ملاحظات على تشريعات ما بعد الطوارئ
يمثل قرار رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي بالامتناع عن تجديد حالة الطوارئ، وإلغائها لأول مرة منذ أبريل 2017 خطوة مهمة على طريق الانفتاح السياسي والتشريعي، تبقى موضع ترحيب وحماس من جميع المنشغلين بالشأن العام، خاصة بعد إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر الماضي، بما حملته من مقترحات وتعهدات إيجابية يمكن البناء عليها بالتعاون بين الدولة والمجتمع في مجالات شتى.
إلا أن التشريعات التي بادرت الدولة إلى تمريرها في مجلس النواب عقب قرار الرئيس مباشرة، لا يمكن تجاوزها دون إبداء ملاحظات عدة عليها من الناحيتين السياسية والتشريعية، وأيضا لا يمكن القول بأن تلك التشريعات سترث حالة الطوارئ بالكامل، أو أنها ستجعل البلاد تحيا طوال الوقت في حالة الطوارئ.
فمهما اتسعت الاعتراضات على تلك التشريعات وما حملته من رسائل سلبية تتناقض مع الروح الإيجابية لقرار الرئيس السيسي، فهي تفتقر إلى السمة الرئيسية لقانون الطوارئ في سياق التطبيق العملي، وهي منظومة المحاكمة الاستثنائية أمام محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا، دون إتاحة الفرصة للطعن.
فقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 يتضمن منذ صدوره المادة 53 -التي لم يطبقها رئيس الجمهورية حتى الآن- وهي تمنحه صلاحيات قريبة الشبه من تلك الواردة في المادة الثالثة من قانون الطوارئ، خاصة قبل تعديله الأخير بالقانون 22 لسنة 2020 في بداية جائحة كورونا.
حيث تنص المادة 53 على أنه "لرئيس الجمهورية متى قام خطر من أخطار الجرائم الإرهابية أو ترتب عليه كوارث بيئية، أن يصدر قرارا باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما فى ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، على أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تتجاوز 6 أشهر".
وبمقارنة هذا النص بالصلاحيات الواردة فى قانون الطوارئ، يتبين الشبه الكبير بينهما، خاصة فيما يتعلق بالنص صراحة على جواز إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها.
لكن قانون مكافحة الإرهاب لم يحدد جميع "التدابير المناسبة" التي يمكن اتخاذها للحفاظ على الأمن والنظام العام، في حين تضمن قانون الطوارئ قائمة الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية على سبيل المثال لا الحصر.
وهذا التشابه يركّز جوهر الاختلاف بين القانونين في النظام القضائي الاستثنائي لمحاكم أمن الدولة، ويبدو أن هذا كان السبب الرئيس للجوء الدولة إلى تفعيل حالة الطوارئ بدلا من قانون الإرهاب في أبريل 2017 بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفت كنيستين بطنطا والإسكندرية.
فقانون مكافحة الإرهاب لم يستحدث أي نظام قضائى استثنائى، بل ينص فقط فى مادته 50 على تخصيص دوائر فى المحاكم القائمة لنظر القضايا "على وجه السرعة" بعدما اعترض مجلس القضاء الأعلى على مقترح إنشاء محكمة جديدة للإرهاب على نسق محكمتى الأسرة والاقتصادية.
كما لم يتضمن قانون مكافحة الإرهاب أى استثناء لنظام الطعن القائم فى القضاء العادى، حيث كان مجلس القضاء الأعلى قد اعترض على فكرة تقصير مواعيد الطعن بالنقض، واعترض على مقترح تصدى محكمة النقض للقضية حال قبولها الطعن دون إعادتها إلى محكمة الجنايات لإعادة نظرها.
لماذا يُعدّل قانون مكافحة الإرهاب؟
جاء هذا القانون على رأس التشريعات التي تم تعديلها بعد إلغاء حالة الطوارئ، وأصدر الرئيس السيسي التعديل رسميا في 11 نوفمبر، متضمنا عدة مستجدات خاصة على المادة 53 الشبيهة بالطوارئ.
المستجد الأهم هو تمكين رئيس الجمهورية من تحديد السلطة المختصة بإصدار القرارات المنفذة للتدابير المناسبة، التي يقرر اتخاذها "للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما فى ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها".
