقضى بعدم دستوريته – وحده- مما دعاها إلى الحكم بعدم قبول الدعوى المنظورة أمامها، بحسبان الحكم المنازع فى تنفيذه، لا يشكل عقبة فى سبيل تنفيذ الحكمين المار بيانهما"([28]).
2 – إعمال الأثر المترتب على عدم دستورية نص جنائى (إجرائى).
أبانت الأعمال التحضيرية لقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الأثر المترتب على دستورية نص جنائى، وبينت انسحابه إلى النصوص العقابية والإجرائية، على حد سواء، وذلك خلافاً لما كان مقرراً فى بعض المشاريع السابقة، التى كانت تقصر هذا الأثر على النصوص العقابية فحسب، وقد رؤى الإتساع فى مفهوم النصوص الجنائية، لتشمل كافة النصوص التى تعمل فى المجال الجنائى، سواء كانت نصوص عقابية تفرض عقوبة أو تدبير، أو نصوص خاصة بالتنفيذ، أو نصوص تعلقت بالإجراءات الجنائية([29]).
وقد استقرت تطبيقات محكمة النقض، على إعمال الأثر المترتب على عدم دستورية نص جنائى إجرائى، ما دام لم يفصل فى الدعاوى المنظورة أمامها بحكم بات، إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة (5) من قانون العقوبات، فذهبت "فى العديد من تطبيقاتها إلى "أن المشرع فى المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، أعمل فكرة الأثر الرجعى، إذا- تعلق الحكم بعدم دستورية نص تشريعى- وهى نتيجة حتمية للطبيعة الكاشفة لذلك الحكم على إطلاقها- إذا ما تعلق الحكم بنص جنائى دون تفرقة بين النصوص العقابية أو الإجرائية"، ([30]).
إلا أن إعمال هذا الأثر، حيال الأحكام الجنائية الباتة، قد أثار خلافً فى الرأى، طرح –مؤخراً- على المحكمة الدستورية العليا، أثر قضاءها بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (398) إجراءات جنائية، المعدل بالقانون رقم 74 لسنة 2007، فيما تضمنه من قصر قبول المعارضة فى الأحكام الغيابية الصادرة فى الجنح، على تلك المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية، دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة، بحكمها الصادر فى القضية رقم 56 لسنة 32 قضائية "دستورية" بجلسة 5/3/2016، إذ أقيم العديد من "منازعات التنفيذ " أمامها تعلقت بإعمال الأثر المترتب على عدم دستورية هذا الحكم، حيال الأحكام الجنائية الباتة، التى صدرت وتساندت للنص المقضى بعدم دستوريته، وقد طالب المدعون فى تلك الدعاوى، الحكم بإعتبار أحكام الادانة الصادرة ضدهم كأن لم تكن، عملاً بما تقرره الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
وقد طرحت هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا من خلال التقارير التى أعدتها فى هذا الشأن، رأيين نعرض لهما فيما يلى: ([31])
ذهبت الهيئة إلى وجود رأى، يذهب إلى القول، بأن القضاء بعدم دستورية نص جنائى، إعمالاً لنص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، يقتضى اعتبار الأحكام الصادرة بالإدانة كأن لم تكن؛ دون تفرقة بين النصوص التى أزالت وصف التجريم عن الفعل، أو تضيق من مجاله- فى إطار ما تقضى به الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من قانون العقوبات- وغيرها من النصوص الجنائية الأخرى، ومنها النصوص المتعلقة بالإجراءات الجنائية، فالأمر مرده، إعمال أثر حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بعدم دستورية نص جنائى، دون أن يتقيد إعمال هذا الأثر بالضوابط الواردة، بنص المادة الخامسة من قانون العقوبات، ويقيم هذا الرأى دعائمه على ما يلى:
1- صراحة نص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، فى شأن إعمال الأثر المترتب على عدم دستورية النصوص الجنائية، تفضى إلى عدم تقييد هذا النص بأى مخصص، الأمر الذى يستوجب معه، اعتبار كافة الأحكام الجنائية التى صدرت بالإدانة كأن لم تكن، حتى ولو كانت باتة، حسبما ذهبت إلى ذلك المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا، فضلاً عن أن تقرير اللجنة التشريعية لقانون المحكمة الدستورية العليا، أكد على "أن المشرع الدستورى ترك أمر تحديد آثار الحكم الصادر بعدم الدستورية للمشرع العادى، دون تقييده بقاعدة ما فى هذا الصدد، ومع ذلك فإنه استثناء من القاعدة العامة التى أخذ بها المشروع، بشأن الأثر المباشر للحكم بعدم الدستورية، قرر بالنسبة للنصوص الجنائية أنه يبطل العمل بالنص الجنائى- سواء أكان عقابياً أم متعلقاً بالإجراءات- من التاريخ الآنف الذكر، على أن تعتبر الأحكام الصادرة بالإدانة استنادًا إلى النص الباطل دستورياً كأن لم تكن، ويتعين على رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، تبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه طبقا لنص المشروع"([32]).
2- إن سقوط الأحكام الجنائية الصادرة بالإدانة التى حازت قوة الأمر المقضى بقوة القانون, بناءً على الحكم بعدم دستورية النص الجنائى, جاء تطبيقاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات, بإعتبار أن هذا النص، هو سند شرعية الحكم ذاته, مما يترتب على سقوطه سقوط سند تنفيذه أيضاً, كما يعتبر تطبيقاً لأصل البراءة فى المتهم فى مقام التوازن بينه، وبين اعتبارات النظام العام التى تقف وراء احترام قوة وحجية الأمر المقضى([33]).
3- انه من المقرر بقضاء المحكمة الدستورية العليا، أن "إبطال هذه المحكمة للنصوص القانونية المخالفة للدستور، يعتبر تقريراً لزوالها نافياً وجودها منذ ميلادها. وقضاؤها بصحتها، يؤكد استمرار نفاذها تبعاً لخلوها من كل عوار يدينها. وليس مفهوماً أن تكون واقعة نشر الأحكام الصادرة بعدم دستورية بعض النصوص القانونية- فى ذاتها- حداً زمنياً فاصلاً بين صحتها وبطلانها، فلا يكون النص الباطل منعدمًا إلا إلى اعتبارا من اليوم التالى لهذا النشر، والقول بذلك مؤداه أن يكون التقاضى جهداً ضائعاً وعملاً عبثياً، وأن للنص القانونى الواحد مجالين زمنيين، يكون صحيحاً فى أحدهما، وباطلاً فى ثانيهما، حال أن بطلان النصوص القانونية لا يتجزأ، ويستحيل أن ينقلب العدم وجوداً، ولا أن يكون مداه متفاوتاً أو متدرجاً، فالساقط لا يعود أبداً.
