مدى دستورية تفتيش الهاتف المحمول كأثر للقبض - دراسة مقارنة
* الكاتب: الدكتور أشرف توفيق شمس الدين، أستاذ القانون الجنائى ووكيل كلية الحقوق بجامعة بنها والقاضي السابق
** تنشر "منشورات قانونية" هذه الورقة بإذن خاص من الكاتب وسبق نشرها بالعدد السابع والعشرين من مجلة المحكمة الدستورية العليا
- تمهيد:
أسهم التطور الكبير فى وسائل الاتصال وشبكات المعلومات وأجهزة الكومبيوتر ووسائل التصوير فى تفاقم أزمة الحياة الخاصة، إذ صار بالإمكان مراقبة الشخص بالوسائل الإلكترونية بالصوت والصورة وتسجيل كل كلمة يلفظ بها، أو فعل يقوم به، ولم يعد أحد بمنأى عن ذلك. وقد أسهم ذلك فى تجريد الإنسان مما تبقى له من خصوصية، فقد أصبح بمقدور الغير الوقوف على أدق تفاصيل الحياة الخاصة للفرد، سواء أكان ذلك برغبته أو بغير ذلك ( [1] ) .
وقد أفضى كذلك التطور الكبير فى وسائل حفظ المعلومات إلى تعريض الحق فى الخصوصية للخطر: فالكثير من المعلومات التى يحرص المرء على إحاطتها بالسرية ويخشى من اطلاع الناس عليها لم تعد بمنأى عن تدخل الغير . وقد تكون المعلومات المخزنة ليست سرية فى ذاتها؛ غير أن من شأن تجميع ها وتحليلها ومقارنتها واسترجاعها أن يعطى صورة عن الحياة الخاصة للفرد وصفاته الشخصية، وهو ما من شأنه تهديد فكرة الخصوصية ( [2] ) . ومما زاد من خطورة هذا المساس، اتساع استخدام الأجهزة الإلكترونية، بحيث لم يعد هناك من مجال بمنأى عن استخدامها، وأصبح الاعتماد على هذه الأجهزة أمراً لا غنى عنه فى المجتمع، إذ أصبحت جزءاً من حياة الشخص. ومما زاد من خطورة هذا المساس أن هذه الأجهزة كجهاز الهاتف المحمول وغيرها من أجهزة رقمية لم يعد ينفصل فى كثير من الأحيان عن الشخص، فهو يرافقه فى أى مكان حتى ولو كان مخدع نومه، وأصبحت هذه الأجهزة مستودعاً لأسراره، ووسيلة كذلك للتجسس عليه، فلا يمكن أن يتحسب الشخص لما ينطق به هو أو غيره من الأشخاص من أحاديث على مقربة منها.
- دقة البحث:
تثير الدراسة التساؤل عن أثر تطبيق القواعد التقليدية التي تجيز التفتيش كأثر للقبض الصحيح، فإذا قبض على متهم سواء أكان بناء على أمر أم لتوافر حالة تلبس، فهل يجوز تفتيش الأجهزة الإلكترونية التي بحوزته، كهاتفه المحمول؟؛ أم أن هذه القاعدة مقصورة على الأشياء المادية التي توجد بحوزة المقبوض عليه ولا تمتد إلى محتويات هاتفه؟، وهل يجوز في هذه الحالة قياس الهاتف المحمول بما يحتويه من معلومات وثيقة الخصوصية بالشخص على الأشياء المادية التي توجد بحوزته، مثل المفكرة الورقية أو حافظة النقود؟، ثم ما هي وجهة الفقه والقضاء المقارن في ذلك؟.
ويثور التساؤل كذلك عن مدى تناسب شرعية ضبط وتفتيش الهواتف المحمولة وما في حكمها مع مقدار الضرر الناتج عن المساس بحياة الشخص الخاصة؟.
وتطرح الدراسة تساؤلاً مهماً عن مدى دستورية نصوص قانون الإجراءات الجنائية المصرى التي تجيز تفتيش المقبوض عليه أياً كان سبب القبض، وأياً كان موضوع هذا التفتيش، فهل تتعارض هذه النصوص مع ما نص عليه الدستور في نصوصه التي تناولت حماية حرمة الحياة الخاصة، أم أنها تلتقى مع هذه النصوص ولا مخالفة فيها؟.
- تقسيم:
نقسَّم هذه الدراسة إلى ثلاثة عناصر رئيسية: نخصص الأول لتحديد المقصود بالهاتف المحمول، وما الذى بمقدوره الإفصاح عنه من معلومات تنال من خصوصية الشخص. وأما الثانى فنتناول فيه الاتجاه الفقهى والقضائى الذى يساوى بين تفتيش الأشياء المادية والهواتف المحمولة، على نحو لا يعدو الهاتف في نظر هذا الاتجاه أن يكون غرضا ماديًا يماثل ما بحوزة الشخص المقبوض عليه. وأما العنصر الثالث فنخصصه للاتجاه الذى لا يساوى بين الهاتف المحمول وغيره من أشياء مادية، متتبعين التطور الذى طرأ على هذا الاتجاه ووجهات القضاء الأمريكي ولا سيما قضاء المحكمة العليا الأمريكية، ونختتم البحث بتأصيل المقارنة بين القانون والقضاء المصرى والأمريكى موضحين نقاط الاتفاق والاختلاف في الموضوع، ونتناول مدى دستورية نص المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية المصرى من حيث مد تطبيقها لتفتيش الهاتف المحمول كأثر للقبض.
أولاً: ماهية الهاتف المحمول
- مدلول الهاتف المحمول:
للهاتف المحمول مدلول ضيق لا يتسع إلا باعتباره أداة لإجراء اتصال هاتفى بهاتف آخر من خلال شبكة معينة. غير أن التطور التقنى قد جعل هذا المدلول ضيقاً: فمن ناحية قد تطورت هذه الهواتف لتصبح هواتف "ذكية"، فعلى سبيل المثال فإنه إذا كان يمكننا أن نجد قائمة بأغلب الأرقام التي تم الاتصال بها مؤخراً من الهاتف المحمول العادى، فإن الهاتف الذكى يمكننا من استخلاص مقدار ضخم من البيانات، بما في ذلك رسائل البريد الإلكترونى والمواقع التي تم زيارتها وغيرها من البيانات من الشبكة والتي ربما تساعد في عمل التحقيق ( [3] ).
ومن ناحية أخرى فإن الأجهزة المحمولة قد تنوعت، ولم تعد مقصورة فقط على وظيفة الاتصال الهاتفى، بل اتسع معناها ليشمل أجهزة: الكومبيوتر اللوحى والهواتف المحمولة والتي تجمع بين خواص الكومبيوتر الشخصى مع كونها هاتفاً مصحوباً بكاميرا. وهذه الأجهزة تعتبر أجهزة كومبيوتر بالمعنى الفني، فهى تمتلك وحدة معالجة مركزية وذاكرة ولوحة مفاتيح أو جزء لنقل الكلام، كما تتضمن شاشة أو سماعة أذن. ومثل أجهزة الكومبيوتر الأخرى فإن لديها ذاكرة عشوائية ولديها ذاكرة أخرى صلبة للتخزين، وتستخدم شركات الهواتف المحمولة نوعاً من وحدات التخزين هي عبارة عن جزء صلب من رقاقة الذاكرة ( [4] ) ؛ ولكنها مصممة بحيث إنها تحتفظ بالمضمون المخزن عليها بدون اتصالها بمصدر للطاقة ( [5] ).
ومن أمثلة هذه الأجهزة: الهاتف المحمول؛ والهاتف المزود بكاميرا؛ أجهزة الكومبيوتر المكتبى أو اللوحى؛ أجهزة التلفزيون الذكية؛ الكاميرات الذكية؛ أجهزة الراديو؛ الألعاب الإلكترونية؛ الأجهزة الإلكترونية القابلة للارتداء مثل النظارات والساعات والأساور الرقمية؛ السماعات الملحقة بالهواتف وغيرها من الأجهزة، سواء أكانت هذه السماعات لا سلكية أم سلكية. وبعض هذه الأجهزة يمكن التنصت على الشخص أو الغير من خلالها، كما أن بعضها يمكنه كذلك معرفة الحالة الصحية والمزاجية للشخص. وتمكن هذه الأجهزة الأشخاص من تبادل الرسائل فيما بينهم من خلالها، أو تخزين أو عرض أو استقبال معلومات بينهم، فعلى سبيل المثال فإن عصا الألعاب الإلكترونية يمكن من خلالها تبادل رسائل مشفرة بين الجناة ( [6] ). وهناك كذلك أنواع متخصصة من الأجهزة المحمولة، مثل مشغل الموسيقى الرقمى وقارئ الكتب الإلكترونية، والتي تمتلك تقنية لا سلكية تمكنها من تحميل قدر كبير من البيانات من كومبيوتر مركزى. وقد تزايد استعمال هذه الأجهزة من المنظمات والهيئات كمكونات للبنية التحتية المعلوماتية. وهذه الأجهزة تحتوى على أدلة إلكترونية، وذلك على الرغم من أن المعلومات التي يمكن الحصول عليها منها تختلف من حالة إلى أخرى. والأمثلة السابقة توضح على أنواع الدليل الإلكترونى الذى يمكن أن يفصح عنه فحص الأدلة الجنائية، بما في ذلك الملفات المخفية أو المحذوفة. وقلة من الأشخاص ذوي الخبرة يستطيعون محو كافة آثار الدليل من الكومبيوتر، ولكن عدد هؤلاء نادر، وقد سمحت بعض تقنيات الفحص الفني للأدلة الجنائية باسترجاع البيانات على الرغم من أنها طمست تماماً بالكتابة عليها ثانية على القرص الصلب.
- علة اختيار تعبير الهاتف المحمول للدلالة على الأجهزة الرقمية الأخرى:
سبق أن ذكرنا أن الهاتف المحمول قد تعددت وظائفه وإمكاناته، على نحو أصبح مدلوله أوسع كثيراً من مدلول الهاتف بالمعنى الدقيق: فقد أصبح الهاتف المحمول سالف الذكر يقوم بوظائف متعددة من بينها الاتصال التقليدي، ولذلك كان هذا "الهاتف" فى أغلب الحالات في صحبة الشخص، وبذلك يكون استخدام تعبير "الهاتف المحمول" دالاً على أغلب صور هذه الأجهزة المحمولة. ومن ناحية ثانية فإن أغلب الأجهزة الرقمية المحمولة -إن لم يكن جمعيها- تتضمن وسيلة من وسائل الاتصال، فأجهزة الكومبيوتر اللوحى يمكن أن تتضمن شريحة للهاتف المحمول، أو شريحة للبيانات، أو إمكانية الاتصال بالإنترنت وإجراء محادثات هاتفية من خلال برامج التواصل الاجتماعى، ولذلك فإن تعبير "الهاتف المحمول" يصدق عليها كذلك. وأخيراً فإن الجدل الذى ثار في القضاء المقارن عن مدى التوسع في تطبيق قواعد التفتيش في حالة القبض على الشخص كان بمناسبة الهواتف المحمولة. وما ورد في آراء الفقه وأحكام القضاء من حجج كانت تتصل جمعيها بطبيعة عمل هذه الأجهزة، وكان ذلك بمناسبة ضبط الهواتف المحمولة بحوزة المتهمين وتفتيشها.
- ما البيانات والمعلومات التي يمكن أن يقدمها تفتيش الهاتف المحمول؟
يمكن للهاتف المحمول أن التنصت على المحادثات التليفونية التى تتم باستخدامه. ويسهل العلم بمكان تواجد الشخص الذى يحوزه ومعرفة المكالمات والرسائل التى جرت والتى تم استقبالها ومدة هذه المكالمات وأرقامها وشخص من وردت منه أو أجريت معه، ويمكن كذلك معرفة الأشخاص المتواجدين في هذا المكان والزمان قرب الهاتف. ومن ناحية أخرى، فإن ذاكرة جهاز الهاتف أو رقاقة الخط المركبة فيه قد يحويان معلومات وبيانات لها أهميتها، فقد يتوافر بهما ملفات مكتوبة أو مقروءة أو مسموعة أو مصورة، ومن ثم كان الوقوف على ما يحتويه الهاتف من الأهمية بمكان ( [7] ). ويتاح المراقبة والتنصت من خلال برامج الاتصال وتبادل الرسائل والصور؛ والمراقبة من خلال تقنية Wi-Fi؛ والحسابات المختلفة على شبكة الإنترنت مثل Facebook-Twitter وغيرها. ويتيح استخدام هذه التطبيقات الوقوف على المواقع التى يتم زيارتها، والاطلاع على التعليقات والمحادثات التى يكتبها الشخص والتى يتبادلها مع غيره. كما تتيح أيضاً التنصت والمراقبة بالصوت والصورة على ما يدور في غرف الدردشة؛ كما أن الكثير من المواقع والبرامج تطلب معلومات عن الشخص لاستفادته بالخدمة.
وأغلب تطبيقات الاتصال من خلال شبكة الإنترنت مثل برامج: الفايبر Viper، والسكايب والواتس آب WhatsApp. وغيرها ، يمكن مراقبتها والتنصت على مستخدميها بالصوت والصورة والكتابة وتحديد الموقع المتواجد به.
