تعيين القضاة بالمحكمة العليا الأمريكية بين مطرقة القانون وسندان السياسة

المستشار محمد عبدالفتاح عبدالبر

الثلاثاء 16 مارس 2021

 

* الكاتب: المستشار محمد عبدالفتاح عبدالبر - المستشار المساعد (أ) بمجلس الدولة

 

 مُلَخَّص المقال (بالعربية والإنجليزية)

    تطرق هذه الدراسة إحدى مناطق التماس الأشد خطورة بين المجال القانوني وتكتيكات السياسة، وهي مسألة تعيين القضاة بالمحاكم العليا، وما يرتبط بذلك من إشكاليات دستورية، وما تفضي إليه هذه الإشكاليات من واقع سياسي مأزوم. وعادة لا يكتسب تعيين هؤلاء القضاة اهتماماً كبيراً إلا في الأنظمة السياسية التي تتكافأ فيها موازين القوى بين مؤسساتها المختلفة في ظل نوع من الرقابة المُتبادلة، بحيث لا يكون لسلطة واحدة اليد الطولى في رسم وإقرار السياسات دون حسيب أو رقيب. ولا يجدي نفعاً إنكار أن لبعض الاعتبارات السياسية دوراً أثناء عملية اختيار قضاة المحاكم العليا، لكن حدود هذا الدور هو المؤشر الذي يمكن من خلاله قياس حرص أي نظام سياسي على إيجاد مرفق قضائي مُستقل ومُستقر، لا تعصف به زوابع السياسة ويحظى بتقدير الجمهور. وتُعد المحكمة العليا الأمريكية أبرز نموذج يُمكن من خلاله إيضاح كيف تلعب السياسة دوراً وازِناً في النشاط القضائي. ولتحجيم هذا الدور ينبغي على كافة القائمين على إدارة المشهد السياسي إبعاد المحكمة - قدر استطاعتهم - عن انقساماتهم الحزبية وصراعاتهم السياسية، وألا يسمحوا بأن تغدوا ساحتها أرضاً لمعاركهم السياسية. وبالمثل فعلى قضاة المحكمة مسئولية خطيرة في أن يحرصوا كل الحرص على النأي بأنفسهم عن ورود مزالق السياسة، وأن يختطوا لأنفسهم في عملهم القضائي سبيلاً قواماً بين الإسراف في الحذر والغُلُوّ في الإقدام.

 

Brief

    This study focuses on one area of contiguity between the legal field and policy tactics, which is the issue of appointing high courts Justices, the constitutional dilemmas that follow, and the intricate political reality that results. Usually, the appointment of high courts Justices does not gain much attention except in regimes in which the balance of power between their various institutions is maintained under a kind of checks and balances, so that no single authority has the upper hand in policy making process without being accountable or oversight. It would be of little importance to deny that some political considerations play a role during the process of appointing high courts Justices, but the scope of this role is the touchstone by which any political regime’s eagerness to have an independent and stable judicial system is checked, a system that is not undermined by frequent political whirlwinds and is respected by the public. SCOTUS is the typical example that shows how politics plays a prominent role in judicial activity. To limit such role, politicians should distance the Court from their partisan controversies, and immune its hall from becoming a battleground for their political wars. By the same token, Justices should keep themselves out of the political thicket, and abide themselves by the judicial self-restraints, lest find themselves in the middle of the stormy sea of politics.

 

 مُقدمة

     تُمارس المحاكم العليا في كافة الأنظمة المُقارنة أدواراً متنوعة ومتداخلة، قانونية غالباً وسياسية في أحيان أخرى. ولأحكامها آثار تطال البناء الاجتماعي والاقتصادي بالدولة، حتى أن الرئيس الأمريكي «روزفلت» هَدَّد في ثلاثينيات القرن الماضي بتعبئة المحكمة العليا بقضاة موالين لسياساته الاقتصادية عندما أحَسَّ بأن المحكمة العليا تقف حجر عثرة أمام سياسات الاتفاق الجديد New Deal التي تبناها آنذاك، مُستهدفاً إصلاح النظام المالي وإنعاش الوضع الاقتصادي المُتردي على خلفية الكساد الكبير Great Depression الذي حَلّ بالاقتصاد الأمريكي في تلك الفترة. وهكذا فإن تعيين قاض بأي محكمة عليا أمر تتجاوز تداعياته مجرد شَغْل مقعد شاغر بمنصة قضائية رفيعة - بالطبع في الأنظمة التي تلقى فيها أحكام القضاء احتراماً من سلطات الدولة.

     ومن ناحية أخرى يتسيج العمل القضائي بمصفوفة من الضمانات الحامية أهمها استقلاليته وحصانته. وإذا كان ضمان استقلال القضاء ضرورة حتمية لأي نظام سياسي يرفع شعار دولة القانون، فلابد لكي يتحقق هذا الاستقلال أن تتكامل له عناصره، وأحد هذه العناصر أن يكون القاضي على يقين تام بأن مصيره بيد القانون وحده، وأن قضائه على أي وجه ارتأى فيه عدلاً لن يكون سبباً في عزله أو مجرد التضييق عليه([1]).

     وطبقاً لنصوص الدستور الأمريكي، فإن أمر تعيين قاض جديد بالمحكمة العليا موكول إلى الرئيس – الذي يملك سلطة الترشيح، ومجلس الشيوخ – الذي بيده سلطة التصديق على ترشيح الرئيس([2]). غير أنه قلما تجري الأمور بهذه المثالية والسلاسة. فخلف الكواليس توجد مراكز قوى تؤثر على مسألة التعيين، كتكتلات المصالح وجماعات الضغط. يأتي بعد ذلك دور الصحافة والإعلام والرأي العام. وحقيقة الأمر أنه لا يمكن فصل أدوار هؤلاء اللاعبين غير المُباشرين عن بعضهم. فلجماعات المصالح أذرع إعلامية وصحفية نافذة تؤثر على الرأي العام وتوجهه. وقد يصل الأمر للطعن في سلوك المرشح الشخصي لإقصائه عن المحكمة.

     ولشرح الدور الذي يقوم به هؤلاء اللاعبون في التأثير على حظوظ مرشح بعينه أو إبعاده عن المنصب لا بد من الرجوع إلى تاريخ المحكمة العليا. ومن بين أمثلة كثيرة، سنستشهد هنا بمثالين اثنين من تاريخ المحكمة العليا، المثال الأول رفض فيه مجلس الشيوخ - الذي كان خاضعاً لسيطرة الديمقراطيين آنذاك - التصديق على ترشيح الرئيس «ريجان» لـ«روبرت بورك» ليحل محل القاضي «لويس باول». والمثال الأخر أيد فيه مجلس الشيوخ ترشيح الرئيس جورج بوش (الأب) لـ«كلارنس توماس» ليحل محل القاضي «ثيورجود مارشال»، على الرغم من أن أغلبية مجلس الشيوخ كانت من نصيب الديمقراطين في تلك الفترة.  

     «روبرت بورك»:

     بحلول عام 1987 أصبح مجلس الشيوخ في يد الديمقراطيين، في وقت ضعفت فيه قوة الرئيس «ريجان» – الجمهوري – بسبب أزمة إيران كونترا Iran–Contra([3]). وبُعيد أن شغر أحد مقاعد المحكمة العليا قام «ريجان» بترشيح القاضي «بورك» ليحل محل القاضي «باول». وتحولت عملية التصديق على ترشيح «بورك» إلى حملة تشويه ضده. و ذلك على الرغم من أن «بورك» يُعتبر من أفضل الترشيحات تاريخياً. وبالرغم من تميزه المُلفت في العديد من جوانب القانون الدستوري، إلا أن جماعات الضغط بدأت في الترويج لرفض ترشيحه، وتم استخدام دعاية مضادة له لا تتسم بالدقة. وكانت التهمة الأساسية المنسوبة إليه هو كونه لا يسبح مع التيار السائد، بعبارة أخرى أنه قاضي غير تقليدي، رغم أن آرائه كان لها تأثير كبير على أحكام المحكمة العليا. وفي النهاية تم تسييس ترشيحه إلى أن نجحت جماعات الضغط في بلوغ هدفها بإبعاده عن المحكمة([4]).

