حيثيات «عودة الملتحين» ترسي مبدأ قضائياً يوازن بين حقوق وزارة الداخلية والضباط

الثلاثاء 3 يوليو 2018

 

 أرست المحكمة الإدارية العليا، في حيثيات حكمها بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي بعزل ضابط ملتحي عن الخدمة، والاكتفاء بالخصم من راتبه 15 يوماً، مبدأ قضائياً جديداً يضع لوزارة الداخلية حلولاً أخرى تسهل من مسألة تعاملها مع أزمة الضباط الملتحين، بالموازنة بين حق الوزارة في تطبيق القانون والتعليمات الانضباطية، وحق الضابط المعزول في الاستمرار في عمله.

وقالت المحكمة إن قانون هيئة الشرطة أنشأ نظاماً منفرداً لإحالة ضباط الشرطة إلى الاحتياط، فأجاز لوزير الداخلية أن يحيل الضباط- غير المعينين في وظائفهم بقرار جمهوري- إلى الاحتياط لمدة لا تزيد على السنتين، بناء على طلبهم أو طلب أجهزة الوزارة لأسباب صحية تقرها الهيئة الطبية المختصة، أو إذا ثبت ضرورة وأسباب جدية تتعلق بالصالح العام لهيئة الشرطة أو للبلاد عموماً.

ومايزت المحكمة في حيثيات حكمها بين نظام التأديب الذي اتبعته وزارة الداخلية في تلك الأزمة، ونظام الإحالة إلى الاحتياط الذي يعد نظاماً مختلفاً ومستقلاً تماماً في طبيعته القانونية وأهدافه وإجراءاته عن نظام تأديب ضباط الشرطة، وأقرت بموجب هذه المقارنة أولوية اتباع نظام الإحالة للاحتياط في الحالات التي تتعلق جدياً بالصالح العام، والتي تدخل في زمرتها وقائع الاختلاف المستمر للمسلك الانضباطي للضابط في المجمل عن الأعراف والتعليمات الشرطية، خاصة مع صعوبة معالجة هذه الوقائع بنظام التأديب لأن احتمالات العود فيها أقرب إلى درئها.

وأوضحت أنه كان يستوجب على وزارة الداخلية إحالة الضابط الصادر لصالحه الحكم إلى نظام الاحتياط فإن عاد هو والتزم بتعليمات حلق اللحية؛ أعادته الوزارة للخدمة الفعلية، أما لو أستمر على موقفه حتى انتهاء مدة الإحالة للاحتياط فتحيله إلى المعاش.

وفي هذا السياق شددت المحكمة على أن لجوء وزارة الداخلية إلى وسيلة التأديب في مسائل هي في الأصل خاضعة لسلطتها التقديرية في الإحالة إلى الاحتياط يعد نوعاً من الانحراف الممنهج في استعمال الإجراء القانوني الذي أوجب المشرع اتباعه- فضلاً عن إبراز الواقع العملي لعدم جدوى التأديب في معالجة بعضها- مؤكدة أن لجوءها لاتخاذ الإجراءات التأديبية تجاه الضباط في المسائل ذات الأسباب الجدية المتعلقة بالصالح العام تعد وسيلة قانونية غير مباشرة لإهدار حقوقهم، باعتبار أن التأديب قد يصل بالوزارة إلى إنهاء خدمتهم، في حين أن نظام الإحالة للاحتياط يعيدهم في نهاية المطاف إلى الخدمة العاملة مرة أخرى أو يحيلهم إلى المعاش بما يصاحب ذلك من حقوق أدبية ومالية وصحية واجتماعية لا يحصل عليها الضابط المعزول.

وفي النهاية أكدت المحكمة أن الإجراءات التأديبية لن تجدي في تغيير معتقدات الضابط الطاعن ببعض الفتاوى العقائدية في إعفاء اللحية، مرجحة أن يكون قرار مجلس التأديب بعزله من وظيفته قد تأثر بشكل غير مباشر بنوع من الإرهاصات السياسية في مسلك هذا الضابط نظراً لما تعرضت له البلاد جراء تلك السياسيات للكثير من التنظيمات السياسية والإرهابية المُقنَّعة، رغم خلو الأوراق من ارتكاب هذا الضابط أي فعل أو قول يثبت ذلك، وإلا كان الأجدى بوزارة الداخلية أن تكشف عنها.