ويمثل البريد الإلكترونى واحداً من أهم مصادر الدليل، ففيه يتم تستلَّم وإرسال والاحتفاظ بالرسائل ومرفقاتها من ملفات، ومن خلال هذا البريد يمكن الوقوف على محتوى الرسالة، وتحديد الجهاز الذى استخدم في تلقيها وإرسالها، وساعة وتاريخ إرسالها. وإذا حذفت الرسالة من المرسل أو المستقبل لها، فإنه يمكن استرجاع محتواها. ولذلك شكل البريد الإلكتروني أحد أهم أغراض التفتيش المتخذ بمناسبة تحقيق جنائى. ويمتد الاطلاع كذلك على قواعد التخزين المتاحة على شبكة الإنترنت أو غيرها من الخوادم الخارجية cloud-based services ، وهذه الخدمات تقدم لمستخدمى البرامج والأجهزة المختلفة، سواء أكانت مجانية أم بمقابل، وموضوع هذه الخدمات هو توفير مساحات تخزينية للبيانات والمعلومات والملفات، في خوادم خارجية، وذلك بهدف توفير المساحات التخزينية على الأجهزة التي يستخدمها المستخدمون وكذلك سهولة الوصول إلى هذه المعلومات والبيانات من أي مكان ( [8] ).
ومن خلال الهاتف المحمول يمكن معرفة المواقع التي تم زيارتها على شبكة الإنترنت والتعليقات التي تركها صاحبه، ومن خلال التطبيقات المختلفة الشائع استخدامها يمكن معرفة ميول الشخص وعاداته ومستوى ثقافته وعلاقاته الاجتماعية، وصلاته المشروعة وغير المشروعة، ورصيد حسابه البنكى، والسلع والأشياء التي اشتراها مؤخراً أو التي يعتزم شرائها، وانتماءاته وميوله السياسية، والأماكن التي ارتادها والصور التي التقطها وتاريخها ومكانها ......
ثانياً: الاتجاه الذى يجيز تفتيش الهاتف المحمول
كأثر للقبض – وجهة القانون المصرى
- مدلول التفتيش كإجراء تحقيق : يعنى تفتيش الشخص البحث عن الأدلة فى جسم المتهم أو ملابسه أو ما يحمله. والأصل أن التفتيش من أعمال التحقيق الذى تباشره سلطة التحقيق الابتدائى؛ غير أن الشارع قد خوله استثناء لمأمور الضبط باعتباره عمل تحقيق يختص به استثناء ( [9] ) ، ولكنه ربطه بوقوع قبض صحيح. ويعنى ذلك أن تفتيش الأشخاص له نفس مجال القبض عليهم، فلا يكون ذلك إلا بأمر من سلطات الحكم والتحقيق أو بناء على حالة التلبس. وقد حرص الدستور بنصه في المادة 54 على القول بأن " الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق". والتفتيش كإجراء تحقيق يجب أن يقوم به مأمور الضبط القضائى، ولا يجوز لغيره القيام به، وذلك بخلاف التفتيش كإجراء من إجراءات الاستدلال( [10] ).
- التلازم بين القبض والتفتيش: القاعدة المقررة هى أنه "إذا جاز القبض صح التفتيش"، ويعنى ذلك ارتباط تفتيش الشخص بالقبض عليه. ولذلك نص الشارع فى المادة 46 إجراءات على أنه " فى الأحوال التى يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائى أن يفتشه ". وإذا كانت الجريمة فى حالة تلبس أو صدر أمر بالقبض من سلطة التحقيق، فإن ذلك يجيز التفتيش بمعناه التنقيبى الذى يهدف لجمع الأدلة أو الحفاظ عليها. وتوافر إحدى حالتى القبض يعد كافياً لإباحة التفتيش: وتطبيقاً لذلك فإذا صدر أمر النيابة العامة بالقبض فقط دون التفتيش، فإن قيام مأمور الضبط القضائى بتفتيش شخص المتهم إثر القبض عليه يكون صحيح اً، حتى ولو لم يكن أمر القبض متضمناً تفتيش المتهم( [11] ).
ولكن لا يوجد تلازم حتمى بين القبض وتفتيش الشخص، فقد يرى مأمور الضبط القضائى أنه لا يوجد مقتض لتفتيش المتهم، وفى هذه الحالة فإن القبض يقع دون أن يستتبعه التفتيش. غير أن صدور الأمر بتفتيش الشخص أو ضبطه فى حالة التلبس يجعل القبض متحققاً دائماً، ذلك أن خضوع الشخص لإجراءات التفتيش يعنى تقييد حريته بالقدر اللازم لذلك، وهو ما يعد فى نظر القانون قبضاً، ولو لم يتضمن تقييداً مادياً لحرية المتهم ( [12] ) .
ويؤدى تطبيق هذه القواعد إلى القول بجواز تفتيش أجهزة الهاتف المحمول وما في حكمها إذا وقع قبض صحيح على المتهم، إذ أن نص المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية جاء مطلقاً من جواز التفتيش في حالة القبض، ولم يستثن منه شيء.
- التفتيش عقب القبض – هل يهدف دائماً للتنقيب عن دليل يتصل بالجريمة المتلبس بها؟:
سبق أن ذكرنا أن القبض الصحيح، يجيز لمأمور الضبط القضائى القيام بتفتيش المتهم لما عسى أن يخفيه من أدلة تتصل بالجريمة التى قبض عليه فيها. ويعنى ذلك أن الأمر يتعلق بتفتيش من إجراءات التحقيق الذى يتصل بجمع الأدلة والحفاظ عليها لجريمة معينة. ويثور التساؤل عما إذا كان هذا النوع من التفتيش يعد جائزاً فى حال أن كانت الجريمة التى ارتكبها المتهم لا يتصور فيها وجود أدلة بحوزته على ارتكابها، فهل يجوز فى هذه الحالة تفتيشه؛ أم أن التفتيش فى هذه الحالة يكون غير جائز ؟، فهل يجب أن تتوافر صلة سببية بين هذا التفتيش وبين الجريمة التى قبض على المتهم من أجل ارتكابها؟.
وأهمية هذا التساؤل هى أنه إذا نتج عن هذا التفتيش ضبط ما يعد حيازته جريمة، فهل يكون الضبط فى هذه الحالة صحيحاً؟، ويزداد الأمر دقة في حالة تفتيش الهاتف المحمول، ذلك أن القبض على الشخص سواء في حالة صدور أمر بالقبض أو وجوده في حالة تلبس، يجيز في هذه الحالة تفتيشه والتنقيب في الأغراض التى تكون بحوزته ومن بينها هاتفه المحمول، فهل يجب في هذه الحالة أن تتوافر صلة بين تفتيش الهاتف وبين الجريمة التى صدر أمر القبض فيها، أو ضبط متلبساً بارتكابها؟
وفى واقعة عرضت على القضاء تتحصل فى أن مأمور الضبط القضائى كان قد ضبط متهم بسرقة سيارة مبلغ بسرقتها صدر أمر بضبطه وإحضاره، وقد أقر المتهم بمحضر الضبط بسرقته للسيارة وأرشد عنها؛ غير أن مأمور الضبط قام بتفتيش المتهم فعثر معه على بعض المستندات الرسمية المزورة، فقام بضبطها، ودفع المتهم ببطلان التفتيش لعدم صدور إذن من النيابة العامة بذلك، وبأنه لا جدوى من هذا التفتيش بعد أن تم ضبط السيارة المبلغ بسرقتها واعتراف المتهم بذلك بمحضر الضبط. وقد رفضت محكمة الموضوع هذا الدفع، فطعن أمام محكمة النقض التى قضت بأن من حق مأمور الضبط أن يجرى تفتيش المتهم، لما هو مقرر بحسب المادة 46 إجراءات، التى تجيز لمأمور الضبط القضائى فى الأحوال التى يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم، أن يفتشه، ذلك أن "التفتيش فى صورة الدعوى أمر لازم تستوجبه وسائل التوقى والتحوط من شر المقبوض عليه، إذا ما سولت له نفسه -التماساً للفرار- أن يعتدى على من أجرى ضبطه، بما عساه قد يكون محرزاً له من سلاح أو نحوه" ( [13] ) .
ويستخلص من هذا القضاء أمران : الأول أن التفتيش كأثر للقبض يجب أن يهدف إلى التنقيب عن الدليل فى الجريمة التى قبض على المتهم فيها.
والثانى : أنه إذا انتفى وجود علة تبرر التفتيش فى الجريمة التى ضبط فيها الجانى، فإن التفتيش فى هذه الحالة يكون وقائياً يهدف إلى تجريد المتهم مما عساه أن يحمله من أسلحة، ويصح ما يتم ضبطه من جرائم استناداً إلى حق مأمور الضبط فى القيام بالتفتيش الوقائى بشرط أن يلتزم حدود هذا التفتيش.
غير أن القضاء قد توسع في تطبيق قاعدة جواز التفتيش إذا صح القبض، فلم يعد يتطلب أن يكون غرض التفتيش هو تجريد المتهم مما عساه أن يحمله من أسلحة، أو وجود صلة بين الجريمة المتلبس بها وهذا التفتيش، فإن أسفر هذا التفتيش عن توافر جريمة أخرى في حالة تلبس، كان هذا التلبس صحيحاً .
وفى واقعة أخرى تتلخص في صدور أمر من السلطات العسكرية بالقبض على أحد المساعدين لتغيبه عن الوحدة، فتوجه مأمورا الضبط إلى منزل المتهم فأبصراه خارجاً منه، وما إن شاهدهما حتى أسرع بالفرار محاولا الهرب فأسرعا خلفه؛ إلا أنه سقط على الأرض فتمكنا من ضبطه، فإذا به تنتابه حالة من الارتباك الشديد جعلتهما يشتبهان في أمره، وبتفتيشه عثر بداخل جيوب الصديرى الذى كان يرتديه على مخدر الحشيش والأفيون. وقد قضى بأن الضابطين قد شاهدا المتهم يقف بالطريق بدائرة اختصاصهما المكان، وبذلك يكونان قد شاهدا الجريمة المذكورة -وهى من الجرائم المستمرة المعاقب عليها بالحبس- في حالة تلبس كما شاهدا مرتكبها، وهو ما يجيز لهما الأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه وتفتيشه كذلك( [14] ). وهذا الحكم يكشف كذلك عن اتجاه القضاء نحو إجازة التفتيش إذا توافرت حالة التلبس التى تجيز القبض، وذلك بصرف النظر عن أهمية هذا التفتيش فى ضبط الأدلة على الجريمة موضوع التلبس.
وفى واقعة أخرى صدر أمر بالقبض على زوجة وشريكها لاتهامهما بارتكاب جريمة زنا، فقام مأمور الضبط بتفتيش الشريك عقب القبض عليه، فعثر على أدلة بحوزته( [15] )، فدفع ببطلان التفتيش على أساس أن ما صدر من النيابة ليس إلا أمر بالقبض فقط دون التفتيش. وقد أخذت محكمة الموضوع بهذا الدفع وقضت بالبراءة؛ غير أن محكمة النقض لم تقر المحكمة على قضائها، وقضت بأنه لما كانت المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية قد نص بصفة عامة على أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه، فإن الشارع قد اعتبر أنه كلما كان القبض صحيحا كان التفتيش الذي يجريه من خول إجراؤه على المقبوض عليه صحيحاً أياً كان سبب القبض أو الغرض منه وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص ( [16] ) ( [17] ) .
يستخلص من الاتجاه المستقر للقضاء المصرى أنه لم يتطلب توافر صلة ما بين التفتيش، وبين الجريمة التي تحقق القبض فيها، فلا يشترط أن يكون غرض التفتيش هو ضبط الأدلة في هذه الجريمة، فمجرد القبض الصحيح يجيز في نظر القضاء التفتيش أياً كان موضوعه أو نطاقه أو غرضه.
- التوسع في التفتيش الناتج عن التلبس بجريمة من جرائم المرور:
سبق أن ذكرنا أن القاعدة المقررة هي أنه في الأحوال التي يجوز فيها القبض على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه، أياً كان سبب القبض أو الغرض منه. وقد ثار التساؤل عما إذا كان يجوز تفتيش شخص وسيارة المتلبس بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في قانون المرور؟.
إذا كانت الجريمة المتلبس بها معاقباً عليها بالغرامة أو بالحبس الذى يقل عن ثلاثة أشهر، فإن ذلك لا يخول مأمور الضبط تفتيش شخص أو سيارة الجانى.
أما إذا كانت الجريمة المتلبس بها تجاوز عقوبتها الحبس مدة ثلاثة أشهر، فإن ذلك يخول مأمور الضبط القبض على مرتكبها وتفتيش شخصه وسيارته أياً كان سبب هذا التفتيش أو الغرض منه. ويلاحظ أن العبرة في تحديد عقوبة الجريمة هي بما نص عليها الشارع في نص التجريم، وليس بما قضى به القاضي في حكمه.