وترتيباً على ما تقدم، فإن قانون المحكمة الدستورية العليا- ضماناً لصون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها عدواناً- قد نص فى المادة (49) منه، على أنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائى، فإن أحكام الإدانة الصادرة استناداً إليه، تعتبر كأن لم تكن. وهو ما يعنى سقوطها بكل آثارها، ولو صار الطعن فيها ممتنعاً، لتفارقها قوة الأمر المقضى التى قارنتها، وتلك هى الرجعية الكاملة التى أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية. وهى تُعد رجعية لا قيد عليها ولا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفاً لكل عائق على خلافها ولو كان حكماً باتاً"([34]).
4- إنه وعلى الرغم من عدم وجود نص فى قانون الإجراءات الجنائية، يوجب رجعية النصوص الإجرائية إذا كانت أصلح للمتهم، على نحو ما فعلت المادة (5) من قانون العقوبات فى القوانين العقابية الموضوعية. إلا ان هذا النظر سرعان ما يتبدد، إذا فطنا الى أن مبدأ رجعية القانون الأصلح للمتهم، ليس استثناء من قاعدة عدم رجعية القانون الجنائى، وإنما هو مبدأ دستورى مكمل له لا يملك التشريع أن يخالفه([35]) فقد قضى المجلس الدستورى فى فرنسا فى 19 و20 يناير سنة 1981، أن نصوص التشريع التى تحد من قاعدة أن القانون الجديد الأصلح للمتهم يطبق على الجرائم المرتكبة قبل تاريخ العمل به، تعد نصوصاً غير دستورية، وأستند المجلس الدستورى الفرنسى فى ذلك، إلى المادة الثامنة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن([36]).
كما قضت المحكمة الدستورية العليا فى مصر بنفس المعنى، إذ قضت بأنه "لئن نص دستور عام 1971 فى المادتين (66، 187) منه، على قاعدة عدم رجعية القوانين العقابية، إلا أن هذه القاعدة تكملها وتقوم إلى جانبها قاعدة أخرى، هى قاعدة القانون الأصلح للمتهم، ولئن كان الدستور لا يتضمن بين أحكامه مبدأ رجعية القوانين الأصلح للمتهم، إلا أن القاعدة التى يرتكز عليها هذا المبدأ، تفرضها المادة (41) من هذا الدستور، التى تقرر أن الحرية الشخصية حق طبيعى، وأنها مصونة لا تمس، وعلى تقدير أن هذه الرجعية ضرورة حتمية يقتضيها صون الحرية الفردية بما يرد عنها كل قيد غدا تقريره مفتقراً الى أية مصلحة اجتماعية"([37]) .
وقد خلص أنصار هذا الرأى، إلى أن مقتضى نص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا فى شأن عدم دستورية النصوص الجنائية، يقتضى اعتبار الأحكام الصادرة بالإدانة كأن لم تكن- حتى ولو كانت باتة- فى شأن كافة النصوص الجنائية، العقابية والإجرائية منها، على نحو ما ذهبت إليه الأعمال التحضيرية لقانون المحكمة الدستورية العليا.
وقد عرضت هيئة المفوضين رآياً آخر، ذهبت فيه، إلى عدم جواز إهدار حجية الأحكام الجنائية الباتة، التى صدرت قبل قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص جنائى إجرائى. وذلك تأسيساً على مايلى:
1- أنه ولئن كان الأثر المترتب على عدم دستورية نص جنائى، إعمالاً لنص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، ينسحب إلى النصوص العقابية والإجرائية على حّد سواء،- على ما ذهبت إليه الأعمال التحضيرية لقانون المحكمة الدستورية العليا-، فإن إعمال الأثر المترتب على عدم دستورية نص جنائى إجرائى، لا يسرى بطبيعة الحال إلا على الأحكام الجنائية، التى لم يصدر فيها حكم بات، ذلك أن الأصل المقرر فى شأن الأحكام التى تنتظم طرق الطعن فى الأحكام الجنائية، أن القانون القائم وقت صدور الحكم هو الذى ينتظمها، فإذا ألغى القانون الجديد طريقاً من طرق الطعن، أو استحدث طريقاً لم يكن مقرراً من قبل، فإنه لا يسرى من يوم العمل به، إلا على الأحكام الصادرة بعد هذا التاريخ، كما لا يؤثر القانون الجديد بطبيعة الحال، على الطعون التى رفعت قبله، ويتعين الإستمرار فى نظرها وفقاً للإجراءات المقررة فى القانون القديم([38]).ويجد ما تقدم سنده، فى المادة الأولى من قانون المرافعات([39]) التى استثنت من الأثر الفورى، القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة لما صدر من الأحكام قبل تاريخ العمل بها، متى كانت هذه القوانين ملغية أو منشئة لطريق من طرق الطعن، وفى ذلك تقول محكمة النقض أن "التشريعات الإجرائية المتصلة بطرق الطعن فى القرارات والأحكام من ناحية جوازها ومواعيدها وإجراءاتها تسرى على المستقبل، وهى بهذه المثابة تنفذ بأثر فورى على الدعوى المطروحة التى لم يتم الفصل فيها، دون أن ترتد إلى الأحكام والقرارات التى صدرت صحيحة فى ظل القانون السارى قبل التعديل"([40]).
وأساس هذه القاعدة، أن الحكم متى صدر، أصبح فى حد ذاته قابلاً للطعن، وفقاً للقانون المعمول به وقت صدوره، وما القابلية للطعن إلا امتداداً لحق التقاضى الذى كفله الدستور والقانون. فلا يجوز للقانون الجديد، أن يمتد بأثر رجعى ليحرم الخصوم من هذا الحق إذا كفله القانون القديم. وإذا استحدث القانون الجديد طريقاً من طرق الطعن بدأ وقت صدور الحكم، فإنه يسرى عليه بأثر فورى، كما أن القانون الجديد، إذا اقتصر على تعديل الأوضاع المنظمة لممارسة حق الطعن، كالمواعيد أو الإجراءات، فإنه يطبقه بأثر مباشر على الأحكام القابلة لهذا الطعن، طالما لم يكن قد بوشر بعدُ قبل صدور القانون الجديد([41]).
ويعزز أنصار هذا الرأي وجهتهم- التي خلصوا إليها- بأن الفقه في معظمه، مجمع على أن القانون الأصلح للمتهم، يستوى العمل به، في قانون العقوبات أو قانون الإجراءات الجنائية، مادام أنه يمس حدود التجريم أو العقاب([42]). ومثال ذلك في قانون العقوبات، ما نصت عليه المادة (534) من قانون التجارة، من ترك الخيار للقاضى، في توقيع أي من عقوبتى الحبس أو الغرامة بعد أن كان الحبس وجوبياً([43]). ومثال ذلك في قانون الإجراءات الجنائية، ما نصت عليه المادة (534) من قانون التجارة، من جواز انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح([44]). وكذلك ما نص عليه القرار بقانون رقم 16 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، فقد نص في مادته الثانية، على إضافة مادة جديدة برقم 18 مكرراً (ب) إلى قانون الإجراءات الجنائية، تجيز للمتهم التصالح في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات، ورتبت على هذا التصالح انقضاء الدعوى الجنائية، فقد قضت محكمة النقض باعتبار هذا القرار بقانون قانوناً أصلح للمتهم يوجب نقض الأحكام التي أجيز التصالح فيها طبقا لهذا القرار بقانون([45]). وواقع الأمر أن الصلح وترك الدعوى الجنائية، قاعدتان تمسان حق الدولة في العقاب، لأنه لا عقوبة بغير حكم قضائى طبقاً للدستور([46]).
