عدم دستورية المادة 18 من قانون الإيجارات رقم 136 لسنة 1981: تراخى البرلمان نموذجـًا
* الكاتب: الدكتور فتحي فكري، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، والوزير السابق، وعضو لجنة الخبراء العشرة لإعداد دستور 2014
** تنشر "منشورات قانونية" هذه الورقة بإذن خاص من الكاتب وسبق نشرها بالعدد السادس والعشرين من مجلة المحكمة الدستورية العليا
*** عرض الكاتب ملخصا لهذه الورقة خلال ندوة نظمتها وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بعنوان "القضاء الدستوري بعد نصف قرن.. رؤى حول الدور والأحكام" بتاريخ 13 فبراير 2020
طبقاً لصدر المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 لا يجوز " للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد .. " ، عدا الحالات المحددة نصاً ( [1] ) .
ومفاد تلك الصياغة تأبيد عقد الإيجار خلافاً لطبيعته المؤقتة ( [2] ).
وكان أن عرض على المحكمة الدستورية العليا مخالفة إحدى صور تأبيد عقود الإجارة للدستور ، بالطعن على المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المتعلقة بتوريث عقود الإيجار للأشخاص الطبيعيين بغرض مباشرة نشاط تجارى أو صناعى أو مهنى أو حرفى ( [3] ).
وبالفعل قُضى عام 1997 بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977، لما انطوت عليه من تأبيد لعقود الإيجار للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى ( [4] ) ، وارتكز هذا القضاء على الدعائم الآتية :
- تقييد حق الملكية : بداية أوضحت المحكمة أن سلطة المشرع فى تنظيم حق الملكية لا يجوز ، بحال أن تصل إلى حد أخذ الملكية من أصحابها " سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها ، أوعن طريق اقتحامها مادياً ، بل أن اقتلاع المزايا التى تنتجها أو تهميشها مؤداه سيطرة أخرين فعلاً عليها Physical appropriation ، أوتعطيل بعض جوانبها ".
وأضافت المحكمة : " وفضلاً عما تقدم لا يجوز أن يحصل المستأجر من خلال الإجارة ، على حقوق لا يسوغها مركزه القانونى فى مواجهة المؤجر ، وإلا حض تقريرها على الانتهاز ، وكان قرين الاستغلال . إذ ليس من المتصور أن يكون مغبون الأمس – وهو المستأجر- غابناً ، ولا أن يكون تدخل المشرع شططاً قلباً لموازين الحق والعدل ، فلا تتوافق فى اطار العلائق الإيجارية – مصالح طرفيها اقتصادياً .." .
كما لا يجوز أن يتحول حق المستأجر على العين ، نتيجة للفوائد التى يجنيها دون تدخل من المؤجر ، من حق شخصى إلى حق يتشابه مع الحق العينى .
يضاف لما سبق أن عقد الإيجار لصيق يشخص المستأجر ، كلما كانت العين مؤجرة لاعتبار يتعلق بطبيعة الأعمال التى يزاولها المستأجر ، مما مؤداه انقضاء العقد بوفاة الأخير .
لما كان ذلك وكان النص الطعين يقضى بامتداد العقد بعد وفاة المستأجر للورثة سواء أكانوا يمارسون مهنة مورثهم أم لا ، وسواء باشروا النشاط بأنفسهم أم أنابوا عنهم غيرهم ، فإنه بذلك ، حوّر حق الملكية ولم يقف عند تنظيمه ، بما يوقعه فى حمأة المخالفة الدستورية .
- المساس بالحرية الشخصية : استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن حرية التعاقد منبعها الحرية الشخصية ، فالأصل " فى عقود القانون الخاص ، ابتناؤها على علائق تتكافأ بشأنها مصالح اطرافها ، فلا يميل ميزانها فى اتجاه مناقض لطبيعتها ، إلا بقدر الضرورة التى لا يجوز أن ينفصل عنها مضمون النص المطعون فيه أو الآثار التى يرتبها . ويتعين من ثَمَّ أن تخلى مكانها – عند فواتها – لحرية التعاقد بحسبانها الأصل فى العقود جميعها ، ولأن صون الحرية الشخصية لا يعتبر مجرد ضمان ضد التدابير غير المبررة التى تنال من البدن ، كتلك التى تتعلق بالقبض أو الاعتقال غير المشروع ، بل هى صمام أمن كذلك ضد أشكال القهر على اختلافها ، فلا يكون جوهر هذه الحرية إلا مجال حياً لإرادة الاختيار " .
وانتهاكاً لحرية التعاقد اقحم النص الطعين على الإجارة اشخاص غرباء عنها دخلاء عليها ، وانحدر بحقوق المؤجر " إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية ، ويحيلها إلى مسوخ مشوهة لا تتعدى تقاضيه عائداً نقدياً دورياً ضئيلاً ، مرجحاً على ملكيته بمكناتها التى أقامها الدستور سوية لا عوج فيها ، مصالح لا تدانيها، ولا تقوم إلى جانبها ، أوتتكافأ معها ، ترتيباً على انتقال منفعتها إلى الغير انتقالاً متتابعاً متصلاً ممتداً فى أغوار الزمن ، وهو بعد انتقال لا يعتد بإرادة مالكها فى معدنها الحقيقى ، بل يقوم فى صوره الأكثر شيوعاَ ، على ابتزاز أموال المؤجر ، والتدليس عليه ، وهو ما يعد التواءً بالإجارة عن حقيقة مقاصدها ، واهدار لتوازن لا يجوز أن يختل بين أطرافها " .