     «كلارنس توماس»:

     بعد تقاعد القاضي «مارشال» رَشَّح «جورج بوش» الأب القاضي المحافظ «كلارنس توماس» ليحل محله. وشكّل «توماس» خطراً على جماعات المصالح الليبرالية. وأمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ أجاب «توماس» على مئات الأسئلة التي وجهتها له اللجنة على مدار خمسة أيام. ولم تستسلم جماعات المصالح أمام ترشيحه، فبالتعاون مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ وبعض وسائل الإعلام تم التنقيب عما قد يسيء إليه توصلاً لرفض ترشيحه. ووصل الأمر لاتهام «توماس» بواقعة تحرش جنسي للتأثير على ترشيحه. وقامت بعض جهات التحقيق الفيدرالية ببحث هذا الادعاء. وفي نهاية الأمر تم التصديق على ترشيح «توماس».

      ومؤخراً حدث نفس الشيء أثناء عملية التصديق على ترشيح «ترامب» للقاضي «كافانو» ليحل محل القاضي «كينيدي» والذي شغر مقعده بتقاعده. فأثناء جلسات الاستماع أمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ وُجِّهَت لـ«كافانو» اتهامات بسوء السلوك الجنسي في فترات سابقة من حياته، إلا أن مجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه أغلبية جمهورية نجح في تجاوز هذه الاتهامات وذلك بالتصديق على ترشيح الرئيس الأمريكي في أكتوبر 2018، في عملية تصديق وصفت بأنها تمت على أساس حزبي بحت.

...

    وإيماناً بالدور الخطير الذي تلعبه المحاكم العليا، وسعياً - في ذات الآن - وراء ضمان استقلال مرفق القضاء، عَمَدَت بعض النظم القانونية إلى تحرير القضاة من أية قيود تتعلق بمدد خدمتهم؛ فالقاضي لا يبارح منصته إلا بوفاته، أو مرضه مرضاً لا يقوى معه على مباشرة عمله، أو بتقاعده إرادياً.

     والسؤال هنا هل حققت سياسة تحرير مُدد خدمة القضاة من أية قيود زمنية الغاية المنشودة في ضمان استقلال مرفق القضاء في النُظم التي عملت بها؟ ويرتبط بالسؤال السابق التساؤل عن مدى انسجام سياسة تعبئة المحاكم (أي زيادة أو إنقاص عدد القضاة بها تحقيقاً لأغراض سياسية) مع مبادئ الديمقراطية، وما يقتضيه حُسن إدارة مرفق القضاء.

     تُعد الولايات المتحدة الأمريكية مثالاً نموذجياً لتحرير فترة خدمة القضاة بالمحاكم العليا من أي قيد زمني؛ إذ أجدب الدستور الأمريكي عن ثمة نص يضع حداً أقصى من السنوات لخدمة قضاة المحكمة العليا([5])، وإن كان القانون الفيدرالي قد حَدَّد عدد قضاتها بتسعة قضاة([6]).

    وقد أدى عدم وضع سقف زمني لخدمة قضاة المحكمة العليا أن تسللت الاعتبارات السياسية إلى عملية ترشيح الرئيس الأمريكي لأي قاضٍ للالتحاق بالمحكمة، وكذا تصديق مجلس الشيوخ على هذا الترشيح. فأهمية العضوية بالمحكمة العليا وخطورة الدور السياسي الذي قُدر للمحكمة أن تلعبه في الواقع الأمريكي جعلت من تعيين أحد القضاة بها مغنماً سياسياً كبيراً، حتى أن أحد مظاهر نجاح أي رئيس أمريكي هي قدرته على تعيين أكبر عدد من القضاة المحسوبين على تياره السياسي خلال فترة وجوده بالبيت الأبيض([7]).

      ومع الاعتراف بأن نجاح كهذا لا يرتبط بالدهاء السياسي للرئيس؛ كونه رهناً - في المقام الأول والأخير - بشغور أحد المقاعد التسعة بالوفاة أو التقاعد، وهي مسألة لا تحددها إرادة الرئيس، إلا أن دقة الاختيار والقدرة على استشراف توجهات أحد المرشحين مسألة لا تبدو سهلة، حتى أن الرئيس الجمهوري «أيزنهاور» وصف تعيينه لكل من «وارن» و«برينان» بالمحكمة العليا بأنه أكبر حماقات فترة رئاسته، وذلك لما كشف عنه عملهما القضائي فيما بعد من نزعة ليبرالية([8]).

   ولا شك أن استمرار عضوية القاضي بالمحكمة مدى حياته يعني عملاً تزايد احتمالات سيطرة أغلبية معينة داخل المحكمة لفترات طويلة، قد تمتد لعقود. ونتيجة كهذه تضمن لتيار سياسي معين الغلبة داخل المحكمة، حتى وإن ترك الرئيس الأمريكي منصبه أو تغيرت الأغلبية بالكونجرس مع كل انتخابات رئاسية أو تشريعية، وهو أمر قد تكون له آثار كبيرة على علاقة المحكمة بأحدهما أو كليهما.

    وإذا كان تعيين أحد القضاة بالمحكمة العليا مسألة لها تداعيات خطيرة على نحو ما تقدم، فإن هذه الخطورة تتضاعف كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية وأوشكت ولاية الرئيس أن تنقضي. فإذا صادف شغور أحد المقاعد التسعة قرب خروج الرئيس من البيت الأبيض - بانتهاء فترته الأولى أو الثانية - فإن عملية ترشيح أحد القضاة وتصديق مجلس الشيوخ - إذا لم تكن الأغلبية المُسيطرة عليه من حزب الرئيس - على هذا الترشيح تكون على صفيح سياسي ساخن.     

 

     وفاة «سكاليا» وتعيين «جورساتش» عام 2016

     في فبراير 2016 توفى القاضي المُحافظ «سكاليا»، وفي هذا الوقت كانت الفترة الثانية للرئيس «أوباما» في نهايتها. وقد حاول الأخير تعيين أحد القضاة الليبرالين بالمحكمة - «ميريك جارلاند» - إلا أن مجلس الشيوخ الذي كانت تسيطر عليه أغلبية جمهورية آنذاك حال دون إتمام إجراءات الترشيح، بقالة أنه لا يجب تمكين البطة العرجاء lame-duck president – وهو تعبير يُطلق على الرئيس الأمريكي في أواخر فترته الرئاسية – من القيام بترشيح أحد القضاة للمحكمة العليا إذا ما شغر أحد مقاعدها، وذلك على الرغم استطالة الفترة بين وفاة «سكاليا» وانتهاء ولاية «أوباما» الثانية في يناير 2017 - والتي بلغت إحدى عشر شهراً تقريباً. وعلى أي حال فقد رَشَّح «ترامب» القاضي المُحافظ «جورساتش» ليحل محل «سكاليا»، وهو الترشيح الذي صَدَّق عليه مجلس الشيوخ في أبريل 2017([9]).

     وفاة «جنسبرج» وتعيين «باريت» عام 2020

     في 18 سبتمبر 2020 توفت القاضية الليبرالية «جنسبرج»، وفي هذا الوقت أيضاً كانت الفترة الأولى للرئيس «ترامب» قد أوشكت على الانتهاء. وفي اليوم التالي لوفاة «جنسبرج» خرج زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور «ميتش ماكونيل» ليؤكد على عزم مجلس الشيوخ التصويت على ترشيح «ترامب» لعضو جديد بالمحكمة العليا ليشغل مقعد «جنسبرج».