وإذ كانت اعتبارات الشرعية الدستورية، تتفوق على اعتبارات قوة الأمر المقضى به- على ما سلف بيانه- عند صدور حكم بعدم دستورية نص جنائى، إلا أن مجال إعمال النصوص الإجرائية فى المجال الجنائى، يتطلب الموازنة بين اعتبارات العدالة واستقرار المراكز القانونية، عند إعمال هذا الأثر على الأحكام الجنائية الباتة.
وترتيبًا على ما تقدم، فإن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا: بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (398) إجراءات جنائية المعدل بالقانون رقم 74 لسنة 2007، "فيما تضمنه من قصر قبول المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة"، وإن كان يعتبر بهذه المثابة، قانونًا أصلح للمتهم– حسبما ذهبت إلى ذلك التطبيقات القضائية لمحكمة النقض التى صدرت فى هذا الخصوص–، إلا أن الأثر الرجعى لهذا الحكم، لا يسرى إلا على الأحكام التى لم يصدر فيها حكم بات، طبقًا لنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات، إذ لا محل لإعمال الرجعية الكاملة للأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في شأن النصوص الجنائية الاجرائية على النحو الوارد بالحالة المعروضة، بإعتبارها لا تتعلق بنص جنائى يمس حق الدولة في التجريم أو العقاب.
2- أن الأثر المترتب على عدم دستورية نص جنائي، ينحصر فى اعتبار الحكم الصادر بالإدانة كأن لم يكن، على ما جاء بنص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، وبالتالى فإن مجال إعمال هذا النص، يتعلق بالأحكام المتصلة بالتجريم والعقاب – فحسب- ولا يمكن بحال، القول بأن إعمال هذا الأثر ينسحب إلى الأحكام الصادرة بعدم دستورية نص جنائى إجرائى. ولا وجه فى ذلك للمحاجة، بما ورد فى المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا من أنه: "إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقًا بنص جنائى، فإن جميع الأحكام التى صدرت بالإدانة استنادًا إلى ذلك النص، تعتبر كأن لم تكن، حتى ولو كانت أحكامًا باتة". ذلك أن التفسير المنطقى السديد، بشأن إعمال الأثر الرجعى للحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص جنائى، ينسحب -وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا- إلى الأحكام التى تزيل وصف التجريم أو تضيق من مجاله؛ باعتباره وضعاً تأباه العدالة، إذا ما أسقط الحكم وصف التجريم عن الفعل، طبقاً لما أوردته المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا([47]).
3- أن إهدار حجية الأحكام الجنائية الباتة، التى صدرت استناداً لنصوص قضى بعدم دستوريتها، واعتبارها كأن لم تكن، عملاً بنص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، يتطلب أن تكون تلك النصوص- وعلى ما ذهبت إليه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا – قد أزالت وصف التجريم أو العقاب فى النصوص المقضى بعدم دستوريتها، وبالتالى فلا يمكن المساس بالأحكام الجنائية الباتة، إلا فى الأحوال المحددة حصراً بقضاء المحكمة الدستورية العليا السالف بيانه.
وقد خلص أنصار هذا الرأى، إلى أن الحكم المنازع فى تنفيذه، وقد صار باتاً، قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا، المطلوب الاستمرار في تنفيذه، فإنه يقيد إعمال الأثر الرجعى المقرر لهذا الحكم.
ونأمل من المحكمة الدستورية العليا، حسم الخلاف المثار أمامها فى هذا الشأن، لأهمية ذلك فى استجلاء المفاهيم القانونية المتعلقة، بإعمال الأثر المترتب على أحكام المحكمة الدستورية العليا، الخاصة بنصوص جنائية إجرائية.
3- إعمال الأثر المترتب على عدم دستورية نصوص غير جنائية على الأحكام الجنائية الباتة.
يفرق الفقه الجنائى([48]) فى هذا الخصوص، وتحديداً فى مجال بحث أحوال القانون الأصلح للمتهم، بين نوعين من القواعد: (1) قواعد غير جنائية (خالصة). (2) قواعد غير جنائية تندمج فى القواعد الجنائية.
أولاً: بالنسبة إلى القواعد غير الجنائية (الخالصة)، وهى قواعد غير جزائية، وإن كان إعمالها شرطاً مفترضاً لقيام الجريمة. مثال ذلك تعديل شروط انعقاد الحجز فى جريمة تبديد المحجوزات، وتعديل شروط إصدار انعقاد عقود الأمانة فى جريمة خيانة الأمانة، وتعديل شروط صحة الشيك فى جريمة إصدار شيك بدون رصيد، فى هذه الحالات، لا يندمج شق التكليف الوارد فى القاعدة الجنائي، فى المركز القانونى الذى حددته القاعدة غير الجنائية؛ ومن هذا المنطلق، ذهب الفقة الجنائى، إلى أن كل تعديل في القواعد غير الجنائية، لا يكشف فى ذاته عن تطوير في سياسة التجريم أو العقاب، وهو أمر لا يمكن إدراكه، إلا من خلال معرفة سياسة المشرع، في إضفاء الحماية الجنائية على المصالح التي تحميها القواعد غير الجنائية أو العقوبات المقررة، هذا بخلاف الحال عند تعديل القواعد الجنائية، فإنها دائما تكشف في حد ذاتها، عن تطوير في سياسة التجريم أو سياسة العقاب، ولذلك فإن كل تعديل في القانون غير الجنائى، لا ينظر إليه بوصفه أشد أو أصلح للمتهم، لأنه يعبر عن فلسفة غير جنائية؛ ما لم يعبر في ذات الوقت عن فلسفة جديدة للتجريم والعقاب، إذا كانت القواعد غير الجنائية تندمج اندماجا كاملاً في شق التكليف الجنائى الوارد في القواعد الجنائية([49]) ([50]) .
ومن التطبيقات التى وردت فى هذا الشأن، ما أثير بمناسبة صدور قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999، الذى استحدث تنظيم أحكام الشيك، ونص فى إطار هذا التنظيم فى المادة (475) منه، على أن الصك المسحوب فى صورة شيك على غير بنك أو المحرر على غير نماذج البنك المسحوب عليه، لا يعتبر شيكاً، فقد قضت إحدى دوائر محكمة النقض بأن القانون الجديد، قد ألغى بذلك ما كان يعتد به العرف من قبل، من جواز سحب الشيك على غير نماذج البنك المسحوب عليه، وأنه طالما أخرج قانون التجارة الجديد، الصك المسحوب فى صورة شيك والمحرر على غير نماذج البنك المسحوب عليه من عداد الشيكات، وكانت الحماية الجنائية تنحسر عن كل محرر لا تتوافر فيه شروط اعتباره شيكاً، فإن القانون الجديد، يعتبر هو الأصلح للمتهم بإصدار شيك محرر على غير نماذج البنك المسحوب عليه. وأضافت هذه الدائرة من محكمة النقض، أتاه لا يعتبر من تطبيق القانون الأصلح للمتهم، ما نصت عليه المادة الثالثة من مواد إصدار قانون التجارة الجديد من إرجاء العمل بالأحكام الخاصة بالشيك حتى أول أكتوبر سنة 2000، استناداً إلى قواعد القانون الأصلح للمتهم تسرى من يوم صدوره، طبقاً للفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات بغض النظر عن ميعاد سريانه([51]).
