تعدد صور الضرائب على العقارات: تحقيق العدالة الاجتماعية يدعم أداء الضريبة

أحمد حسام

الأحد 7 فبراير 2021

في 30 يونيو 2019 انتهت المهلة الممنوحة من وزارة المالية لملاك الوحدات العقارية المتخذة كسكن خاص لهم لسداد الضريبة المستحقة على العقارات المبنية[1][2]، وإلا سيتحملون الغرامة التي حددها القانون أو سيتم الحجز الإداري على وحداتهم العقارية، حسب تصريح وزير المالية[3]. وبالرغم من صدور القانون المُنظم لهذه الضريبة منذ عام 2008 إلا أن الحكومة قررت الإعلان عن تطبيقه في عام 2018.

وحلّت جائحة فيروس كورونا المستجد لتتخذ الحكومة قرارات متتابعة بمد فترة السماح بتقديم إقرارات الضريبة العقارية، كان آخرها ما صدر عن وزير المالية في ديسمبر الماضي بمد الفترة حتى نهاية مارس 2021 [4]

في يوليو 2018 ثار جدل مجتمعي حول تعديل قانوني يتعلق بضريبة تسمى ضريبة التصرفات العقارية[5]. وخلال ذلك العام أيضًا، فوجئ ملاك الوحدات العقارية أثناء فحص مصلحة الضرائب لتعاملاتهم بوجود ضريبة تسمى الضريبة على القيمة المضافة على بعض أنواع التصرف في /أو استغلالهم لعقارات معينة، وذلك لحداثة القانون المنظم لهذه الضريبة[6].

وعليه، وجد ملاك العقارات في مصر ابتداء من عام 2018 أنفسهم في مواجهة صور متعددة من الضرائب المتصلة بالعقارات، تنص عليها قوانين مختلفة. وفي ظل اعتبار التهرب الضريبي جريمة، فضلًا عن تمتع الدولة بسلطة إيقاع الحجز على الملكية العقارية أو الأموال لتحصيل الضريبة المفروضة؛ رأينا من خلال هذا التعليق عرض هذه الصور المختلفة من الضرائب العقارية بشكل مبسط، مع تسليط الضوء على صورتين منها بشكل خاص، بالنظر إلى الإشكاليات المتصلة بهما.

صور الضرائب المتصلة بالعقارات

تتعدد أنواع الضرائب ذات الصلة بملكية العقارات أو التصرف فيها، وكذلك أسس حسابها، وتتفرق أسانيدها القانونية في ثلاثة قوانين مختلفة، وهي:

الضريبة العقارية: ضريبة سنوية تفرض على الشخص الذي يملك العقار، سواء كان يتخذه سكنًا خاصًا له، أو يؤجره، أو يتركه مغلقًا، أو ينتفع به أو يستغله بأي شكل آخر[7]. وتقدر قيمتها بـ (10%) من القيمة الإيجارية السنوية للعقار[8]، والمنوط به تقدير هذه القيمة الأسمية التي تتخذ أساسًا لحساب سعر الضريبة العقارية (لجان الحصر والتقدير) الموجودة بكل محافظة[9].

ضريبة الثروة العقارية: تفرض على الإيراد الناتج/ أو الدخل المتحقق من تأجير الوحدات العقارية المبنية، سواءً كانت معدة للسكن أو لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهنة غير تجارية أو لأي غرض آخر[10]، ويتم حساب سعر هذه الضريبة على أساس قيمة الإيجار الفعلية[11] وموقعها في شرائح الدخل على الأشخاص الطبيعيين[12].  

ضريبة التصرفات العقارية: تفرض على إجمالي قيمة التصرف في العقارات، سواء كان هذا التصرف بالبيع، أو بالتبرع، أو بالهبة، أو بتقرير حق الانتفاع، أو ما إلى ذلك، ويكون سعر هذه الضريبة (2.5%) من إجمالي قيمة التصرف[13].

ضريبة القيمة المُضافة: تفرض على بيع أو تأجير الوحدات المهيئة منها لتكون محال تجارية أو منشآت فندقية، ويكون سعر هذه الضريبة (14%) من قيمة البيع أو الإيجار[14].