وبعد بيان اصطدام النص المنعى عليه بحرية التعاقد ، انتقل الحكم لبيان وجه المخالفة الثالث .
الإخلال بالتضامن الإجتماعى : عقب الإشارة الى المعاملة التفضيلية التى كفلها النص للمستأجر وورثته ، ووجهها الآخر المتمثل بالضرر الفاحش الواقع على المؤجر ، كان من الطبيعى أن يتكشف اخلال النص الطعين بقاعدة التضامن الاجتماعى والتى " مؤداها وحدة الجماعة فى بنيانها ، وتتداخل مصالحها لا تصادمها ، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها ، واتصال أفرادها ببعض ليكون بعضهم لبعض ظهيرا . فلا يتفرقون بددا ، أو يتناحرون طمعا ، أو يتنابذون بغيا . وهم بذلك شركاء فى مسئوليتهم قبلها ، لا يملكون التنصل منها أو التخلى عنها . وليس لفريق بالتالى أن ينال قدراً من الحقوق يكون بها عدوانا أكثر علوا ، ولا أن ينتحل منها ما يخل بالأمن الإجتماعى " ( [5] ).
وجلي أن الدعائم التى تأسس الحكم عليها تتجاوز الإجارة لشخص طبيعى لغير غرض السكنى ، لحال كون المستأجر شخص معنوى. بل إنه يمكن القول إنها تتبدى بصورة أشد فى الفرض الأخير ، لسببين :
- حياة الشخص المعنوى ممتدة لعشرات وربما مئات السنين ، وبالتالى فإن الأمر لا يتعلق بتقييد حق الملكية ، وإنما بإهدارها وإضاعة سلطات المالك عليها.
- الملاءة المالية للشخص المعنوى تفوق تلك التى يتمتع بها الشخص الطبيعى ، ومن شأن امتداد عقد الإيجار للفئة الأولى ، دون الثانية ،أن يهيىئ لها الفرص للمزيد من الإثراء دون سند أو سبب على حساب فئات أخرى ، مما يعارض بقوة مبدأ التضامن الاجتماعى .
وإزاء ما تقدم ساد التوقع بالقضاء بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981، فيما يخص عقود ايجار الأشخاص المعنوية لممارسة أنشطة تجارية أوما يجرى مجراها ، والمطروح البت فى أمر دستوريتها أمام القاضى الدستورى منذ عام 2001.
ولذا كان من المفترض ان يعكف البرلمان على دراسة المسألة ووضع تصور يجنبنا تبعات هذا القضاء المرجح، من خلال صياغة تشريع يصون حقوق المالك، ويحول فى الوقت ذاته دون تفجر اضطراب اجتماعى يتسبب فيه الإنهاء الفجائى لعقود ممتدة منذ زمن يتعدى أحياناً حياة المالك والمستأجر معاً.
بيد أن المشرع لم يحرك ساكنا، وتمسك بصمت مطبق، مع فداحة المشكلة والنذر بقرب انشطار مكوناتها.
ولا يجد فى تبرير هذا الصمت القول بأن المشرع عدل عام 1998 قانون المحكمة الدستورية العليا ( [6] ) ليتيح لها تحديد تاريخ "غير رجعى لأحكامها".
فمن ناحية، كان هذا التعديل محلاً لطعن بعدم دستوريته ولم يفصل فيه بعد ( [7] ) ، وبالتالى فإن التعويل عليه فى ذلك التوقيت كان تعويلاً على مجهول، وهو وضع لا يستقيم فى العلائق الإجتماعية التى يتأثر بها قطاع عريض من أفراد المجتمع بمختلف فئاته وطوائفه، ويمس فى ذات الآن أمن الجماعة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
ومن ناحية أخرى، فإنه لا يصح أن تتخلى أى سلطة عن اختصاصها، وتلقى بالعبء كله فى ساحة سلطة أخرى، فالاختصاصات فى منزلة الواجبات، لا يقبل التنازل عنها، أو التغافل عن الاضطلاع بها.
ونتظيم العلاقات الاجتماعية - بلا خلاف - من أولى وأخص مسئوليات الهيئة التشريعية.
ووجد المشرع فى حكم المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 3 نوفمبر 2002 برفض الطعن على المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 تكأة لاستمرار صمته.
وكان الطعن قد قام على مخالفة امتداد عقد ايجار عين بغرض السكنى ، للشريعة الإسلامية ، وانتهاكه لحق الملكية ، وإهداره للتضامن الإجتماعى .