واتجهت دائرة أخرى من دوائر محكمة النقض، إلى تبنى وجهة نظر مغايرة لوجهة نظر الدائرة الأولى، تأسيساً على أن الشيكات التى صدرت قبل أكتوبر 2000 تظل خاضعة لحكم المادة (337) عقوبات، التى عاقبت على إصدار شيك بدون رصيد، ولا يمتد إليها حكم القانون الجديد بأثر رجعى- حتى لو كان أصلح للمتهم- لتخلف مناط إعمال هذا الأثر([52]).
وجاءت الهيئة العامة للمواد الجنائية، فحسمت هذا الخلاف، مؤكدة أن المشرع لم يقصد أن ينفى عن الشيكات التى صدرت قبل العمل بأحكامه هذه الصفة، لمجرد مخالفتها للقواعد التى استحدثها، بل اعتد بتلك الشيكات متى استوفت شرائطها وفقاً للقواعد القانونية السارية وقت إصدارها، وعمد إلى تأكيد سلامتها وصحتها، فقد نص فى الفقرة الثانية من المادة الثالثة من مواد الإصدار على أنه "تطبق على الشيك الصادر قبل هذا التاريخ الأحكام القانونية المعمول بها فى تاريخ إصداره، إذا كان ثابت التاريخ أو تم إثبات تاريخه قبل أول أكتوبر سنة 2000" ومن ثم، فإنه متى اعتبرت الورقة شيكاً طبقاً للقانون السارى قبل نفاذ نصوص الفصل الخاص بأحكام الشيك فى قانون التجارة الجديد، فإن إعطاءه دون أن يكون له رصيد قائم قابل للسحب، يشكل فعلاً مجرماً([53]).
وقد طرح هذا الخلاف على المحكمة الدستورية العليا، من خلال تعرضها لدستورية نصوص مواد إصدار قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 فيما تضمتنه من إرجاء إلغاء نص المادة (337) من قانون العقوبات حتى أول أكتوبر سنة 2000، وقد ارتأت المحكمة الدستورية العليا، انه اعتباراً من أول أكتوبر سنة 2005، فإن قانون التجارة الصادر بالقانون، رقم 17 لسنة 1999 بما حواه من أحكام جديدة خاصة بالشيك، لا سيما البيانات التى اشترطت المادة (473) منه توافرها فى الورقة كى تعتبر شيكاً، وكذلك العقوبات التى رصدها القانون لمن يُصدر شيكاً ليس له مقابل قائم وقابل للسحب أضحى نافذاً، ويتعين على محاكم الموضوع إنزال حكمه على الواقعة المتهم فيها الطاعن إذا كانت هذه الأحكام أصلح للمتهم، ومن ثم فإن وبزوال العقبة القانونية المتعلقة بتأجيل العمل بأحكام الشيك فى قانون التجارة الجديد، لم يُعد للطاعن مصلحة ترجى من الفصل فى دستورية الدعوى الدستورية المعروضة. ([54])
ثانياً: وبالنسبة إلى القواعد غير الجنائية، التى تندمج فى القواعد الجنائية، والتى تحكم شق التكليف الوارد فى القاعدة الجنائية. فإن أى تعديل فى تلك القواعد، يندرج تحت مفهوم القانون الأصلح للمتهم؛ لأن استبعاد هذه الأفعال من شق التكليف الوارد بالقاعدة الجنائية، يكشف قصد المشرع، فى إخراجها من دائرة التجريم، وهو قصد لا تجوز مصادرته فيه. ومن قبيل ذلك القانون رقم 2 لسنة 1997 بتعديل قانون الضريبة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، فقد ألغى هذا القانون- بأثر رجعى- المادة (11) من قرارات رئيس الجمهورية التى صدرت تنفيذاً للفقرة الرابعة من المادة الثالثة بقانون الضريبة على المبيعات، والتى كانت تنص على تخويل رئيس الجمهورية حق تعديل الجدولين رقمى (1) و(2) المرافقين للقانون المذكور واللذين يحددان سعر الضريبة على السلع والخدمات. وجاء الإلغاء بأثر رجعى اعتباراً من تاريخ العمل بهذه القرارات. فمؤدى هذا الإلغاء أن النشاط محل التجريم، الذى كان منصوصاً عليه فى القرارات الجمهورية التى ألغيت بأثر رجعى- ينطوى على إباحة هذا النشاط، مما يجعله قانوناً أصلح للمتهم. ولا يغير من هذا الوضع أن القانون الجديد رقم 2 لسنة 1997 قد أدمج القرارات الجمهورية الملغاة فى نصوصه ونص على تطبيقها بأثر رجعى، فإن هذا التطبيق لا يسرى فى حق المتهم تطبيقاً لمبدأ عدم رجعية قانون العقوبات.
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا، بأن الدعوى الدستورية، التى تهدف إلى الحكم بعدم دستورية القرارات الجمهورية التى ألغيت بأثر رجعى بالقانون رقم 2 لسنة 1997 لا يتوافر فيها شرط المصلحة الشخصية؛ لأن إبطال النص التشريعى فى هذه الحالة لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية. وواقع الأمر أن الفائدة العملية قد عادت على المدعى بمجرد إلغاء القرارات الجمهورية السالفة الذكر بأثر رجعى دون أن يتوقف الأمر على الحكم بعدم دستوريته([55]).
ومن تطبيقات المحكمة الدستورية العليا فى هذا الشأن، ما قررته أثر القضاء بعدم دستورية عبارة "خدمات التشغيل للغير" الواردة قرين المسلسل رقم (11) من الجدول رقم (2) المرافق لقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 2 لسنة 1997. وبعدم دستورية صدر المادة (2) من القانون رقم 11 لسنة 2002 بتفسير بعض أحكام قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم11 لسنة 1991 والذى ينص على أنه "مع مراعاة الأثر الكاشف لهذا القانون". بحكمها الصادر في القضية رقم 232 لسنة 26 قضائية "دستورية" بجلسة 15/4/2007، إذ ذهبت إلى عدم الإعتداد بحجية العديد من الأحكام الجنائية الباتة، لتساندها إلى النص المقضى بعدم دستوريته، بعد أن زالت المسئولية الجنائية، وفقدت أساسها ولم تعد قائمة، وبالتالى اعتبرت الأحكام الجنائية الباتة الصادرة في هذا الشان، عقبة من عقبات التنفيذ التى تعترض أحكام المحكمة الدستورية العليا([56]).
