حكم قضائي يكشف شبهات عدم دستورية عقوبة الحبس بقانون الغش في الامتحانات

الأربعاء 12 مايو 2021

 

 

أصدرت دائرة الجنح المستأنفة بمحكمة جنوب بنها الابتدائية، حكماً حديثاً بإحالة المادة المتعلقة بتوقيع عقوبة الحبس على مرتكبي الغش في الامتحانات بقانون مكافحة أعمال الإخلال بالامتحانات إلى المحكمة الدستورية العليا، لشبهة عدم دستوريتها.

 

صدر الحكم برئاسة المستشار أحمد وسام قنديل، وعضوية المستشارين محمد عز الدين ومينا نعمان.

 

وتنص الفقرة الأولى من المادة الأولى بالقانون رقم 101 لسنة 2015 المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 2017 المشتبه في دستوريتها على أنه: «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، ومع مراعاة أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مائتي ألف جنيه كل من طبع أو نشر أو أذاع أو روج بأي وسيلة أسئلة الامتحانات أو أجوبتها في جميع المراحل، وكان ذلك قبل عقد لجان الامتحان أو أثنائها، بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام للامتحانات سواء وقعت الجريمة داخل لجان الامتحان أو خارجها».

 

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إنه تراءى لها أثناء نظر الدعوى مخالفة نص تلك الفقرة لعدد 11 مادة بالدستور المصري الساري، وهي المواد أرقام 19 الخاصة بكفالة الحق في التعليم لكل مواطن، و33 الخاصة بحماية الملكية العامة والخاصة والتعاونية، و35 الخاصة بصون الملكية، و54 الخاصة بصون الحرية الشخصية، و82 الخاصة بكفالة الدولة لرعاية الشباب والنشء، و92 الخاصة بعدم تعطيل أو انتقاص الحقوق الشخصية اللصيقة بشخص المواطن، و94 الخاصة بسيادة القانون واستقلال القضاء، و96 الخاصة بالتأكيد على أن المتهم بريء حتة تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، و99 الخاصة بتجريم الاعتداء على الحربة الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، و184 الخاصة باستقلال السلطة القضائية، وأخيرا المادة 186 الخاصة بالنص على استقلال القضاة.

 

ونوهت المحكمة إلى أنها توجه المناعي الدستورية للنص الملغي دون النص الجديد الصادر بالقانون رقم 205 لسنة 2020 باعتبار أن النص الملغي هو النص واجب التطبيق على الدعوى الموضوعية المطروحة على المحكمة والذي ارتكبت الواقعة الجنائية في ظل سريان أحكامه قبل إلغائه، وعلى اعتبار أن النص الجديد لم يأت بأحكام مغايرة للنص الملغي يتحقق له بها وصف القانون الأصلح للمتهمين.

 

وتابعت المحكمة بأن النص الجديد أبقى على نفس الأحكام الموضوعية للنص الملغي، وزاد عليها، بما لا يسوغ معه للمحكمة تطبيقه على الدعوى تقيداً منها بالقاعدة العامة لنطاق تطبيق القاعدة القانونية العقابية من حيث الزمان، والتي تقتضي أن يتم تطبيقها على الوقائع المرتكبة أثناء سريانها ما لم يصدر قانون أصلح للمتهم قبل صدور حكم بات في الدعوى.

 

وركزت المحكمة في حيثيات حكمها على مخالفة نص المادة المشتبه في دستوريتها لمبدأ تناسب العقوبة وعدم قسوتها، مؤكدة أن التأثيم الجنائي لفعل الغش في الامتحانات ليس من السهل تفسيره، مؤكدة أن فعل الغش رغم دناءته وخطره الذي يمثل تهديداً مباشراً لمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلبه، وإثارته للفوضى واللغط بين المواطنين من أولياء الأمور، وكونه خللاً أخلاقياً يشكل ضررا مباشرا للدولة المصرية وأمنها القومي، وتهديده للنظام التعليمي بأكمله، إلا أنه يظل بالنسبة للطلبة – في سن المتهمين (طالب وطالبة بالمرحلة الثانوية العامة)- في نهاية المطاف، انحرافاً سلوكياً وأخلاقياً طبيعياً، لا بخرجون به عن الناموس البشري لهم ولمرحلتهم العمرية.

 

وأشارت المحكمة إلى أن التشريعات المقارنة على مستوى العالم خلت جميعها من التأثيم الجنائي لهذا الفعل، اكتفاءً بتوقيع الجزاء التأديبي على هؤلاء الطلاب حفاظاً على مستقبلهم، مؤكدة أن المجتمع المصري ليس بمعزل عن المجتمعات العربية والدولية، وكذلك الثقافة المصرية والتي شأنها في ذلك شأن باقي الأمم والمجتمعات التي تلفظ فعل الغش ولا تستمرئه، إلا أنها لم تعبتره من الجرائم الجنائية، تحرزاً لخطورتها، وما تعبر عنه الجرائم الجنائية من خروقٍ فجة للنواميس الخلقية، ومروقٍ على القواعد الاجتماعية، وما تنم عنه من نفس إجرامية، تمثل خطرا داهماً على أمن المجتمع وتماسك عناصره، بما يبرر للمشرع التعدي على الحريات الشخصية لمرتكبيها.

 

وأوضحت المحكمة أنه كان ينبغي على المشرع أن يفرق في هذا التأثيم، بين من يتعمدون النشر والإذاعة بقصد تسريب الامتحانات والإخلال بالنظام العام لها، ومن يقومون بذلك بهدف شخصي متعلق برغبتهم في اجتياز الامتحان وإجابة ما فات واستعصى عليهم تحصيله، وأن يكون الجزاء على هذا الفعل متناسباً مع الغرض من ارتكاب الجريمة.