وفى بحثها للشق الأول من الدعوى ذكرت المحكمة الدستورية العليا بقضائها المطرد بأن مفاد مبادئ الشريعة الإسلامية كمصر للتشريع الأحكام قطعية الثبوت والدلالة ، واستظهاراً لتوافر هذا الضابط فى النزاع المطروح أبانت أن النصوص القرأنية الخاصة بالوفاء بالعقود قطعية الثبوت، غير أنها ليست كذلك فى دلالتها، فقد رحبت الآفاق فى عقد الإيجار "لاجتهاد الفقهاء وحدهم ، وقادهم اجتهادهم فى شأن مدته إلى القول بوجوب أن يكون مؤقتاً ، أما المدة التى يؤقت إليها فقد اختلفوا فيها اختلافاً شديداً ، ومن ذلك قولهم أنه يجوز إجارة العين المدة التى يعيش إليها المتعاقدان عادة ، وأن التأقيت قد يكون بضرب أجل ينتهى بحلوله العقد ، أو بجعل أجله مرهوناً بحدوث واقعة محمولة على المستقبل".
"وحيث أن النص الطعين لم يعمد إلى تأبيد عقد الإيجار، وإنما هو قصد إلى تقرير امتداد لهذا العقد يتجاوز المدة المتفق عليها فيه ، وهوامتداد وإن كان غير محدد بمدة معينة ، إلا أن مدته تتحدد بوقائع عدة ، منها تلك الوقائع التى عددتها باقى أحكام المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة1981 ، فيما أعقب صدر الفقرة الأولى المطعون عليها ، والتى يلزم إذا توافرت شروط إحداها إنهاء العقد .. " .
وعن الشق الثانى أوضحت المحكمة أن حق الملكية ، مع مكانته وقيمته ، له دور اجتماعى ينبنى عليه تحميله ببعض القيود ، طالما لا تمس جوهره ، "إذ كان ذلك وكان ما أملى على المشرع المصرى تقرير قاعدة الامتداد القانونى لعقد الإيجار ، هو ضرورة اجتماعية شديدة الإلحاح تمثلت فى خلل شديد فى التوازن بين قدر المعروض من الوحدات السكنية وبين حجم الطلب عليها ، وهو خلل باشرت ضغوطه الإجتماعية آثارها منذ الحرب العالمية الثانية ، وكان تجاهلها يعنى تشريد ألوف من الأسر من مأواها بما يعنيه ذلك من تفتيت فى بنية المجتمع وإثارة الحقد والكراهية بين فئاته ممن لا يملكون المأوى ومن يملكونه ، وهو ما يهدر مبدأ التضامن الإجتماعى ، مما دعا المشرع المصرى إلى تبنى قاعدة الامتداد القانونى لعقد الإيجار، منذ التشريعات الإستثنائية لإيجار الأماكن أثناء الحرب العالمية الثانية وحتى النص الطعين ، كى يصون للمجتمع أمنه وسلامته محمولين على مبدأ التضامن الإجتماعى " ( [8] ).
وهكذا اتضح أن النص مُطهر من المثالب المنسوبة إليه، ليلقى الطعن مصيره الطبيعى وهو الرفض .
والتعمق فى حيثيات الحكم يفيد أنه يتعلق بالأعيان المؤجرة بهدف السكنى، دون تلك المنتفع بها فى غير ذلك الغرض. وبالتالى لم يكن المشرع محقاً فى التعويل على هذا الحكم ليستمر فى تقاعسه عن اقتحام مشكلة مضى الوقت يضاعف من كتلة حجمها، ويعيق بشدة محاولات حصار سيئ آثارها.
ومن ثم كان طبيعياً أن ترد المحكمة ، فى دعوى عدم دستورية عقود الإيجار للأشخاص المعنوية لغير غرض السكنى، دفع الحكومة بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها ، بقولها أن الحجية المطلقة " للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية والمانعة من نظر أى طعن دستورى جديد ، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها ، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها ، أما ما لم يكن مطروحاً على المحكمة ، ولم يكن مثاراً للنزاع أمامها ولم تفصل فيه بالفعل ، فلا يمكن أن يكون موضوعاً لحكم يحوز حجية الأمر المقضى ، ومن ثم لا تمتد إليه الحجية المطلقة للحكم فى الدعوى الدستورية السابقة ".
واستطردت المحكمة معلنة أن الدعوى رقم 105 لسنة 19 قضائية والصادر الحكم فيها بجلسة 3 / 11 / 2002 بالرفض انبثقت عن نزاع موضوعى يدور حول طلب انهاء عقد إيجار عين سكنية مؤجرة لشخص طبيعى ، " متى كان ذلك ، وكانت الأسباب التى تأسس عليها ذلك الحكم ، وبقدر اتصالها الحتمى بما انتهى إليه منطوقه من رفض الدعوى ، مؤداه انصراف حجيته إلى اتفاق أحكام صدر الفقرة الأولى من المادة (18) من القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه وأحكام الدستور ، فى مجال انطباق قاعدة الامتداد القانونى لمدة عقد الإيجار المقررة به على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى للأشخاص الطبيعيين ، باعتبار أن تلك المسألة كانت هى سبب النزاع فى الدعوى الموضوعية ، التى تولدت عنها الدعوى الدستورية ، وقد فصلت المحكمة الدستورية العليا فى قاعدة هذا الامتداد فصلاً حاسماً بقضائها ، ويتعين بالتالى ألا تبرح حجية ذلك الحكم هذا النطاق ، لتقتصر عليه وحده ، دون أن تتجاوزه إلى ما يحمله إطلاق عبارة النص التشريعى ذاته ، ليشمل الامتداد القانونى لمدة عقد إيجار الأماكن لأحد الأشخاص الاعتبارية لاستعمالها فى غير غرض السكنى ، إذ لم يكن أمره مطروحاً على المحكمة الدستورية العليا ، ولم يكن مثاراً للنزاع أمامها .. " ( [9] ) .