وتطبيقاً لذلك فإن جريمة القيادة عكس الاتجاه والمعاقب عليها بالحبس تجيز لمأمور الضبط القبض على المتهم فيها، وله كذلك أن يفتشه اعتباراً بأنه كلما كان القبض صحيحاً كان التفتيش الذي يجريه من خول إجرائه على المقبوض عليه صحيحاً أياً كان سبب القبض أو الغرض منه وذلك لعموم الصيغة التي ورد بها النص( [18] ). ومن التطبيقات كذلك أن المادة 66 من قانون المرور ( [19] ) تجيز لمأموري الضبط القضائي عند التلبس بقيادة أية مركبة على من كان واقعاً تحت تأثير خمر أو مخدر، أن يأمر بفحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية التي يحددها وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة. فإذا لاحظ الضابط أن السيارة التى كان يقودها المتهم تسير بطريقة غير متزنة وحال استيقافها لاحظ أنه في حالة سُكر بيّن وتفوح من فمه رائحة الخمر، فإنه يكون متلبساً بجريمة قيادة سيارة تحت تأثير المسكر وكذلك جريمة التواجد في مكان عام في حالة سكر بيّن، وهما جريمتان معاقب عليهما بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر، ويكون من حق مأمور الضبط القبض على المتهم وتفتيشه في هذه الحالة ( [20] )( [21] ).
وتطبيق هذه القواعد سالفة الذكر يؤدى إلى اتساع نطاق التفتيش وامتداده إلى الهاتف المحمول لمجرد ارتكاب جريمة مرورية يجوز القبض فيها.
- التوسع في مضمون التفتيش في حالة التلبس:
توسع القضاء المصرى توسعاً كبيراً في تحديد مدلول التفتيش الذى يقوم به مأمور الضبط القضائى كأثر للقبض. فيشمل هذا التفتيش كل ما بحوزة الشخص من أشياء وأدوات وأوراق ومستندات ويشمل حافظة نقوده أو حقائبه وملابسه وسيارته. ومن المستقر عليه قضاءً –رغم غياب النص- أن لجهات التحقيق الابتدائى سلطة إخضاع الشخص للفحص الطبى والحصول على عينات من دمه وغسيل معدته متى كان لذلك فائدة فى إثبات الجريمة أو إظهار الحقيقة ([22]) . وسواء أكان بإذن سلطة التحقيق الابتدائى، أو فى حالة التلبس، واستند القضاء فى ذلك إلى حق التفتيش المخول لرجال الضبط والتحقيق ([23]) . كما استند كذلك إلى ما يخوله القانون لجهات التحقيق من حق الاستعانة بالخبرة الفنية من أجل كشف الحقيقة ([24]) .
ووجهة القضاء المصرى في ذلك محل نظر وتخالف خطة التشريعات المقارنة، التي تفرد نصوصاً تشريعية واضحة ينظم بها الشارع حالات وضوابط الإجراءات الماسة بالحرية الشخصية وبحرمة الحياة الخاصة.
ويترتب على وجهة القضاء أنه يجوز لمأمور الضبط القضائى أن يفتش الهاتف المحمول أو الأجهزة الأخرى الذى بحوزة المقبوض عليه، وسواء أكان ذلك بناء على أمر بالقبض عليه أو لتوافر حالة التلبس. وقد اعتد القضاء بضبط الهاتف المحمول ووحدة ذاكرة بحوزة المتهم المتلبس بارتكاب جريمة ([25]) . وفى واقعة أخرى قام المتهم المتلبس بارتكاب جريمة بتسليم الضابط هاتفه المحمول بعد القبض عليه، وقد اعتبر القضاء هذا التسليم قد تم طوعاً، وأجاز استخلاص الدليل من الهاتف ([26]) .
ثالثاً: الاتجاه الذى لا يجيز تفتيش الهاتف التالى على القبض -القانون الأمريكى
- أحوال القبض على الشخص في القانون الأمريكي:
يمكن تأصيل حالات القبض على الأشخاص فى القانون الأمريكى بردها إلى حالتين: الأولى أن يتم القبض على الشخص بدون إذن قضائى، والثانية أن يجرى هذا القبض بموجب إذن قضائى ( [27] ) . ويلاحظ أن تعبير "الأمر القضائى" لا يعنى الأمر الصادر من النيابة العامة، إذ لا يعتبر "الادعاء العام" داخلاً في مدلول القضاء في القانون الأنجلو أمريكى بصفة عامة.
والقاعدة المقررة أنه لا يجوز القبض على الشخص إلا إذا كانت الجريمة المتهم بها جناية ، ولا يشترط فى هذه الحالة أن تكون الجريمة متلبس بها. ووفقاً لقوانين بعض الولايات فلا يحق لرجل الشرطة القبض على شخص بغير إذن فى حالات الجنح إلا إذا كانت الجريمة فى حالة تلبس( [28]). وسلطة القبض تتوقف على وجود "السبب المحتمل"( [29]) ، وهذا السبب يعنى وجود أساس واقعى وحقيقى يدل على احتمال ارتكاب شخص لجريمة يجوز القبض فيها ، فإذا ظهرت هذه الوقائع إلى رجل الشرطة ؛ فإنه يملك القبض على المتهم دون حاجة إلى استصدار إذن قضائى، ودون أن يشهد هو بنفسه الوقائع التى يرتكز عليها السبب المحتمل( [30]). وقد يفضل ضابط الشرطة رغم توافر هذا السبب المحتمل أن يحصل على إذن قضائى بالقبض على المتهم( [31]). ومعظم حالات القبض التى تقع من خلال دوريات الشرطة تكون بدون إذن؛ لأن ضابط الشرطة يواجه موقفاً يقتضى اتخاذ قرار حال، أما فى الحالات التى يتم فيها تحديد هوية الجانى من خلال التحريات، فإن الحصول على إذن من القاضي بالقبض هو الوسيلة المألوفة فى مثل هذه الحالات( [32]).
وقد يتم القبض على الشخص بموجب أمر قضائى يصدر من القاضى المختص. والقبض استناداً إلى الإذن القضائى يكون مستنداً على السبب المحتمل أيضاً، ولكن ما يقوم به رجل الشرطة من قبض فى هذه الحالة لا يكون استناداً إلى هذا السبب؛ وإنما إلى الإذن بالقبض. والقرار القضائى بوجود سبب محتمل يعنى توافر أساس كاف وملموس لتبرير القبض( [33]).
وإذا توافر القبض المشروع، فإن المحكمة العليا الأمريكية قد أجازت تفتيش الشخص في هذه الحالة كأثر للقبض.
- مدى جواز تفتيش الأجهزة الإلكترونية كأثر للقبض المشروع
أرست المحكمة العليا الأمريكية في منتصف القرن الماضى قاعدة مؤداها أنه إذا توافرت الواقعة الموجبة للقبض المشروع، جاز لرجال الشرطة تفتيش الأشياء الموجودة بحوزة شخص المقبوض عليه. وتطبيق هذه القاعدة على الأجهزة المحمولة كالهاتف المحمول أو الكومبيوتر اللوحى المضبوطة بحوزة المتهم المقبوض عليه أثار جدلاً في الفقه والقضاء الأمريكيين، فهل تطبق هذه القاعدة على إطلاقها فيتم ضبط الأجهزة الإلكترونية المحمولة والتى تكون بحوزة المتهم وتفتيشها؛ أم أنه لا يجوز أن يمتد التفتيش إلى محتوى هذه الأجهزة لأنها تحوى معلومات وبيانات تنال من خصوصية الشخص؟
- رأى الفقه الأمريكي:
لا يقيم الفقه الأمريكي التقليدي تمييزاً بين تفتيش الأشياء المختلفة كأثر للقبض الصحيح، فيجوز لرجل الشرطة أن يقوم بتفتيش حافظات النقود أو المفكرات الشخصية، أو أجندات العناوين التي عثر عليها في حوزة المقبوض عليه. وهذه الوجهة من النظر تطبق هذه القاعدة على الأجهزة الإلكترونية: فضابط الشرطة الذى يقوم بضبط الهاتف المحمول كأثر للقبض على الشخص يكون بمقدوره تفتيش كافة محتويات هذا الهاتف، وأن يحتفظ بأى دليل يعثر عليه به، على ذات النحو الذى يفتش به محتويات المفكرات الشخصية وألبوم الصور وسجل العناوين ( [34] ) . وهذه الوجهة تقيم قاعدة واضحة لمأمورى الضبط وتنشئ معاملة متساوية للأشخاص الذين يقومون بتخزين معلوماتهم مادياً كانت أم إليكترونية.
وقد تبنى هذه الوجهة العديد من دوائر المحاكم الفيدرالية وأحكام محاكم الولايات بحجة حاصلها أن الدفوع التقليدية المتعلقة بالأمر بالتفتيش ستسرى على تفتيش الهاتف المحمول، وأنه إذا كان هذا الهاتف قد تم ضبطه بطريقة مشروعة، فإن ضابط الشرطة يكون من حقه أن يفتش أية بيانات مخزنة إلكترونياً بالجهاز.
غير أن الفقه الحديث ذهب إلى وجهة مغايرة، واستند إلى في وجهته إلى توافر عقبتين تتعلقان بتطبيق القواعد التقليدية على الهواتف المحمولة : الأولى أن ذلك سيؤدى من الناحية الواقعية إلى زيادة كبيرة في نطاق التفتيش التالى للقبض. والثانية أن المعلومات المستخلصة من أجهزة الهاتف المحمول كأثر للقبض الصحيح ليست موجودة من الناحية الواقعية في الجهاز ذاته؛ بل أغلبها مستخلص من الخوادم الخارجية التي يتصل بها الجهاز.
وبالنسبة للعقبة الأولى : فإنه بينما كان الأشخاص يحملون أحياناً بحوزتهم المفكرات أو الأجندات الشخصية؛ فإن الواقع يشهد اليوم نسبة تجاوز التسعين بالمائة من الناس يحملون أجهزة يمكنها تسجيل صورهم واتصالاتهم الخاصة وحتى مكان تواجدهم. والأثر الفعلى لمد تطبيق القواعد التقليدية الخاصة بالتفتيش على الهواتف المحمولة أنه سوف يخول رجال الشرطة سلطة الاطلاع على الهواتف المحمولة، وكذلك الكومبيوترات المحمولة واللوحية لأغلب من يتم القبض عليهم. وقد أجازت العديد من المحاكم الحصول على صور منسوخة من الأوراق التي تضبط في حوزة المقبوض عليه، وذلك في حالة التفتيش التقليدي. ويترتب على ذلك نتيجة مؤداها أنه يجوز لرجال الشرطة الحصول على نسخة من محتويات الأجهزة الإلكترونية للمقبوض عليهم وحفظها في قاعدة بيانات الشرطة. وإذا انتشر ذلك، فإن رجال الشرطة سيكون بمقدورهم الرجوع إلى المعلومات المخزنة على هاتف الشخص ومقارنتها بالمعلومات المتاحة علانية عن هذا الشخص وجمعها معاً لاستخلاص صورة دقيقة عن حياته. وقد ألمح بعض القضاة إلى أن مثل هذا المساس بالبيانات الشخصية يشكل مخالفة للدستور وفقاً للتعديل الرابع للدستور الأمريكي ( [35] ).
والعقبة الثانية التي تثور بمناسبة تطبيق القواعد التقليدية في التفتيش على أجهزة الهاتف المحمولة، أن الفقه التقليدي ينظر إلى تفتيش الأشياء الموجودة بحوزة المقبوض عليه كأثر للقبض الصحيح على أنه ينصب على الشيء نفسه محل التفتيش؛ بينما في حالة تفتيش الهاتف المحمول وغيره من أجهزة إلكترونية، فإن المعلومات المستخلصة بناء على هذا التفتيش لا تكون موجودة في الهاتف نفسه؛ بل هي مخزنة في الخوادم البعيدة التي يتصل الجهاز بها، والتي تكون موجودة في أرجاء العالم. وبالنسبة لأغلب مستخدمى الهواتف، فإن التفرقة بين المعلومات المخزنة في أجهزتهم، وبين تلك المخزنة عن بعد، لا تبدو لها أهمية في نظرهم، ما لم يكن الاتصال بشبكة الإنترنت ضعيفاً لوجود المستخدم في قطار أو سيارة تمر بأحد الأنفاق. وعلى الرغم من ذلك فإن التفرقة تبدو حاسمة في مدى اعتبار التفتيش دستورياً: فالقضاء يجيز فقط تفتيش المعلومات الحالية التي توجد بحوزة الشخص وقت القبض عليه. ولذلك فإن تطبيق القواعد التقليدية على تفتيش الهاتف المحمول يتطلب أن يحدد ضابط الشرطة ما إذا كانت هذه المعلومات الموجودة بالهاتف قد تم تخزينها على الهاتف مباشرة، أم على الخوادم البعيدة، وهو أمر يؤدى إلى إثارة مشكلات كبيرة في التطبيق. فالمعلومات المخزنة في الهاتف الذكرى يتم عرضها جنباً إلى جنب مع المعلومات المستخلصة من الإنترنت. فعلى سبيل المثال فإن استخدام تطبيق إنستجرام Instagram على الهواتف الذكية يكون من خلال مشاركة الصور مع جهاز المستخدمين، وعندما يقوم تطبيق "إنستجرام" بعرض الصور من خلال التطبيق، فإنه يقوم بتخزين الصور على جهاز الهاتف، وفى الوقت نفسه الذى يقوم باسترجاعها من الخادم البعيد، وبدون إشارة إلى المكان المخزن فيه كل صورة. ووفقاً للفقه التقليدي فإنه يجب للوقف على دستورية التفتيش أن يتم التمييز بين التفتيش الحاصل على الصور والبيانات التي تكون مخزنة على الجهاز، وهذا التفتيش يكون صحيحاً؛ وبين التفتيش الذى ينال البيانات المخزنة في الخوادم البعيدة، وهو تفتيش باطل في هذه الحالة، لأنها لم تكن مخزنة بحوزة الشخص الذى تم تفتيشه وقت القبض عليه ( [36] ).
