«الدستورية» تؤيد نصوص 4 مواد بقوانين «المحاماة» و «العمل» و«العاملين المدنيين» و«الإجراءات الجنائية»

السبت 3 نوفمبر 2018

 

 

أصدرت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار الدكتور حنفي علي جبالي، السبت، 4 أحكام جديدة أيدت بموجبها نصوص 4 مواد بقوانين «المحاماة» و «العمل» و«العاملين المدنيين» و«الإجراءات الجنائية».

ففي الحكم الأول قضت المحكمة برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983، والتي تنص على أن « للمحامى المقيد بجدول محاكم الاستئناف حق الحضور والمرافعة أمام جميع محاكم الاستئناف ومحاكم القضاء الإدارى، ولا يجوز قبول صحف الدعاوى أمام هذه المحاكم وما يعادلها إلا إذا كان موقعًا عليها منه، وإلا حكم ببطلان الصحيفة ».

وأسست المحكمة حكمها على أن ما تضمنته هذه المادة يقع فى نطاق السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، بما لا ينال من أصلها أو يقيد محتواها. ذلك أنه يتوخى أن تتوافر للخصومة القضائية عناصر جديتها من خلال محامى يكون مهيأً لإعداد صحيفتها، ولذلك رتب المشرع جزاء البطلان بالنسبة للصحيفة التى لا يوقعها محامى مقبول أمام محكمة الاستئناف، وهو ما لا يتضمن مصادرة لحق الدفاع أو تقييد لحق التقاضى، ولا مخالفة فيه لنصى المادتين (97، 98) من الدستور .

وفي الحكم الثاني قضت المحكمة برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نصي المادتين (47 ، 48) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 المعدل بالقانون رقم 180 لسنة 2008، واللتان تتعلقان بالإجازة السنوية للعامل"، وإقرار بدل رصيد الإجازات.

وأقامت المحكمة حكمها على سند من أن الدستور الحالى قد كفل فى المادتين (12، 13) منه حق العمل والحفاظ على حقوق العمال، ومن ثم فلا يجوز للدولة أن تعطل جوهرها، ولا أن تتخذ من حمايتها للعامل موطئًا لإهدار حقوق يملكها، وعلى الأخص تلك التى تتصل بالأوضاع التى ينبغى أن يُمارس العمل فيها، ويندرج تحتها الحق فى الإجازة السنوية التى لا يجوز لجهة العمل أن تحجبها عن عامل يستحقها، وإلا كان ذلك منها عدوانًا على صحته البدنية والنفسية، وإخلالاً بأحد التزاماتها الجوهرية التى لا يجوز للعامل بدوره أن يتسامح فيها، ونكولاً عن الحدود المنطقية التى ينبغى وفقًا للدستور أن تكون إطارًا لحق العمل.

وأضافت المحكمة أن الدستورأكد فى المادتين (27، 28) منه أهمية الاستثمار وتشجيعه، وتوفير المناخ الجاذب له، وجعل ذلك التزامًا دستوريًّا على الدولة، وهدفًا للنظام الاقتصادى تسعى إلى تحقيقه من خلال خطة التنمية التى تضعها تنفيذًا له، كما اعتبر الحفاظ على حقوق العاملين أحد أهداف هذا النظام، وعنصرًا جوهريًّا فى تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة فى علاقة العمل، وقيدًا على كل تشريع يتم إقراره، ويتناول بالتنظيم أيًّا من تلك الحقوق، وفى هذا الإطار ضمَّن الدستور نص المادة (92) منه قيدًا عامًا على سلطة المشرع التقديرية فى مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات بألا يترتب على ذلك تقييد ممارستها بما يمس أصلها وجوهرها، وإلا وقع فى حومة مخالفة الدستور.

وانتهت المحكمة إلى أن الحفاظ على حقوق العمال، ومنها الحق في مقابل رصيد إجازاته الذى قرره النص المطعون فيه، من شأنه تحقيق التوازن فى علاقة العمل، ويؤدى إلى استقرارها، وهو أحد الدعائم الأساسية فى دفع عجلة الإنتاج فى المشروعات المختلفة، وتشجيع الاستثمار فيها، وتحفيز القطاع الخاص لأداء دوره فى خدمة الاقتصاد الوطنى والمجتمعى، ومن ثم لا يتضمن النص المطعون فيه مخالفة لنصوص المواد (13، 27، 28، 33، 36) من الدستور.

وقضت المحكمة في الحكم الثالث برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص المادة (58) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما أغفله من تنظيم الحق فى الاحتفاظ بترتيب الأقدمية والحق في الترقية المطلقة أو بالرسوب الوظيفى للعامل الذى يشغل وظيفة تكراريه ومرخص له بإعارة للعمل فى وظيفة تتطابق طبيعتها مع طبيعة أعمال وظيفته بالداخل وتجاوزت مدة إعارته أربع سنوات".