على أية حال كان على المشرع وضع احتمال رفض الدفع بعدم القبول فى حسبانه، والاستعداد بصياغة تنظيم قانونى يتوافق مع الدستور، ويوازن بين المصالح المتعارضة، بل المتصارعة فى هذا الشأن، وهوما لم يحدث .
ولاحت فرصة أخرى لتدارك الموقف ، فالدعوى الدستورية ضد المادة 18 من القانون 136 لسنة 1981 رفعت فى 31 يناير 2001، وظلت تتداول حتى جلسة 12 مارس 2006، وفى تلك الجلسة تقرر إعادة الدعوى لهيئة المفوضين لاستكمال التحضير .
ومما يستوقف النظر أن تقرير هيئة المفوضين الأول ( [10] ) كان قد وافق الدفع بعدم قبول الدعوى لسابقة الفصل فيها، ومن ثم بدا أن أحد دواعي إعادة القضية لتلك الهيئة لاستكمال تحضيرها، هو بحث احتمال تجاوز هذا الدفع، وإعداد تقرير فى الموضوع .
وكان على المشرع ألا تفوته تلك الإشارة، ولكنه مع الأسف تجاهلها، وضاعت فرصة جديدة للمعالجة التشريعية لامتداد العقود الإيجارية، لا سيما تلك المبرمة لأغراض غير سكنية، لتظل المشكلة تراوح مكانها، متستفحلة فى آثارها وممتدة فى توابعها على مناحٍ شتى.
وأدع التقرير التكميلى فى 20 سبتمبر2012 ( [11] ) ، وكما كان منتظراً انتهى التقرير إلى أن نطاق الدعوى 105 لسنة 19 قضائية (دستورية) " قد انحصر فى النص المطعون عليه حال تطبيقه على عقود الإيجار المؤجرة لأشخاص اعتبارية لغير غرض السكن ، لأن تلك العقود لم تكن مطروحة على المحكمة الدستورية العليا ، ولم تقض فيها بشىء ، وبالتالى فإن قضاءها السالف الذكر لا يقيدها حال نظر الدعوى الماثلة " ( [12] ) .
ونظراً لإعداد التقرير التكميلى فى إطار الإعلان الدستورى لسنة 2011 النافذ آنذاك ، فقد قررت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 3 فبراير 2013 إعادة التقرير ثانية لهيئة المفوضين، لإعداده فى ضوء نصوص دستور 2012، وبالفعل اكتمل التقرير التكميلى الثانى ( [13] ) لهئية المفوضين فى 8/ 1/ 2018 ، على هدي من أحكام دستور 2014 الذى صدر فى غضون فترة كتابة التقرير .
وحال إيداع التقرير الأخير كانت حالة عدم الاستقرار التى ضربت البلاد على إثر أحداث ثورة يناير 2011 ، قد تراجعت بشكل ملحوظ ، وشُكلت السلطة التشريعية ممثلة فى مجلس النواب وباشرت مهامها اعتباراً من يناير 2016 ، اى ما يربو على عامين قبل وضع التقرير الأخير لهيئة المفوضين. ولذا كان من المأمول ألا تفوت السلطة التشريعية الفرصة مرة أخرى لتنظيم الإجارة لغير الأغراض السكنية ، لا سيمأ أن التقرير انتهى إلى عدم دستورية امتداد عقود الإيجار المبرمة مع أشخاص معنوية.
ألا أن البرلمان كرر موقفه بالالتفات عن المشكلة، ومن ثم الإعراض عن التصدى لها، وكأنها تقع خارج نطاق مسئولياته !
ولم يكن هناك بد من ترقب حكم المحكمة الدستورية العليا، والتفكير فى الكيفية التى ستتم بها مواجهة تداعيات قبول الطعن موضوعياً، سواء صدر الحكم بأثر رجعى أوحتى بأثر مباشر، ففى الفرضين ستنتهى عقود الإيجار المبرمة لصالح أشخاص معنوية لغير غرض السكنى، فور نشر الحكم بالجريدة الرسمية.
وصدق التوقع وصدر الحكم بعدم دستورية امتداد عقود الإيجار المبرمة مع أشخاص معنوية ( [14] ) عامة كانت أم خاصة لغير غرض السكنى .