فرض الضريبة العقارية على المسكن الخاص

اشترط قانون الضريبة على العقارات المبنية لإعفاء المسكن الخاص الرئيسي للأسرة من الضريبة العقارية، أن تقل قيمته الإيجارية السنوية عن 24000 جنيه (أربعة وعشرون ألف جنيه) على أن يخضع ما زاد على ذلك للضريبة[15].

إلا أن الضرائب ينبغي أن تفرض على الدخل المتحقق فعلًا أو حكمًا. فالدخل هو المصدر الطبيعي للضريبة، وأصل وعائها، وشرط مبدئي لعدالتها[16]. والضريبة العقارية تعتبر ضريبة نوعية تصيب الإيراد/ أو الدخل الذي تغله العقارات، فعليًا أو حكميًا، وبالتالي فإنه من غير المتصور أن يدرّ المسكن الخاص أي دخل رأسمالي نقدي، سواء حقيقي أو حكمي، حتى وإن تخطت قيمته الإيجارية السنوية حدّ الإعفاء المقرر. كما أن سريان هذه الضريبة بطريقة متجددة (سنويًا)، ودائمة، مع تصاعد قيمتها تبعًا للزيادة الحكمية على قيمة العقار، ومن ثم فإن فرض الضريبة العقارية على المسكن الذي يتخذه المكلف بسداد هذه الضريبة وأسرته مسكنًا خاصًا إنما يرد على رأس المال ذاته، وليس على ما يدره رأس المال من دخل، بما يؤدي إلى الانتقاص من القيمة الرأسمالية للمسكن الخاص، مناهضًا مبدأ عدالة الضريبة[17].

ضريبة القيمة المضافة والعقارات

يخضع العائد الناتج من بيع أو تأجير المحال تجارية أو المنشآت الفندقية لضريبة القيمة المُضافة، وذلك استنادًا إلى تفسير اللائحة التنفيذية[18] لقانون الضريبة على القيمة المُضافة.

ويتعارض هذا الأمر مع القانون المنظم لهذه الضريبة والذي أرفق به قائمة بالسلع والخدمات المعفاة من هذه الضريبة. وقد ورد في القائمة صراحة إعفاء بيع وتأجير الأراضي الفضاء والأراضي الزراعية والمباني والوحدات السكنية وغير السكنية[19]. وإذاً أعفت القائمة تصرفات بيع أو تأجير العقارات السكنية وغير السكنية، من الخضوع لهذه الضريبة، وبشكل عام دون أي تخصيص أو استثناء.

وعليه، تكون اللائحة أقامت استثناء على القانون، طالما أنها عادت وأخضعت بيع أو تأجير المحال التجارية أو المنشآت الفندقية لهذه الضريبة، وهي تعد من "الوحدات غير السكنية" التي أعفاها القانون من الخضوع لهذا النوع من الضرائب. وبالتالي تكون خالفت الدستور من ناحيتين، الأولى الذي قصر الاختصاص بإنشاء الضرائب أو تعديلها أو إلغائها على القانون وحده[20]، والثانية حين خرجت عن حدود الإطار الموضوع لها في أحكام القانون، وتضمنت ما يعدل من أحكامه، وهي في مرتبة أدنى من القانون.

خاتمة: العدالة الاجتماعية في فرض الضريبة تنتج الثقة في أدائها

ولئن كانت الضريبة فريضة مالية تؤدى جبرًا دون مقابل مباشر من فرضها، إلا أنها تعد إسهامًا من المواطنين في تحمل نصيبهم من الأعباء العامة. وبالتالي يجب أن تلتزم الدولة أن تفرضها بقدر، وفي حدود لا تصادر فرص رأس المال في النمو بما يؤثر سلبًا على الإنفاق، وألا ترهق أعباء المواطنين المكلفين بها.

ومن بين أشكال هذا الإرهاق تعدد صور الضرائب المتصلة بالعقارات مع تفرق أسانيدها في قوانين ضريبية مختلفة، كما فصلنا في هذا التعليق.

فالمصلحة الضريبية للدولة ينبغي أن تكون محل موازنة دائمًا بالعدالة الاجتماعية التي تكفل اعتدال وحياد الضريبة. وإن كان الدستور قد ألزم الحكومة بأن تراعي في فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر، إلا أن ذلك لا يبرر تعدد صور وأشكال الضرائب وأسس حسابها المفروضة على محل واحد مثل العقارات.