     وقد برر زعيم الأغلبية هذه المفارقة بين موقف الكونجرس عقب وفاة «سكاليا» وموقفه عقب وفاة «جنسبرج» بأنه من ثمانينات القرن التاسع عشر لم يسبق أن قام مجلس الشيوخ بالتصديق على ترشيح رئيس أمريكي من الحزب الأخر في عام الانتخابات الرئاسية. بعبارة أخرى ففي السنة الأخيرة للرئيس الأمريكي إذا ما شغر أحد مقاعد المحكمة العليا فلن يستطيع هذا الرئيس أن يرشح عضواً بالمحكمة إلا إذا كانت أغلبية مجلس الشيوخ من حزبه.

      وجدير بالذكر أنه سبق وأن نال ترشيح الرئيس الجمهوري «رونالد ريجان» للقاضي المُحافظ «أنتوني كينيدي» دعماً من مجلس الشيوخ الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيين في ذلك الوقت. صحيح أن ترشيح «كينيدي» كان في نوفمبر 1987، أي قبل العام الأخير من رئاسة «ريجان» الثانية، إلا أن تصديق مجلس الشيوخ على هذا الترشيح كان في فبراير 1988، أي في العام الأخير من رئاسة «ريجان»، والذي انتهت فترة رئاسته الثانية في يناير 1989.

    وأياً ما كان وجه الرأي في هذه التفرقة إلا أنها تؤكد على إدراك اللاعبين السياسيين الأمريكيين خطورة تعيين أحد القضاة بالمحكمة العليا؛ سيما إذا كان هذا التعيين مؤثراً على التوازن السياسي داخل المحكمة. فقبل وفاة «جنسبرج» كان تشكيل المحكمة متكافئاً إلى حدٍ بعيد، خمسة قضاة محافظين مقابل أربعة ليبراليين، أما بعد تصديق مجلس الشيوخ بأغلبية 52 مقابل 48 صوتاً على ترشيح «ترامب» للقاضية المُحافظة «إيمي باريت» - خامس سيدة تجلس على منصة المحكمة العليا - في 26 أكتوبر 2020، فقد وقعت المحكمة تحت سيطرة التيار المحافظ بأغلبية مُعتبرة لسنوات قد تطول([10]).

     ومن المُفارقة هنا أن المحكمة التي عَيَّن بها «ترامب» آخر ثلاثة أعضاء، هي نفسها المحكمة التي كانت ستفصل في أي طعون مُحتملة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أقيمت بعد أيام قلائل من تعيين «إيمي باريت». ولا غرو أن أثار الإسراع بتعيين الأخيرة كثيراً من الشكوك حول نوايا الجمهوريين في مثل هذا الظرف السياسي الدقيق.

     وتسبب هذا الموقف في توجيه البعض اللوم إلى «جنسبرج»، بدعوى أنه كان بمقدورها أن تمنع وقوع هذه الأزمة السياسية والدستورية لو أنها كانت قد تقاعدت في وقت مناسب من الفترة الثانية من ولاية الرئيس «أوباما»، ومنحته - من ثم - فرصة تعيين أحد القضاة الديمقراطيين ليحل محلها([11]). وحاول البعض تبرير موقف «جنسبرج» بقالة أنها لم تكن تتوقع هزيمة هيلاري كلينتون أمام ترامب عام 2016، فضلاً عن أنه لا يجب أن يُلقى فشل مؤسسات الدولة وخضوعها للاستقطاب السياسي على عاتق إمرأة واحدة لم تقصر يوماً في عملها([12]).

     وقد دفعت الحقيقة السابقة البعض إلى محاولة إيجاد مخرج سياسي أو قانوني لإعاقة قيام الرئيس «ترامب» بترشيح قاضي ليحل محل «جنسبرج»، فاقترح البعض - أولاً - البدء في إعادة إجراءات عزل «ترامب» impeachment مرة أخرى بعد أن فشلت المحاولة الأولى، لكن هذه المرة بسبب عدم كفاءة إدارته لأزمة جائحة كورونا، أو - ثانياً - من خلال تعطيل عمل الحكومة الفيدرالية government shutdown لأسباب تتعلق برفض الكونجرس اعتماد المخصصات المالية اللازمة لكي تقوم الحكومة الفيدرالية بأنشطتها، أو - ثالثاً - رفع القيد على عدد أعضاء المحكمة وزيادته بما يسمح للرئيس القادم بتعيين عدد أخر من القضاة بالمحكمة expanding Supreme Court، بالأحرى تعبئة المحكمة packing Court، على أمل أن يفوز «بايدن» الديمقراطي بالانتخابات الرئاسية القادمة ويستعيد الديمقراطيون مجلس الشيوخ من يد الجمهوريين([13]).

     ويُلاحظ أن الحل الأول - المتمثل في البدء في إجراءات عزل «ترامب» تأسيساً على سوء إدارته للأزمة التي خلفها انتشار جائحة كورونا – لم يكن حلاً عملياً في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ، سيما وأنه لم يمض وقت طويل على فشل محاولة عزله وتبرئته مما اتُهم به ببداية عام 2020 في اتهام أشد خطورة، وهو السماح بالتدخل الأجنبي لزيادة فرصته في الفوز بفترة رئاسة ثانية، فضلاً عن تعويقه إجراءات التحقيق في هذا الاتهام. وكذا فالحل الثاني المتمثل في تعطيل عمل الحكومة الفيدرالية لم يكن حلاً مُناسباً، إذ يترتب عليه شَلّ حركة النشاط الحكومي، عدا تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، فضلاً عن تعطل عمل الحكومة الفيدرالية لأطول مدة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2018/2019، الأمر الذي يجعل من تكرار نفس الشيء في الوقت الحالي أمراً مُستبعداً.

     واقترح البعض تقليص اختصاص المحكمة، وذلك بغل يدها - تشريعياً - عن نظر بعض المسائل jurisdiction-stripping. إلا أن هذا الاقتراح غير عملي لصعوبة صياغة تشريع يمكن أن ينزع اختصاص المحكمة عن بعض المسائل، سيَّما وأن المحكمة العليا - المُستهدفة بهذا التشريع - هي المسئول الأخير عن تفسير التشريعات، ولا يحتاج الأمر لكثير من الفِراسة لتوقع أنها لن تتورع عن تفسير عبارات تشريع كهذا في أضيق نطاق مُمكن([14]).

...

     تعبئة المحكمة العليا أم تقييد فترة العمل بها

     إذن لم يعد أمام مناهضي قيام «ترامب» بتعيين أحد المرشحين ليحل محل «جنسبرج» سوى أحد حلين مُستقبلاً، الأول تعديل التشريع لتعبئة المحكمة بزيادة عدد أعضائها المحسوبين على التيار الليبرالي، والثاني وضع سقف زمني لمدة تولي المنصب، لضمان عدم سيطرة تيار أيديولوجي واحد على المحكمة مدة طويلة.

     وقد رفض البعض وضع حد زمني لمدة الخدمة بالمحكمة العليا بقالة أن هذا الحل غير دستوري. وقد تأسس هذا الرأي على نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من الدستور الأمريكي التي تكفل لقضاة المحكمة العليا البقاء بمناصبهم ماداموا على السلوك القويم during good behavior.    

     وأضاف هذا الرأي أن تعبئة المحكمة هو الحل الدستوري الوحيد لإصلاح محكمة عليا لم تعد تُعبر عن إرادة المواطنين، أخذاً في الاعتبار أن النص الدستوري ترك للكونجرس والرئيس تنظيم تشكيلها، فضلاً عن أن هذا الحل ليس جديداً على الواقع السياسي الأمريكي؛ إذ تغير عدد قضاة المحكمة العليا أكثر من مرة على مدار تاريخها([15]).