وكان منطقياً أن نقابل أوجه العوار الدستورى ذاتها، السابق الاستناد إليها فى حكم عدم دستورية امتداد عقود الإيجار لأشخاص طبيعيين . ألا أن تعديل المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 الذى جرى عقب هذا الحكم لتقييد الامتداد فى هذه الحالة، زودنا بحجة إضافية تتمثل فى تنكب المساواة، لانتفاء التقييد المشار إليه فى عقود ايجار الأشخاص المعنوية ، لتختلف المعاملة رغم وحدة المراكزالقانونية.
وترجمة لذلك نطالع فى أسباب الحكم الحيثية التالية : فمن مقتضى سمو الدستور أنه إذا " فتح باب إلى حق ، امتنع على المشرع أن يمنحه لبعض مستحقيه ويقبضه عن البعض الآخر ، إذ كان ذلك ، وكان جميع مؤجرى الأماكن لاستعمالها فى غير غرض السكنى ، فى علاقاتهم بمستأجريها ، فى خصوص الامتداد القانونى لمدة عقد الإيجار ، تتكافأ مراكزهم القانونية ، مما يستوجب – من زاوية دستورية – وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى تطبيقها فى حقهم . إلا أن المشرع – بموجب النص المطعون فيه – قد خالف ذلك ، إذ اختص فئة من المؤجرين لهذه الأماكن لأشخاص اعتبارية ، بمعاملة أدنى من قرنائهم المؤجرين لها لأشخاص طبيعيين ، بأن حرم الفئة الأولى ، من استرداد العين المؤجرة ما بقى الشخص الإعتبارى قائماً عليها ، سواء كان المستأجر شخصاً اعتبارياً عاماً أم خاصاً . حال أن الفئة الثانية من المؤجرين سترد إليهم العين المؤجرة بعد وفاة المستأجر الأصلى ، أو انتهاء امتداد العقد ، لمرة واحدة للفئات التى حددها المشرع من ورثته الذين يستعملون العين المؤجرة فى النشاط ذاته الذى كان يمارسه طبقاً للعقد ،على نحو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (29) من القانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه بعد استبدالها بالمادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 . وهذا التمييز فى المعاملة بين طائفتى المؤجرين لأماكن لاستعمالها فى غير غرض السكنى ، بحسب ما إذا كان المستأجر شخصاً اعتبارياً أو شخصاً طبيعياً ، رغم تكافؤ مراكزهم القانونية ، باعتبارهم جميعاً مؤجرين لأماكن مخصصة لغير غرض السكنى ، مما كان يوجب أن تنتظمهم جميعاً قواعد قانونية واحدة ، لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزاً بينهم من أى نوع ، ومن ثم ، فإن إقامة النص المطعون فيه هذا التمييز التحكمى بين هاتين الطائفتين من المؤجرين فى هذا الخصوص ، وبالنظر لكونه يعد الوسيلة التى اختارها المشرع لتنظيم العلاقة بين مؤجرى ومستأجرى هذه الأماكن ، والتى لا ترتبط ارتباطاً منطقياً وعقلياً بالأهداف التى رصدها لهذا التنظيم ، فإنه يكون مصادماً لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص ، ويقع – من ثم – فى حومة مخالفة نصوص المواد (4، 9، 53) من الدستور ( [15] ) ( [16] ) ( [17] ) من الدستور.
وهكذا دمغ صدر المادة الأولى من المادة 18 من القانون 136 لسنة 1981 بعدم الدستورية فيما تضمنه من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ، ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد ، .. " ، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها فى غير غرض السكنى.
وبعد القضاء بعدم الدستورية لم يتبق إلا تحديد القاضى الدستورى تاريخ سريان الحكم، وهل سيطبق بأثر رجعى أومباشر ، أو غير ذلك ؟
وهذا التساؤل طفا على السطح فى تقرير هيئة المفوضين المُعد فى20 سبتمبر 2012 ، حيث خلص التقرير إلى أن عبارة "مالم يحد الحكم لذلك تاريخاً آخر " المضافة للمادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 تسمح بتحديد تاريخ مستقبلى لسريان حكم القاضى الدستورى. ونظراً لما سيترتب "على إخلاء الأشخاص الاعتبارية كأثر للحكم بعدم الدستورية من خلل فى الأوضاع الإقتصادية والتى ستلقى بظلالها حتماً على الأوضاع الاجتماعية - خاصة فى ظل الأوضاع المتردية أصلاً إقتصادياً واجتماعياً – فإن للمحكمة أن تعمل الرخصة المخولة لها بالنص سالف الذكر وترجئ إعمال أثر حكمها إلى تاريخ تحدده هى فى ضوء ما تراه محققاً للصالح العام" ( [18] ) .
والواقع أن المحكمة منذ تعديل 1998 استخدمت الرخصة ( [19] ) المخولة لها لسريان الأحكام بأثر مباشر ، ولم تلجأ لتأجيل هذا الأثر للمستقبل حتى عام 2018 ، مما ولد الانطباع بأن عبارة "ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخاً آخر" لا تسمح بالأثر المستقبلي.
ويرجح فى قناعتنا أن أوضاع عدم الاستقرار التى عايشتها البلاد عقب ثورة يناير 2011، كانت وراء عودة هيئة المفوضين لعبارة " التاريخ الآخر " ، والبحث من خلالها عن مخرج لنفاذ الحكم بأثرمستقبلي. وهكذا حملت العبارة على أوسع معانيها .
