إشكالية جديدة: المنازعات الحكومية حائرة بين لجان وزارة العدل ومجلس الدولة
* الكاتب: محمد عبدالرحيم - محام بالاستئناف
بتاريخ 11/11/2020 قرر مجلس الوزراء بجلسته الرقيمة "117" تشكيل لجان بوزارة العدل تكون مهمتها تسوية المنازعات بين الجهات والهيئات الحكومية، وقد أكد المجلس على ذات الأمر بجلسته الرقيمة "158" بتاريخ 1/9/2021 والتي صدر عنها كتاب دوري إلى جميع الوزراء ينبه إلى ضرورة إنهاء جميع المنازعات القضائية بين الجهات الحكومية وبعضها، وتسوية أي نزاع من خلال لجان إنهاء المنازعات الحكومية بوزارة العدل، دون اللجوء إلى القضاء، والتنبيه على المرؤوسين بعدم رفع أية دعوى قضائية ضد جهة حكومية.
وقد ثار جدل حول هذا الأمر، عما إذا كانت قرارات هذه اللجان ملزمة أم لا؟ وهل يجوز منع الجهات الحكومية من اللجوء إلى القضاء والتعامل فقط مع النزاعات من خلال تلك اللجان؟ وهو ما نحاول الرد عليه في السطور القادمة.
من نافله القول أن هذا الموضوع سبق تنظيمه بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 494 لسنة 2011 الصادر بتاريخ 9/4/2011 ولا مراء أن هذا أمر محمود لكونه يقضي على ظاهرة تقاضي الجهات الحكومية ضد بعضها البعض وهم يمثلون نفس المصلحة وأحيانا نفس الجهة وتتعل معظم النزاعات بنفس المال العام.
إلا أن هذه اللجان في تقديرنا تتعارض مع قانون مجلس الدولة، والمادة 66 فقرة "د" تحديدا والتي تنص على أن "تختص الجمعية العمومية لقسم الفتوى والتشريع بإبداء الرأي فى المسائل والموضوعات الآتية…..(د) المنازعات التى تنشأ بين الوزارات أو بين المصالح العامة أو بين الهيئات العامة أو بين المؤسسات العامة أو بين الهيئات المحلية أو بين هذه الجهات وبعضها البعض. ويكون رأي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع فى هذه المنازعات ملزما للجانبين.
وقد تأكد هذا الاختصاص الأصيل والحصري بموجب حكم حديث أصدرته دائرة التوحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 57818 لسنة 60 ق.ع بجلسة 4/5/2019 انتهى إلى أن "هذا الاختصاص اختصاص مانع لا تشاركها فيه أية جهة أخرى" أخذا في الاعتبار أن الاختصاص الولائي من النظام العام.
كما سبق للمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى موضوع) أن قضت بأن ما يصدر عن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع طبقا لاختصاصها المعقود لها في المادة 66 فقرة "د" هو ملزم لجهات الدولة كافة، وذلك في حكم حديث في الطعن رقم 5582 لسنة 48 ق.ع بجلسة 25/5/2013.
وعلى الرغم مما تحققه هذه اللجان المستحدثة من فوائد، فهي فى نظرنا مشوبة بالبطلان وعدم المشروعية، لكونها أُنشأت افتئاتا على اختصاص أصيل وحصري للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وهي جهة قضائية خالصة من حيث التشكيل والاختصاص، بعكس هذه اللجان.
فهي ولئن كان يغلب عليها التشكيل القضائي إلا أنها في تقديرنا تعد لجانا إدارية، لا سيما وأنها أُنشأت بقرار إداري، وما يصدر عنها لا يعدو كونه قرارا إداريا أيضا، وليس بعمل قضائي، وبالتالى يجوز الطعن عليه أمام القضاء المختص، فيفرغ ذلك الفكرة من مضمونها، ولا يحقق هدفها المرجو.
الأمر الذي يختلف تماما في اختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، المكونة من قضاة فقط، والمشكلة بموجب الدستور والقانون، والتي يصدر عنها فتاوى قضائية ملزمة للمتنازعين.
ولتلبية الأهداف الإيجابية لهذه الفكرة، وحفاظا على الأموال والمصالح العامة وجهد ووقت الجهات القضائية المختصة، نرى ضرورة التوسع في تفعيل دور الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع، وذلك عن طريق إصدار تكليفات واضحة للجهات والهيئات الحكومية بإحالة جميع النزاعات بين بعضها البعض إلى تلك الجمعية، والتي عليها أيضا تطوير أدائها من خلال طريق إتاحة الفرصة لإبداء الدفاع وسماع الإيضاحات من الجهات الحكومية، خلال جلسة شهرية من جلساتها، ليتحول نظر هذا النوع من النزاعات إلى إجراءات أقرب لطريق التحكيم، منها إلى الإفتاء القانوني المعتاد بعد استعراض ودراسة الأوراق المرسلة من الطرفين فقط، أو تكليفهما بتشكيل لجنة مشتركة لفض النزاع.
وإذا تحقق هذان الشرطان؛ بالتوسع في إحالة النزاعات إلى الجمعية وتطوير أدائها، نكون قد حققنا الهدف المنشود في تقليل التنازع، وتوفير الجهد في منازعات بين جهات الدولة، مع ضمان إسناد الاختصاص لجهته الأصيلة قانونا والمؤهلة علميا وفنيا للفصل في هذا النوع من النزاعات، وبصورة تتفق مع صحيح الدستور والقانون.