     واختتم هذا الرأي تصوره بالتأكيد على ضرورة أن تكون تعبئة المحكمة من جانب الديمقراطيين أولوية قصوى حالة وصولهم  لسُدَّة الحكم وسيطرتهم على الكونجرس؛ فبغير ذلك فإن أي محاولة لإعادة ترتيب الواقع السياسي للبلاد لن تجدي نفعاً، إذ ستظل محكمة المُحافظين عقبة في طريق أي تحول سياسي أو دستوري مُرتقب. ولا يوجد ما يعيب قيام تيار معين بتعبئة المحكمة، فهكذا تدفع الديموقراطية نفسها إلى الأمام([16])

      وإذا كان ما تقدم مجرد اقتراحات لمواجهة آثار سياسية مُحتملة وطويلة المدى لتعيين قاض بالمحكمة العليا، وإذا كان اقتراح تعبئة المحكمة يُعد بمثابة حلاً سياسياً عاجلاً يؤتي ثماره بشكل فوري([17])، إلا أنه في اعتقادنا اقتراح خطير وله آثار كارثية على وضع المحكمة وشرعيتها. فقبول التلاعب بعدد أعضاء المحكمة - زيادة أو نقصاناً - مع كل مَدّ وجَزر سياسي([18])، أو حتى مجرد التلويح بعمل ذلك، مسألة تتجاوز خطورتها السعي وراء تحقيق مكاسب سياسية مؤقتة، إذ يعد ذلك ضرباً في الصميم لمبدأ رئيس من مبادئ الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مبدأ الضوابط والتوازنات checks and balances؛ أي ضرورة ضمان وجود رقابة متبادلة بين السلطات في الدولة، ومنع تركيز القوة في يد سلطة واحدة، أو تسليط سُلطة على أخرى([19]).

     ومن هذا المُنطلق فإن الاقتراح الأكثر جدية، والذي يضع حلاً ناجعاً وجذرياً للإشكالية السابقة في المستقبل، هو تحديد سقف زمني (أي وضع حد أقصى) للمدة التي يشغلها أي قاض لهذا المنصب الرفيع – وليكن مثلاً 15 سنة([20])، سيما وأن عدداً غير قليل من قضاة المحكمة تجاوزت فترة خدمتهم بها مدة ثلاثين عاماً - كـ«ستيفينز» و«كينيدي»، وبعضهم انتهت خدمته بعد أن شارف على التسعين من عمره - كـ«جنسبرج».

     ونعتقد أن هذا الحل ستخبو معه إلى حدٍ كبير حالة الاستقطاب السياسي التي تسيطر على عملية الترشيح من جانب الرئيس الأمريكي، وكذا التصديق على ترشيح الرئيس من جانب مجلس الشيوخ. فعدم وضع حد أقصى لفترة خدمة القضاة بالمحكمة العليا ترتب عليه أن تعاظمت قوة القضاة بشكل مُفرط، كأثر لاستطالة مدة بقائهم بالمحكمة، الأمر الذي يتمخض عنه ذلك الخلاف السياسي المُتكرر في كل مرة يشغر فيها أحد مقاعد المحكمة، على نحو تزايدت معه حملات الطعن في مُرشح معين من جانب التيار السياسي المُناوِئ، ومن ثم إثارة الشكوك حول جدارته بنيل شرف الانضمام للمحكمة([21]).

      وعلاوة على ما تقدم، فوضع حد أقصى لفترة خدمة القضاة بالمحكمة العليا سيتراجع معه اهتمام أي رئيس أمريكي بترشيح قضاة صغيري السن قليلي الخبرة ليكون أمامهم فرصة كبيرة للبقاء في المحكمة، ومن ثم خدمة أيديولوجية معينة لفترات طويلة قد تزيد على أربعة عقود. الأمر الذي ستتقلص معه حالة الاستقطاب السياسي أثناء التصديق على ترشيح الرئيس داخل مجلس الشيوخ حال كون الأغلبية به لا تنتمي لحزب الرئيس.

     وثمة مسألتان في موضوع تحديد فترة خدمة قضاة المحكمة العليا. المسألة الأولى تتعلق بماهية الوسيلة القانونية للقيام بهذا التحديد. والمسألة الثانية تتعلق بالمدى الذي يُمكن أن يصل إليه تطبيق هذا التحديد، بعبارة أخرى هل سيطبق هذا التحديد بأثر فوري؛ أي على التعيينات الجديدة، أم سيسري بأثر رجعي بحيث يخضع له كافة قضاة المحكمة.

     وبالنسبة للمسألة الأولى، فقد أرتاى البعض أنه لا مانع من أن يتم تحديد فترة خدمة قضاة المحكمة العليا بنص تشريعي، بقالة أن هذا التحديد لن ينتهك الأمر الدستوري باحتفاظ قضاة المحكمة العليا بمناصبهم مدى الحياة؛ فبعد انتهاء فترة عمله بالمحكمة فإن بمقدور أي قاضي أن يستمر على قوة القضاء الفيدرالي، لكن في موقع قضائي أخرsenior status judge ([22]).

     لكن يعيب الرأي السابق - بعيداً عن محاولته الالتفاف على صراحة النص الدستوري - أنه لم يلق بالاً إلى أن ترك تحديد المسألة للتشريع - سيَّما في الواقع السياسي الأمريكي - يعني أنه بمقدور أي أغلبية سياسية أن تُعَدِّل النص مرة أخرى وتلغي هذا الحد التشريعي. وسيُقال هنا أيضاً - كما قيل في حالة اقتراح تعبئة المحكمة - أن هذه هي الديمقراطية، فتصبح المحكمة العليا في عدد قضاتها وفترة خدمتهم رَهْن إرادة أي أغلبية سياسية تسيطر على الكونجرس.

     ونعتقد أن تحديد مدة خدمة قضاة المحكمة العليا وكذا عددهم مسألتان تستحقان أن تكونا محلاً لتعديل دستوري، في ظل حساسية الدور الذي تلعبه المحكمة العليا في النظام السياسي الأمريكي، سيَّمَا وأن اقتراح تعديل النص المُحدد لعدد قضاة المحكمة - على وجه الخصوص - دائماً ما كان محل نقاش سياسي في كل مرة يجد فيها تيار معين أن المحكمة قد اختل توازنها، فلم تعد تعكس تمثيلاً سياسياً مُتكافئاً. وأيد فريق من الفقه الأمريكي اقتراح أن تكون مسألة وضع حَدّ زمني - غير قابل للتجديد - لتولي المنصب محلاً لتعديل دستوري([23]).

     ولا شك أن تشكيل المحكمة له من الخطورة والأهمية ما لا ينبغي معه أن يُترك شأن تنظيمه لتتقاذفه أهواء السياسيين. علاوة على ما سينال النظام القضائي ككل من أضرار جسيمة جَرَّاء عدم استقرار تشكيل أعلى درجاته وارتهانه بتحولات السياسة وتقلباتها، واعتقاد القضاة - تبعاً لذلك - بأنهم في مهب الريح، أو أنهم ليسوا سوى ناطقين باسم أيدلوجيات مُعينة، أو نواباً عن تيارات سياسية بعينها.

     أما عن مسألة تطبيق الحد زمني على خدمة قضاة المحكمة العليا بأثر فوري أو رجعي، فنعتقد أنه وفقاً للحل الذي نميل إليه - التعديل الدستوري - فإن تطبيق هذا الحد بأثر فوري أمر لا مفر منه. ومع تأكيده على جواز تطبيق أي تعديل دستوري يضع هذا الحد الزمني بأثر فوري على جميع قضاة المحكمة الحاليين، إلا أن بعض الفقه ارتأى عدم ملائمة ذلك لمُخالفته لتوقعات للقضاة ممن حصل تعيينهم في غياب الحد الزمني المُطالب به([24]).

