أستاذ قانون جنائي يفند إيجابيات و تراجعات مشروع تعديلات" الإجراءات الجنائية"

الأربعاء 4 أبريل 2018

 

قال الدكتور سليمان عبد المنعم، أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية،  إن هناك علاقة لا يمكن تجاهلها بين فاعلية التشريعات الجنائية وبين جاهزية مرفق العدالة لتطبيقها على النحو الأمثل والمطلوب، مستطرداً أنه ليس معنى هذا بالضرورة أن يصبح تواضع إمكانات مرفق العدالة عائقاً أمام التحديث التشريعي أو مبرراً للعزوف عنه بقدر ما يعني أن المشرع التحديثي مدعوٌ لأن يأخذ في اعتباره خصوصية مرفق العدالة في مصر.

 

وأضاف عبد المنعم- أثناء عرضه لورقة بحثية بعنوان " العدالة الجنائية بين متطلبات إصلاح مرفق العدالة وأولويات التحديث التشريعي" بمؤتمر وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية عن العدالة الجنائية وتحديات إصلاحها الراهنة - إن التعديلات الأخيرة على قانون الإجراءات الجنائية المطروحة للمناقشة باللجنة التشريعية لمجلس النواب حالياً طالت 286 مادة في قانون الإجراءات الجنائية الحالي الذي يضم 560 مادة، بما يعني أن نسبة التعديلات  تجاوزت 50% من مواد القانون الحالي، إلا أنها رغم ذلك لم تمس روح القانون ولم تغيّر من فلسفته، ولم تعالج إشكالياته الحقيقية التي كشف عنها واقع التطبيق القضائي منذ تاريخ صدوره في 1950. 

وتابع عبد المنعم: "كان رأيي دائماً أنه إذا لم نكن مستعدين لقانون جديد يلبي التطلعات ويعكس روحاً تقدمية جديدة فالأفضل هو الاكتفاء بأقل قدر ضروري من التعديلات انتظاراً لفرصةٍ مواتيةٍ  أخرى يتوافر فيها مناخ التطوير الشامل والعميق بما ينتج تنظيماً قانونياً خلاقاً لإشكالية الأمن والحرية، وبما يليق بدولة التراث القانوني الأقدم والأعمق في منطقتها وقارتها."

وأكد عبد المنعم أنه بالطبع هناك إيجابيات وسلبيات في التعديلات التشريعية المطروحة، مع ملاحظة أن السلبيات لا تكون بالإضافة فقط ولكن بالترك أيضاً بمعنى أن الإصلاحات المسكوت عنها تُعد من قبيل السلبيات.

فعلى صعيد إيجابيات المشروع، قال عبد المنعم إنه رغم ما سبق وذكره عن أن هذه التعديلات لم تمس روح وجوهر القانون، إلا أنه لا يمكن تحت أي وضع إنكار أنها جمّلت من شكله، مؤكدا أن مشروع التعديلات تضمن أكثر من إيجابية يأتي في أولها  ما تبنته من تبسيط لبعض الإجراءات ومن بينها إلغاء الأحكام الخاصة بالمعرضة في الأحكام الغيابية، بالإضافة إلى تبنيه لفكرة التقاضي الالكتروني والتي من المأمول أن يصب تطويرها وفقاً لتلك التعديلات إلى إجراء المحاكمات عن بعد.

وذكر عبد المنعم أيضاً أنه من بين إيجابيات تلك التعديلات أيضاً ما أقرته بشأن حماية الشهود، قائلاً:" لطالما طالبنا بسن التشريعات التي تحمي الشهود"، إلا أنه لم يخف تعجبه من غياب النص في التعديلات على حماية الخبراء.

ومن بين إيجابيات المشروع أيضاً-وفقاً لسليمان- إجازة الطعن بالاستئناف على أحكام محاكم الجنايات، معتبرا أياها تضيف ضمانة جديدة لمتهمين الجنايات، لافتاً إلى أنه وفقاً للتنظيم القانوني الساري يتمتع متهمي الجنح بضمانات أكبر فيما يتعلق بدرجات التقاضي تفوق ضمانات المتهم في الجنايات.

 

 وأضاف عبد المنعم، أن التعديلات أيضاً عززت إلى حد كبير من كفالة حق الدفاع، موضحاً أنه لأول مرة في التشريعات المصرية يتم النص على حق المتهم في الصمت  وحرمة الحياة الخاصة وتفتيش المساكن الخاصة إلا بإذن قضائي، إضافة إلى وضع التعديلات لتنظيم قانوني محدد لمسألة المنع من السفر التي كانت متناثرة الاختصاص إلى حد كبير في ظل التشريع الحالي.

 

أما التراجعات أو السلبيات التي يعاني منها مشروع التعديلات، فأوجزها عبد المنعم في ٣ نقاط أساسية، جاء في مقدمتها نص التعديلات على تقييد حق المتهم في سماع الشهود، معتبرًا إياها تقدماً بالرجوع إلى الوراء -على حد وصفه- فمسألة سماع الشهود وفقا لتلك التعديلات أصبحت متروكة لتقدير المحكمة، وأرى أنها بذلك تمثل إخلال بحق الدفاع، لافتاً إلى أنه بموحب تلك الأحكام أصبح جائزا للمحكمة ألا تستدعي الشاهد ويكفيها تلاوة شهادته وفي ذلك أيضا إخلال بمبدأ المواجهة، وأتمنى أن يعاد النظر فعلياً في تلك النقطة.

كما انتقد عبد المنعم ما تضمنه المشروع من تنظيم لمسألة حظر تصرف المتهم في أمواله وإدراتها، مؤكداً أنه يأتي على مبدأ قرينة البراءة ومبدأ احترام الملكية الخاصة، ويمثل موضوع مُربك لابد وأن يكون تنظيمه متضمناً كافة الضمانات.

كما اعتبر عبد المنعم أن تجاهل مشروع التعديلات للنص على التعويض الأدبي عن الحبس الاحتياطي، والاكتفاء بالنص على التعويض المادي فقط إحدى تراجعات التعديلات، مؤكداً على أن النص الحالي يلزم النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطياً، وكذلك كل أمر

صادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة الحكومة، ويكون النشر في الحالتين بناءً على طلب النيابة العامة أو المتهم أو أحد ورثته وبموافقة النيابة العامة في حالة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، كما يلزم  الدولة بالعمل على كفالة الحق في مبدأ التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي في الحالتين المشار إليهما في الفقرة السابقة وفقاً للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قانون خاص."، منتقداً أيضا فكرة توقيع الحبس الاحتياطي على المتهمين في القضايا التي لا تتجاوز مدة العقوبة فيها سنة واحدة. 

وفي الأخير شدد عبد المنعم على أن تحديث النصوص القانونية لا يُغني عن إصلاح مرفق العدالة، لافتاً إلى أن النصوص والتعديلات الجديدة برغم أهميتها والحاجة إليها ستبقى متواضعة الآثار والنتائج ما لم تقترن بحركة إصلاح واقعي على الأرض تشمل كل عناصر ومقوّمات مرفق العدالة نفسه،  بما يكفل تحقيق "العدالة الناجزة" بوصفها غاية أي تشريع جنائي إجرائي.