وتتجه التقنيات الحديثة صوب الأجهزة التي تجعل اتصال المعلومات من خلال الخوادم البعيدة، وفى حين أن أغلب الهواتف المحمولة تخزن الرسائل النصية على الهاتف نفسه؛ فإن ذلك قد لا يكون كذلك في المستقبل، إذ تتجه شركات الهاتف المحمول إلى تخزين هذه الرسائل على الخوادم البعيدة. وعدد كبير من التطبيقات المستخدمة على الأجهزة الإلكترونية المحمولة يقوم بتخزين المعلومات على وحدات التخزين البعيدة، وليس على الجهاز نفسه، وعلة ذلك هو تحرير أكبر قدر من مساحة الذاكرة الداخلية للجهاز، وهو ما يطرح التساؤل السابق عن مدى مشروعية تفتيش المعلومات الموجودة عن بعد في هذه الحالة ( [37] ).
- تطور وجهة القضاء الأمريكي
اختلف القضاء الأمريكي في وجهته إلى اتجاهات مختلفة: فبينما ذهبت الوجهة التقليدية في هذا القضاء إلى المساواة بين الهاتف المحمول وما يماثله من أجهزة مع الأشياء المادية الأخرى المضبوطة بحوزة الشخص، فإن بعض الأحكام حاولت أن تضع ضابطاً يمكن بمقتضاه التمييز بين الحالات التي يجوز تفتيش الهاتف فيها، وغيرها من حالات لا يجوز فيها ذلك، وبرز اتجاه ثالث لا يجيز تفتيش الهاتف المحمول في حال القبض على المتهم، وأخيراً عرض الأمر على المحكمة العليا بمناسبة التناقض في الأساس القانوني لحكمين أحدهما صدر من محكمة اتحادية. وفيما يلى نتناول بالبيان هذه الاتجاهات:
1-الاتجاه التقليدي: جواز تفتيش الهاتف المحمول كأثر للقبض الصحيح:
أرست المحكمة العليا الأمريكية في قضية Chimel v. California الضوابط العامة التي تجيز قيام رجال الشرطة بالتفتيش التالى للقبض، فقد أوجبت أن يكون هذا التفتيش هو "الحاجة إلى حماية أمن مأمور الضبط والمحافظة على الأدلة من إتلافها أو إخفائها" ( [38] ) . وكذلك إذا دعت الحاجة المنطقية لإجراء هذا التفتيش لوجود مبرر خاص لهذا التفتيش، كأن يكون المتهم واضعاً سلاحاً بدرج في مكتبه أو على طاولة بمنزله. ويتطلب ذلك أن يكون الشيء في منطقة تقع في "نطاق السيطرة المباشرة للمقبوض عليه" ( [39] ) . ولذلك فإن تفتيش مسكن المقبوض عليه بدون والتنقيب في محتوياته كأثر للأمر بالقبض لا يكون مشروعاً، إذ ينتفى السبب المعقول لتفتيش المنزل في هذه الحالة ( [40] ) . وهذا المبدأ الذى قررته المحكمة العليا قد أثار التساؤل عن مدى جواز الأخذ به في حالة تفتيش الهاتف المحمول كأثر للقبض، فعلى المحكمة في هذه الحالة أن تقوم بتقدير مدى توافر تهديد للضابط الذى نفذ القبض أو وجود خطر على الأدلة من التلف.
وفى قضية Riley v. California فإن المتهم David Riley قد أوقفه أحد رجال الشرطة حال قيادته لسيارة رخصتها منتهية الصلاحية. وأثناء ذلك علم الضابط أن رخصة قيادة المتهم كانت موقوفة كذلك، فقام بالتحفظ على السيارة، واقتادها إلى قسم الشرطة، عملاً بالقواعد المتبعة في ذلك. وقام ضابط آخر بإجراء جرد وتفتيش لمحتويات السيارة، وقد أسفر تفتيش السيارة عن العثور على سلاحين ناريين تحت غطاء محرك السيارة، فاتهم بحيازتهما حال كونهما مخبئين ومحشوين بالذخيرة، وهو الأمر المعاقب عليه بموجب قوانين الولاية. وقد عثر الضابط أثناء تفتيشه للسيارة على أشياء تربط رايلى بعصابة إجرامية من عصابات الشوارع، فقام بضبط هاتفه المحمول الذى كان يحتفظ به في جيب سرواله، وقد كان هذا الهاتف "ذكياً"، إذ يملك القيام بوظائف متعددة وقدرات متقدمة، كما أنه يحوى على ذاكرة تخزين كبيرة، واتصال بشبكة الإنترنت. وقد لاحظ الضابط أن بعض الكلمات الموجودة ضمن نصوص الرسائل أو قائمة الأسماء مذيلة بحروف مختصرة، اعتقد الضابط أنها حروف تستخدم في اللغة العامية للدلالة على أفراد العصابة ( [41] ) . وبعد نحو الساعتين قام أحد الضباط المتخصصين في جرائم العصابات بإجراء فحص إضافياً لمحتويات الهاتف، بحثاً عن الأدلة، ذلك أن أعضاء هذه العصابات غالباً ما يقومون بتسجيل أفلام الفيديو أو التقاط الصور لأنفسهم حال حملهم لأسلحة. وقد شاهد الضابط ضمن ما شاهده صورة للمتهم رايلى أمام سيارة اشتبه في انخراطها في واقعة إطلاق النار منذ أسابيع قليلة. وقد اتهم رايلى بالشروع في القتل وبإطلاق أعيرة نارية بقصد الاعتداء وحيازة أسلة نارية. وقد استخدم الدليل المتحصل عليه من هاتفه لتقوية أدلة حكم الإدانة في هذه القضية.
وقد طعن المتهم بالاستئناف في هذا الحكم ؛ غير أن محكمة الاستئناف أيدت الحكم ضده ( [42] ) . واستناداً إلى الحكم الذى سبق أن أصدرته المحكمة العليا لولاية كاليفورنيا في قضية Diaz People v. ( [43] ) قضى بأن التعديل الرابع للدستور الأمريكي يجيز تفتيش الهاتف المحمول كأثر للقبض الصحيح بدون إذن تفتيش، إذا كان الهاتف في الحيازة المباشرة للمقبوض عليه وقت حصول القبض، فإن المحكمة العليا للولاية قد رفضت التماس المتهم بمراجعة الحكم ( [44] ) . وقد أدى صدور حكم يتعارض مع هذا الحكم إلى عرض الأمر على المحكمة العليا للولايات المتحدة لرفع هذا التعارض والإداء برأيها فيما أثاره الحكم من نقاط خلافية، وذلك على النحو الذى سيلى ذكره.
وفى واقعة ترجع إلى سنة 1993 تتحصل في قيام أحد رجال الشرطة بالتخفى في شخصية مشتر لمخدر الهروين، واتفق مع أحد المتهمين على أن يحضر له الكمية المتفق عليها في أحد الفنادق، فحضر إليه هذا الشخص وقام بالاتصال من هاتف الفندق بجهاز نداء آلى خاص بمتهم آخر، الذى قام بالاتصال بالمتهم الأول على رقم الفندق الذى ورد اتصال المتهم الأول به من خلاله، واتفقا على أن يحضر الأخير الكمية المطلوبة من الهرويين وأن يلتقيا في جراح الفندق لتسلم المخدر، وأخبر المتهم الأول الضابط أن التسليم سيتم خلال دقائق، وغادر الحجرة وعاد بعد دقائق ومعه حقيبة بها المخدر، فألقى الضابط المتنكر القبض عليه بمساعدة بعض أفراد الشرطة السريين، بينما كان أحد رجال الشرطة الآخرين يراقب عملية التسليم في جراج الفندق، فانتظر حتى إتمامها، وما إن انصرف المتهم الأول صاعداً للحجرة، حتى قام بإلقاء القبض على المتهم الثانى، وبالتحفظ على جهاز النداء الإلكترونى الذى كان بحوزته، وبتفتيشه تبين أنه يحتوى على معلومات وبيانات مهمة، إذ كان يحتوى على الأسماء والأرقام التي تم الاتصال بها، ومن بينها رقم الفندق الذى اتصل المتهم الأول به من خلاله ورقم الحجرة التي كان بها العميل السرى والمتهم الأول.
وأثناء المحاكمة دفع المتهم الثانى ببطلان تفتيش جهاز النداء الإلكترونى وما نتج عن هذا التفتيش من الاطلاع على بيانات واستبعادها من الأدلة على التهم الموجهة ضده، وأن هذا التفتيش ينال من الحق في خصوصية البيانات التي كانت بالجهاز. غير أن محكمة مقاطعة شمال كاليفورنيا قضت بأنه على الرغم من أن المقبوض عليه له "مصلحة محمية في خصوصية محتويات ذاكرة جهازه للنداء الآلى" ( [45] ) ؛ إلا أن هذه الخصوصية لا محل لها إذا كانت " واقعة تفتيش الجهاز تالية للقبض المشروع" ( [46] )، وأن التفتيش قد وقع على شيء تحت السيطرة الحالة للمتهم ( [47] )، وكان تالياً مباشرة للقبض عليه( [48] ) . وفى سنة 2011 قضت محكمة مقاطعة شمال كاليفورنيا بدائرة أخرى أن جهاز الهاتف المحمول لا يعامل معاملة تجعله مختلفاً عن حافظة نقود أخذت من شخص المقبوض عليه ( [49] ).
2- وضع ضابط مستمد من قصر تفتيش الهاتف في حالة وجود صلة بين هذا التفتيش وبين الجريمة التي وقع القبض من أجلها:
أرست المحكمة العليا الأمريكية مبدأ يتعلق بتفتيش سيارة المقبوض عليه، إذ أجازت هذا التفتيش كأثر للقبض المشروع في إحدى حالتين: الأولى إذا كان الشخص قادراً على الدخول في السيارة، أي أن يكون بمكنته الاتصال بالسيارة مادياً، فإن مقتضيات الحفاظ على الأدلة والحاجة إلى ضمان أمن الضابط، يبرران تفتيش محتويات السيارة. والحالة الثانية هي أنه إذا كان هذا التفتيش يعتبر إجراءً معقولاً يبعث على الاعتقاد بوجود دليل قد يعثر عليه بالسيارة ويتعلق بالجريمة التي قبض عليه من أجلها ( [50] ) . وهذه الحالة الأخيرة توجب توافر صلة بين تفتيش السيارة والجريمة التي قبض على الشخص من أجلها.
وعلى الرغم من أن المحكمة العليا قد قصرت التفتيش في الحالة الثانية على السيارات، ولم تمده إلى الهواتف، فإن العديد من المحاكم كانت تمد تطبيق هذا المبدأ إلى الهاتف الذى بحوزة مع المقبوض عليه، للتنقيب عن مدى وجود دليل به.
وقد أعملت بعض المحاكم الفدرالية قواعد المنطق فاستبعدت الأدلة على جرائم حيازة المخدرات والمتحصل عليها من تفتيش هاتف المقبوض عليه من أجل قيادته لسيارة برخصة موقوفة الصلاحية في ولاية فلوريدا ( [51] ).
وسند هذه الوجهة من القضاء هي التلطيف من جمود القاعدة، والحد من نطاق تطبيقها بوضع ضابط مستمد من أن يكون هناك صلة بين تفتيش الهاتف والجريمة التي قبض عليه من أجلها. وعلة هذه الوجهة أن إجازة تفتيش الهاتف المحمول بما يتضمنه من الوقوف على قدر هائل من المعلومات الخاصة للشخص هو إجراء يتصف بشدة مساسه بالحياة الخاصة للشخص.
وقد أثار بعض الفقه التساؤل في هذه الحالة عن ماهية الجرائم التي تجيز تفتيش الهاتف هو ما يؤدى إلى الاختلاف في التطبيق، إذ سيكون بمقدور ضابط الشرطة القول بأن تفتيش الهاتف في هذه الحالة مبرر لأنه يتوقع "لسبب معقول" أن يجد به دليل يتعلق بهذه الجريمة، سواء أكان هذا الدليل هو رسالة نصية أو سجلاً للمواقع المتصفحة على الإنترنت مخزنة على الجهاز.