وهذا يعني عمليا أن الرئيس يمكنه إصدار قرار معين يجيز اتخاذ تدابير بعينها على مستوى الجمهورية أو في منطقة محددة، مع تفويض سلطة محددة باتخاذ القرارات التنفيذية لتلك التدابير.. على سبيل المثال مواعيد حظر التجوال، ومواعيد وقف الدراسة، ومواعيد فتح المحال العامة.
واللافت للنظر أن قرارا بهذا الشكل قد صدر بالفعل قبل أكثر من شهر من إصدار هذا التعديل التشريعي رسميا، هو قرار رئيس الجمهورية رقم 442 لسنة 2021 بجواز فرض بعض التدابير الأمنية في بعض مناطق شبه جزيرة سيناء، والذي نص على أن يصدر وزير الدفاع القرارات التنفيذية والمحددة لتوقيتات ومناطق اتخاذ تلك التدابير، وأن يصدر المحافظ المختص توقيتات التدابير المتعلقة بوقف الدراسة فقط.
وهذا التنظيم الجديد، الأقرب إلى التفويض، يضمن درجة من اللامركزية، ويسهل على السلطة التنفيذية (المُفوّضة) تعليق العمل ببعض التدابير أو تغيير مواعيدها أو تقليص أماكنها، حسب الحاجة الفعلية دون اشتراط إصدار قرار من رئيس الجمهورية بذلك، ليصبح الأمر أقرب إلى الاختصاصات التي يُفوّض فيها رئيس الوزراء وفقا لقانون الطوارئ، والتي برزت بشدة خلال فترة جائحة كورونا للحفاظ على الصحة العامة، مع أخذ ثلاث ضرورات أساسية في الاعتبار:
فيجب أن تكون التدابير التي يجيز الرئيس اتخاذها مشروعة دستوريا ولا تتضمن افتئاتا على حقوق وحريات المواطنين، لأن القانون لم يحددها من الأصل.
ويجب ألّا تخرج القرارات التنفيذية عن الحدود التي رسمها رئيس الجمهورية لتلك التدابير، فلا تتوسع فيها بأي شكل.
والضرورة الثالثة إجرائية، بالالتزام بالعرض على مجلس النواب وعدم تجاوز المواعيد المقررة في المادة 53[1].
أما المادة العقابية المستحدثة وفقا للتعديل الأخير برقم 32 مكرر فتستحق التوقف أمامها طويلا، فهي تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب كل من خالف أيا من التدابير الصادرة وفقًا لأحكام المادة 53 من هذا القانون، والقرارات الصادرة تنفيذًا لتلك التدابير بالعقوبات المنصوص عليها فى قرار رئيس الجمهورية المشار إليه فى المادة 53 من هذا القانون، بشرط ألا تزيد العقوبة على السجن المشدد والغرامة التى لا تزيد على مائة ألف جنيه. وإذا لم ينص قرار رئيس الجمهورية المشار إليه على عقوبات حال مخالفة أي من التدابير الواردة به وكذا القرارات الصادرة تنفيذًا لتلك التدابير، فيعاقب على مخالفة أي منها بالسجن وبالغرامة التى لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيـد على 50 ألف جنيه".
ربما يبدو للبعض تصادم هذه المادة مع الدستور إذ أنها تفوض السلطة التنفيذية في تناول بعض جوانب التجريم والعقاب، سواء كان ذلك بقرار من رئيس الجمهورية أو السلطة التي ستختص بإصدار القرارات التنفيذية للتدابير التي سيحددها.
لكن الأرجح -على ضوء ما استقر من مبادئ المحكمة الدستورية العليا- أن هذه المسألة لا تعد بذاتها مخالفة دستورية، إذ أن المادة 95 من الدستور الحالي تنص على أن "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون..." وهو نفس نص المادة 66 من دستور 1971، ويختلف عن نص المادة 76 من دستور 2012 التي كانت تنص على أن "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستوري وقانوني....".
وعبارة "بناء على قانون" في النص الدستوري الحالي تسمح للمشرع بأن يفوض سلطة معينة في تناول بعض جوانب التجريم أو العقاب، فيسند المشرع من خلال القانون الاختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد بها بعض جوانب التجريم أو العقاب، وذلك لاعتبارات تقدرها السلطة التشريعية الأصلية وفى الحدود التى يبينها القانون الصادر عنها[2] ، ويؤيد هذا الاتجاه في تفسير النص الدستوري أن هذه المسألة قد طرحت بالفعل خلال مناقشات لجنة العشرة لتعديل دستور 2012، ودارت فقط حول أهمية إعادة نص "بناء على قانون" حتى لا تثور مشاكل جمة تبطل أوضاعا مستقرة في تشريعات قديمة عديدة تفوض السلطة التنفيذية إصدارقرارات مكملة للتجريم والعقاب[3].