ولم تحسم المحكمة الدستورية العليا موقفها من التخريج الذى جاء بهذا التقرير لهيئة المفوضين، حيث أعيدت الدعوى للهيئة لإعداد تقرير تكميلى فى ضوء الدستور السارى فى ذلك الوقت .
وفى التقرير الأخير تعرضت هيئة المفوضين لهذه الجزئية بشىء من الإسهاب، خصوصاً الفقه المناصر ( [20] ) لإرجاء نفاذ الحكم بعدم الدستورية، مع دعم ذلك بالاشارة إلى وجود هذا المسلك فى بعض الدول ( المانيا – البرتغال – النمسا )، وأن سنده مراعاة اعتبارات الأمن والاستقرار القانوني، بالموازنة بين الحقوق والحريات من ناحية ، والمصلحة العامة من ناحية أخرى .
وبالاعتماد على ما سبق ، قدر التقرير أن المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا تستوعب إعطاء مهلة للمشرع ( [21] ) لإحداث التعديل التشريعى المناسب قبل إعمال أثر الحكم، مقدراً تلك المهلة بعام يتم خلالها تنظيم الأمر تشريعياً ( [22] ) .
وهكذا كان تقرير هيئة المفوضين واضحا فى أن منح مهلة قبل نفاذ الحكم يستهدف دفع المشرع للتدخل بتنظيم المسألة، وممارسة مهامه فى ضبط صورة من صور العلاقات العقدية التى يؤثر ويتأثر بها غالبية أفراد المجتمع، أو بالأحرى جميعهم.
وانحازت المحكمة الدستورية العليا لرأى هيئة المفوضين بترك مهلة قبل نفاذ حكمها بعدم الدستورية ( [23] ) ، وتأكيداً على أن غاية تلك المهلة هو حث الشارع على التدخل لتنظيم العلاقة الإيجارية للأشخاص المعنوية عامة أو خاصة، جرى ربط المهلة، لا بحدود زمنية، وإنما بنهاية دور الانعقاد الرابع لمجلس النواب في فصله التشريعي السابق ( [24] ) .
ولما كان الحكم قد صدر قرب نهاية دور الانعقاد الثالث لمجلس النواب ( [25] ) ، فإن المهلة الممنوحة للمشرع فاقت العام، وهى بالتأكيد فترة كانت كافية لتدخله بالتنظيم المرتجى.
وكانت المفاجاة بانصرام كامل المهلة دون أن يصدر عن البرلمان التنظيم المنتظر( [26] ) ، لتفوت الفرصة الأخيرة لقيام البرلمان بدوره، حتى حينما تأتيه الدعوة من خلال حكم صادر من المحكمة الدستورية العليا، مع ما لتلك الأحكام من قيمة فى ذاتها، ومكانة فى بنياننا القانونى .
ولا نملك بعد ما سجل أعلاه إلا أن نقول أن ملابسات الحكم بعدم دستورية المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 تعد نموذجاً لتراخٍ برلمانى، تعاقبت عليه دساتير عدة، وطويت خلاله أنظمة حكم عديدة، وكلنا رجاء فى عدم مقابلته مرة أخرى.
الهوامش
[1] عدد النص تلك الحالات كالآتى :
(أ) الهدم الكلى أو الجزئى للمنشآت الآيلة للسقوط وإلاخلاء المؤقت لمقتضيات الترميم والصيانة وفقاً للأحكام المنظمة لذلك بالقوانين السارية .
(ب) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه بعلم الوصول دون مظروف أو بإعلان على يد محضر ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية .
ولا ينفذ حكم القضاء المستعجل بطرد المستأجر من العين بسبب التأخير فى سداد الأجرة إعمالاً للشرط الفاسخ الصريح إذا ما سدد المستأجرالإجرة والمصاريف والأتعاب عند تنفيذ الحكم ( كان النص يتطلب اجراء التنفيذ فى مواجهة المستأجر ، بيد أنه قضى بعدم دستورية هذا الضابط لإخلاله بحق التقاضى وما يرتبط به من الحصول على الترضية القضائية دون عوائق اجرائية ، وكذلك لتعليق التنفيذ بإرادة المستأجر ،وهو ما لا يجوز – المحكمة الدستورية العليا – 6 / 2/ 1999 – مجموعة الأحكام - ج 9 – ص 162 ) .
فإذا تكرر امتناع المستأجر أو تأخره فى الوفاء بالأجرة المستحقة دون مبررات تقدرها المحكمة حكم عليه بالإخلاء أو الطرد بحسب الأحوال .
(ج) إذا ثبت أن المستأجر قد تنازل عن المكان المؤجر ، أو أجره من الباطن بغير إذن كتابى صريح من المالك للمستأجر الأصلى ، أوتركه للغير بقصد الإستغناء عنه نهائياً وذلك دون إخلال بالحالات التى يجيز فيها القانون للمستأجر تأجير المكان مفروشاً أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أوتركه لذوى القربى وفقاً لأحكام المادة 29 من القانون 49 لسنة 1979 .