وقد انقسم القضاء الذى حاول الأخذ بهذا الضابط في شأن الجرائم التي تجيز تفتيش الهاتف في هذه الحالة: فقضت إحدى الدوائر الفدرالية في ولاية نبراسكا بأن حصول الضابط على أمر بالقبض من أجل جريمة توزيع جواهر مخدرة أو الاشتراك فيها لا يبرر الاعتقاد بأن تفتيش الهاتف المحمول للمقبوض عليه سوف يقدم دليلاً يتعلق بالجريمة التي قبض عليه من أجلها ( [52] ) . وقد أسست المحكمة قضاءها على سببين: الأول هو احترام خصوصية المتهم على محتويات هاتفه، والسبب الثانى هو أن الجريمة التي قبض عليه من أجلها قد وقعت قبل الإذن بعدة شهور، ولم تعتبر المحكمة أن السجلات المخزنة على الهاتف ستبقى في الذاكرة دون تغيير طوال هذه الفترة ( [53] ) . وعلى خلاف هذه الوجهة، فإن بعض المحاكم الأخرى أجازت أن يتم تفتيش هاتف المتهم بحيازة جواهر مخدرة. وقد أسست هذه الإجازة في بعض الأحيان على أن الهاتف المحمول يكون متضمناً لذاكرة أرقام الهواتف التي تم الاتصال بها مؤخراً من حائزه، أو تلك التي تم الاتصال بها مراراً، أو سجل عناوين الأشخاص وأرقامهم، وهى لها وسائل تستخدم في ترويج المخدرات. وفى بعض الأحيان فإن القضاة قد يقبلون هذا التفتيش استناداً إلى حسن النية الظاهر لمأمور الضبط، على الرغم من أن هذا التفتيش قد لا يتفق مع معيار السبب المعقول الذى يجب توافره في الدليل المتحصل من التفتيش ( [54] ).
3- الاتجاه القائل بعدم جواز تفتيش الأجهزة الإلكترونية المحمولة المضبوطة حوزة المتهم بناء على قبض صحيح:
برز هذا الاتجاه أثناء الأخذ بالاتجاه الأول، إذ رأت بعض محاكم الولايات الخروج على الاتجاه التقليدي سالف الذكر، ففي واقعة عرضت على القضاء بولاية كاليفورنيا سنة 2007 تتحصل في صدور إذن قضائى بتفتيش أشخاص يترددون على أحد المنازل التي دلت التحريات على أنها تستخدم في تهريب المخدرات، وكأثر لهذا الإذن، قام رجال الشرطة بالقبض على عدد من المتهمين، وقد اصطحب رجال الضبط المتهمين بعد القبض عليهم إلى قسم الشرطة، وبعد فترة من الوقت تحفظوا على هواتفهم المحمولة، ووضعوا كلًا منها في مظروف أرفق به استمارة تسجيل المعلومات لمن ضبطت معه، ولاحقاً تم فحص ذاكرة هذه الهواتف، وضبط بعض الأدلة التي قدمت ضد المتهمين ( [55] ).
وقد قضت محكمة مقاطعة شمال كاليفورنيا باستبعاد الدليل المتحصل من قيام أحد رجال الشرطة بتفتيش الهاتف المحمول للمتهم المقبوض عليه، وقد بررت المحكمة قضاءها بأن " الهواتف النقالة الحديثة تمتلك القدرة على تخزين قدراً هائلاً من المعلومات الخاصة" ( [56] ) ، وأنها لذلك يجب أن تعامل بصورة مختلفة عن غيرها من الأشياء الأخرى ( [57] ) . وقد استندت المحكمة كذلك إلى ما هو مقرر من أن التفتيش يجب أن يكون متزامناً فعلياً مع القبض، وأن تفتيش الهاتف في الواقعة لم يكن معاصراً للقبض ( [58] ).
ويستخلص من هذا الحكم أن المحكمة أسست حكمها على دعامتين : الأولى هي أن الهواتف المحمولة الحديثة تمتلك قدرة على تخزين قدر هائل من المعلومات الخاصة. والدعامة الثانية أنه حتى يكون التفتيش صحيحاً، فإنه يجب أن يتزامن مع القبض، أما إذا تراخى التفتيش إلى ما بعد القبض، كان -في نظر المحكمة-غير مشروع.
وفى قضية United States v. Gibson لسنة 2012 تبنت ذات المحكمة بهيئة مغايرة المبدأ الذى سبق أن قضى به في قضية Park سالفة الذكر، فاستبعدت الدليل المتحصل عن تفتيش الهاتف المحمول الناشئ عن قبض صحيح، وقالت المحكمة في حكمها: "إن الفرد يقوم بتخزين كمية كبيرة من المعلومات الشخصية في هواتفه الخلوية، وتتضمن آرائه الخاصة، ورسائل بريده الإلكترونى، وصوره، ورسائله الصوتية، فإذا عثر على مثل هذه الهواتف مع المقبوض عليه، فإنها تستحق معاملة أخرى مغايرة عن غيرها من أشياء" ( [59] ).
- وجهة المحكمة العليا الأمريكية:
عرض الأمر على المحكمة العليا الأمريكية بمناسبة صدور حكمين متعارضين من محكمتى استئناف أحدهما محكمة اتحادية، وذلك على النحو التالى:
1- قضية United States v. Wurie :
وتتحصل وقائها في القبض على المتهم Wurie أثناء قيامه بتوزيع مخدر الكوكايين، وقد تحفظ الضابط على هاتفين محمولين بعد القبض عليه كانا بحوزته، وقد لاحظ الضابط أن واحداً من الهاتفين كان يستقبل بشكل متكرر اتصالاً من رقم مسجل بالهاتف تحت اسم "منزلى"، فقام بفتح الهاتف ورأى في الشاشة الخارجية للجهاز صورة لامرأة شابة سوداء وهى تحمل طفلاً، فقام بضغط أزرار الهاتف حتى يحدد رقم الهاتف المسجل تحت هذا الاسم بسجل الهاتف. وبالاستعانة بالدليل المتصل بشبكة المعلومات استطاع أن يقتفى أثر محل إقامة صاحب هذا الرقم فتوجه رجال الشرطة إليه، حيث رأوا امرأة تظهر من خلال زجاج النافذة تشبه المرأة التي كانت على شاشة هاتف المقبوض عليه( [60] ). وكأثر لذلك دخلوا إلى الشقة التي كانت تتواجد بها المرأة للتحفظ عليها انتظاراً لوصول الإذن بالتفتيش لهم. وبعد حصولهم على الإذن وجد أفراد الشرطة بالشقة المزيد من مخدر الكوكايين المعد للتناول وسلاحاً نارياً. وبعد توجيه تهمة إحراز مخدر وسلاح بدون ترخيص للمتهم، دفع باستبعاد الأدلة التي تم الحصول عليها من الشقة استناداً إلى أنها تمت بناء على تفتيش هاتفه المحمول دون إذن قضائى.
وقد رفضت محكمة المقاطعة هذا الدفع ورأت أن التفتيش التالى للقبض كان "محدوداً وسائغاً". وقد سطرت المحكمة بحكمها أنها لا ترى وجود أساس للتمييز بين تفتيش الهاتف المحمول وغيره من المحتويات الشخصية التي توجد بحوزة المتهم، وأن هذا التفتيش يتفق مع المبادئ الدستورية التي أقرتها المحكمة العليا. وقد خلص المحلفون إلى أن المتهم مذنب في كافة التهم التي وجهت إليه( [61] ). فطعن المتهم بالاستئناف، فقضت الدائرة الأولى بمحكمة الاستئناف الاتحادية بإلغاء الحكم وأجلت نظر الدعوى إلى جلسة لاحقة لنظر الموضوع.
وقد انقسم رأي القضاة بين مؤيد لتطبيق القواعد التقليدية التي أقرتها المحكمة في التفتيش التالى للقبض، وآخر معارض لتطبيق هذه القواعد على محتويات الهاتف المحمول ( [62] ).
2- قضية Riley :
سبق أن تناولنا وجهة قضاء ولاية كاليفورنيا في قضية Riley وأن حكم محكمة أول درجة والذى أيدته محكمة الاستئناف قد ذهبا إلى صحة تفتيش الهاتف الذى يضبط مع المقبوض عليه، وبالتالي صحة ما ينتج عن هذا التفتيش من أدلة يمكن استخدامها في إثبات ارتكابه جرائم أخرى، ولو لم تكن لها صلة بالجريمة التي جرى القبض عليه من أجلها. وعلى العكس من ذلك فقد ذهب اتجاه قضائى آخر في قضية Wurie السابق ذكرها إلى أن الهاتف المحمول لا يماثل مع الأغراض التي تضبط بحوزة المتهم، وهو يحوي كمية كبيرة من البيانات والمعلومات وثيقة الصلة بشخص المتهم، الأمر الذى لا يجوز معه تفتيش هذا الهاتف كأثر للقبض المشروع.
- تحديد مناط الخلاف بين الحكمين والمنظور أمام المحكمة العليا:
أدى الخلاف السابق بين الحكمين إلى رفع الأمر إلى المحكمة العليا لتدلى فيه برأيها. وقد أثارت القضيتان سؤالاً مشتركاً هو: هل تملك سلطة الضبط، بدون إذن، التنقيب فى المعلومات الرقمية للهاتف المضبوط مع الشخص الذى قبض عليه، وهل تطبق القواعد التقليدية من جواز التفتيش اللاحق للقبض على الهاتف المحمول؟.
- حجج المحكمة العليا في القضيتين:
وقد استعرضت المحكمة وقائع القضيتين على النحو الذى سبق ذكره تفصيلاً ( [63] ).
والنقطة التي بدأت بها المحكمة بحثها هي في تفسير العبارة التي وردت في التعديل الرابع من الدستور من أن الدستور يضمن الحق في حرمة الشخص من "التفتيش أو الضبط غير المبررين"، فعدم معقولية سبب التفتيش هو حجر الزاوية في نص التعديل الرابع من الدستور الأمريكي. فإذا لم يكن الضبط والتفتيش التالين للقبض مبررين، فإنه لا يجوز في هذه الحالة إجراؤهما بدون أمر قضائى. وعلة ذلك أن من شأن هذا الأمر المتضمن تأييداً للتفتيش للتفتيش يكون قد صدر بمعرفة قاض محايد ومستقل، وذلك بدلاً من أن يصدر من الضابط الذى يفرغ جهده في البحث الحثيث التنافسي عن الجريمة. وإذا انتفى وجود أمر بالتفتيش، فإنه يجب في هذه الحالة أن يكون مبرراً باعتبار أنه استثناءً على القاعدة الأصولية التي تتطلب صدور الأمر به ( [64] ).
ومما يزيد الأمر دقة أن التفتيش التالى للقبض الذى يجرى بدون أمر يزيد كثيراً في الواقع عن التفتيش الذى يعقب القبض الذى يجرى بموجب أمر.
وقد تناولت المحكمة العليا في رأيها مدى توافر ضابط التفتيش اللاحق للقبض والذى سبق وأن استقر عليه قضاؤها والذى يتطلب وجود خطر على شخص مأمور الضبط أو خشية من فقدان الدليل، فقالت المحكمة أن البيانات الرقمية المخزنة في الهاتف لا يمكن أن تستخدم في ذاتها كسلاح يمكنه أن يلحق الضرر بالضابط القائم بالقبض، أو أن يؤدى فعلياً إلى هرب المقبوض عليه. وللضباط في هذه الحالة أن يفحصوا الجوانب المادية لجهاز الهاتف للتأكد من أنه لا يمكن استخدامه كسلاح، كما لو كان يخفى شفرة حادة بين الجهاز والجراب الذى يحفظه. وما إن يقوم الضابط بتأمين الجهاز ويزيل أي تهديد مادى محتمل، فإن البيانات التي يحتويها الهاتف لا يمكنها أن تلحق الأذى بأحد.
وفى حالة التفتيش الذى يقع على الأشياء المادية مثل علبة السجائر التي بحوزة المتهم، فإنه بمجرد أن يملك الضابط زمام السيطرة على المتهم فإنه لا يكون مقبولاً القول بأن المتهم في هذه الحالة يستطيع أن يصل إلى محتويات العلبة. والأشياء المادية التي لا يمكن معرفة محتواها، فإنه قد ينجم عنه خطر، ففي قضية "روبنسون" التى عرضت على المحكمة العليا والتي استطال التفتيش فيها إلى علبة سجائر كانت في حوزة المقبوض عليه، فقد شهد الضابط بأنه لم يكن يعلم ما تحتويه هذه العلبة من أشياء؛ غير أنه كان يعلم بأنها لا تحتوى على سجائر. وفى هذه الحالة يكون التفتيش اللاحق مبرراً، إذ ينطوى على إجراء وقائى يضمن سلامة الضابط. غير أن هذه الاعتبارات لا تتوافر في خصوص البيانات الرقمية، ففي قضية Wurie فإن الضابط الذى قام بتفتيش هاتف المتهم كان يعلم بالتحديد ما الذى يمكن أن يكون داخله، إذ هي مجرد بيانات. كما أنه يعلم كذلك أن هذه البيانات لا يمكنها أن تلحق به ضرراً ( [65] ).
وقد أشارت المحكمة إلى الاعتبار الذى ورد بالحكمين من أن تفتيش الهاتف قد يضمن سلامة الضابط من عدة جهات، فعلى سبيل المثال فهو ينبه رجال الضبط إلى اتجاه أنصار المقبوض عليه صوب مكان الواقعة. ولا يثور شك في أن تنبيه رجال الضبط في هذه الحالة يحقق مصلحة مهمة؛ غير أن الحكمين لم يؤسسا قضائهما على الوجود الفعلى لهذه الاعتبارات. ومثل هذه التهديدات التي تخرج عن مكان الضبط لا تنطوى على تهديد واقعى فى كافة حالات القبض والاحتجاز.
