ندوة الوحدة تطالب بتفعيل الاستحقاق الدستوري بحرية تداول المعلومات في ضوء استراتيجية حقوق الإنسان

الجمعة 19 نوفمبر 2021

 

 

نظمت وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية،  الخميس، ندوة بعنوان «حلم حرية تداول المعلومات: من الاستحقاق الدستوري إلى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»؛ على ضوء ما تضمنته الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقتها الدولة المصرية مؤخراً، بشأن غياب الإطار القانوني المنظم للحصول على المعلومات والبيانات والإحصائيات الرسمية وتداولها، تنفيذاً للاستحقاق الدستوري المتأخر وفقاً لنص المادة 68 من الدستور الحالي.

 

وتنص هذه المادة على ضمان حق كل مواطن في الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة، وتلزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها بشفافية، مع تنظيم ضوابط سريتها وقواعد إيداعها وحفظها، فضلا عن تجريم حجب المعلومات أو تعمد إعطائها مغلوطة.

 

واستضافت الوحدة ثلاثة من المتخصصين، وهم: النائبة د. مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والكاتب الصحفي محمد سعد عبدالحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين ومدير تحرير جريدة الشروق، والمحامي حسن الأزهري، الباحث في مسار مجتمع التقنية والقانون، بغرض استعراض الجهود السابقة لإقرار تشريع منظم لتداول المعلومات وللخروج بأفكار تشريعية محددة وواقعية، وأدار الندوة الكاتب الصحفي محمد بصل، مدير تحرير جريدة الشروق.

 

في البداية قال بصل إن قضية الحق في الوصول إلى المعلومات وحرية تداولها لم تعد رفاهية في مجتمعات العالم كافة، على ضوء التطور التقني الهائل في وسائل الاتصال والإتاحة، وازدهار الأنشطة والأعمال الاقتصادية والسياسية والفنية والبحثية، القائمة في الأساس على توافر البيانات والمعلومات الأولية، وضرورة إزالة القيود المحيطة بها، سواء كانت قيودا افتراضية صيغت في ظروف سياسية أو أمنية معينة، وسواء كانت قيودا حقيقية تفرضها البنية التحتية الضعيفة ومحدودية الإمكانيات المالية والفنية.

 

وأضاف أن إتاحة المعلومات من مختلف المستويات هي شرط رئيسي لتعزيز الشفافية، أو ما تسميه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بـ«إبلاغ الناس» مما يسهم في توسيع المشاركة والرقابة على المستوى الشعبي، وينعكس بالإيجاب على علاقة المجتمع بالدولة، مشيرًا إلى أنه من خلال المعلومات وحدها سيدرك المواطن أيا كان موقعه حقوقه وواجباته، وستتبدد أمامه الشائعات الكاذبة، وستنكشف أمامه الحقائق التي تجعله يتعامل بشكل أفضل وأكثر عملية مع حاضره ومستقبله.

 

وأشار إلى أن تلك الندوة وهذا الحديث بشأن تداول المعلومات يأتي بعد حوالي 9 سنوات على استحداث أول نص دستوري صريح عن الحق في الوصول إلى المعلومات (المادة 47 من دستور 2012) التي تم تعزيزها بصورة واضحة ودعمها بنصوص صريحة لا تخطئها عين في المادة 68 من دستور 2014 وهي القائمة حتى الآن، وأن المشرع الدستوري توجه بشكل صريح إلى الإتاحة وأن يكون المنع والسرية هما الاستثناء، كما يعكس النص بتعدد المواد محل الإتاحة، حرص المشرع الدستوري على منح المواطن حقا كاملا في الوصول إلى المعلومات التفصيلية، بصورة ميسرة تمكنه من التعامل معها، دون انتقائية إلا بمعايير السرية التي يحددها القانون، وتحت رقابة القضاء، فضلا عن حثه المشرع وضع تنظيم محكم لقواعد الإيداع والحفظ، وهو ما يتطلب أيضا توافر الإمكانيات والقدرة المالية والفنية، لمرحلة الأرشفة (رقمنة وحماية وترميم وفهرسة) ثم لمرحلة الإتاحة.

 

واختتم بأنه «على ضوء الاستحقاق الدستوري، أشارت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الصادرة مؤخرا إلى ضرورة إصدار قانون لتنظيم حق تداول المعلومات الرسمية كحق دستوري، وهو ما يدعو الآن إلى عمل مشترك بين الدولة والجهات المعنية لصياغة مشروع مقبول وواقعي ومواكب للتطورات العالمية والمحلية».

 

وتحدثت النائبة مها عبد الناصر عن مدى أولوية تنفيذ الاستحقاق الدستوري، والسمات العامة التي يجب توافرها في قانون شامل لحرية تداول المعلومات، وكيف يمكن لهذا القانون أن تكون له آثاره الإيجابية في السياق المصري الحالي قائلة إن العديد من النواب يسعون للوصول إلى تشريع يرضي جميع الأطراف، مؤكدة أنه ليس لدينا في مصر إتاحة لأي نوعية من المعلومات، على سبيل المثال المستثمر يجد صعوبة في الحصول على المعلومات التي تساعده على العمل في مصر.