       وتَوَجَّس البعض خيفة أن يترتب على وضع هذا السقف الزمني أن يهتز الاستقرار الذي يجب أن ينعم به العمل القضائي. ومنطق هذا التخوف أنه مع وضع هذا الحد فسيتغير تشكيل المحكمة بشكل دوري مُضطرد، وهو ما يعني تغير اتجاه المحكمة في ذات المسائل القانونية في آماد زمنية قصيرة. إلا أن هذا التخوف مُبالغ فيه إلى حد كبير. فمكوث كل قاض بالمحكمة مدة تقترب من عقدين لن يترتب عليه هذا الأثر. ومن ناحية أخرى أكثر أهمية، فثبات التشكيل ليس ضامناً لثبات لاتجاهات المحكمة. علاوة عَمَّا لمبدأ احترام السوابق القضائية stare decisis من تقدير خاص في أدبيات القانون الأمريكي([25]). 

     ونعتقد أن تحديد حد أقصى لمدد خدمة القضاة بالمحاكم العليا - بالطبع في الأنظمة التي لا تفرض على القضاة سناً معينة للتقاعد - أمر له وجاهته وتدعو له أسباب كثيرة. حتى أن بعض قضاة المحكمة العليا سبق أن صَرَّحوا بتأييد الفكرة – أثناء وجودهم بمناصبهم أو قبل ذلك([26]). وبعيداً عن الاعتبارات السياسية التي قد تدعم العمل بهذا الاقتراح، فثمة أسباب أخرى لا تقل أهمية عن هذه الاعتبارات تعضد ذلك.

     فالعمل القضائي عمل ذهني بامتياز، والقاضي بشر له قدرات عقلية وبدنية تتناقص كلما تقدم في العمر mental decrepitude. وفضلاً عن تأثير عوامل الشيخوخة على قدرات القضاة الفنية، فلها تأثير كذلك على قدرتهم على مواكبة التطورات التقنية والاجتماعية المُتسارعة في المجتمع. فمع سيطرة الفضاء الإلكتروني على المعيشة، ومع التحولات الاجتماعية المذهلة التي أصابت حياة الأفراد والجماعات، ربما يجد بعض القضاة صعوبة في التعاطي مع هذه المُستجدات أو حتى قبولها، وهو أمر قد يؤثر على تصورهم لبعض الأمور ومن ثم قدرتهم على الحكم عليها إذا ما عرضت لهم بمناسبة عملهم القضائي([27])، ولا شك أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

    وثمة تخوفات لها أساس من المنطق من أن يترتب على تراجع القدرات الذهنية للقاضي، مع تقدمه في السن، تعاظم دور مُساعديه القضائيين  judicial clerks، وهو ما سيشكل خطراً كبيراً على المنتوج القضائي للمحكمة، بل وشرعيتها.

...

     إصلاح آلية التعيين بالمحكمة العليا الأمريكية

     طالب كثيرون بإدخال إصلاحات عميقة على عملية تعيين القضاة بالمحكمة العليا، بعضها من طبيعة سياسية، وبعضها من طبيعة دستورية. وبعض هذه الإصلاحات يجب أن يقوم به اللاعبون السياسيون، والبعض الأخر يجب أن يضطلع به قضاة المحكمة أنفسهم.  

      فدعا البعض إلى أن يقوم الرئيس - عندما يشغر مقعد أحد القضاة بالمحكمة - بالتشاور والتعاون مع مجلس الشيوخ، سيَّما إذا كانت الأغلبية به من الحزب الأخر، من أجل الوصول لمُرشح توافقي يختاره الرئيس، وفي نفس الوقت يحظى بدعم مجلس الشيوخ. كما أنه على الرئيس أن يعي أنه - خلافاً لأعضاء مجلس الشيوخ الذين يمثلون في النهاية مكونات جماهيرية محلية - ينوب عن جموع المواطنين، ومن ثم فمن واجبه أن يُقدم مصلحة جميع من ينوب عنهم على مصلحة حزبه السياسي([28]). فإيجاد محكمة عليا مُتوازنة في تشكيلها، والسُمُوّ بها عن حالة الاستقطاب السياسي داخل المجالس النيابية، أمران يجب أن يسعى إليهما الرئيس بكل إخلاص وتصميم.  

      وعلى مجلس الشيوخ - أثناء عملية التصديق - أن يهتم بكفاءة المرشح وحصافة رأيه وخبرته القانونية، وأن يدرك أن البحث عن مرشح كامل الأوصاف للمحكمة العليا ليس متاحاً([29]). كما أنه على الإعلام و جماعات المصالح عدم انتهاك خصوصية المرشحين أو التشهير بهم، وإلا فإن بعض المرشحين الأكفاء سيعزفون عن التطلع للمناصب الهامة، وبالمثل لن يعتني الرؤساء بترشيحاتهم مادام تصديق مجلس الشيوخ سيظل سيفاً مسلطاً على هذه الترشيحات.

     كما دعا البعض إلى ضرورة الحَدّ من اعتبار قضاة المحكمة العليا من مشاهير المجتمع الأمريكي. فالولايات المتحدة الأمريكية تُعد الديمقراطية الوحيدة التي يُعامل فيها القضاة على أنهم نجوم مجتمع؛ لدرجة أن وسائل الإعلام والصحافة تسلط الضوء على تصريحاتهم وتهتم جداً بتطورات حالتهم الصحية. وتُعد القاضية «جنسبرج» - التي اشتُهرت بالمُشاغِبَة "The Notorious R.B.G." - مثالاً واضحاً على هذا الوضع غير المُستساغ؛ إذ كثيراً ما كانت تظهر صورها على ملابس الناشطات في التظاهرات التي كانت تخرج دفاعاً عن الأفكار النسوية، فضلاً عن إنتاج فيلم وثائقي يسجل حياتها ومسيرتها الوظيفية، بالإضافة إلى بعض الكتب التي تناولت رحلتها الشخصية والعملية. ولا شك أن هذه النجومية التي يتمتع بها قضاة المحكمة العليا مَرَدَّها تطاول مدة بقائهم بمناصبهم، مع ما لذلك من أثر كبير على تعاظم قوتهم، وتنامي نفوذهم السياسي. وكلها مقومات لا يفيد مرفق القضاء أن يتحلى بها أعضاؤه([30]).

     وعلى قضاة المحكمة العليا أن يبتعدوا بالمحكمة عن الضلوع في مغامرات سياسية، فليس للمحكمة قدرة حقيقية على رَدّ أي عدوان خارجي إلا بكسب تعاطف الرأي العام، فالأخير - وحده - هو القادر على زَجْر المتربصين عن الإغارة على المحكمة إما بألاعيب السياسة أو حِيَل القانون. ولن تحظى المحكمة بهذا الرضا العام إذا ما استشعر المواطنون أن المحكمة قد تجاوزت إرادتهم، انتصاراً لتفضيلات أعضائها الإيديولوجية أو نزعاتهم التقدمية، أو أنها صارت جهة تشريع موازية.

     ولا يُراد بما تقدم دعوة المحكمة إلى التهاون في مُمارسة رقابتها القضائية أو تبنى اختيارات شديدة الامتثالية، مخافةً إزعاج للنظام السياسي، كل ما هُنالك أنه ينبغي على قضاتها إدراك أن المحكمة كيان نخبوي غير مُنتَخَب، ولذلك فحماية اختصاصها وثيق الصلة بعدم التطلع إلى ما يجاوزه:

“The Court’s greatest successes have been achieved when it has operated near the margins rather than in the center of political controversy, when it has nudged and gently tugged the nation, instead of trying to rule it.”([31])      

     وأياً كانت الاقتراحات المطروحة، فإن أي محاولة لإصلاح عملية تعيين القضاة بالمحكمة العليا لن تفلح في غياب رغبة سياسية حقيقية تُترجم إلى واقع ملموس([32]). إلا أن الحد الأدنى من الاستجابة المطلوبة هو ألا يتم التلاعب بالتشريعات التي تنظم تشكيل المحكمة كل فترة، بحيث تغدو المحكمة في مرمى نيران التجاذبات السياسية المُتلاحقة، وألا يقوم اللاعبون السياسيون بمحاولة التأثير على المحكمة بمُمارسة ضغوط على أعضائها، أو تفريغ الرقابة القضائية التي تُمارسها من مضمونها، بأن يضربوا بأحكامها عرض الحائط في القضايا التي تثير خلافات سياسية عميقة([33]).

