الحق الدستوري في الوصول إلى المعلومات - هل هو حق معلق النفاذ إليه على إصدار تشريع ينظمه؟

أحمد حسام

الخميس 30 نوفمبر 2017

ظهر لأول مرة نص في الدستور المصري يقرر صراحة حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات، وتداولها، مع إصدار دستور 2012 (١) بالمادة (47) منه، الذي لم يكتب له الاستمرار طويلًا، وتم تعديله، وصدر الدستور المُعدل عام 2014،(٢) وأتى بنص مشابه أيضًا، يتيح فيه هذا الحق-المادة (68) -الذي جعل من المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملكية لعموم الشعب، وألزم الدولة بالإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، وتوفيرها، وإتاحتها بشفافية، باعتبار أن ذلك حق لكل المواطنين.

وقد فوض الدستور، المشرع بإصدار قانون يبين فيه ضوابط الحصول على /وإتاحة /وسرية المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، ووضع قواعد لإيداعها وحفظها، والتظلم من رفض الحصول عليها، وإنزال عقوبة على حجب المعلومات، أو تعمد إعطاء معلومات مغلوطة.

وإذ لم يصدر هذا القانون بعد، بالرغم من اقتراب مرور أربع سنوات على التعديل الدستوري الأخير،  يثور تساؤل حول مدى إمكانية نفاذ الموطنين إلى الحق في الوصول إلى المعلومات في ظل غياب قانون ينظم بعض جوانبه الأساسية اكتفاءً بالنص الدستوري فقط.

وهذا السؤال نحاول البحث عن إجابة له من خلال عرض ثلاثة تطبيقات قضائية حديثة لأحكام صدرت من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بمناسبة صدور هذا النص الدستوري، واستخدامه للوصول إلى ترضية قضائية مناسبة.

أولًا: حكم إلزام الدولة بإتاحة الجريدة الرسمية ونشرها إلكترونيًا (٣)

استخدمت محكمة القضاء الإداري النص الدستوري الجديد-لأول مرة-للحق في الوصول إلى المعلومات، في سياق حكمها الصادر بإلزام هيئة المطابع الأميرية، بإتاحة أعداد كافية من الجريدة الرسمية وملحقها “الوقائع المصرية” في أنحاء البلاد، وكذلك إتاحة الاطلاع على ما ينشر فيهما من تشريعات على الموقع الإلكتروني للهيئة مجانًا.

وكانت قد أقيمت هذه الدعوى-حسبما قال المدعيان-أولًا: لأن توزيع الجريدة الرسمية وملحقها الوقائع المصرية يقتصر على المشتركين فقط، وثانيًا: لأن الموقع الإلكتروني للهيئة ينشر فقط فهرس بأرقام وعناوين التشريعات والقرارات دون محتواها، بينما يقتصر الاطلاع على مضمونها لأصحاب الاشتراكات فقط والتي ترسل على البريد الإلكتروني للمشترك.

وقد اعتبر الحكم أن التشريعات التي تنشر في الجريدة الرسمية والوقائع المصرية، من الوثائق الرسمية للدولة، التي تعد ملكًا للشعب، وأن شرط العمل بالتشريعات يقابله شرط جوهري يتعلق بنشرها قبل العمل بها، وهو الأمر الذي يوجب إتاحة وسيلة النشر لجميع المخاطبين بالتشريعات، وعدم حجبها عنهم، وتيسير حصولهم أو الاطلاع عليها.

كما عقب الحكم على عدم إصدار قانون ينظم الأحكام الواردة بالنص الدستوري المقرر للحق في الوصول إلى المعلومات، بأن ذلك لا يتيح للهيئة فرض رسوم /أو مقابل مادي لمن يرغب في الاطلاع على ما ينشر في الجريدة الرسمية، وذكر أن "القوانين، واللوائح، والقرارات التي تعرضها الهيئة على موقعها الإلكتروني بمقابل لمن يدفع، هي من الوثائق الرسمية للدولة والتي تعد ملكًا للشعب، وينطبق عليها نص المادة (68) من الدستور، والتي تكفل إتاحة المعلومات والوثائق الرسمية للمواطنين".

ثانيًا: حكم إلزام الحكومة بالإفصاح عن التسويات التي تُجرى على عقود الدولة المتعلقة بالمال العام (٤)

جاء ذلك في سياق دعوى قضائية تطالب بإلزام مجلس الوزراء بتنظيم حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات والبيانات المُتعلقة بالتسويات (٥) التي تجريها الدولة مع المستثمرين في منازعات الخصخصة، وعقود الدولة المتعلقة بالمال العام، بما يُحقق الإفصاح عن هذه التسويات، وتداولها على النحو الذي يحقق المعرفة بالمعايير، والأسباب، والأسس التي تتم عليها كل تسوية على حدة.

وقد ذهبت المحكمة في أسباب حكمها إلى إن صفة ومصلحة المدعين في إقامة مثل هذه الدعوى، تتوافر لتعلقها بحقهم في الوصول إلى المعلومات والبيانات المتعلقة بتسوية المنازعات التي تنشأ عن العقود المبرمة بين المستثمرين والجهات التابعة للدولة، والتي ترد على العقارات المملوكة للدولة، وتؤثر في النهاية على حقوق ومقدرات المصريين جميعًا، ومن ثم يكون المدعون أصحاب صفة ومصلحة في إقامتهم لدعواهم الماثلة.