وكذلك ما قررت إثر صدور حكمها الصادر في القضية الدستورية رقم 113 لسنة 28 قضائية، بجلسة 13/11/2011، والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد رقم (47 مكررًا) بتاريخ 27/11/2011، والذى قضى: " أولاً: بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (17) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، قبل تعديله بالقانون رقم 9 لسنة 2005، فيما تضمنه من تخويل وزير المالية سلطة مد المدة التى يجوز فيها لمصلحة الضرائب تعديل الإقرار المقدم من المسجل. ثانيًا : بسقوط قرارى وزير المالية رقمى 231 لسنة 1991 و143 لسنة 1992 ". إذ ذهبت الى عدم الإعتداد بحجية الأحكام الجنائية الباتة، التى تساندت إلى النص المقضى بعدم دستوريته، بعد أن أزال الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، السند القانونى الذى جرى على اساسه تعديل الإقرارات الضريبية، وذهبت في أحكامها، إلى أنه "لا ينال مما تقدم، قالة أن الحكم الصادر بإدانة المدعى، قد صدر فى اتهام جنائى منبت الصلة بالنص التشريعى، الذى قضى بعدم دستوريته فى القضية الدستورية رقم 113 لسنة 28 قضائية، ذلك أن الحكم الأخير، قد أزال السند القانونى الذى جرى على أساسه تعديل الإقرارات المقدمة من المدعى إلى مصلحة الضرائب، ومن ثم ينهار الأساس القانونى للإتهام الجنائى المسند إليه، ويكون الحكم الذى انبنى عليه، عقبة فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه".([57])
نخلص مما سبق إلى ما يلى:
- إن إعمال الأثر الذى يرتبه المشرع في شأن عدم دستورية نص جنائى، من اعتبار الحكم الصادر بالإدانة كأن لم يكن ولو كان باتاً، يغاير الأثر الذى يرتبه المشرع في قانون العقوبات، عند إعمال قاعدة القانون الأصلح للمتهم، المقررة بنص الفقرة الثالثة من المادة (5) من هذا القانون.
- إن إقرار المشرع بنص الفقرة الرابعة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، اعتبار الحكم الصادر بالإدانة كأن لم يكن، لا يحتاج تدخلاً قضائياً لإقراره، باعتباره أثراً يرتبه القانون، من خلال الإجراءات التي يتخذها النائب العام في هذا الشأن، وتراقب المحكمة الدستورية العليا إعمال هذا الأثر من خلال اختصاصها الموسد إليها، بالفصل في منازعات التنفيذ التي تعترض تنفيذ أحكامها الصادرة في هذا الشأن، على النحو الوارد بالمادة (192) من الدستور، والمادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.
- ان المحكمة الدستورية العليا، لها قول الفصل في التعرض للأحكام الجنائية الباتة التي تعترض تنفيذ أحكامها، لا بوصفها جهة طعن في هذه الأحكام، ولكن من خلال بحث ما يعوق مقتضى تنفيذ أحكامها، وفقاً لاختصاصها الموسد إليها بنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.([58])
- إنه لما كانت شرعية الجرائم والعقوبات، تمثل أحد ملامح الشرعية الدستورية في قانون العقوبات، فإن الحكم الصادر بالإدانة بالمخالفة لهذه الشرعية، لا ينال أية حجية ولو حاز قوة الأمر المقضى، وذلك لأن اعتبارات الشرعية الدستورية، تتفوق على اعتبارات قوة الأمر المقضى، كل ذلك شريطة ان يصدر حكم من المحكمة الدستورية العليا يسجل انتهاك هذه الشرعية الدستورية. وإعمالاً لهذا المنطق القانونى، لم تتردد المحكمة الدستورية العليا، في الحكم بعدم دستورية النص الجنائى الذى تراه مخالفاً للدستور رغم تعديله أو إلغائه بعد ذلك. وكذلك الشأن عند صدور قانون أصلح للمتهم، على أساس أن اتفاق القانونين اللاحق والسابق مع أحكام الدستور، يعتبر شرطاً مبدئياً للنظر فى أصلحهما للمتهم. ([59])
- إن اعمال الأثر المترتب على عدم دستورية نص جنائى، حيال الأحكام الجنائية الباتة يشكل تطبيقاً خاصاً من تطبيقات فكرة القانون الأصلح للمتهم، والتي اعطتها المحكمة الدستورية العليا، قيمة دستورية في أحكامها، فذهبت إلى أن إعمال قاعدة القانون الأصلح للمتهم بأثر رجعى، لا يعتبر استثناء من قاعدة عدم رجعية القانون الجنائى، ولا هي قيد عليها، بل اعتبرتها فرعاً منها ونتيجة حتمية لها، وكلتاهما معاً - على حد قول المحكمة الدستورية العليا – تعتبران امتداداً لازماً لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات ولهما معا القيمة الدستورية ذاتها([60]) كما ذهبت- أيضاً- إلى "أن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، يتحدد على ضوء ضمانين يكفلان الأغراض التي توخاها؛ أولهما: وضوح النصوص العقابية بغير غموض، وثانيهما: ومفترضها عدم رجعية القانون الجنائى، إلا أن إطلاق هذه القاعدة يُفقدها معناها، ذلك أن الحرية الشخصية وإن كان يهددها القانون الجنائى الأسوأ، فإن هذا القانون يرعاها ويحميها إذا كان أكثر رفقاً بالمتهم، سواء من خلال إنهاء تجريم أفعال أثمها قانون جنائى سابق، أو عن طريق تعديل تكييفها أو بنيان بعض العناصر التى تقوم عليها، بما يمحو عقوباتها كلية أو يجعلها أقل بأساً، وبمراعاة أن غلو العقوبة أو هوانها، إنما يتحدد على ضوء مركز المتهم فى مجال تطبيقها بالنسبة إليه. فإن كانت الرجعية أكثر فائدة للمركز القانونى للمتهم فى مواجهة سلطة الاتهام، فإنها تكون أمراً محتوماً". ([61])
الهوامش
([1]) تأثر المشرع المصرى، حال إقراره نص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، بما هو مقرر بالتشريع الإيطالى، وقد انتهت تطبيقات الفقه والقضاء بايطاليا، إلى اعتبار النصوص التي يقضى بعدم دستوريتها غير نافذة من اليوم التالى لنشر الحكم، لا بالنسبة إلى المستقبل فحسب، ولكن بالنسبة إلى الوقائع والعلاقات السابقة فلا تطبق عليها أيضا، ويستثنى من هذا الأثر الرجعى للحكم بعدم الدستورية، الحقوق والمراكز التي تكون قد تقررت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضى، أو أصبحت باتة بانقضاء مدة تقادم- راجع: المستشار/ محمد السيد زهران، الرقابة على دستورية القوانين في إيطاليا، مجلة إدارة قضايا الحكومة - السنة الرابعة- العدد الأول ص 140 وما بعدها.
([2]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 46 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 2/11/2019.