 

وأشارت إلى أن القانون ليس بجديد بل أنه موجود في العديد من دول العالم، لكن هناك أشخاص وأطراف غير مؤمنين بأهمية حرية تداول المعلومات في مصر عموما، مؤكدة أن هناك ضرورة لإفهامهم مدى أهمية هذا القانون وأنه لا يضر بالأمن القومي، بل أنه حق دستوري ويأتي في ضوء الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وأن هناك تجاربا لدول أخرى توضح أهمية هذا القانون وأثره الإيجابي المتوقع على المجتمع وصورة مصر في الخارج.

 

وأوضحت النائبة أن أي مشروع يخرج للنور يُظهر أن مصر تسير في اتجاه الشفافية وحرية الرأي وإتاحة المعلومات سيحسن من شكل مصر؛ خاصة أن هناك تحفظات من المجتمع الدولي على مصر كدولة فيما يتعلق بمثل هذه الأمور، لافتة إلى أن القانون سيساهم في خلق بيئة معلوماتية تساعد المستثمرين والمقبلين على العمل التطوعي والمدني وحتى الشراكة مع الدولة في بعض القطاعات الخدمية في تكوين رؤية صحيحة وواقعية عن المجتمع مستندة على معلومات.

 

وعبرت عبد الناصر عن حلمها في تدشين بوابة إلكترونية موحدة تساعد المواطن في الحصول على المعلومات، وأن يكون التحول الرقمي أساس إتاحة المعلومات، مشيرة إلى أن التشريع سيحدث نقلة كبيرة بشأن تداول المعلومات في مصر، قد تحدث أخطاء في التطبيق في البداية وقد تأخذ وقت ولكن التجربة ستطور نفسها، مؤكدة على أن القانون سيجرم عدم إتاحة المعلومة إذا لم تكن سرية، ضاربة مثالا بالوضع في أمريكا وبريطانيا والهند، وأن المعلومات يمكن أن تكون مصدرا كبيرا للدخل بالنسبة للدولة عند التعامل مع المستثمرين وغيرهم من الفئات الذين يبنون أعمالهم على المعلومات، مع تخصيص أسعار منخفضة للطلاب والباحثين والمجالات غير الهادفة للربح.

 

وكشفت النائبة عن شروع الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي في إعداد مسودة مشروع لضمان حق تداول المعلومات، لتقديمه للبرلمان، ستتضمن صياغات محددة لطريقة الحفظ والأرشفة والإتاحة وآلياتها، بالإضافة إلى فكرة البوابة الإلكترونية الموحدة، رافضة تفويض التحكم فيها إلى مفوضية أو هيئة أو مجلس أعلى، بحيث تقوم كل جهة على شئون جمع بياناتها المختلفة وتصنيفها وحفظها وإتاحتها دوريا.

 

فيما قال عضو مجلس نقابة الصحفيين محمد سعد عبد الحفيظ إن دستور 2014 لازالت به مواد عظيمة في باب الحقوق والحريات والتي لم تحول إلى تشريعات حتى الآن، ولكنه معربا عن قلقه من طرح قضية تداول المعلومات حاليا، ذلك لأن المؤسسة التشريعية في مصر كلما ناقشت قانون ينادي بحرية الرأي أو تداول المعلومات يكون نتيجته تقنين فكرة الحجب والتغييب وعدم إشراك المواطن في الحوكمة والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، مستطردا: "كلما انعقد المجلس لمناقشة تشريعات خاصة بالحريات، فأعلم أن أساسها سيكون التقييد لا الإتاحة".

 

وضرب عبد الحفيظ مثلا بالقوانين المنظمة للعمل الإعلامي في مصر التي خرجت للنور في عام 2018 مشيرًا إلى أن مجلس النواب السابق لم يأخد بالملاحظات الفنية لنقابة الصحفيين على القانون ليخرج تشريع يقيد الصحفي وفرصته في الحصول على المعلومات وممارسة العمل الذي ينتظره المواطن منه، فأقر موادا تعاقب على التغطية الصحفية في الشارع بدون تصريح، وتقيد حق تغطية المناسبات والمحاكمات المختلفة، فضلا عن خروج لائحة الجزاءات بصورة مزايدة في الفكر العقابي وتقييد الحريات الصحفية، مثلما تضمنته بحظر نشر أخبار عن مصادر مجهلة، وهو ما يضرب جوهر العمل الصحفي القائم على الثقة المتبادلة والتراكمية بين القارئ والصحيفة.