غير أن المشكلة الأكبر في هذه المادة المستحدثة في قانون مكافحة الإرهاب هي أنها ترتب عقوبة على مخالفة تدابير وقرارات تنفيذية لها، غير معروفة بعد، وغير معروف نطاقها الجغرافي والزمني، وحتى غير محددة سلفا إجمالا، ولم تُذكر في نص المادة 53 من القانون ليتخير منها رئيس الجمهورية ما يشاء، وبالتالي فإن الأفعال المجرمة لم تحدد في النص على نحو قاطع، وستظل مشوبة بالغموض والإبهام، حتى بعد صدور قرارات رئيس الجمهورية وأي سلطة أخرى بالتدابير الاستثنائية، ذلك لأن المشرع يجب أن يحدد بنفسه أركان كل جريمة وحدودا ضيقة لنواهيها، حتى لا تتداخل معها أفعال مشروعة يحميها الدستور، وليدرك العامة بشكل واضح فحوى النص العقابي ودلالته ونطاق تطبيقه.[4]
ومن هنا يظهر فارق عملي مهم آخر بين قانون مكافحة الإرهاب وقانون الطوارئ، بشكليهما الحاليين، فالأول لا يحدد قائمة من التدابير التي يمكن لرئيس الجمهورية أن يقرر اتخاذها كلها أو بعضها، مما يعني أن له مطلق الحرية في اختيار التدابير المناسبة، وحدّه الوحيد في ذلك الالتزام بالمشروعية الدستورية وعدم المساس بالحقوق والحريات الأساسية.
أما قانون الطوارئ فإن المادة الثالثة منه بعد تعديلها الموسع بالقانون 22 لسنة 2020 فباتت تتضمن قائمة طويلة من من 24 تدبيرا، يمكن لرئيس الجمهورية الأمر باتخاذها على وجه الخصوص، وتم نسخ معظم هذه التدابير إلى مشروع قانون إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية الذي سيصدر قريبا أيضا.
وقد كان الأجدر بالحكومة والبرلمان، طالما تم التطرق إلى تعديل قانون مكافحة الإرهاب، إضافة تلك التدابير أو بعضها إلى المادة 53 لمزيد من التحديد لصالح المواطنين المخاطبين بتلك الأحكام، وصونا لحريتهم، ولتلافي وقوع القرارات التنفيذية مستقبلا في حومة المخالفة الدستورية.
استدامة قانون حماية المنشآت العامة
أقر مجلس النواب أيضا بشكل نهائي تعديلات قانون تأمين حماية المنشآت العامة والحيوية رقم 136 لسنة 2014 متضمنة تعديلين أساسيين على هذا القانون الذي صدر في أكتوبر 2014 عقب هجوم كرم القواديس الإرهابي الذي نفذته جماعة أنصار بيت المقدس الإرهابية الموالية لتنظيم داعش الإرهابي، والتي تحولت فيما بعد إلى ما يسمى بتنظيم "ولاية سيناء".
منذ ميلاده، كانت فكرة هذا القانون ببساطة تحويل جميع المنشآت العامة والمرافق الحيوية من الناحية القانونية إلى مناطق عسكرية، بحيث تتولى القوات المسلحة معاونة الشرطة في حمايتها، وأن تحال جرائم الاعتداء عليها إلى القضاء العسكري بدلا من القضاء الجنائي العادي.
وربما كان هذا حلا تشريعيا جيدا ونابها للردع في وقت كانت مصر تتعرض فيه لضربات إرهابية عديدة تستهدف بشكل خاص المرافق الحيوية وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وغيرها، لكن استدامة هذا الأمر تتعارض مع طبائع الأشياء، وتسمح بالتوسع في تفسير هذا القانون حسب الحاجة وليس وفقا للأصول الدستورية.
وتركزت التعديلات في ثلاث نقاط:
أولا: إلغاء التأقيت الذي كان يتضمنه القانون، حيث كان ينص في البداية على العمل به لمدة عامين، ثم في عام 2016 زادت إلى خمس أعوام أخرى.
ثانيا: استمرار العمل بأحكام هذا القانون بصورة اعتيادية، من خلال تولي القوات المسلحة معاونة الشرطة والتنسيق معها في حماية المنشآت العامة والحيوية.بما فى ذلك محطات وشبكات وابراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديددية وشبكات الطرق والكبارى وغيرها من المنشات والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل فى حكمها.
