التجارب السريرية في زمن كورونا: إطار تشريعي جامع للمرة الأولى
في خضم مواجهة العالم لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وانخراط دول وشركات عديدة في عملية إنتاج اللقاحات والعلاجات والمشاركة في تجارب واسعة لتقييمها في مراحل الاختبار المختلفة، أصدر رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي في 23 ديسمبر الماضي قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية الذي يعتبر أول إطار تشريعي موحد لإدارة ملف التجارب السريرية.
وجاء إصدار القانون بعد سلسلة طويلة من المحاولات والجهود منذ عام 2002 لإصدار قانون منظم للنشاط الذي تزاوله –عمليا- شركات عالمية بالتعاون مع معاهد طبية ومستشفيات حكومية في مصر، فهناك العديد من شركات الأدوية العالمية العملاقة والمؤسسات العلمية التي تعلن بشكل مستمر عبر الإنترنت وغيرها من الوسائط عن حاجتها لمتطوعين من المرضى لتجربة الأدوية الجديدة، في محافظات مختلفة، ووفقاً لبيانات معاهد الصحة الوطنية الأمريكية فمصر كانت ثاني دولة في أفريقيا استضافة للتجارب السريرية بين عامي 2014 و2016 بإجمالي 181 تجربة.
ويرى مراقبون أن مصر تأخرت في إصدار إطار تشريعي منظم للنشاط، خاصة وأن الدستور الحالي الصادر عام 2014 قد نص في مادته 60 على عدد من الضمانات الحاكمة للنشاط، لكنه أحال تنظيمه إلى قانون: "لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقاً للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون".
كما أن هناك عدد من القوانين الأخرى التي تتطابق بعض موادها مع ما قد تتطلبه التجارب السريرية من ضمانات وإجراءات والتزامات مسبقة وما قد يترتب عليها من مخالفات أو جرائم، فهناك القانون 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر، والقانون 71 لسنة 2009 بشأن رعاية المريض النفسي، والقانون 5 لسنة 2010 بتنظيم نقل وزراعة الأعضاء البشرية، والمدونة المصرية لتقييم التجارب الإكلينيكية للمستحضرات الحيوية والأمصال واللقاحات الصادرة عام 2006، انتهاء بتنظيم اختصاص تقييم التجارب السريرية لأول مرة بالمادة 17 من قانون الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية وهيئة الدواء المصرية رقم 151 لسنة 2019 والمادة 16 من لائحته التنفيذية.
وخلال السنوات الأربع الماضية ظهرت عدة مسودات لمشروع قانون متخصص جامع، أثارت جدلاً في الأوساط العلمية والطبية وبين النقابات الطبية والمتخصصين، حتى أقر مجلس النواب في مايو 2018 مشروعاً كاملاً مكوناً من 35 مادة، وبدا المشروع في طريقه إلى الإصدار حتى فوجئ الرأي العام باستخدام الرئيس السيسي سلطاته بالاعتراض عليه وإعادته للبرلمان، في أكتوبر 2018.
رفض الرئيس السيسي طريقة تشكيل المجلس الأعلى للبحوث الإكلينيكية، واشتراط موافقته على جميع الأبحاث لضخامة عددها المتوقع، واعتبر أن المواد العقابية متشددة، كما اعتبر أن من غير الواقعي حظر إرسال أي عينات بشرية للخارج بغرض ألا يتم معرفة الجينات المصرية والعبث بها.
وتراجعت أولوية القانون بعد ذلك، إلى أن أرسل مجلس الوزراء مشروعا جديدا لمجلس النواب، فرفض رئيسه د.علي عبدالعال مطلع فبراير 2020 مناقشته وأعاده للحكومة، وذكر أن نطاق عمل البرلمان حالياً يقتصر على إعادة صياغة المواد التي اعترض عليها رئيس الجمهورية، لتصدر الموافقة النهائية في أغسطس 2020 بالتزامن -تقريبا- مع دعوة وزارة الصحة للمواطنين للتبرع بالمشاركة في تجارب لقاح كورونا المصنع بواسطة شركة "سينوفارم" الصينية، وبالاشتراك مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
ولم تعلن هيئة الدواء المصرية حتى الآن رسميا عن نتائج التجارب التي أجريت على هذا اللقاح، لكن وزيرة الصحة هالة زايد أعلنت لدى استقبالها أول شحنة منه في 11 ديسمبر الماضي أن اللقاح أثبت فاعلية بنسبة 86% في الوقاية من فيروس كورونا المستجد، و99% في إنتاج الأجسام المضادة للفيروس، و100% في الوقاية من الوصول للحالات المتوسطة والشديدة.
أبرز مواد قانون البحوث الإكلينيكية
ينشئ القانون الجديد بالمادة السادسة المجلس الأعلى لمراجعة أخلاقيات البحوث الطبية ويتبع رئاسة مجلس الوزراء ويتشكل من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات والأساتذة الباحثين بالمراكز والمعاهد والهيئات البحثية ذات الصلة وممثلين عن وزارة الصحة وهيئة الدواء المصرية بجانب عدد من الوزارات السيادية.
ويسند القانون لهذا المجلس في المادة السابعة مجموعة من الاختصاصات تشمل: إنشاء قاعدة بيانات خاصة بالبحوث الطبية تشمل بروتوكولات البحوث وجمع الوثائق والبيانات، ووضع معايير وضوابط ولوائح أخلاقيات البحوث الطبية، ومراجعة المخططات البحثية التي تشمل استخدام مركبات دوائية أو بيولوجية مستحدثة.