وفيما يتعلق بالحجة القائلة بأن تفتيش الهاتف كإجراء تال للقبض قد يتضمن حماية للأدلة ، فإنه بمجرد تأمين ضابط الشرطة للهاتف فإنه لم يعد يتوافر في هذه الحالة أي خطر يجعل للمقبوض عليه القدرة على مسح البيانات التي تتصل بجرائمه من الهاتف. ورداً على ما جادلت به المحكمتان في حكمهما من أن حماية الأدلة من التلف هو اعتبار ذو قيمة، وذلك لأنه يمكن محو البيانات الرقمية عن بعد؛ فإن المحكمة العليا في رأيها قالت أن محو هذه البيانات لا يكون إلا إذا كان الهاتف متصلاً بشبكة لا سلكية، مما يمكنه من استقبال إشارة لمسح البيانات المخزنة. وأن ذلك يمكن أن يتم بواسطة شخص من الغير، فيكون بمقدوره إرسال إشارة عن بعد أو أن يكون الهاتف ذاته مبرمجاً من قبل على محو البيانات المخزنة به إذا دخل أو خرج من نطاق منطقة جغرافية معينة ( [66] ).
وقد أشار رأى المحكمة العليا كذلك إلى أن التشفير هو صفة مهمة للأمان في الكثير من الهواتف، والتي تغلق بكلمة سر أو غيرها من الوسائل، وفى حالة غلق الهاتف بهذه الوسائل، فإن البيانات التي يتضمنها تكون محمية حماية فعالة تجعل الهاتف غير قابل للاختراق، إذا لم تكن الشرطة على علم بكلمة السر ( [67] ).
وفى حالة وجود خشية من محو البيانات عن بعد أو وجود تشفير للجهاز، فإنه يمكن غلق الهاتف أو نزع بطاريته، كما أنه يمكن وضعه في حافظة معدنية تحول دون وصول الموجات اللاسلكية إليه ( [68] ) . وأنه لا يجوز تفتيش الهاتف المضبوط ما لم يواجه رجال الشرطة موقفاً حالاً يتطلب حصول ذلك لتفتيش، ومثال ذلك أن تفصح ظروف الواقعة عن أن المتهم يهدف إلى محاول المحو الفوري للبيانات، ففي هذه الحالة يكون الضابط قادراً على تفتيش الهاتف. ومن الأمثلة كذلك أن يتحفظ الضابط على هاتف غير مغلق، فيمنع غلقه حتى يحول دون عمل وظيفة الغلق التلقائى والتي تؤدى إلى تشفير الهاتف. ففي مثل هذه الحالات يجوز لرجال الضبط اتخاذ خطوات مبررة لتأمين مسرح الواقعة للحفاظ على الأدلة انتظاراً لصدور الأمر بالتفتيش ( [69] ).
والاعتبارات التي تبرر تفتيش الهاتف المحمول كأثر للقبض المشروع دون أمر، لا يجب أن تجعلنا نغفل أن هذا التفتيش ينال بصورة كبيرة من حق الشخص في الخصوصية، والذى أقره التعديل الرابع للدستور الأمريكي، وإذا كان من المقرر أنه يجوز تفتيش المقبوض عليه بدون أمر قضائى، فإن هذه الإجازة لا تعنى التضحية بالحق في الخصوصية بشكل تام، فليس كل تفتيش يكون مقبولاً لمجرد أن الشخص قد قبض عليه. وإذا كان التفتيش لازماً في حال مساسه الشديد بالخصوصية، فإنه في هذه الحالة يجب أن يكون بناء على إذن قضائى ( [70] ).
وإن الهاتف المحمول يختلف من حيث كمية البيانات ونوعها عن غيره من أشياء مادية تكون بحوزة الشخص. وكما أن تعبير "الهاتف الخلوى أو المحمول" هو تعبير غير دقيق، ذلك أن العديد من هذه الأجهزة هي في الواقع أجهزة كومبيوتر مصغرة، وليست فقط هاتفاً، إذ يحتوى على كاميرات ومشغل لأفلام الفيديو وسجل لبيانات المتصلين، وتقويم، ومسجل صوت، ومكتبة للكتب والبيانات، ومفكرة للأحداث اليومية، وألبومات، وتليفزيون، وخرائط وصحف ومجلات، وغيرها.
وهذه الخصائص للهاتف المحمول تجعل له القدرة على تخزين كمية هائلة من البيانات والمعلومات عن الشخص. وقبل اختراع هذه الهواتف، فإن تفتيش الشخص كان محصوراً في الأشياء المادية وكانت تشكل مساساً يسيراً بالخصوصية ( [71] ) . والقدرة التخزينية الهائلة للهاتف المحمول لها آثارها على الحق في الخصوصية: فالهاتف يجمع في مكان واحد أنواعاً مختلفة من المعلومات، مثل: العناوين، والملاحظات، والوصفات الطبية، وإفادات البنوك، تسجيلات الفيديو، والتي بمقدورها أن تفصح عن الكثير المعلومات الخاصة عن الشخص، ولا سيما إذا تم تجميعها معاً. فمن خلال آلاف الصور الملتقطة والتي يظهر عليها تاريخ ومكان التقاطها ووصفه، يمكن الوقوف على الحياة الخاصة للشخص وتفاصيلها، بما يتجاوز معرفته من خلال الصور التقليدية التي يحتفظ المرء بواحدة أو اثنتين في حافظته.
والبيانات التي يحتفظ الهاتف بها ترتد إلى وقت شراء هذا الهاتف، أو حتى قبل شرائه له. وبينما كان الشخص من قبل يحتفظ بمجرد قطعة من الورق تذكره بالاتصال بشخص آخر، فإنه لم يكن يتصور أنه يمكن الاحتفاظ بكافة الاتصالات التي جرت مع هذا الشخص لشهور طويلة وبصورة روتينية بهاتفه المحمول.
ويمكن لوقوف على الصفحات التي جرى تصفحها على الإنترنت، كما يمكن معرفة موقعه بالتحديد من خلال خاصية تحديد المواقع GPS ، ومعرفة تاريخ تحركاته السابقة. ومراقبة هذه التحركات تفصح عن ثروة هائلة من المعلومات عن الشخص، فإمكانها الوقوف على تفاصيل عائلته، وانتماءاته السياسية، وأعماله المهنية؛ بل وحتى علاقاته الجنسية.
ومن خلال التطبيقات يمكن معرفة الكثير عن عادات الشخص واهتماماته وما الذى قد يعانى منه من أمراض: فهناك تطبيق لأخبار الأحزاب السياسية أو الرياضية وتطبيقات للكتب المقدسة والأحاديث الدينية ومواقيت الصلاة والأعياد الدينية والثقافية التي يهتم بها الشخص، وهناك تطبيقات للحالات المرضية مثل ضبط السكر والضغط وأعراض الحمل وخفض نسبة الدهون والكوليسترول والإقلاع عن الخمر أو المخدرات، وتطبيق لإدارة ميزانية الشخص المالية أو تتبع أخبار سوق المال. وهناك تطبيقات للهوايات وتمضية الوقت، وأخرى للبيع والشراء لمختلف التعاملات. وهناك أكثر من مليون تطبيق يمكن تحمليه على الهاتف ويفصح كل منها عن معلومات مهمة عن حياة الشخ ص ( [72] ).
وقد أشارت المحكمة في أسباب حكمها إلى أنه لا يمكن إنكار أثر قضاءها على جهود رجال الضبط في مكافحة الجريمة. ذلك أن الهاتف المحمول قد صار اليوم واحداً من أهم أدوات تسهيل التنسيق والاتصال بين أعضاء العصابات الإجرامية، وهذا الهاتف يمكنه تقديم معلومات ذات قيمة كبيرة عن هؤلاء المجرمين الخطرين. غير أن الخصوصية تتطلب دفع ثمنها. وأن حكم المحكمة لا يمنح المعلومات التي يحويها الهاتف المحمول حصانة من التفتيش؛ بل إنه بدلاً من ذلك يجعل هذا الأمر بصفة عامة واجباً قبل القيام بهذا التفتيش، حتى ولو كان الهاتف قد تم ضبطه كأثر للقبض ( [73] ).
وقد قضت المحكمة في أسباب حكمها بأن: " تفتيش الهاتف بدون أمر يقع خارج نطاق قاعدة جواز التفتيش التالى للقبض، فهذا التفتيش لا يستهدف حماية من قام بتنفيذ القبض أو صيانة الأدلة من المساس بها، ولذلك يكون قطعاً غير مشروع لأنه لا يطبق عليه أي سبب من أسباب هذا التفتيش ". وقد أوردت المحكمة حجيتين رئيسيتين في تدعيم وجهتها:
الأولى أنه يجب أن يسمح لضابط الشرطة بفحص الهاتف لضمان التأكد من أنه ليس سلاحاً؛ غير أنه "لا يوجد سبب يبرر الاعتقاد بأن سلامة الضابط تتطلب تدخلاً لاحقاً على محتويات الهاتف"( [74] ). والحجة الثانية هي أن المحكمة قد استخلصت أن الخطر من إتلاف الأدلة كان "ضئيلاً ونظرياً حتماً". ولذلك فقد خلصت المحكمة إلى عدم تطبيق قاعدة التفتيش اللاحق للقبض على الهاتف المحمول.
وقد هجرت المحكمة بهذا القضاء المبدأ الذى أخذت به في قضية Robinson والذى كانت تجيز بمقتضاه القيام بالتفتيش التام للشخص في حالة القبض المشروع المتضمن سلباً للحرية، وذلك بدون تطلب أية شروط سوى حدوث القبض ذاته ( [75] ) . وقد أوضحت المحكمة أن الاعتبارات التي تجيز التفتيش كأثر تال للقبض، والتي أخذت بها في قضية روبنسون لا تمتد لتطبق على محتويات الهاتف المحمول. وقد قالت المحكمة في أسباب حكمها أنه وقت أن تبنت المحكمة قاعدة جواز التفتيش كأثر للقبض الذى أخذت به في قضية روبنسون، فإنه لم يكن للمرء أن يتصور أن يحمل أغلب الناس معهم أشياء لا تحتوى على أدلة مادية ولكنها تحتوى على مخزن ضخم لبيانات غير ملموسة. وأن طبيعة الهاتف المحمول وامتداده الفسيح قد أوجب تمييز تفتيشه عن قاعدة التفتيش التقليدية التالية للقبض ( [76] ).
وقد استندت المحكمة إلى أن الشخص يقوم بتخزين كمية كبيرة من المعلومات الوثيقة به والشديدة الخصوصية له، وأنه لا يمكن تصور أن مثل هذه الهواتف تماثل الحقائب والحافظات وسجلات العناوين الورقية أو غيرها من الأوعية التقليدية ، من حيث إجازة تفتيشها كأثر للقبض. وقد فتح هذا القضاء الباب أمام مأمورى الضبط لتفتيش الهاتف المحمول إذا اقتضت الحاجة لذلك، ولكن بشرط الحصول على إذن قضائى مسبق. وكانت بعض المحاكم العليا في بعض الولايات الأمريكية قد انتهت إلى ذلك ( [77] ). وقد لاحظ بعض الفقه أن المحكمة العليا في قضية Wurie لم تمنع تفتيش الهاتف في حالة القبض إذا كان هناك خطر من إتلاف الأدلة أو محوها، غير أن بعض الفقه يرى أنه في ظل غياب معيار واضح لتقدير مدى توافر هذا الخطر، فإن مشكلات كبيرة ستثور في التطبيق. ويضربون لذلك مثلاً أن وحدة التخزين في الهاتف المحمول يمكن محو بياناتها عن بعد، أو أن أرقام الهواتف المخزنة على الهاتف وما يرتبط بها من معلومات قد يتم فقدها إذا قام الشخص بتغيير رقم هاتفه.
ومعيار الضرورة يتطلب وجود خطر حال يهدد الدليل بالتلف؛ غير أن التساؤل يثور عن ماهية هذا الدليل الذى يعتبر موضوعاً لهذا الخطر ويبرر للضابط تفتيش الهاتف في هذه الحالة، وخاصة وأن الضابط سوف يقوم بتقدير توافر هذا الخطر قبل قيامه بتفتيش الهاتف ( [78] ) . وفى المقابل فإنه لا يبدو واضحاً تحديد ماهية الدليل الذى يبرر تفتيش الهاتف لحماية سلامة الضابط، على الرغم من انتفاء وجود تهديد حال من أن المقبوض عليه يمكنه الاتصال بشركائه لاستخدام العنف في مواجهة الضابط قبل القبض عليه، أو أنه يستطيع جمع أفراد عصابته في لمح البصر لمواجهة رجال الشرطة. وانتفاء اليقين في هذه الحالة قد يدفع الضابط بصورة تلقائية إلى أن يوازن بين الحفاظ على الدليل وحماية سلامته، وبين الخشية من استبعاد الدليل الذى عثر عليه في الهاتف أو غيره من الأجهزة التي قام بضبطها وتفتيشها. وهذا المبدأ الذى تبنته المحكمة العليا والذى يتصل بالمعلومات التي يحتويها الهاتف المحمول أنشأ قيداً مهماً يحول دون تطبيق قاعدة جواز التفتيش التالى للقبض. وقد أقام قضاء المحكمة العليا بذلك تفرقة بين تفتيش الهواتف وما يلحق بها من أجهزة إليكترونية تحتوى على معلومات، وبين غيرها من أشياء توجد في حوزة المقبوض عليه ( [79] ) . وقد قضت المحكمة استناداً إلى هذه الأسباب بإلغاء الحكم الذى أصدرته محكمة استئناف ولاية كاليفورنيا والذى كانت أجازت فيه تفتيش الهاتف المحمول كأثر للقبض، وبإعادة الدعوى للحكم فيها مجدداً بإجراءات لا تتعارض مع هذا الرأي، وأيدت المحكمة في الوقت ذاته الحكم الصادر من الدائرة الأولى من المحكمة العليا في قضية Wurie والذى يحول دون تفتيش الهاتف المحمول كإجراء تال للقبض إلا بمذكرة تفتيش مستقلة ( [80] ).