 

الهوامش

[1]  بناء على القانون رقم 196 لسنة 2008 بشأن الضريبة على العقارات المبنية - نسخة سارية وفق أحدث التعديلات هنا في منشورات قانونية

[2]  تعليمات وزير المالية المنشورة بعدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية "المالية تمنح أصحاب السكن المعفى من الضريبة مهلة لـ يونيو لتقديم نموذج الإعفاء".

[3]  تصريح وزير المالية المنشور بالموقع الإلكتروني لجريدة المصري اليوم- بتاريخ 05-08-2018.

[4]  بيان وزير المالية المنشور بالموقع الإلكتروني لوزارة المالية المصرية - بتاريخ 28-12-2020

[5]  المالية: لا ضرائب جديدة على التصرفات العقارية ولا عودة لضريبة التركات منشور بالموقع الإلكتروني لجريدة اليوم السابع، بتاريخ 10-07-2018.

[6]  صدر في عام 2016، وصدرت اللائحة التنفيذية له في مارس 2017.

[7]  المادة (2) من القانون رقم 196 لسنة 2008 بشأن الضريبة على العقارات المبنية.

[8]  المادة (12) القانون رقم 196 لسنة 2008 بشأن الضريبة على العقارات المبنية: "يكون سعر الضريبة (10%) من القيمة الإيجارية السنوية للعقارات الخاضعة للضريبة، وذلك بعد استبعاد (30%) من هذه القيمة بالنسبة للأماكن المستعملة في أغراض السكن، و(32%) بالنسبة المستعملة في غير أغراض السكن، وذلك مقابل جميع المصروفات التي يتكبدها المكلف بأداء الضريبة بما في ذلك مصاريف الصيانة".

[9]  المادة (13) من القانون رقم 196 لسنة 2008 بشأن الضريبة على العقارات المبنية.

[10]  المواد (37، و39، و41) من القانون رقم 91 لسنة 2005 بشأن قانون الضريبة على الدخل.

[11]  مخصوماً منه 50% مقابل جميع التكاليف والمصروفات، وما سبق سداده من الضريبة العقارية.

[12]  شرائح الدخل وسعر الضريبة عليها نظمتها المادة (8) من قانون الضريبة على الدخل المعدل بالقانون 26 لسنة 2020

[13]  المادة (45) من القانون رقم 91 لسنة 2005 بشأن قانون الضريبة على الدخل.

[14]  المادة (3) من القانون رقم 67 لسنة 2016 بشأن قانون الضريبة على القيمة المضافة، والمادة (78) من اللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بقرار وزير المالية رقم 66 لسنة 2017.

[15]  البند (د) من المادة (18) من قانون الضريبة على العقارات المبينة رقم 196 لسنة 2008.

[16]  المستشار الدكتور/ عوض المر، كتاب الرقابة القضائية على دستورية القوانين في ملامحها الرئيسية-إصدار مركز رينيه جان دوبي للقانون والتنمية، صفحة 281.

[17]  يراجع في هذا المعنى أيضًا تبليغ قسم التشريع بمجلس الدولة بشأن مراجعته لمشروع قانون الضريبة على العقارات المبنية رقم 196 لسنة 2008.

[18]  البند (ثانيًا) من المادة (78) من قرار وزير المالية رقم (66) لسنة 2017 بشأن إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة على القيمة المضافة الصادر بالقانون رقم 67 لسنة 2016، حين نصت على أن: "يتحدد نطاق الإعفاءات المقررة بالبنود التالية من قائمة السلع والخدمات المعفاة المرافقة للقانون على النحو المبين قرين كل بند:

ثانياً-البند (28) يقصد بالوحدة السكنية كل وحدة يهيئها مالكها للغير بغرض استعمالها في السكن.

ويقصد بالوحدة غير السكنية كل وحدة يهيئها مالكها للغير بغرض ممارسة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني.

ولا يشمل ذلك المحال التجارية وفقاً لأحكام القانون رقم 11 لسنة 1940 وكذلك المنشآت الفندقية، وغيرها من الأماكن التي تنظم أحكامها قوانين خاصة.

[19]  المسلسل رقم (28) من قائمة السلع والخدمات المرافقة لقانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016.

[20]  المادة (38) من الدستور المصري.