وأقامت المحكمة حكمها على سند من أن المشرع قد راعى فى تحديده للقواعد الحاكمة للإعارة والحقوق الناشئة عنها والالتزامات والواجبات المترتبة عليها، تحقيق التوازن بين حق الموظف فى الإعارة، الذى قرره له القانون، واعتبارات المصلحة العامة، بحسبان الوظائف العامة طبقًا لنص المادة (14) من الدستور تكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، لذلك احتفظ المشرع للموظف المعار بكافة حقوقه فى الترقية والأقدمية فى حالة الإعارة للمدة التى قدر أنها لا تخل بمتطلبات الوظيفة العامة واستمرار أدائها لدورها الدستورى فى رعاية مصالح الشعب، والتى حـددها بسنوات أربع.

واستطردت المحكمة: « فإذا استطالت مدة الإعارة متجاوزة هذا الحد باختيار الموظف المعار، فإن التنظيم الذى قرره المشرع لحق الموظف المعار لمدة تزيد على أربع سنوات فى الترقية وتحديد أقدميته عند عودته من الإعارة، محافظًا على ذلك الحق، ومراعيًا مقتضيات المصلحة العامة، وحاجة الجهة المعيرة لشغل الوظائف تمكينًا للقائمين عليها من القيام بأداء واجباتهم فى خدمة الشعب، يكون كافلاً تحقيق التوازن الذى أوجبته المادة (27) من الدستور، دون مناقضة للحـق فى الوظيفة العامة الذى كفله الدستور بالمادة (14) منه»

وتابعت المحكمة: «كما لا ينال من كرامة الموظف المعار على أي وجه من الوجوه، ولا يمثل مساسًا بحق الملكية الذى حرص الدستور على كفالته بالمادتين (33، 35)، ولا يعد خروجًا على مبدأ سيادة القانون الذى اعتبره الدستور فى المادة (94) منه أساسًا للحكم فى الدولة، ولا يتضمن كذلك انتقاصًا من عناصر أو محتوى أى من الحقوق المتقدمة على نحو ينال من جوهرها وأصلها، وهو ما حظره الدستور بنص المادة (92) منه.

وفي الحكم الرابع قضت المحكمة برفض الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص الفقرة الثانية من المـــــادة (395) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تنص على أن: "فإذا تخلف المحكوم عليه فى غيبته عن حضور الجلسة المحددة لإعادة نظر دعواه، اعتبر الحكم ضده قائمًا، فإذا حضر مرة أخرى قبل سقوط العقوبة بمضى المدة تأمر النيابة بالقبض عليه ويحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى، ويُعرض محبوسًا بهذه الجلسة، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًا حتى الانتهاء من نظر الدعوى".

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن سقوط الحكم الغيابى الصادر من محكمة الجنايات مشروطًا بحضور المحكوم عليه فى غيبته أمـام المحكمة لإعادة نظر الدعوى، فإذا أعلن بالجلسة ولم يحضرها، فإن ما قرره النص المحال من اعتبار الحكم الغيابى الصادر فى الدعوى قائمًا، لا يسقط، يكون موافقًا لاعتبارات العدالة التى حرص الدستور على صونها، واعتبرها بمقتضى نص المادة (4) منه أساسًا لبناء المجتمع، وصون وحدته الوطنية، وغير مناقض لحق التقاضى الذى كفله الدستور فى المادة (97) منه.

واستبعدت المحكمة من فرضية أن ذلك النص يمس استقلال القضاة والسلطة القضائية، الذى أكد عليه الدستور فى المادتين (184، 186) منه، مؤكدة أن الدعوى لا تدخل فى هذه الحالة إلى حوزة محكمة الموضوع دخولاً مطابقًا للأوضاع القانونية، ويمتنع عليها - من ثم - أن تجيل بصرها فى موضوعها، أو أن تقضى فيه بثمة قضاء، ولا يكون لها بعد أن اتصلت بالدعوى اتصالاً منقوصًا، إلا أن تقرر فيها أمرا مقضيًا، قوامه اعتبار الحكم الغيابى قائمًا، وإلا انحل قضاؤها بغير ما تقدم، مساسًا بحكم قطعى زالت ولايتها عن نظر الدعوى التى صدر فيها، ومن ثم يضحى احتجاج حكم الإحالة على النص المحال بقالة العدوان على استقلال القضاء، والتدخل فى شئون العدالة بتقييد حرية القاضى فى تكوين عقيدته القضائية، منبئًا عن تفسير معيب، واستخلاص غير سديد، لمؤدى النص المحال، أورثه النعى على النص المذكور نعيًا لا سند له، بما يوجب لما تقدم جميعه الحكم برفضه.