ثالثا: استمرار العمل بأحكام القانون بصورة اعتيادية، من خلال خضوع الجرائم التي تقع على تلك المنشآت والمرافق والممتلكات لاختصاص القضاء العسكرى. أي إحالة المتهمين فيها إلى النيابة العسكرية ثم المحاكم العسكرية.
لكن التعديل تجاهل بعض الإشكاليات الواقعية التي ترتبت على هذا القانون على مدار 7 سنوات تقريبا، كان أخطرها إحالة عدد كبير من القضايا المتهم فيها مدنيون إلى القضاء العسكري الذي أصدر فيها أحكاما نهائية بين عامي 2014 و2017، بما فيها قضايا تظاهر عادية، وكذلك قضايا وقعت أحداثها قبل صدور القانون أصلا.[5]
ولم يحالف الحظ السواد الأعظم ممن تضرروا من هذه الإجراءات في مساعيهم للمحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي، سواء لأن الوقائع التي اتهموا فيها حدثت قبل إصدار القانون أو لأنها لم تكن تنطوي على اعتداءات على المنشآت العامة، فأُلغي عدد ضئيل جدا من الأحكام التي صدرت من المحاكم العسكرية بالمخالفة لقواعد الاختصاص.
لكن أهم ما حدث هو أن بعض دوائر القضاء العسكري ارتأت من تلقاء نفسها أنها غير مختصة بنظر قضايا التظاهر العادية وبعض القضايا الأخرى التي أحيلت لها، فأكدت عدم اختصاصها وأحالتها إلى النيابة العامة، التي رفضت أيضا التصدي لها، ليصل الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا في صورة دعوى تنازع اختصاص سلبي، فأصدرت ابتداء من أكتوبر 2017 عدة أحكام باختصاص القضاء العادي بتلك القضايا.[6]
في تلك الأحكام وضعت المحكمة الدستورية قواعد واضحة لتطبيق قانون حماية المنشآت، كان يجب أن تكون تحت بصر مجلس النواب وهو يدرس التعديل المقترح من الحكومة، لضمان حقوق المدنيين المتهمين وعدم التوسع في استثناء إحالة المدنيين للقضاء العسكري من جانب، ولضمان استقرار الأحكام وعدم تضاربها من جانب آخر.
فأكدت المحكمة الدستورية أن الاختصاص ينعقد للقضاء العسكري بالفصل فى تلك الجرائم، ومحاكمة المدنيين مرتكبيها، إذا وقع الفعل خلال تطبيق القانون (وليس قبله) وإذا توافرت شروط ثلاثة:
أولها: أن يمثل الفعل اعتداءً مباشرًا على أي من تلك المنشآت أو المرافق أو الممتلكات العامة.
وثانيها: أن يقع الاعتداء حال قيام القوات المسلحة بتأمين وحماية هذه المنشأة والمرافق والممتلكات العامة تأمينًا فعليًّا وليس حكميًّا.
وثالثها: أن يكون الفعل الذى يقع على أى منها مؤثمًا بهذا الوصف طبقًا لأحكام قانون العقوبات أو القوانين المنظمة لهذه المنشآت أو المرافق أو الممتلكات العامة، باعتبارها القواعد العامة الحاكمة للتجريم والعقاب فى هذا الخصوص، والتى تتحدد على أساسها المسئولية الجنائية بالنسبة لمرتكبي أي من هذه الأفعال من المدنيين.
فإذا ما تخلف فى الفعل أو مرتكبه أى من هذه الشروط كان الاختصاص بنظر الجريمة والفصل فيها منعقدًا للقضاء العادى صاحب الولاية العامة بالفصل فى الجرائم عدا ما استثني بنص خاص وعقد الاختصاص به لجهة قضاء أخرى[7].
ومن هنا ندرك أن النص الذي صيغ به القانون وجرى عليه تطبيقه شابته مشاكل واقعية عدة، انتبهت لها دوائر بالقضاء العسكري ذاته، واسترعت اهتمام المحكمة الدستورية العليا، التي ينتمي إليها رئيسا مجلسي النواب والشيوخ[8]، وطالما ارتأت الدولة استدامة العمل بهذا القانون، فكان يتوجب أن تصقله بالضمانات، مراعاة لحقوق وحريات المواطنين، والنأي بهم عن محاكمات مشكوك في دستوريتها قد يترتب عليها ضياع سنوات طويلة من حياتهم خلف القضبان.