خاتمة الدراسة
أولاً: تأصيل المقارنة بين القضاء المصرى والأمريكى في شأن تفتيش الهاتف المحمول كأثر للقبض الصحيح:
1-من حيث السلطة الآمرة بتفتيش الهاتف المحمول:
ينص التعديل الرابع للدستور الأمريكي على أنه: "للناس الحق في حرمة أشخاصهم ومنازلهم وأوراقهم ومتاعهم، من التفتيش والضبط غير المبررين، ولا يجوز أن يصدر أمر بذلك إلا إذا توافر سبب محتمل، يؤيد بحلف يمين أو إقرار، ويجب على وجه خاص وصف المكان الذى سيجرى تفتيشه، والأشخاص أو الأشياء التي سيتم ضبطها" ( [81] ) . وقد وسع القضاء الأمريكي تطبيق هذا النص ليشمل كل ما يتصل بحق الشخص في خصوصيته. ومن المتفق عليه في الفقه والقضاء الأمريكيين أن الأمر بالتفتيش يجب أن يصدر من قاض بالمعنى الدقيق ، فلا يجوز أن يصدر من الادعاء العام؛ بينما يجيز القانون المصرى أن يصدر هذا الإذن من النيابة العامة.
وفى حين أن الدستور الأمريكي قد أوجب توافر "سبب محتمل" يدعو لإصدار الأمر بالتفتيش، وهذا السبب يكون تحت رقابة القضاء؛ فإن القانون المصرى قد اكتفى بمجرد توافر الدلائل الكافية التي تقدرها النيابة العامة.
وبينما أوجب الدستور الأمريكي أن يؤيد السبب المحتمل بحلف يمين أو بإقرار من رجل الضبط، قبل إصدار هذا الأمر؛ فإن القانون المصرى قد خلا تماماً من وضع أي قيد مماثل. ويلاحظ أن الحصول على الإذن من قاض دون توافر السبب المحتمل المؤيد بإقرار أو حلف يمين يجعل هذا الإذن غير مستوف ما نص عليه الدستور الأمريكي في تعديله الرابع السابق الذكر . ففى واقعة عرضت على المحكمة العليا حصلت النيابة العامة على إذن من قاض فدرالى لطلب سجلات المواقع المكانية التي ارتادها الشخص والتي أرسلتها الإشارات المنبعثة من هاتفه المحمول والتقطتها أبراج شركة الهاتف. وقد اعتبرت المحكمة أن حصول سلطة الاتهام على سجلات المواقع المكانية للهاتف يعد تفتيشاً ويتطلب توافر مذكرة قضائية تستند إلى وجود سبب محتمل، واعتبرت صدور الأمر من قاض بطلب هذه السجلات لا يتفق مع التعديل الرابع للدستور ( [82] ).
2 -من حيث اتصال تفتيش الهاتف المحمول بالجريمة المقبوض على الشخص فيها:
أظهرت الدراسة أن القضاء المصرى قد توسع في التفتيش الناتج عن القبض توسعاً كبيراً، فلم يقيده بأى قيد، كما أنه لم يستوجب وجود صلة بين التفتيش والجريمة التي قبض على الشخص متلبساً بارتكابها. غير أن الدراسة قد أبانت عن وجود اتجاه في القضاء الأمريكي حاول أن يضيق من نطاق عمومية التفتيش التالى للقبض، بأن أوجب وجود صلة بين هذا التفتيش وبين الجريمة التي قبض على الشخص فيها.
3- من حيث مدى جواز تفتيش الهاتف المحمول كأثر للقبض في حالة التلبس:
أظهرت الدراسة أن القضاء المصرى يجيز تفتيش الأشياء المختلفة التي توجد بحوزة الشخص كأثر للقبض الصحيح عليه، وأياً كان سبب هذا القبض، فيجوز لمأمور الضبط أن يقوم بتفتيش حافظات النقود أو المفكرات الشخصية، أو أجندات العناوين التي يعثر عليها في حوزة المقبوض عليه . وأن هذه الوجهة قد أدت إلى تطبيق هذه القاعدة على الأجهزة الرقمية التي بحوزة الشخص ومن بينها الهاتف المحمول.
غير أنه في مقابل هذه الوجهة فإن القضاء الحديث للمحكمة العليا الأمريكية لم يجز -كقاعدة- تفتيش الهواتف المحمولة كأثر تال للقبض على الشخص، وكان علة هذا القضاء هو القدرة التخزينية الهائلة للمعلومات التي تتوافر للهاتف المحمول وغيره من أجهزة رقمية مماثلة: فالهاتف يجمع أنواعاً مختلفة من المعلومات، مثل: العناوين، والملاحظات، والوصفات الطبية، وإفادات البنوك، تسجيلات الفيديو، والصور الملتقطة والتي يظهر عليها تاريخ ومكان التقاطها ووصفه، كما أن البيانات التي يحتفظ الهاتف بها ترتد إلى وقت شرائه، أو حتى قبل ذلك. وبمقدور الهاتف الاحتفاظ بكافة الاتصالات والرسائل التي أجراها هذا الشخص لشهور طويلة وبصورة روتينية. كما يمكن الوقوف على الصفحات التي جرى تصفحها على الإنترنت، كما يمكن معرفة موقعه بالتحديد من خلال خاصية تحديد المواقع GPS ، ومعرفة تاريخ تحركاته السابقة. ومراقبة هذه التحركات تفصح عن ثروة هائلة من المعلومات عن الشخص، فإمكانها الوقوف على تفاصيل عائلته، وانتماءاته السياسية، وعاداته واهتماماته وعلاقاته وأعماله المهنية وما يعانيه من أمراض .......
لهذه الاعتبارات فإن تفتيش الهاتف المحمول التالى للقبض، يجب أن يعامل معاملة تختلف عن الأشياء المادية التي توجد بحوزة المقبوض عليه، وأن من شأن إجازة هذا التفتيش على نحو مطلق أن ينال من حرمة حياة الشخص الخاصة؛ بل أن يجعلها خاوية من المضمون.
ثانياً: مدى اتفاق نص المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية من حيث مد تطبيقها إلى تفتيش الهاتف المحمول مع الدستور:
نصت المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "في الأحوال التي يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم يجوز لمأمور الضبط القضائي أن يفتشه".
وقد أتى هذا النص مطلقاً، وقد ترتب على هذا الإطلاق أن القضاء المصرى قد توسع في تفسيره توسعاً كبيراً؛ غير أن هذا الإطلاق في صياغة النص كان يمكن قبوله قبل التطور التقنى الكبير الذى لحق بالهواتف المحمولة وما يدخل في مدلولها من أجهزة رقمية. هذا التطور الكبير جعل الهاتف مستودعاً للخصوصية، وقد سبق ذكر ما يمكن الوقوف عليه عند تفتيش الهاتف المحمول من معرفة أدق خصوصيات الشخص والتي يؤدى معرفتها إلى المساس الجسيم بجوهر الحياة الخاصة.
وإذا كانت الفقرة الأولى من المادة 57 من الدستور تنص على أن: "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون".
فإن هذا النص يوضح بجلاء أن الدستور قد انحاز إلى حرمة الحياة الخاصة بأن أوجب أن يصدر أمر قضائى بالاطلاع على وسائل الاتصال أو ضبطها أو رقابتها.
والمقارنة بين هذا النص الذى يستوجب صدور أمر قضائى ، ونص المادة 54 من الدستور في فقرتها الأولى بقولها أن "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق".
ففي حين أجاز نص المادة 54 سالف الذكر المساس بالحرية الشخصية في حالة التلبس؛ فإن نص المادة 57 سالفة الذكر لم يتضمن مثل هذا الاستثناء، ويعنى ذلك أن الجمع بين النصين يؤدى إلى نتيجة مفادها أنه في حالة التلبس يجوز القبض على المتهم وتفتيشه؛ غير أنه لا يجوز تفتيش وسائل الاتصال التي بحوزته أو مصادرتها أو الاطلاع على محتواها، ومن بين هذه الوسائل الهاتف المحمول وما يماثله من أجهزة. والقول بغير ذلك فيه إهدار لنص المادة 57 سالفة الذكر، وينطوى على إفراغ النص الدستورى من محتواه.
ويضاف إلى ما سبق أن المحكمة الدستورية العليا كانت قد تبنت هذه الوجهة، وذلك بمناسبة قضائها بعدم دستورية نص المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية والتي كانت تجيز لمأمور الضبط القضائى تفتيش منزل المتهم في حالة التلبس. وقد استندت المحكمة في حكمها إلى ما نصت عليه المادة 44 من الدستور السابق (1971) والتى تتطلب صراحة صدور أمر قضائى مسبب( [83] ). وقد ميزت المحكمة بين تفتيش المساكن ودخولها والتى تتطلب أمراً قضائياً مسبباً وهو ما أوجبته المادة 44 سالفة الذكر؛ وبين غيره من إجراءات احتياطية ماسة بالحرية الشخصية كالقبض وتفتيش شخص المتهم فى حالة التلبس.
وهناك تماثل بين ما نصت عليه المادة 57 من الدستور الحالي، وبين ما نصت عليه المادة 44 من دستور 1971، وتطبيق منطق المحكمة يؤدى إلى القول بعدم دستورية تفتيش الهواتف المحمولة في حالة التلبس لتعارض ذلك مع صريح نص المادة 57 من الدستور.
وإذا كانت علة استثناء تفتيش المنازل في حالة التلبس، ووجوب صدور أمر قضائى مسبب، أن هذه المنازل هي مستودع السر، ومهجع الخصوصية، فإن هذه العلة تعد متحققة بصورة أكبر بالنسبة للهواتف المحمولة:، فالنظر لما يمكن معرفته عن الشخص من معلومات، فإن هذه المعرفة تفوق ما يمكن الوقوف عليه عند تفتيش منزله، الأمر الذى يجعل تفسيرنا لنص المادة 57 سالف هو الأقرب لعلته، فضلاً عن صراحة منطوقه.
وفى تقديرنا أن التوسع الذى أخذ به القضاء في تفسير نص المادة 46 من قانون الإجراءات سالفة الذكر وإطلاق التفتيش من أي قيد في حالة التلبس هو توسع محل نظر ولا يتفق مع نصوص قانون الإجراءات الجنائية ذاتها. وبيان ذلك أن المادة 50 من هذا القانون في فقرتها الأولى تنص على أنه: "لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات أو حصول التحقيق بشأنها".
وهذا النص صريح في أن التفتيش الذى يجريه مأمور الضبط بناء على أمر من جهة التحقيق يجب أن يكون غرضه هو البحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة التي يجرى الاستدلال فيها أو التحقيق بشأنها، فإن خرج مأمور الضبط عن هذه الحدود، كان عمله بوجه عام غير مشروع. وإذا كان هذا القيد قد تطلبه الشارع في حالة صدور الأمر بالتفتيش، فإنه يجب أن يمتد عقلاً إلى ما دون صدور هذا الأمر، أي في حالة التلبس.
نخلص مما تقدم إلى أن إطلاق نص المادة 46 من قانون الإجراءات الجنائية ومد تطبيقها إلى تفتيش الهواتف المحمولة وغيرها من أجهزة الاتصال التي بحوزة المقبوض عليه، يتعارض مع صريح نص المادة 57 من الدستور والتي تستوجب للاطلاع على هذه الأجهزة أو رقابتها أو ضبطها صدور أمر قضائى بذلك.
الهوامش
([1]) The Privacy Commissioner of Canada: Genetic testing and privacy, Minister of Supply and Services Canada 1995, p.2.
([2])الدكتور محمد عبد المحسن المقاطع: حماية الحياة الخاصة للأفراد وضماناتها فى مواجهة الحاسوب الآلى، دراسة تحليلية نقدية مقارنة للحق فى الخصوصية وتطبيقاته فى القانون الكويتى، جامعة الكويت، 1992، ص 41.
([3]) MASON (Stephen) / Seng (Daniel): Electronic Evidence, fourth edition published by the Institute of Advanced Legal Studies for the SAS Humanities Digital Library, School of Advanced Study, University of London, 2017, P.10.
([4]) يطلق عليها " flash-ROM "
([5]) Mason / Seng, P.10.
([6]) A Simplified Guide To Digital Evidence, National Forensic Science Technology Center, p.2-3. http://www.forensicsciencesimplified.org/digital/DigitalEvidence.pdf
([7]) انظر فى جمع الأدلة من مسرح الجريمة وبصفة خاصة الأدلة الإلكترونية:
Reno (Janet) / Marcus (Daniel) / Robinson (Laurie) / Brennan (Noël) / Travis (Jeremy): Crime Scene Investigation: A Guide for Law Enforcement, U.S. Department of Justice Office of Justice Programs, January 2000 , p.40.