([3]) راجع حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 22 لسنة 18 قضائية "دستورية" بجلسة 30/11/1996 – المجموعة – الجزء الثامن – ص 195 قاعدة رقم (14). ويراجع كذلك: المستشار الدكتور/ عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا – سابقاً -: في تقديم الجزء السابع من مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ص 11.
([4]) راجع الآثار القانونية لأحكام المحكمة الدستورية العليا والمشكلات العملية التي تثيرها المستشار الدكتور/ عبدالعزيز سالمان – الطبعة الثانية - عام 2000 – ص 315.
([5]) راجع آثار الحكم بعدم الدستورية، دراسة مقارنة- دكتور صبرى السنوسى محمد- دار النهضة العربية- طبعة 2000 هامش ص 120.
([6]) راجع الحكم بعدم الدستورية بين الأثر الرجعى والأثر المباشر "دراسة مقارنة"- دكتور/ محمد صلاح عبدالبديع السيد- دار النهضة العربية- طبعة 2000 ص 55.
([7]) راجع الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحى سرور- الحماية الدستورية للحقوق والحريات- دار الشروق- طبعة 2000- ص 341.
([8]) قضاء مستقر لمحكمة النقض يراجع على سبيق المثال، الطعن رقم 62550 لسنة 59 ق بجلسة 27/2/1997 المكتب الفني – السنة (48) ص 250 وكذلك الطعن رقم 2529 لسنة 65 ق بجلسة 1/1/1997 .
([9]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 82 لسنة 18 قضائية "دستورية" بجلسة 14/3/2015.
([10]) ينسحب مفهوم الحكم البات، إلى الحكم الذى تنقضى به الدعوى الجنائية، وهو ما لا يتحقق إلا بعد استنفاد جميع طرق الطعن فيه، ومنها النقض، والأصح أن يسمى بالحكم البات، أى غير القابل للطعن بأى طريق، حتى لا يلتبس بالحكم النهائى، الذى ينصرف مدلوله إلى مجرد الحكم الذى لا يجوز استئنافه- راجع الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحى سرور- القانون الجنائى الدستورى- دار الشروق- الطبعة الثالثة- عام 2004 ص 144.
([11]) راجع الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحي سرور– الحماية الدستورية للحقوق والحريات– دار الشروق– الطبعة الثانية– عام 2000– ص 491.
([12]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 22 لسنة 18 قضائية "دستورية" بجلسة 30/11/1996.
([13]) راجع الأستاذ الدكتور/ محمد عبد اللطيف- إجراءات القضاء الدستورى- دار النهضة العربية- طبعة 1989- ص 258، المستشار الدكتور/ عبدالعزيز سالمان- الآثار القانونية لأحكام المحكمة الدستورية العليا والمشكلات العملية التى تثيرها- الطبعة الثانية- عام 2000- ص 321.
([14]) راجع في نقد هذا الاتجاه: ما قرره الفقه من أن حالات التماس إعادة النظر المنصوص عليها بالمادة (441) من قانون الإجراءات الجنائية، وردت على سبيل الحصر، ولا تستوعب تلك الحالات، ما يتعلق بحالة صدور حكم بعدم دستورية نص جنائى، كما أن المحاجة بأن الحالة المنصوص عليها في البند (5) من تلك المادة، والتي يجرى نصها على أنه "إذ حدثت أو ظهرت بعد الحكم وقائع، أو إذ قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة، وكان من شأن هذه الوقائع والأوراق ثبوت براءة المحكوم عليه" لا تصلح بذاتها للإعمال على المسألة الواردة بالمتن، باعتبار أن أمر الوقائع المعروضة، يتصل دوماً بالواقع لا بالقانون، فصدور تشريع جديد أصلح للمتهم لا يجوز اعتباره واقعة جديدة- أنظر- الوسيط في النقض الجنائى وطلب إعادة النظر – الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحي سرور – دار النهضة العربية- طبعة 2018-ص 744.
([15]) أ. د محمد عبد اللطيف، إجراءات القضاء الدستورى، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية- 1989، ص 252. وراجع –أيضاً- في الرقابة على دستورية القوانين في ألمانيا:
-J-C.BEGUIN, Le contrle de constiutionnalite des lois en Republique Federale d!Allemagne, Economica, Paris, 1982.
- P. CHENUT, La justice constitutionnelle en Allemagne et le tribunal constitutionnel de Karlsruhe, These,Paris, 1956.
-C.LASSALLE, Les limites du controle de la constitutionnalite des lois en Allemagne occidentale, R.D.P, 1953, P.103 et s.
- K. SCHLAICH, Tribunal constitutionnel Federal Allemand, Economica, paris, 1982.
أ. د/ مصطفى عفيفى، رقابة الدستورية في مصر والدول الأجنبية، مطبعة سعيد رأفت- طبعة 1990 ص 129 وما بعدها.
([16]) راجع على سبيل المثال، ما قرره الكتاب الدورى رقم 9 لسنة 2018 بشأن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 13/10/2018 في القضية رقم 17 لسنة 28 قضائية "دستورية" بعدم دستورية القانون رقم 34 لسنة 1984 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، فيما تضمنه من إضافة المادة (115 مكرراً) من قانون العقوبات، بشأن جريمة تعدى الموظف العام على الأرض الزراعية أو الأرض الفضاء أو مبان مملوكة لوقف خيرى أو لإحدى الجهات المبينة بالمادة (119)، والمادة (372 مكرراً) من ذات القانون بشأن جريمة التعدى على أرض زراعية أو فضاء أو مبان مملوكة للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو لوقف خيرى أو لأحدى شركات القطاع العام أو لأية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة – وهما من النصوص الجنائية – يترتب عليه – من يوم صدوره – عدم الإستناد إلى النصين المقضى بعدم دستوريتهما في حالة الحكم في أي من الجريمتين المشار إليهما سلفاً. وتطبيقاً لما تقدم، وإعمالاً لنص المادة الخامسة من قانون العقوبات، ندعو السادة أعضاء النيابة العامة إلى مراعاة ما يلى: أولاً:... ثانياً....ثالثاً: إرسال القضايا المحكوم فيها بالإدانة، إذا كان الحكم قد قضى بالعقوبة، مستنداً إلى نص أى من المادتين المشار إليهما فقط - دون غيرهما – إلى المحامى العام للنيابة الكلية، ليأمر بوقف تنفيذ تلك العقوبة.
([17]) راجع المستشار/ محمد السيد زهران- الرقابة على دستورية القوانين في إيطاليا- مجلة إدارة قضايا الحكومة- السنة الرابعة- العدد الأول- ص 142.
([18]) راجع: في شأن العمل بقاعدة رجعية القانون الأصلح للمتهم، ما قرره الفقه، من سريان تلك القاعدة منذ لحظة صدور هذا القانون، وليس من تاريخ العمل به (ونشره بالجريدة الرسمية) طبقاً لنصوص الدستور، إعمالاً لصريح نص المادة الخامسة من قانون العقوبات، إذ لا يسوغ بعد أن أفصح المشرع عن قصده في القانون الجديد، معاملة المتهم، بغير هذا القصــد؛ طالما كــان ذلك في مصلحتــه- أنظــر الأستـــاذ الدكتور/ أحمد فتحى سرور– الحمايــة الدستوريــة للحقــوق والحريــات– دار الشــروق– الطبعــة الثانية – عام 2000 – ص 492.