ومما ذكرته المحكمة الدستورية نفهم أيضا أن هذا القانون لا ينطبق على وقائع المظاهرات أو التخطيط أو النوايا أو أعمال العنف في محيط تلك المنشآت أو المرافق أو الممتلكات العامة، بل يجب أن يمثل الفعل اعتداءً مباشرا عليها، فضلا عن أنه لا يكفي القول بأن القوات المسلحة تحمي تلك المنشأة بشكل نظري أو مفترض، بل يجب أن تكون حالة التأمين والحماية "فعلية وليس حكمية" بالإضافة إلى عدم تطبيق قواعد تشريعية خاصة على الواقعة والتطبيق الحصري لنصوص قانون العقوبات أو القوانين المنظمة لتلك المنشآت أو المرافق أو الممتلكات.
كان ينبغي على الحكومة والبرلمان دراسة هذه الضوابط، وترجمتها بشكل تشريعي ليتم تطبيق القانون بصورة عادلة تتفق مع الدستور، ولمنع التوسع في الاستثناء[9]، كما كما يجب ابتداءً النظر في مدى أولوية اللجوء إلى هذا الاستثناء في ظل الظروف الحالية، وما إذا كان يلبي بالفعل الصالح العام ويحقق العدالة الناجزة كما قالت المذكرة الإيضاحية للمشروع، في ظل حقيقة أن القضاء العسكري أصبح منذ 2014 على درجتين ولا تكتسب الأحكام صفتها النهائية الباتة إلا بعد التصديق عليها[10].
هوامش
[1] يجب أن يتضمن القرار تحديد المنطقة المطبق عليها لمدة لا تجاوز ستة أشهر. ويجب عرض هذا القرار على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه، فإذا كان المجلس في غير دور الانعقاد العادي وجبت دعوته للانعقاد فوراً، فإذا كان المجلس غير قائم وجب أخذ موافقة مجلس الوزراء، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له، ويصدر القرار بموافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس، فإذا لم يعرض القرار في الميعاد المشار إليه، أو عرض ولم يقره المجلس اعتبر القرار كأن لم يكن ما لم ير المجلس خلاف ذلك. ويجوز لرئيس الجمهورية مد مدة التدبير المشار إليها بالفقرة الأولى من هذه المادة بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. وفي الحالات العاجلة التي تتخذ فيها التدابير المشار إليها في هذه المادة بمقتضى أوامر شفوية أن تعزز كتابةً خلال ثمانية أيام.
[2] راجع في ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى 43 لسنة 7 قضائية "دستورية" الصادر بتاريخ 7 مارس 1992.
[3] راجع في ذلك الاجتماع السادس للجنة الخبراء العشرة بتاريخ 30 يوليو 2013 صـ43 من هنا
[4] راجع في ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى 146 لسنة 20 قضائية "دستورية" الصادر بتاريخ 8 فبراير 2004.
[5] أحيل عدد كبير من القضايا من النيابة العامة إلى النيابة العسكرية بعد صدور قانون حماية المنشآت لأول مرة، وكان السواد الأعظم منها قد وقعت قبل صدور القانون، وذلك وفقا للكتاب الدوري رقم 14 لسنة 2014 الذي أصدره النائب العام الراحل هشام بركات. حيث كان ينص على: "إرسال القضايا الخاصة بالجرائم المشار إليها سلفاً – في أي مرحلة من مراحلها – إلى النيابة العسكرية المختصة متى طلبت ذلك" راجع هنا
[6] انظر أحكام المحكمة الدستورية العليا في القضايا أرقام 34 و35 و40 لسنة 38 قضائية "تنازع" على سبيل المثال هنا
[7] المرجع السابق
[8] صدرت أحكام الدستورية العليا في قضايا التنازع المشار إليها بشأن قانون حماية المنشآت برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، الرئيس الحالي لمجلس الشيوخ.
[9] تنص المادة 204 من الدستور الحالي على أنه "..ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى، إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداءً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها أو المنشآت التى تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم". وقد زيدت عبارة "أو المنشآت التي تتولى حمايتها" بموجب تعديلات الدستور عام 2019، وذلك اتساقا مع قانون حماية المنشآت الذي كان يطبق حينها لأكثر من 4 سنوات.
[10] راجع قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 12 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام قانون القضاء العسكري رقم 25 لسنة 1966 من هنا