كما يحدد في المادة التاسعة اختصاصات هيئة الدواء المصرية بصورة أكثر دقة مما ذكر في قانونها، مثل: تقييم نتائج البحوث الطبية الإكلينيكية، والمراجعة العلمية للمستحضرات الدوائية والبيولوجية، وتقييم المخططات البحثية والتفتيش على الجهات البحثية بغرض التحقق من سلامة الممارسات الطبية.
ويفصل القانون في المادة العاشرة مراحل الأبحاث الطبية الإكلينيكية إلى أربع مراحل يجري الإشراف عليها واعتمادها من جانب هيئة الدواء المصرية، وهي على النحو التالي:
أولا- مرحلة التجارب الأولى على البشر: حيث يتم اختيار مجموعة من المبحوثين سواء كانوا أصحاء أو مرضى، على أن يتراوح عددهم بين 20 و80 مبحوثاً وتقسيمهم إلى مجموعات شريطة التأكد من أمان نتائج التدخل الطبي.
ثانيا- مرحلة التجارب على مجموعة أكبر من المبحوثين: حيق يتراوح عدد المبحوثين في هذه المرحلة بين 200 و300 مبحوث ممن يعانون من المرض المستهدف من البحث الطبي، بهدف معرفة كيفية عمل التدخل الطبي.
ثالثا- مرحلة التجارب على المرضى: وتهدف هذه المرحلة إلى معرفة مدى فاعلية التدخل الطبي وأفضل العلاجات المتاحة بإجراء البحث على مجموعة من المرضى يتراوح عددهم بين المئات والآلاف.
رابعا- مرحلة ما بعد التسويق: والتي تتضمن المراقبة الآمنة المتسمرة للدواء بعد ترخيص تداوله.
وينص القانون على تمتع المبحوثين بعدد من الحقوق، من أبرزها:
- الحق في الانسحاب من البحث الطبي في أي وقت ودون الالتزام بإبداء أي أسباب لذلك مع تبصيره بنتائج قراره طبياً (المادة 12)
- عدم الإفصاح عن هويته أو أي بيان من بياناته (المادة 12).
- الحصول على نسخة من الموافقة المستنيرة وهو التعبير المكتوب المبني على إرادة حرة وطواعية كاملة ويتضمن الموافقة الصريحة توقيعا وبصمة على المشاركة في التجربة بعد إعلامه وتبصيره بجميع جوانبها والأضرار والأخطار المحتملة (مادة 1 و12).
- حظر تحفيز المبحوثين في أي أبحاث طبية بمنحهم مكافآت أو مزايا نقدية أو عينية (المادة 14).
- عدم النشر أو الإعلان في الصحف ووسائل الإعلان عن أي معلومات أو تقارير تخص البحث الطبي إلا بعد الحصول على موافقة المبحوثين المشاركين (المادة 15).
ويحدد القانون في المادة الرابعة والعشرين مجموعة من الاشتراطات اللازمة للترخيص للجهات البحثية، منها: أن تكون الجهة مجهزة ومزودة بجميع الوسائل والأجهزة اللازمة لإجراء البحوث بكفاءة، والاستعداد للتعامل مع حالات الطوارئ، والتعامل مع معمل تحاليل مرخص ومعتمد من وزارة الصحة، وتزويد الجهة بالأجهزة والوسائل اللازمة لحفظ وتخزين كل ما يتعلق بالتدخل الطبي وبحفظ البيانات والسجلات.
ويحظر القانون في المادة الثالثة والعشرين استخدام العينات البشرية دون الحصول مسبقاً على موافقة المبحوثين أو ممثليهم القانوني، وكذلك تخزين العينات بعد الانتهاء من البحث الطبي واستخدامها في بحوث مستقبلية دون الحصول على موافقة المبحوثين، والاتجار بأي صورة كانت بأي عينات بشرية يتم الحصول عليها بغرض استخدامها في البحوث الطبية.
ويتضمن القانون في فصله الثاني عشر مجموعة من العقوبات؛ منها معاقبة كل من يُجري بحثاً طبياً إكلينيكياً دون الحصول على موافقة المبحوث والجهات المختصة بالحبس، وبالسجن المشدد إذا تسبب البحث في إحداث عاهة مستديمة، وبالسجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات إذا تسبَّب البحث في وفاة المبحوث (المادة 26).
كما يعاقب كل من أجرى بحثاً طبياً دون توافر أي شرط من اشتراطات الجهة المختصة بالغرامة التي لا تقل عن 100 ألف جنيه (المادة 29)، ويعاقب كل من ساهم بأي صورة كانت في خروج عينات بشرية تستخدم في الأبحاث دون الحصول مسبقاً على الموافقات اللازمة بالحبس وبغرامة لا تقل من 500 ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين (المادة 30).
ومن المقرر أن يصدر رئيس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون خلال ثلاثة أشهر من إصداره، أي قبل 23 مارس المقبل.
وستكون اللائحة التنفيذية على قدر عال من الأهمية، لأن القانون يحيل إليها نخبة من الأوضاع التنظيمية مثل التفاصيل والإجراءات التي تكفل مباشرة اختصاصات المجلس الأعلى لمراجعة الأخلاقيات، واللجان المؤسسية للمراجعة، وهيئة الدواء المصرية، وكيفية استخدام مستحضر الغُفل أو العقار الوهمي (البلاسيبو)، والتعامل التفصيلي والتحريري مع حقوق المبحوثين.
وحتى ذلك الحين فالقانون يجب تفعيله على ضوء نصوصه والمدونات السابقة طالما لم تنسخ أحكامها.