([19]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 22 لسنة 18 قضائية "دستورية" بجلسة 30/11/1996.
([20]) راجع آثار الحكم بعدم الدستورية- دراسة مقارنة- دكتور صبرى السنوسى محمد- دار النهضة العربية- طبعة 2000- هامش ص 118.
([21]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 54 لسنة 41 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 4/7/2020.
([22]) راجع البحث المُعد من قبلنا، بشأن "الحكم القضائى كعقبة من عقبات تنفيذ أحكام وقرارات المحكمة الدستورية العليا"- مجلة الدستورية- العدد السابع والعشرين- السنة الثامنة عشر- أكتوبر 2020.
([23]) راجع على سبيل المثال الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 34 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 14/10/2017.
([24]) راجع تقرير هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا، المعد من قبلنا في القضية رقم 23 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ".
([25]) راجع على سبيل المثال، الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 23 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 6/2/2016. ويبين من مطالعة وقائع منازعات التنفيذ المشار إليها بالمتن، ان المدعين فيها، تقدموا بإلتماس إلى النائب العام، بطلب إعادة محكماتهم في ضوء الحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا في القضيتين رقمى 196 لسنة 35 قضائية "دستورية"، 78 لسنة 36 قضائية "دستورية"، إلا انه قد تم حفظ طلباتهم، على سند من أن الأحكام الصادرة ضدهم بالإدانة أصبحت باتة، وعلى أثر الأحكام التى صدرت في منازعات التنفيذ المار بيانها، عرضت النيابة العامة على محكمة النقض أمر إعادة المحاكمة للمتهمين في تلك الدعاوى، على النحو الذى خلصت إليه المحكمة الدستورية العليا، غير أن المكتب الفنى بمحكمة النقض، ارتأى ان محكمة النقض قد استنفدت ولايتها، بفصلها في الطعون الجنائية التى طرحت عليها.
( ([26] راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 62 لسنة 41 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 4/7/2020.
([27]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 1 لسنة 41 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 5/10/2019.
(([28] راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 9 لسنة 41 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 1/2/2020.
([29]) يراجع فى ذلك المستشار أحمد ممدوح عطية، رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقاً: دراسة مقارنة تحليلية حول قانون المحكمة الدستورية العليا، منشور بالجزء الأول من مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ص130.
([30]) راجع الحكم الصادر من محكمة النقض في الطعن رقم 17871 لسنة 60 قضائية بجلسة 2/6/1998، وحكمها الصادر في الطعن رقم 10823 لسنة 65 قضائية بجلسة 18/2/2004 والتى صدرت في شأن إعمال الأثر المترتب على الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 7/2/1998 في القضية رقم 64 لسنة 17 قضائية "دستورية" فيما قضى به من عدم دستورية نص المادة (21) من القانون رقم 453 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 359 لسنة 1956 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطره، والتي قررت حظر الطعن بالمعارضة في الجرائم المتعلقة بهذا القانون، وكذلك حكمها الصادر في الطعن رقم 39164 لسنة 85 قضائية بجلسة 5/12/2018، والذى أعمل مقتضى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 5/3/2016 في القضية رقم 56 لسنة 32 قضائية "دستورية"، بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (398) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من قصر قبول المعارضة في الاحكام الغيابية الصادرة في الجنح على تلك المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية دون المعاقب عليها بعقوبة الغرامة.
([31]) راجع تقرير هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا المعد من قبلنا في الدعوى رقم 32 لسنة 42 "منازعة تنفيذ".
([32]) راجع ملحق مضبطة الجلسة الثامنة 18 يونية سنة 1979.
([33]) راجع الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحى سرور "الحماية الدستورية للحقوق والحريــات"- مرجع سابق- دار الشروق- الطبعة الأولى عام 1999- ص 317 وما بعدها.
([34]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 22 لسنة 18 قضائية "دستورية" بجلسة 30/11/1996- سبق الإشارة إليه.
([35]) راجع الأستاذ الدكتور/ عبد الرءوف مهدى- شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية- دار النهضة العربية طبعة عام 2002- ص 72.
([36]) Conseil. Constit, 19 et 20 juin 1981 : j CP 81 . II, 19701, Note Frank. V. aussi D .1982, 441, Note Dekeuzer.
([37]) حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 7 نوفمبر سنة 1992، القضية رقم 12 لسنة 13 قضائية "دستورية"، مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا، الجزء الخامس، المجلد الثانى ص 68 قاعدة (166).
([38]) قضت محكمة النقض، بأن إلغاء حق المعارضة في الأحكام التى كانت تصدر من محكمة النقض بمقتضى القانون رقم 57 لسنة 1959، يسرى منذ نفاذه على الدعاوى التى لم يكن قد تم الفصل فيها (نقض 2 أكتوبر سنة 1962، مجموعة الأحكام س13 رقم 148 ص 590)، وانظر نقض جلسة 9 ديسمبر سنة 1952، مجموعة الأحكام س3 ص 864.
([39]) وذلك على أساس أن قانون الإجراءات الجنائية، قد خلا من نص ينظم هذه المسألة، وبالتالى يسرى نص المادة الأولى من قانون المرافعات، في شأن الأحكام الواردة بقانون الإجراءات الجنائية فيما لم يرد به نص.
([40]) راجع نقض جنائى الطعن رقم 887 لسنة 33 قضائية بجلسة 9/12/1963 مجموعة أحكام النقض س14 ص 887 رقم 161.
([41]) راجع الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحى سرور- القانون الجنائى الدستورى – دار الشروق- الطبعة الثالثة عام 2004- صــــ 140.
([42]) راجع الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحى سرور- الوسيط في النقض الجنائى- مرجع سابق- ص 661.
([43]) نقض 8 فبراير سنة 2000، مجموعة الأحكام، س 51، رقم 25، ص 141.
([44]) نقض الهيئة العامة للمواد الجنائية 10 يولية سنة 1999، الطعن رقم 9098 لسنة 64 ق "هيئة عامة". وانظر: نقض 19 نوفمبر سنة 2000، مجموعة الأحكام، س 51، ص 733.
([45]) نقض جنائى- جلسة 11 يناير سنة 2016، الطعن رقم 166 لسنة 79 ق.