([8]) Lillis/ Becker / O’Sullivan / Scanlon, p. 2.
ومن أهم أمثلة هذه الخوادم:
Amazon Cloud Drive- Office 365- Google Drive - Dropbox
([9]) الدكتور محمود نجيب حسنى: رقم 488، ص 451.
([10]) نقض جلسة 24 إبريل 1956 مجموعة أحكام محكمة النقض، س 7 رقم 184 ص 659.
([11]) نقض جلسة 14 مايو 2001، مجموعة أحكام النقض، س 52 ص 489.
([12]) نقض جلسة 19 يونيه 1967 مجموعة أحكام النقض، س 18 رقم 168 ص 838.
([13]) نقض جلسة 29 يناير 1986 مجموعة أحكام محكمة النقض، س 37 رقم 34 ص 163.
([14]) نقض 17 فبراير 1999 مجموعة أحكام محكمة النقض، الطعن رقم 16113 لسنة 66 ق.
([15]) وكانت المضبوطات التي أسفر عنها تفتيش الشريك هى عوازل طبية ومناديل ورقية ثبت تلوثها بالحيوانات المنوية، استخلصت منها محكمة النقض –ضمن أدلة أخرى-توافر التلبس بالزنا.
نقض جلسة 14 مايو 2001، مجموعة أحكام النقض، س 52 رقم، ص 489.
([16]) نقض جلسة 14 مايو 2001، مجموعة أحكام النقض، س 52 ، ص 489.
نقض جلسة 14 مايو 2001، مجموعة أحكام النقض، س 52 ، ص 489.
([17]) وقضى بأنه إذا استوقف الضابط قائد سيارة أجرة للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور فتظاهر بالامتثال للأمر؛ إلا أنه حاول الهرب بالسيارة؛ غير أنه أوقفته المتاريس الحديدية، فإن ما انتاب الضابط الواقعة من ريب وظن بشأن تصرف الشخص يبيح له استيقافه للمرة الثانية ومنعه من السير بالسيارة للتحري والكشف عن حقيقة هذا الوضع، وحال طلبه تراخيص السيارة طلب قائدها النزول بحجة أنها في جيب بنطاله الخلفى، وما إن هبط من السيارة حتى قام بدفع الضابط محاولاً الهرب؛ غير أنه تمكن من إلقاء القبض عليه. وفى هذه الواقعة يكون المتهم قد ارتكب جنحة التعدي على أحد رجال الضبط أثناء تأدية وظيفته وبسببها، وهي الجنحة المنصوص عليها في المادة 136 ع وعقوبتها الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو الغرامة التي لا تتجاوز مائتي جنيه وهي جريمة في حالة تلبس، مما يجيز للضابط القبض على المتهم وتفتيشه وتفتيش سيارته، ويكون ما عثر عليه من مضبوطات وليد إجراء صحيح. نقض جلسة 24 ديسمبر 2007، الطعن رقم 26364 لسنة 72 ق.
([18]) نقض جلسة 10 يونيه سنة 2014، الطعن رقم 10137 لسنة 83 ق.
([19]) مستبدلة بالقانون رقم 59 لسنة 2014 الجريدة الرسمية العدد 26مكرر (هـ) - بتاريخ 2-7-2014.
وكان النص قبل الاستبدال يجيز قيام مأمور الضبط بهذا الفحص عند الاشتباه؛ غير أن النص الحالي قد أوجب أن يكون قائد السيارة في حالة تلبس بالمعنى الوارد بالمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية.
([20]) نقض جلسة 13 نوفمبر سنة 2012، مجموعة أحكام النقض س 63، رقم 121، ص 678.
([21]) وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا لم يكن الشخص في حالة سكر أو تخدير ظاهر، فلا يجوز استيقافه، ولا يجوز لمأمور الضبط في هذه الحالة أن يتعرض للحرية الشخصية لقائد المركبة أو أن يأمر بفحص حالته بالوسائل الفنية إلا فى حالة التلبس بالجريمة، وأنه يتعين أن يدرك مأمور الضبط القضائي بإحدى حواسه وقوع الجريمة بما لا يحتمل شكاً أو تأويلا، وإذا لم يدرك بأي حاسة من حواسه أن المتهم حال قيادته للمركبة كان واقعاً تحت تأثير مخدر فإنه لا يكون أمام جريمة متلبس بها وبالتالي فليس له من بعد أن يتعرض للشخص بالقبض وأخذ العينة لوقوعهما فى غير حالة التلبس، ويبطل الدليل المستمد منهما. نقض 7 مارس 2018 الطعن رقم 44332 لسنة 85 ق.
([22])نقض جلسة 19 نوفمبر سنة 1956 مجموعة أحكام محكمة النقض، س 7، رقم 114، ص 387، وفى هذا الحكم كان المتهم وهو نزيل أحد السجون قد ضبط حال مضغه مادة مخدرة، فاستخدم رجال الضبط القوة لانتزاع ما فى فمه، ثم خضع فيما بعد لغسيل معدته للحصول على آثار المادة المخدرة، وقد قضت محكمة النقض فى هذا الحكم بصحة الإجراءات.
([23]) وفى واقعة قام أحد رجال الضبط بالقبض على المتهم بعد أن شم رائحة الأفيون وهى تتصاعد من فمه، فألقى القبض عليه وأرسله إلى المستشفى حيث أجريت له عملية غسيل معدة ثبت بعد تحليل محتوياتها وجود أثر المخدر فيها، وكان دفاع المتهم قد دفع ببطلان إرسال المتهم إلى المستشفى لانطوائه على اعتداء على حريته الشخصية ولعدم الحصول على إذن من النيابة العامة قبل القيام به. غير أن محكمة النقض رفضت هذا الدفع. نقض 11 نوفمبر 1946 مجموعة القواعد القانونية ج 7 رقم 231 ص 229. وقضت بأن ما يتخذه الضابط المأذون له بالتفتيش من إجراءات لغسيل معدة المتهمة بمعرفة طبيب المستشفى لا يعدو أن يكون تعرضاً لها بالقدر الذى يبيحه تنفيذ إذن التفتيش وتوافر حالة التلبس فى حقها بمشاهدة الضابط لها وهى تبتلع المخدر وانبعاث رائحة المخدر من فمها مما لا يقتضى استئذان النيابة فى إجرائه .نقض 12 مارس 1972 مجموعة الأحكام س 23 رقم 81 ص 357.
([24])نقض جلسة 7 إبريل سنة 1974 مجموعة أحكام محكمة النقض، س 25، رقم 82 ص 378.
([25])نقض جلسة 14 نوفمبر سنة 2017 الطعن رقم 22989 لسنة 86 قضائية لم ينشر بعد.
([26])نقض جلسة 10 أكتوبر سنة 2017 الطعن رقم 5534 لسنة 87 قضائية لم ينشر بعد.
([27]) انظر تفصيلاً: الدكتور أشرف توفيق شمس الدين: الحماية الجنائية للحرية الشخصية من الوجهة الموضوعية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية 2007، رقم 121 ص 125 وما بعدها.
([28]) Geoffrey C. HAZARD: Criminal justice system , Encycl. of Crime and Justice.Vol.2 ,1983 , p.457.
([29]) ” Probable Cause ”
([30]) Hazard , p, 457
([31]) Hazard , p, 457 .
([32]) Hazard , p, 458
([33]) Hazard , p, 458.
([34]) Brown, p.567.
([35]) Brown, p.568.
([36]) Brown, p.569.
([37]) Brown, p.569.
([38]) “ The need to protect officer safety and to prevent the destruction or concealment of evidence ” .
CHIMEL V. CALIFORNIA: United States Supreme Court, 395 U.S. 752, 89 S. Ct. 2034, 23 L. Ed. 2d 685 (1969), p.2.
([39]) “ within his immediate control ” .
CHIMEL V. CALIFORNIA, p.2.
([40]) CHIMEL V. CALIFORNIA, p.3.
([41]) Supreme Court of the United States, Riley v. California certiorari to the court of appeal of California, fourth appellate district, division one, No. 13 – 132. Argued April 29, 2014 — Decided June 25, 2014, p.3.
([42]) California Court of Appeal. No. D059840 (Cal. App., Feb. 8, 2013), App. to Pet. for Cert. in No. 13–132, pp. 1a–23a. .
([43]) Court’s decision in People v. Diaz, 51 Cal. 4th 84, 244 P. 3d 501 (2011) .
([44]) California Supreme Court denied Riley’s petition for review, App. to Pet. for Cert. in No. 13–132, at 24a ; David J. Robinson: The U.S. Supreme Court Says ‘No’ to Cell-Phone Searches Incident to Arrest, Illinois Bar Journal, The Magazine of Illinois Lawyers, September 2014 , Volume 102 , Number 9, Page 438 .
([45]) An arrestee had a “ protected privacy interest in the contents of a pager ’ s memory ” .
([46]) “Search Incident to Arrest”.
([47]) “within the arrestee's immediate control”.
([48]) United States v. Chan, 830 F. Supp. 531 (N.D. Cal. 1993)
U.S. District Court for the Northern District of California.
https://law.justia.com/cases/federal/district-courts/FSupp/830/531/2292322/
([49]) United States v. Hill, No. CR 10-00261 JSW, 2011 WL 90130, at *7 (N.D. Cal. Jan.10, 2011), Brow, p.564.
([50]) Arizona v. Gant , 556 U.S. 332, 335 (2009), Brown, p. 575.
([51]) States v. Quintana, 594 F. Supp. 2d 1291, 1300 (M.D. Fla. 2009), Brown, p. 575.
([52]) United States v. McGhee, No. 8:09CR31, 2009 WL 2424104, at *3 (D. Neb. July 21,2009). Brown, p. 576.
([53]) Brown, p. 576.
([54]) Patrick Brown: Searches of cell phones incident to arrest: Overview of the law as it stands and a new path, Harvard journal of law & technology, Volume 27, Number 2 Spring 2014, P. 576
([55]) U.S. v. Edward Park, No. CR 05-375 SI. (N.D. Cal. May. 23, 2007) https://casetext.com/case/us-v-edward-park
([56]) “modern cellular phones have the capacity for storing immense amounts of private information”.
([57]) Brown, p.564.
([58]) "The search of defendant's cell phone at the passenger's residence was "substantially contemporaneous" with defendant's arrest; here, the search of the cell phone was not contemporaneous with arrest."
([59]) United States v. Gibson, No. CR 11-00734 WHA, 2012 WL 1123146, at *10 (N.D.Cal. Apr. 3, 2012), Brow, p.564.
([60]) United States v. Wurie, 728 F.3d 1 (1st Cir.2013), reh ’ g en banc denied, No. 11-1792, 2013 WL 4080123 (1st Cir. July 29, 2013), Harvard Law Review. 127:819, 2013, pp.819-82
([61]) United States v. Wurie, p.820.
([62]) Robinson, P. 438.
([63]) أعد الرأي الذى قدم إلى المحكمة رئيس المحكمة العليا، القاضي Roberts.
([64]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, petitioner 13 – 132 v. California on writ of certiorari to the court of appeal of California, fourth appellate district, division one United States, petitioner 13 – 212 v. Brima Wurie on writ of certiorari to the United States Court of Appeals for the first circuit [June 25, 2014], p.5.
([65]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p.11.
([66]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p.1 2 .
([67]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p.1 2 .
([68]) ويطلق عليها Faraday bags نسبة إلى مخترعها العالم الإنجليزى Michael Faraday .
Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p.14
([69]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p.1 5 .
([70]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p.1 6 .
([71]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p.1 7 .
([72]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p. 20-18
([73]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p. 25 .
([74]) “ no reason to believe that officer safety would require a further intrusion into the phone ’ s contents. ” .
([75]) “ in the case of a lawful custodial arrest, ” a “ full search of the person ” requires “ no additional justification ” other than the arrest itself " . United States v. Wurie, p.819.
([76]) United States v. Wurie, p.82 2 .
([77]) فعلى سبيل المثال فقد أوجبت المحكمة العليا لولاية أوهايو الحصول على إذن قبل تفتيش الهاتف المحمول إذا توافرت شروط إصدار هذا الإذن ولم تجز تفتيش الهاتف بصورة تلقائية في حالة وقوع القبض.
Brown, p. 571.
([78]) Brown, p.572.
([79]) Brown, p. 573.
([80]) Supreme Court of the United States: David Leon Riley, p. 28 .
([81]) “ The right of the people to be secure in their persons, houses, papers, and effects, against unreasonable searches and seizures, shall not be violated, and no Warrants shall issue, but upon probable cause, supported by Oath or affirmation, and particularly describing the place to be searched, and the persons or things to be seized. ” .
([82]) Supreme Court of the United states, Carpenter v. United States, certiorari to the United States Court of Appeals for the sixth circuit, no. 16 – 402. argued November 29, 2017 — decided June 22, 2018, p.1-3.
([83]) المحكمة الدستورية العليا جلسة 2 يونيه سنة 1984، الطعن رقم 5 السنة 4 ق دستورية، مجموعة الأحكام س 3 ص 67.