التحرش الجنسى يعري سوءات القانون
كان الاهتمام الإعلامي والسياسي بظاهرة التحرش والعنف الجنسي في مصر في السنوات الزخيرة كاشفًا لجوانب من التناقض والارتباك في الخطابات الثقافية والسياسية المهيمنة. إلا أن جانبًا آخر من الغموض والارتباك لا يقل خطورة رفع عنه الغطاء تحت وطأة هذا الاهتمام وهو الجانب المتعلق بالتعامل القانوني مع هذه الظاهرة وتحديدًا في شفه الخاص بالتجريم. فبينما كشف هذا الاهتمام عن تحولات حثيثة في وجهات نظر قطاعات مختلفة من الفاعلين السياسيين الرسميين وغيرهم ظل البناء القانوني يلهث خلف هذه التحولات بخطوة أو خطوتين ويعتمد على تعريفات ورؤى للظاهرة مستعارة من النصف الأول للقرن الماضي وتقصر عن مواكبة تحولات هذه الجريمة وكذلك تحولات أشكال مقاومتها المجتمعية. تعرف مبادرة خريطة التحرش فعل التحرش الجنسى بأنه "أي صيغة من الكلمات غيرمرغوب بها و/أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد". و قد يشمل فعل التحرش النظر المتفحص، التعبيرات الوجهية النداءات ، التعليقات و الملاحقة و التتبع و الدعوة لممارسة الجنس و ارسال صور جنسية للضحية و التحرش عبر الانترنت و اللمس و التعرى من ضمن أفعال عدة قد تعتبر تحرش. في المقابل كان القانون المصرى إلى وقت قريب يتعامل فقط مع مظاهر معينة من التحرش الجنسى تحت مسميات مختلفة فمادة 278 من قانون العقوبات كان يتم استخدامها لمواجهة أفعال التحرش بالاضافة الى مواد أخرى مثل مادة (269 مكرراً) والتي تنص على أنه: يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر كل من وُجد في طريق عام أو مكان مطروق يحرض المارة على الفسق بإشارات أو أقوال. فإذا عاد الجاني إلى ارتكاب هذه الجريمة خلال سنة من تاريخ الحكم عليه نهائياً في الجريمة الأولى تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ثلاثة آلاف جنيه، ويستتبع الحكم بالإدانة وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة. و هناك ايضا المادة التى تتعلق بخدش حياء انثى. و تنص المادة (306 مكررًا "أ") كذلك على أنه: يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألفي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض لشخص بالقول أو بالفعل أو بالإشارة على وجه يخدش حياءه في طريق عام أو مكان مطروق. ويسري حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش الحياء قد وقع عن طريق التليفون أو أي وسيلة من وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية. فإذا عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة من نفس نوع الجريمة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين خلال سنة من تاريخ الحكم عليه نهائياً في الجريمة الأولى، فتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه. لكن فى عام 2014 ، وتحت وطأة ضغط من طيف واسع من الأصوات الرسمية وغير الرسمية، صدر القانون رقم 50 لسنة 2014 بتاريخ 5-6-2014 المتعلق بالتحرش الجنسى و الذى "يستبدل بنص المادة 306 مكررا (أ) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 النص الآتي: المادة 306 مكرراً (أ): يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه. وفي حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى. يُضاف إلى قانون العقوبات المشار إليه مادة جديدة برقم 306 مكرراً (ب) نصها الآتي: يُعد تحرشا جنسيا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرراً (أ) من هذا القانون بقصد حصول اكذلك نص التعديل في مادته الثانية على أن:لجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. فإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة التي لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.” ونلاحظ هنا ان القانون أعتبر ان الركن المعنوى هو الحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية و قام بتشديد العقوبة فى حالة وجود سلطة للجانى على المجنى عليه مثل حالة " مدرس، مدير فى العمل"، كما تعامل مع التحرش الجماعى بتشديد العقوبة ايضا و جاء ذلك القانون عقب أحداث التحرش و العنف الجنسى التى شهدها ميدان التحرير ما بين عام 2012 الى عام 2014. و الحقيقة فإن رغم تلك التعديلات القانونية الا ان هناك العديد من الاشكاليات التى تتعلق بتطبيق القانون فى ارض الواقع. فمن ناحية يجب التوسع فى انشاء دوريات شرطية تجوب الأحياء و المياديين للتؤكد من تنفيذ القانون و لتقديم العون فى حالة رغبة الضحية فى تقديم بلاغ ضد المتحرش. و هو الأمر الذى قد يكون صعب حدوثه عمليا. من ناحية أخرى فالقانون مازال لا يستطيع التعامل مع بعض أنماط التحرش مثل التحرش الالكترونى على وسائل التواصل الاجتماعى و هو الأمر الذى يقف القانون امامه عاجزا. و ان كان القانون مازال بحاجة الى المزيد من التطور حتى يستطيع مواجهة التحديات الجديدة التى تظهر فى الواقع، الا ان ذلك التعديل ربما يكون البداية فى محاولة القضاء على ظاهرة التحرش.