([46]) يتشكك جانب كبير من الفقه الجنائى، في إعمال قاعدة القانون الأصلح للمتهم، في مجال القوانين الإجرائية، بحسبانها تسرى بأثر مباشر، حتى ولو كانت أسوأ للمتهم، ذلك أن الحكمة من تقرير الاستثناء بالقانون الأصلح للمتهم، في محيط القواعد الموضوعية، لا تتوافر بالنسبة للقواعد الإجرائية. فالإستثناء المتمثل في رجعية القانون الأصلح للمتهم في المسائل المتعلقة بحق الدولة في العقاب، هو أمر ضرورى، لإنتفاء الأساس الذى يبنى عليه تطبيق قانون الواقعة، نظراً للتغييرات التي طرأت على حق الدولة في العقاب. وهذا الأمر لا يتوافر بالنسبة للقوانين الإجرائية، التي تحكم الإجراء وقت وقوعه وتمامه في نطاق سريانها، مهتدية بالإعتبارات المختلفة التي تقف ورائها، وتهدف إلى تحقيقها. هذا بالإضافة إلى ما يترتب علي تطبيق الإستثناء السابق، في محيط القواعد الإجرائية من عدم الثبات والإستقرار القانوني بالنسبة للدعاوى الجنائية، وهو أمر يضر بحسن سير العدالة الجنائية، فضلاً عن أنه لا يفيد المتهم دائماً في النتيجة النهائية للدعوى،= =على عكس الحال بالنسبة للقواعد الموضوعية الأصلح للمتهم، والتى يترتب عليها، تغيير جوهرى في مركزه القانوني، الناشئ عن الحكم بمقتضى القانون الأصلح- راجع في هذا الرأي الدكتور/ مأمون محمد سلامة – قانون الإجراءات الجنائية معلقاً عليه بالفقه وأحكام النقض– طبعة 2015– الطبعة الرابعة– دار سلامة للنشر والتوزيع. الدكتور/ محمود نجيب حسنى– شرح قانون العقوبات- القسم العام دار النهضة العربية- الطبعة السادسة - ص 110– الدكتور/ أحمد فتحى سرور– القانون الجنائى الدستورى– دار الشروق– الطبعة الثالثة– عام 2004– ص 140، راجع في تطبيقات محكمة النقض في تأييد هذا الاتجاه (الطعن رقم 4745 لسنة 88 قضائية بجلسة 4/11/2018) وفى الإتجاه ذاته- راجع الحكم الصادر في (الطعن رقم 7631 لسنة 66 قضائية بجلسة 4/4/2005، 3835 لسنة 68 قضائية، بجلسة 4/4/2005، 10812 لسنة 67 قضائية بجلسة 1/11/2005، 1005 لسنة 31 قضائية بجلسة 2/10/1962، 1211 لسنة 34 قضائية بجلسة 1/12/1964). أخذاً في الإعتبار، أن بعض هذه التطبيقات، قد تعلقت بالقوانين المتعلقة بطرق الطعن.
([47]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 23 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 6/2/2016.
([48]) راجع: الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحى سرور- الحماية الدستورية للحقوق والحريات- مرجع سابق ص 474.
([49]) راجع الأستاذ الدكتور/ أحمد فتحى سرور- القانون الجنائى الدستورى- مرجع سابق- ص129 وما بعدها.
([50]) من تطبيقات التي أعملتها المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن، ما قررته بحكمها الصادر بجلسة 3/12/1992 في القضية رقم 12 لسنة 13 قضائية "دستورية"، فذهبت إلى أنه "إذ أصدر وزير التموين قراراً بتقييد تداول بعض السلع بناء على سياسة تدخل الدولة في الإقتصاد وتخطيطها وتوجيهها وإداراتها للحياة الاقتصادية، واستبعادها لدور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية. ثم ألغى هذا القرار، بناءً على اتجاه الدولة إلى تحرير الإقتصاد المصرى من القيود التي وضعت على الحرية الاقتصادية، فإن هذا الإلغاء يتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم". وواضح في هذه الحالة، أن فلسفة تعديل السياسة الاقتصادية اقترنت في ذلك الوقت بتعديل فلسفة التجريم.
([51]) نقض 9 يونيه سنة 1999 فى القضية رقم 7360 لسنة 63 قضائية، دائرة الأربعاء "ج".
([52]) نقض 14 يونيه سنة 1999 فى القضية رقم 3305 لسنة 64 قضائية.
([53]) راجع الحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض فى 10 يونيه سنة 1999 فى القضية رقم 9098 لسنة 64 قضائية.
([54]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 118 لسنة 21 قضائية "دستورية" بجلسة 15/1/2006 وراجع أيضاً- أحكام منازعات التنفيذ التي أقيمت أمامها في شأن اعتبار ما قرره حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه بالمتن، عقبة في سبيل تنفيذ حكمها الصادر في القضية الدستورية المشار إليها،- راجع على سبيل المثال حكمها الصادر في القضية 7 لسنة 30 "منازعة تنفيذ" بجلسة 1/2/2009.
([55]) راجع على سبيل المثال الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضيتين رقمى 197 لسنة 25، 2 لسنة 26 قضائية "دستورية" بجلسة 3/4/2011.
([56]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 74 لسنة 35 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 8/11/2014.
([57]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 21 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 2/4/2016.
([58]) راجع ما قررته المحكمة الدستورية العليا، في شأن القانون رقم 4 لسنة 1996، والذى أعاد إخضاع عقود الايجار، التي تعقد بعد العمل بهذا القانون، لأحكام القانون المدنى، إذ ارتأت إنهدام الجزاء الجنائى الوارد بنص الفقرة الأولى من المادة (6) من القانون رقم 136 لسنة 1981، وما يرتبط به من نص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996، بعد أن غض المشرع بصره عن بعض التدابير الإستثنائية للعلائق الايجارية التي أنبنى التجريم عليها، الأمر الذى أعتبرت معه القانون رقم 4 لسنة 1996 قانوناً أصلح للمتهم، وذلك خلافاً لما قررته الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض بتاريخ 13 أبريل 1997، فأصدرت حكماً في الطعن المقيد بجدولها برقم 11838 لسنة 60 قضائية، على خلاف حكم المحكمة الدستورية العليا السابق عليه؛ مستندا إلى نظر حاصله أن القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه، لا ينعطف بأثره إلى الوقائع السابقة على صدوره، بما مؤداه عدم اعتبار هذا القانون قانوناً= =أصلح للمتهم، وقد تعرضت المحكمة الدستورية العليا للحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد الجنائية، من خلال حكمها الصادر بجلسة 3/1/1998 في القضية رقم 1 لسنة 19 قضائية "منازعة تنفيذ"، وانتهت فيه إلى الإستمرار في تنفيذ حكمها الصادر في الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية، فيما فصل فيه من اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه قانوناً أصلح للمتهم، دون ما حاجه إلى التعرض لما تضمنه حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه في تدويناته من تقريرات لا تطاول الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية، سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلاً في مسألة دستورية، بما يلزم كل سلطة في الدولة- بما فيها الجهات القضائية على اختلافها- بإحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين (72 ، 178) من دستور عام 1971، والفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 وبما مؤداه عدم الإعتداد بأى عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه.
([59]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 29 لسنة 18 قضائية "دستورية" بجلسة 3/1/1997.
([60]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية" جلسة 22/2/1997.
([61]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 84 لسنة 17 قضائية "دستورية" جلسة 15/3/1997.