 

وانتقد عبدالحفيظ ما وصفه بتقنين الإجراءات الاستثنائية التي شهدتها مصر في فترة سابقة خلال محاربة الإرهاب والتخوف من نفاذه للمجتمع المصري، مشيرا إلى أنه كتب مرارا وتكرارا عن أن تراجع ثقة المواطن في الإعلام المصري جعله ينصرف إلى الإعلام المعادي الذي يبث من الخارج في دول تحاول الضغط على مصر حتى لو كان غير مهني لأنه يمثل صوتا مختلفا عن السائد، فضلا عن أن تراجع إتاحة المعلومات خاصة في الموضوعات المفيدة الماسة بمصالح المواطنين أدى إلى التفات المواطن إلى محتوى إعلامي ضعيف وسطحي على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم فإت هناك ضرورة إلى السماح للإعلام للقيام بدوره وتفعيل حقه في الحصول على المعلومات.

 

وضرب عبدالحفيظ مثالا عمليا لضرورة تحقق الشفافية الحكومية بالقضية الأخيرة في وزارة الصحة والتي أدت إلى وضع غريب بفراغ موقع الوزيرة منذ أسبوعين تقريبا، دون إفصاح عما حدث بالضبط، لتنتشر الشائعات التي تؤثر سلبا على صورة الحكومة وسير العمل في وزارة حيوية لها دور بالغ الخطورة في مصر حاليا، مطالبا بحق وسائل الإعلام في المعرفة وإبلاغ المواطنين بالحقائق كاملة، كما يحدث في دول العالم التي تؤمن بمشاركة المواطن في الرقابة والتشريع.

 

واتفق المحامي حسن الأزهري مع عبد الحفيظ فيما يخص تقييد العمل الصحفي ضاربا مثلا بالمادتين 10 و 30 من قانون الصحافة الإعلام حيث إن المادة 10 تكفل للصحفي الحصول على المعلومات ولكن المادة مذيلة بعبارة بما لا يتعرض مع مقتضيات الأمن القومي، والمادة الأخرى التي تشترط أن يكون مصدر المعلومات واضحًا، في ظل غياب قانون يسمح للصحفي أو غيره بالحصول على المعلومة، مشيرا إلى أن هذا النوع من الصياغات لا يجوز التوسع فيه، ليكون القانون تاما ضامنا للحق ونافذا بذاته.

 

وأضاف أن المادة 68 من الدستور فتحت الطريق إلى 3 مناطق ستثير نقاش المشرعين خلال وضع قانون بشأن حرية تداول المعلومات؛ النقاش الأول فيما يخص تعريف الأمن القومي الذي يجب أن يعرفه بشكل واضح يتم الاتفاق عليه، حيث إن العبارة أصبحت مطاطة ومقيدة للعديد من القوانين، والنقاش الثاني الاتفاق على كيفية التعامل مع المعلومات المتعلقة بحرمة الحياة الخاصة، والنقاش الثالث المدة التي يتم بعدها إتاحة المعلومات التي كانت تصنفها الدولة في فترة من الفترات على أنها سرية

 

وأشار الباحث القانوني بمسار مجتمع التقنية والقانون، إلى أن هناك التزاما إيجابيا وآخر سلبيا فيما يخص قانون حرية تداول المعلومات؛ الإيجابي هو أهمية وجود قانون التزاما بتفعيل النص الدستوري، أما السلبي فبضمان عدم خروج القانون بشكل مقيد ومن ثم هناك ضروري للمراجعة التشريعية لبعض القوانين التي خرجت في الفترة الماضية والتي قد تتعارض مع قانون تداول المعلومات مثل القانون الخاص بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وقانون دار الوثائق المصرية، وبعض القوانين التي تنظيم عمل الأجهزة الأمنية في مصر، وقانون تنظيم الإعلام والصحافة.

 

وأكد الأزهري أن غياب المعلومات لا يؤثر سلبيا على المواطن فقط، ولكن تأثيره السلبي الأكبر على الدولة، موضحًا أن التحول الرقمي ليس هدفا بذاته وإنما وسيلة لأهداف أخرى منها الحصول للمعلومات بسهولة وتصنيفها لتكون مفيدة للحكومة والمواطن.

 

وشدد على ضرورة أن يتضمن القانون إلزام الجهات الحكومية بما يسمى النشر الاستباقي للمعلومات، ما يساهم في تقليل نشر المعلومات الكاذبة وتسهيل الحصول عليها.

 

وذكر الأزهري أن هناك مشروع قانون لتنظيم حق تداول المعلومات موجود فعلا في أدراج مجلس الوزراء منذ 2018 واصفا إياه بأنه جيد للغاية والمآخذ عليه بسيطة وغير مؤثرة، ومن الممكن أن يتم تحديثه في إطار البيئة التشريعية الجديدة التي تعيشها مصر بعد تغيير العديد من القوانين المهمة خلال السنوات الثلاث الماضية، مع المطالبة بعدم إحالة تنظيمات كثيرة إلى اللائحة التنفيذية، خوفا من تعطيل الحقوق لحين صدورها، ضاربا لهذه النقطة مثلا بقانون حماية البيانات الشخصية، الذي وصفه بالممتاز، لكنه مازال معطلا لعدم صدور لائحته.