     أما إذا أثبتت التجربة أن هؤلاء السياسيين لم يكونوا على قدر المسئولية، ونكبوا عن تقديم مصلحة المجتمع على مصالحهم السياسية الضيقة، فلن يكون هناك حلاً جذرياً سوى تعديل الدستور الأمريكي، بالنص على عدد قضاة المحكمة، وكذا وضع حد أقصى مُناسب لمدة الخدمة بها؛ من ناحية أولى حماية لاختصاص المحكمة، ومن ناحية ثانية للتخفيف من حدة الصراع السياسي المُصاحب لعملية تعيين أحد المُرشحين بها، ومن ناحية ثالثة لئلا تتحول المحكمة العليا إلى نظام قضائي شبه مَلَكي أو أوليجارشية قضائية تستأثر بالسلطة ولا تعبر إلا عن نفسها.

     ولا شك أن تحديد مدة قضاة المحكمة العليا يعني مَنْح المواطنين فرصة أن يكون لهم صوت - بشكل غير مُباشر - في تشكيل محكمتهم العليا من خلال انتخاب الرئيس ومجلس الشيوخ، والقيام بإقصاء ديمقراطي لمن يرون أنه لم يعد يمثلهم من بين أعضاء المحكمة - غير المُنتخبين - دون مساس باستقلالها([34]). فضلاً عن أن وضع حد أقصى 18 سنة للعضوية بالمحكمة يعني عملاً أن كل رئيس سيكون بمقدوره أن يعين قاضيين بالمحكمة كل فترة رئاسية([35]). ومن المؤكد أن تداول السيطرة على المحكمة العليا بشكل دوري سيكون له أثره في إضعاف الانتهازية السياسية التي تتغلف بها عملية تعيين القضاة بالمحكمة([36]).

    وارتأى البعض أن المحكمة - إذا ما تغير الواقع السياسي بشكل كبير - ربما تدرك خطورة الأمر، وأن إصلاحها - بالأحرى التضييق عليها - ربما يكون على قائمة أولويات التيار السياسي المُسيطر، فتتراجع خطوتين للوراء([37])، مُرسِلَةً بإشارات واضحة أنها لن تكون أداة للمُنَاوَأَة السياسية، وهو ما سبق أن قامت به المحكمة في عهد «روزفلت».

     ولا مُشَاحَّةَ في أفضلية الشروع في إصلاح عملية التعيين بالمحكمة العليا بالطريق الدستوري([38])؛ إذ يكفل ذلك استقرار العملية، وعدم ارتباطها بتعهدات سياسية لا ضامن للالتزام بها.

     وإذا كان صحيحاً أن التدخل بإجراء تعديل دستوري أمر غاية في الصعوبة في النظام الدستوري الأمريكي، إذ يتطلب الأمر وفقاً لنص المادة الخامسة من الدستور الأمريكي موافقة أغلبية الثلثين بمجلسي الكونجرس، ثم بعد ذلك تصديق مشرعي ثلاثة أرباع الولايات المُختلفة (38 ولاية)، إلا أن الوصول لهذا التوافق هو الذي يعكس إرادة حقيقية من كافة أطياف المشهد السياسي لإصلاح نظام تعيين القضاة بالمحكمة العليا، وبدونها تغدو أي دعوة للنأي بالمحكمة العليا عن صراعات السياسة ذرَّاً للرماد في العيون.

                                                                ...

     خاتمة

     لا سبيل لإصلاح أي نظام قضائي إلا مع استقلال القضاة. ولا يمكن لهذا الاستقلال أن يكتمل بناؤه إلا في ظل إرادة سياسية واعية ومُخلصة، تدرك أن السلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة، وأن الرقابة المُتبادلة بين السلطات حتمية سياسية قبل أن تكون فضيلة دستورية، وأن وجود قضاء مُستقل ليس قيداً يغل يد السلطة أو يعوق نشاطها، بل ناصح أمين يقوّمها إذا ما ضلت الطريق ويردّها إن حادت عن جادة الصواب. وهذا القضاء المُستقل هو الذي يضمن للنظام السياسي تماسك البناء الاجتماعي واستقرار الأوضاع الاقتصادية على الجبهة الداخلية، وهو أيضاً الذي يجدد للسلطة شرعيتها، وينزع فتيل أية محاولة لشق الصف أو التشكيك في مؤسسات الدولة أو التقليل من جهودها.

     وإذا كان اختيار قضاة المحاكم العليا على وجه الخصوص عملية لا تخلو من بعض الاعتبارات السياسية، إلا أن نجاح أي نظام سياسي يُقاس - في أحد مظاهره - بحرصه على تجنيب مرفق القضاء مناوشات السياسة إلى أبعد مدىً مُمكن، وعدم الزَجّ به في أتون صراعات مُتكررة لن يجني من ورائها المرفق نفسه والنظام السياسي كذلك سوى كل ضرر. وفي المُقابل على مرفق القضاء ألا يخطو باندفاع على أرضٍ زَلِقة، وذلك بأن يقاوم جاذبية القيام بتقديرات سياسية غير ضرورية، التزاماً بدوره المرسوم له وحمايةً لاختصاصه المنوط به.

***

هوامش

([1]) في هذا المعنى:

“The core of judicial independence is decisional independence, which is the principle that judges must be free to make decisions independently, without regard to outside pressure or any obligation other than to the governing law.”

Task Force on Fed. Judicial Selection, Justice Held Hostage: Politics and Selecting Federal Judges, 13 (2000).

([2])

“[The President] shall nominate, and by and with the Advice and Consent of the Senate, shall appoint … Judges of the supreme Court …” Article II, Section 2, Clause 2 of the United States Constitution.

([3]) ويُطلق على هذه الأزمة أيضاً "فضيحة إيران جيت"، و هي صفقة سرية عقدت في ثمانينيات القرن الماضي بين إدارة الرئيس «ريجان» وإيران، حيث باعت إدارة «ريجان» - بوساطة إسرائيلية - لإيران بعض الأسلحة المتطورة التي طلبتها الأخيرة مقابل إطلاق سراح بعض المحتجزين الأمريكيين في لبنان، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأمريكية لها على أنها عدو لأمريكا وراعية للإرهاب. وكان ذلك في الفترة الثانية للرئيس «ريجان» و كانت أحد أسباب سقوطه.

([4]) للمزيد حول ترشيح «بورك» يُمكن مُراجعة:

Ronald M. Dworkin, The Bork Nomination, 9 Cardozo L. Rev. 101 (1987).

Stephen M. Griffin, Politics and the Supreme Court: The Case of the Bork Nomination, 5 J. L. & Pol. 551 (1989).

William G. Myers III, The Role of Special Interest Groups in the Supreme Court Nomination of Robert Bork, 17 Hastings Const. L.Q. 399 (1990).

Charles E. Grassley, The Judicial Nomination Process, 7 St. John's J. Legal Comment. 31 (1991).

([5])

“The judicial Power of the United States, shall be vested in one supreme Court, and in such inferior Courts as the Congress may from time to time ordain and establish. The Judges, both of the supreme and inferior Courts, shall hold their Offices during good Behavior, and shall, at stated Times, receive for their Services a Compensation which shall not be diminished during their Continuance in Office.” Article III, Section 1 of the United States Constitution.

([6])

“Be it enacted by the Senate and House of Representatives of the United States of America in Congress assembled, That the Supreme Court of the United States shall hereafter consist of the Chief Justice of the United States and eight associate justices, any six of whom shall constitute a quorum; and for the purposes of this act there shall be appointed an additional associate justice of said court.” [Judiciary Act of 1869].

([7])

“The rule now is that Presidents name Justices who share their political ideology. If Presidents could put themselves on the bench, they would; however, they cannot, so they find the closest possible surrogates.”