 واتفق كل من تقرير هيئة مفوضي الدولة، والحكم، في مسألة تطبيق النص الدستوري الذي قرر الحق في الوصول إلى المعلومات دون انتظار إصدار قانون ينظمه، فذكر التقرير أن "الدستور المصري قد كفل حق كل مواطن في الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات بشفافية، وفوض المشرع في وضع القواعد التي تنظم كيفية الحصول عليها، أو سريتها، وإذ لم يصدر قانون بعد ينظم هذا الحق، فإن القواعد العامة تطبق في هذا الشأن لحين صدور تشريع ينظمه، وبالتالي فإنه يحق لكل مواطن الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات، بشرط ألا تتعلق تلك المعلومات بالحياة الخاصة للأفراد، أو بحقوقهم الخاصة، وألا تمس الأمن القومي"، وقال الحكم بأنه "يتعين على الدولة-إلى حين صدور القانون الذي ينظم ضوابط الحصول على المعلومات-أن تصدر قرارًا ينظم حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات، والبيانات المتعلقة بالتسويات التي تُجرى على المال العام".

وقد قضت المحكمة بإلزام الحكومة بالإفصاح عن تلك التسويات، مستندة فقط، إلى نص المادة (68) من دستور 2014 التي قررت الحق في الوصول إلى المعلومات.

ثالثًا: حكم بطلان قرار حظر النشر في قضية تزوير الانتخابات الرئاسية (٦)

وقد أشارت المحكمة في بداية أسباب هذا الحكم إلى صفة ومصلحة المدعي في إقامة مثل هذه القضية، بوصفه له مصلحة في معرفة حقيقة ما أُثير عن تزوير انتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت عام 2012، وبوصفه مواطنًا تثبت له مصلحة في عدم حجب المعلومات الصحيحة عنه، ومنع وسائل الإعلام من النشر يحرمه من حقه في الحصول على المعلومات الدقيقة.

وقد تتدرج الحكم بعد ذلك في إيضاح العديد من العناصر التي تتشابك مع الحق في الوصول إلى المعلومات، وقام بإيضاح مفاهيم، ومسائل تشريعية بالغة الأهمية، نجملها فيما يلي:

قام المحكمة بداية بتفسير مفهوم "الدولة" الوارد في النص الدستوري المقرر للحق في الوصول إلى المعلومات، والذي ألقى على عاتقها-الدولة-الإلزام بالإتاحة، باعتبارها تشمل سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية على حد سواء، وقررت أن الأصل في أعمال الدولة العلانية والسرية استثناء، لأن المبدأ العام الحاكم في أعمال هذه السلطات هو خضوعها للعلانية، وأن الاستثناء إخضاع بعضها للسرية، وأوضحت ذلك بقولها إن: "الدستور لم يقصر مبدأ إتاحة المعلومات على السلطة التنفيذية، فهو مبدأ عام تخضع له كل سلطات الدولة، وجعل الدستور العلانية هي الأصل في أعمال السلطتين التشريعية والقضائية من أجل إشراك المواطنين أصحاب السيادة في الشأن العام".

الخلاصة وبعد أن استعرضنا التطبيقات القضائية السابقة، نستخلص أن نفاذ المواطنين إلى الحق في الوصول إلى المعلومات، في ظل النص الدستوري الجديد لن يكون معلقًا على إصدار قانون ينظم بعض جوانب هذا الحق، وهو ما يفتح الباب لسؤال أوسع نطاقًا حول إمكانية تطبيق نفس المنهج المتبع في أحكام القضاء الإداري سالفة الذكر على عدد من الحقوق الدستورية الأخرى التي لا زالت تنتظر نصًا قانونيًا لتفعيلها يبدو أنه لن يظهر للعلن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

١- نشر في الجريدة الرسمية بالعدد (51) مكرر (ب) بتاريخ 25/12/2012.

٢- نشر في الجريدة الرسمية بالعدد (3) مكرر (أ) بتاريخ 18/1/2014.

٣- حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 63089 لسنة 66 قضائية، بجلسة 24/6/2014.

 ٤- حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 59439 لسنة 67 قضائية، بجلسة 17/11/2015.

٥- وفقًا لتعديلات المجلس الأعلى للقوات المسلحة على قانون الاستثمار التي أجازت التصالح في الجرائم المتعلقة بالمال العام، وإجراء تسويات في المخالفات التي شابت عقود الدولة، حيث نصت المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام قانون ضمانات وحوافز الاستثمار الصادر بالقانون رقم (8) لسنة 1997، على إضافة مادة جديدة برقم (66مكررًا)، قررت الآتي: "يصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا بتشكيل لجنة لتسوية المنازعات التي تنشأ عن العقود المبرمة بين المستثمرين والجهات التابعة للدولة، تكون مهمتها بحث ما يثار بشأنها من منازعات بين أطرافها تتعلق بالعقود المشار إليها، وذلك من أجل تسويتها على نحو يضمن الحفاظ على المال العام، ويحقق التوازن العقدي. وفي حالة وصول اللجنة مع الأطراف إلى تسوية ودية نهائية، تكون تلك التسوية واجبة النفاذ وملزمة بعد اعتمادها من مجلس الوزراء".

 ٦- حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 2402 لسنة 69 قضائية، بجلسة 19/1/2016، أقيمت هذه الدعوى لإلغاء قرار النائب العام الصادر بتاريخ 14/10/2014 بحظر إذاعة أو نشر أخبار عن التحقيق الذي يجرى في شأن وقائع تزوير انتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت في عام 2012.