(د) إذا ثبت بحكم قضائى نهائى أن المستأجر استعمل المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة مقلقة للراحة أو ضارة بسلامة المبنى أو بالصحة العامة أو فى أغراض منافية للآداب العامة .
[2] انظر على سبيل المثال : عبد الرزاق السنهورى – الوسيط فى القانون المدنى - الجزء السادس – ط . دار احياء التراث ( بيروت ) – ص 4 .
[3] أودعت صحيفة الطعن لدى المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 21/ 6 / 1995 .
[4] كان نص تلك الفقرة يقضى بأنه إذا " كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجارى أو صناعى أو مهنى أو حرفى فلا ينتهى العقد بوفاة المستأجر ويستمر لصالح ورثته " .
[5] المحكمة الدستورية العليا – 22/ 2 / 1997 – مجموعة الأحكام – ج 8 – ص 394 .
[6] تم هذا التعديل بالقرار بقانون رقم 186 لسنة 1998.
[7] صدر حكم المحكمة الدستورية العليا فى 7 /7 / 2002 – مجموعة الأحكام – ج10 – ص 324 , مقراً دستورية التعديل.
وفى دراسة تحليلية نقدية للقرار بقانون رقم 186 لسنة 1989 المقيد للأثر الرجعى للأحكام الدستورية ، وبيان مثالبه أنظر مقالنا : تعديل المادة 49 /3 من قانون المحكمة الدستورية العليا فى حاجة إلى تعديل - مجلة القانون والإقتصاد – حقوق القاهرة – العدد 71 – ص 59 .
[8] المحكمة الدستورية العليا – 3 / 11/ 2002 – مجموعة الأحكام – ج10– ص 702 .
[9] المحكمة الدستورية العليا – 5 / 5 / 2018 – مجموعة الأحكام – ج16 / 1– ص 1157 .
[10] وضع التقريرالأول بتاريخ 12 / 12 / 2005 .
[11] استغرق وضع التقرير التكميلى ست سنوات ، ولا ندرى سبباً لطول الفترة ، وهل كان أحد مراميها دعوة المشرع للتدخل لتنظيم المسألة بالنظر لحساسيتها ؟
[12] تقرير هيئة المفوضين بتاريخ 20 /9 / 2012 – ص 13 .
[13] اعد التقرير المشار إليه كسابقة خلال مدة ست سنوات ، رغم أن المسألة كانت مقصورة على الإشارة لنصوص الدستور القائم المتصلة بالنزاع ، وهى نصوص لم تتبدل فى دستور 1971 أو فى الدساتير اللاحقة بما فيها الدستور الحالى .
[14] تعلق النزاع الموضوعى بعين مستأجرة من قبل أحد فروع بنك ناصر الإجتماعى ، وهو شخصية معنوية عامة ، وثار نقاش حول قصر نطاق الدعوى على امتداد عقود الإيجار لتلك النوعية من الأشخاص وحدها ، باعتبار أن الدعوى الموضوعية تتعلق بشخص من هذا النوع ، بيد أن الرأى الذى رجح هو اطلاق عبارة " الاشخاص المعنوية " لتشمل الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة ، وعلى هذا الفهم صدر حكم القاضى الدستورى .
انظر تقرير هيئة المفوضين بتاريخ 8 يناير 2018 – ص 15 هامش (1) .
[15] تنص المادة 4 من الدستور على أن الشعب يصون " وحدته الوطنية التى تقوم على مبادىء المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين .. " .
[16] وفقا للمادة 9 من الدستور " تلنزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين ، دون تمييز " .
[17] طبقا لصدر المادة 53 من الدستور " المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات.." .
[18] تقرير هيئة المفوضين بتاريخ 20 / 9 / 2012 – ص 40 .
[19] حرى بالذكر أن لجوء المحكمة لتلك الرخصة أحياناً لا يحجب أن القاعدة كانت ولا زالت رجعية الأحكام بعدم الدستورية .
[20] فتحى سرور – الحماية الدستورية للحقوق والحريات – 2000— ص 350 ،351 ، ولمذيد من التحليلات التى قيل بها تأييداً ومعارضة لتعديل عام 1998 ، انظر على وجه الخصوص :
عبد الله ناصف : حجية وآثار أحكام المحكمة الدستورية العليا قبل التعديل وبعد التعديل – 1998 .
[21] ألمح التقرير لتبرير إعطاء مهلة للمشرع للتدخل لتنظيم عقود الإيجار للأشخاص المعنوية لغير غرض السكنى إلى ماورد فى بعض نصوص الدستور من تأجيل لسريانها لفترة ، تقديراً منه لظروف المجتمع وعدم قدرته على إنفاذ الأحكام الدستورية على الفور( المادة 239 المتعلقة بندب القضاة ، والمادة 240 الخاصة باستئناف الأحكام الصادرة فى الجنايات ، والمادة 242 الناصة على التدرج فى تطبيق نظام الإدارة المحلية ) .
يراجع ص 45 من التقرير – هامش 2 .