Lee Epstein, Jeffrey A. Segal & Chad Westerland, The Increasing Importance of Ideology in the Nomination and Confirmation of Supreme Court Justices, 56 Drake L. Rev. 609, 615 (2008).

“In nominating Supreme Court Justices, presidents consider much more than the ‘objective’ qualifications of potential nominees, such as their legal abilities and their ethical behavior. Presidents also consider ideology.” Neal Devins & Lawrence Baum, Split Definitive: How Party Polarization Turned the Supreme Court into a Partisan Court, 2016 Sup. CT. Rev. 301, 331 (2016).

Michael C. Dorf, Options for Biden’s Supreme Court Reform Commission, 28 Oct 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/3jzyrKF 

([8])

Donald P. Kommers, John E. Finn & Gary J. Jacobsohn, American constitutional law: essays, cases, and comparative notes, Volume 2: Liberty, Community, and the Bill of Rights, Third Edition 13 (2010).

([9]) لمزيد من التفصيل حول هذه الواقعة يمكن مُراجعة:

Carl Tobias, Confirming Supreme Court Justices in a Presidential Election Year, 94 Wash. U. L. Rev. 1089 (2017).

([10]) لم تخفِ «باريت» منهجها المُحافظ لدى حديثها أثناء جلسات الاستماع باللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، إذ تحدثت عن حدود دور القضاء في المجتمع الأمريكي، وضرورة الالتزام بتفسير نصوص الدستور كما هي، دون القيام بتقديرات سياسية ليس من اختصاص القضاء القيام بها:

“Courts have a vital responsibility to enforce the rule of law, which is critical to a free society. But courts are not designed to solve every problem or right every wrong in our public life. The policy decisions and value judgments of government must be made by the political branches elected by and accountable to the People. The public should not expect courts to do so, and courts should not try … I believe Americans of all backgrounds deserve an independent Supreme Court that interprets our Constitution and laws as they are written. And I believe I can serve my country by playing that role.”

([11]) سيما وأنه قد سبق للقاضي «وارن» - صاحب الاتجاه التقدمي - أن تقدم بطلب التقاعد للرئيس الامريكي «ليندون جونسون» مخافة أن يصل البيت الأبيض رئيس جمهوري، وتضطره الظروف إلى التقاعد، فيقوم الرئيس بشغل موقعه بقاض مُحافظ. وعلى أية حال فقد حدث ما تخوف منه «وارن»، فقد قام الرئيس الجمهوري «نيكسون» بتعيين القاضي المحافظ «برجر» ليحل محل «وارن».

([12]) يُراجع:

Rebecca Traister, It Shouldn’t Have Come Down to Her. Some will try to blame Ruth Bader Ginsburg for not stepping down sooner. They are missing the point, 19 Sep 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/36ucjyt

Emily Bazelon, Why Ruth Bader Ginsburg Refused to Step Down, 21 Sep 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://nyti.ms/3jtw90h  

([13])

Michelangelo Signorile, Ginsburg's death is earth-shattering, 19 Sep 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/30N5dld

وأيد كثيرون اقتراح تعبئة المحكمة بموالين للحزب الديمقراطي - مثلاً:

Erwin Chemerinsky, Op-Ed: Democrats have a secret weapon to thwart a rapid Ginsburg replacement. They should use it, 18 Sep 2020.

Accessed on 30/10/2020,  at: https://lat.ms/3cUbIrb

([14]) Michael C. Dorf – إشارة سابقة، يُراجع أيضاً:

Mark Tushnet, What Kinds of “Supreme Court Reform” Could Rebalance the Supreme Court?, 7 Oct 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/3nAC9XT

([15])

“The Supreme Court opened with six justices. But after John Adams lost the presidential election of 1800 to Thomas Jefferson, Adams reduced the number of justices to five during the lame-duck period before Jefferson took office. It must be noted that Adam’s so-called ‘Midnight Judges Act’ reduced the number of seats to five ‘upon the next vacancy’ on the court. Again, limiting the tenure of Supreme Court justices has simply never been okay, but changing how many people sit on the court has always been constitutional. Jefferson, of course, didn’t give a damn about Adams’s act. This is an important point for current Democrats to understand. Despite Adams’s efforts to control the court through lame-duck legislation, Jefferson reversed him immediately upon assuming office, and restored the number of justices to six. In 1807, on his way out the door, Jefferson added and filled a seventh seat on the Supreme Court. No constitutional crisis ensued. A seven-member court was what was in place when Andrew Jackson set his sights on it in 1837. Jackson added two more seats to the Supreme Court and filled them. That dude really did not want there to be a national bank, or rights for Native Americans. It was the first time the Supreme Court reached nine justices, which represents a 50 percent increase from the number of justices on the court at the founding, less than 50 years earlier. The number of Supreme Court justices changed again during the Civil War years: ballooning to 10, shrinking back down to seven, and then finally landing back at nine with the Judiciary Act of 1869.”

Elie Mystal, There Is Only One Way Out of This Crisis: Expand the Court, 23 Sep 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/3cUbXlO

([16])

“A country where only one party gets to appoint Supreme Court justices—justices, moreover, who may then get to decide who wins a presidential election that was already underway when they were appointed—is not how democracies work. That’s how despotism works. That’s how the constitutional system fails.”  - إشارة سابقةElie Mystal

 بل أوجب البعض على الديمقراطيين تبني هذا الحل:

“Democrats have an obligation to play constitutional hardball—not just to protect their agenda, but to save the court’s legitimacy and preserve democracy itself. And if that obligation does exist, the proportional response is immediate and unapologetic expansion of the Supreme Court.”

Mark Joseph Stern, Expand the Court, 22 Sep 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/34mb6Xl

وفي تأييد نفس الاقتراح يُراجع أيضاً:

Quinta Jurecic & Susan Hennessey, The Reckless Race to Confirm Amy Coney Barrett Justifies Court Packing, 4 Oct 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/3lBTwW6

([17]) تعبئة المحكمة هو الحل الذي يحقق مكاسب سياسية عاجلة، خلافاً لاقتراح وضح حد زمني لتولي المنصب؛ إذ يحتاج سنوات وسنوات قبل أن يترتب عليه تغيير في تشكيل المحكمة:

“But there’s another political concern: getting some benefit from the change relatively quickly. (This is sometimes described as the concern that American citizens expect Congress to answer the question, ‘What have you done for me lately?’). Packing the Court—for example, adding four additional justices—pays off right away. The payoff from the most plausible form of term limits occurs rather far in the future. The Constitution says that judges hold their offices ‘during good behavior,’ which everyone understands to mean ‘for life.’ Maybe you can set things up so that newly named justices are appointed to offices defined as ‘Supreme Court justice for eighteen years and a judge on the court of appeals thereafter.’ But that doesn’t get you anything right away, and whatever you get comes in drips and drabs as justices retire or pass away. So, on this political dimension, politicians would prefer Court-packing over term limits.”  - إشارة سابقة                                                                                                                                     Mark Tushnet

([18]) فتعبئة المحكمة سيشجع كل فريق على تغيير عدد قضاة المحكمة عندما يمسك بالسلطة، لإضعاف أثر ما قام به الفريق الأخر من تعيينات. وستدخل المحكمة - تبعاً لذلك - في حلقة لا تنتهي من عدم الاستقرار، بما لا يخدم إلا المصالح السياسية الضيقة للأغلبية السياسية المُسيطرة مؤقتاً على السلطة.

Editorial Board, The Supreme Court Needs Reform: But there are better ideas than packing the court. 27 Oct 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bloom.bg/3e9NidI

([19]) أضاف البعض أن اللجوء لخطط تعبئة المحكمة العليا، ومن ثم استخدام المحكمة كأداة في الصراع السياسي، سيقلص من هالة الاحترام والتوقير التي تحظى بها أحكامها. وتعبئة المحكمة على العموم وسيلة مُعتادة للأنظمة السياسية غير الديمقراطية التي تسعى لتركيز السلطة في يدها.

Dylan Matthews, Court-packing, Democrats’ nuclear option for the Supreme Court, explained, 22 Sep 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/33OLhjJ   

([20]) نادى كثيرون - ومن بينهم بعض قضاة المحكمة العليا - بأن تكون مدة الجلوس على منصة المحكمة 18 سنة كحد أقصى:

“While there is a range of potential term-limit proposals, there are some general principles that have rightly achieved broad support. An 18-year nonrenewable limit is overwhelmingly the most common proposal, although Chief Justice Roberts once expressed support for a 15-year term. Justice Breyer has argued that an 18-year term period would give justices enough time to fully learn the job and develop jurisprudence—a position bolstered by the fact that many justices have voluntarily retired after a similar period of service on the court. Moreover, under advocacy organization Fix the Court’s bipartisan model, the 18-year term would be staggered so that a vacancy would open every two years. This would make certain that each presidential term would bring two new justices—helping to ensure the court reflects the general public.”

Maggie Jo Buchanan, The Need for Supreme Court Term Limits, 3 Aug 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://ampr.gs/3cSWYc0

([21])

“The rules governing the U.S. Supreme Court must be updated to reflect the reality of life in modern America. The average tenure of a Supreme Court justice has significantly lengthened since the establishment of the federal judiciary in the 1700s, giving outsize power to nine individuals in a way the framers of the Constitution could never have imagined. This longevity has resulted in a lack of regularity in vacancies, introducing further randomness to the judicial selection process. As a result, the confirmation process for the highest court has become politically divisive, with extremely narrow votes and theatrics from the nominees themselves.”   - إِشارة سابقة             Maggie Jo Buchanan

([22]) Maggie Jo Buchanan – إشارة سابقة.

([23])

Philip D. Oliver, Systematic Justice: A Proposed Constitutional Amendment to Establish Fixed, Staggered Terms for Members of the United States Supreme Court, 47 Ohio St. L.J. 799 (1986).

Steven G. Calabresi & James Lindgren, Term Limits for the Supreme Court: Life Tenure Reconsidered, 29 Harv. J.L. & Pub. Pol'y 769 (2006).

واقترح أحد أعضاء مجلس الشيوخ تعديل الدستور ووضع حد أقصى للعضوية بالمحكمة العليا لمدة عشر سنوات، قابلة للتجديد بموافقة مجلس الشيوخ، بناء على أدائه القضائي خلال فترة توليه المنصب. يُراجع:

Stephen L. Martino, Change on the Horizon: A Prospective Review of the Nomination and Confirmation Process of the United States Supreme Court, 41 Washburn L.J. 164, 187 (2001).

([24]) Steven G. Calabresi & James Lindgren – إشارة سابقة – صـ825: 826.

([25]) Maggie Jo Buchanan – إشارة سابقة.

([26])

“I do think that if there were a long term—I don’t know, 18, 20 years, something like that, and it was fixed—I would say that was fine. In fact, it’d make my life a lot simpler, to tell you the truth.” [Justice Stephen Breyer.]

“There is much to be said for changing life tenure to a term of years, without possibility of reappointment. The Framers adopted life tenure at a time when people simply did not live as long as they do now. A judge insulated from the normal currents of life for 25 or 30 years was a rarity then, but is becoming commonplace today. Setting a term of, say, 15 years would ensure that federal judges would not lose all touch with reality through decades of ivory tower existence. It would also provide a more regular and greater degree of turnover among the judges. Both developments would, in my view, be healthy ones.” [Future Chief Justice John Roberts.]

([27]) ونجد لهذا الفهم صدى في الفقه الأمريكي:

“The Court's workload is very heavy, and it is doubtful that many octogenarians would be able to devote the energy necessary to the task. As Aristotle said, ‘that judges of important causes should hold office for life is a disputable thing, for the mind grows old as well as the body.’ The graying of the Court can only work to ensure even greater delegation of responsibility to law clerks. … It seems dubious policy to leave such power in any person's hands for too long.”

Henry Paul Monaghan, The Confirmation Process: Law or Politics, 101 Harv. L. Rev. 1202, 1212 (1988).

“Supreme Court Justices are members of society, and their decision making, over time, will reflect changing social norms. In part, the appointments process will result in new Justices bringing the Court up-to-date with changing social values.”

Lawrence Baum & Neal Devins, Why the Supreme Court Cares about Elites, Not the American People, 98 Geo. L.J. 1515, 1521 (2010).

([28])

Ludmilla Savelieff, Hyper-Partisanship's Impact on the Supreme Court Nomination and Confirmation Process, 10 Geo. J.L. & Pub. Pol'y 563, 587 (2012).

([29])

“I believe it is recognized by most Senators that we are not charged with the responsibility of approving a man to be Associate Justice of the Supreme Court only if his views always coincide with our own. We are not seeking a nominee for the Supreme Court who will express the majority view of the Senate on every given issue, or on a given issue of fundamental importance. We are really interested in knowing whether the nominee has the background, experience, qualifications, temperament, and integrity to handle this most sensitive, important, and responsible job.”

Senator Edward Kennedy - 113 CONG. REC. 24,647 (1967).

([30])

How to make American judges less notorious, The Economist, 26 Sep 2020.

Accessed on 30/10/2020, at: https://econ.st/3nEYC64

([31])

Robert G. McCloskey, The American Supreme Court (5th ed., revised by Sanford Levinson) 264 (2010).

([32]) فإصلاح آلية التعيين بالمحكمة العليا سيبدأ لا محالة من خارجها:

“Whoever attentively considers the different departments of power must perceive, that, in a government in which they are separated from each other, the judiciary, from the nature of its functions, will always be the least dangerous to the political rights of the Constitution; because it will be least in a capacity to annoy or injure them. The Executive not only dispenses the honors, but holds the sword of the community. The legislature not only commands the purse, but prescribes the rules by which the duties and rights of every citizen are to be regulated. The judiciary, on the contrary, has no influence over either the sword or the purse; no direction either of the strength or of the wealth of the society; and can take no active resolution whatever. It may truly be said to have neither FORCE nor WILL, but merely judgment; and must ultimately depend upon the aid of the executive arm even for the efficacy of its judgments.”

[The Federalist Papers : No. 78].

([33])

“The ideal judge in the federal system deliberates largely in the absence of distinct political pressures, and the ideal Supreme Court Justice must be most independent of all. … Judicial review is effective law, because when courts hand down controversial decisions, even the political actors who criticize the decisions most vigorously obey them on pain of being painted as disrespectful not simply to the Court, but to the law on which their own authority is founded. This obedience is another example of a deeply shared commitment to a public value (here, the rule of law) that binds political action despite, or perhaps because of, its lack of theoretical sophistication.”

Stephen Carter, The Confirmation Mess, 101 Harv. L. Rev. 1185, 1197-98 (1988).

([34]) Steven G. Calabresi & James Lindgren – إشارة سابقة – صـ834: 835.

([35]) Steven G. Calabresi & James Lindgren – إشارة سابقة – صـ832.

([36]) للمزيد حول اقتراح وضح حد أقصى لمدة الخدمة بالمحكمة العليا يُمكن مُراجعة:

Akhil Reed Amar & Vikram David Amar, Should U.S. Supreme Court Justices Be Term-Limited?: A Dialogue, 23 Aug 2002.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/30yesVY 

Kermit Roosevelt and Ruth-Helen Vassilas, Supreme Court justices should have term limits, 30 Sep 2019.

Accessed on 30/10/2020, https://cnn.it/34hW5Wu

Stuart Taylor Jr, Life Tenure Is Too Long for Supreme Court Justices.

Accessed on 30/10/2020, at: https://bit.ly/36swFbq

([37]) Mark Tushnet – إشارة سابقة.

([38]) في هذا المعنى يُراجع Steven G. Calabresi & James Lindgren – إشارة سابقة – صـ870.