ويصعب مؤازرة هذا التبرير لاعتبارين :
- إرجاء تنفيذ بعض نصوص الدستور وأحكامه تقرر بنص من السلطة التأسيسية الأصلية ، أى أعلى سلطة فى أى نظام قانونى ، وليس كذلك إرجاء تنفيذ الأحكام بعدم الدستورية .
- تحديد أثر الأحكام بعدم الدستورية يستند إلى قانون المحكمة الدستورية العليا (الماة 49 الفقرة الثالثة )، والنص الخاص بذلك قابل لمناقشة اتفاق ما دُون به مع القانون الأساسى ، خصوصاً فيما يتعلق بالأثر المستقبلى ، وهو ما سنعود إليه فى الحاشية رقم (23) .
[22] تقرير هيئة المفوضين بتاريخ 8 / 1 / 2008 – ص 45 .
[23] ربما كان من الممكن قبول الأثر المباشر للأحكام بعدم الدستورية ، بيد أنه يصعب إقرار الأثر المستقبلى لتلك الأحكام ، لما يحمله ذلك من الاعتراف بوجود مخالفة للوثيقة الدستورية ، ومع ذلك ندعها قائمة تنتج آثارها لفترة المهلة .
ولا يثنينا عن رأينا القول بأن الدستور فوض المشرع العادى فى تحديد أثر أحكام القاضى الدستورى ، فالراجح لدينا أن ذلك التفويض مقرون بعدم ترك مخالفة وقعت من السلطة التشريعية نافذة متحدية ، حتى لا نحجم أثر الرقابة على دستورية القوانين ، وهو ما يحتاج إلى دليل قاطع عليه فى متن الوثيقة الدستورية .( لمزيد من النقاش راجع : فتحى فكرى – القانون الدستورى – الكتاب الأول – 2019 – ص 401 – 403) .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر، إذا أظهرالتطبيق الواقعى الحاجة لإعمال بعض الأحكام بأثر مستقبلى ، فلا يوجد ما يحول دون إدراج ذلك فى صلب الدستور ، منعاً لتضارب الآراء فى أمر شديد الأهمية والحساسية ، على أن يوازن ذلك النص على الزام المشرع بالتدخل فى المهلة المتاحة . وهذا الإلزام الدستورى سيزيل عقبة الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات التى تثار عندما نفكر فى كيفية مواجهة تقاعس المشرع عن ممارسة اخثصاص عهد به إليه .
اما ماجاء فى تقرير هيئة المفوضين من تعزير تفسير امكانية إرجاء تنفيذ الأحكام الدستورية بالاستناد إلى ما يجرى عليه العمل فى بعض الدول كألمانيا ، فغير مقنع . فبداية لم يتطرق التقرير إلى النصوص الواردة فى النظام القانونى الألمانى ( الدستور – القانون العادى ) لرقابة الدستورية ، لنعرف إذا ما كان هذا النظام يسمح بالأثر المستقبلى لتنفيذ الأحكام الدستورية أم لا؟ ناهيك عن أن القانون الألمانى ينتمى للنظام الجيرمانى، وهونظام قانونى تختلف فلسفته عن تلك التى يتأسس عليها النظام اللاتينى المُتبنى عندنا .وأخيراً، هل إرجاء الأحكام بعدم الدستورية مثل سابقة وحيدة تعود للماضى البعيد ، من ثم لا يصح التعويل عليها أو الإعتداد بها ، أم أن الأمر بمثابة قضاء مستقر يحظى بالقبول والمساندة ؟
[24] فُض دور الإنعقاد الرابع لمجلس النواب السابق فى 15 يوليو 2019 .
[25] انتهى دور الانعقاد الثالث لمجلس النواب السابق فى 25 يوليو 2018 .
[26] وحري بالذكرأنه قرب نهاية دور الإنعقاد الرابع لمجلس النواب نُشر أن المجلس بدأ مناقشة تقرير لجنة الإسكان ، والذى جاء به أنه نفاذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا فى 5/5 / 2018 لزم تحديد وضع المراكز القانونية للأشخاص الإعتبارية فى العلاقات الإيجارية الفترة المقبلة حتى لا يحدث خلل فى مراكزها القانونية يؤدى إلى توقف العمل بها بصورة مفاجئة .
وتابع التقرير بأنه بموجب مشروع القانون يتم الحفاظ على الدور الاقتصادى والاجتماعى والسياسى والتنموى للأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة التى تشغل أماكن مؤجرة لغير غرض السكنى، كما يتم إنهاء جميع الإيجارات للأماكن التى يشغلها الأشخاص المعنوية العامة والخاصة خلال مدة لا تتجاوز الخمس سنوات ، وهى مدة تتسم بالمعقولية تستطيع الدولة أو أشخاصها الإعتبارية تدبير أمورها .
راجع موقع صدى البلد بتاريخ 9 يوليو 2019.
وبدون أسباب معلنة لم تكتمل تلك الخطوة، وانتهى الفصل التشريعي بالكامل دون صدور القانون خلال المهلة الواردة فى حكم المحكمة الدستورية العليا.