معيار التجهيزات المعقولة في ضوء الحماية الدستورية لأصحاب الإعاقة

المستشار د. محمد عبدالفتاح عبدالبر

الثلاثاء 20 فبراير 2024

* الكاتب: المستشار د. محمد عبدالفتاح عبدالبر - وكيل مجلس الدولة وعضو هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا ندبا

** تنشر "منشورات قانونية" هذه الورقة بإذن خاص من الكاتب

تمهيد:

   اهتم المشرع الدستوري المصري في دستور 2014 القائم اهتماماً بالغاً بإضفاء حماية دستورية واسعة النطاق على ذوي الإعاقة، ولا غرو؛ فهؤلاء الأشخاص مواطنون مصريون كاملو المواطنة، لهم ما لغيرهم من أقرانهم من حقوق دستورية. صحيح أن الإعاقة تفرض على صاحبها صعوبات كثيرة وتثقل كاهله بأعباء جَمَّة، سواء على المستوى الشخصي (في حياته اليومية أو في معاملاته الاجتماعية) أو على المستوى العملي (الدراسي/ الوظيفي مثلاً)، إلا أن هذه الصعوبات أو تلك الأعباء لا يُفترض أن تقف حجر عثرة أمام مسير صاحب الإعاقة في الحياة، يستوي في ذلك أن تكون حالة الإعاقة ملازمة له منذ مولده أو أنها طرأت عليه في فترة لاحقة، وبغض النظر عما إذا كانت إعاقته كاملة أو جزئية. ففي نهاية الأمر لم تكن حالة الإعاقة خياراً شخصياً اختاره الشخص بمحض إرادته، وليس من العدالة في شيء أن يُضار أي شخص من وضع لم يختاره لنفسه.   

   وإذا كان ما تقدم وفي ضوئه، فإن لكل صاحب إعاقة حقاً دستورياً في ألا يتم التمييز ضده بسبب هذه الإعاقة. إلا أن الفكر الدستوري أصاب تطوراً أبعد من مجرد الكَفّ عن التمييز السلبي ضد صاحب الإعاقة، بمنح الأخير الحق في أن تتم مُعاملته بما يُعينه على تجاوز ما تفرضه عليه إعاقته من صعوبات، وذلك بتهيئة الظروف المحيطة به وتوفير كافة الوسائل اللازمة لكي يمارس حياته بشكل أقرب ما يكون إلى المعتاد، فيما يُعرف بالتجهيزات (أو التيسيرات أو الترتيبات) المعقولة.

   وننوه في مستهل هذا البحث إلى أن هناك العديد من المجالات التي يمكن أن تلعب فيها التجهيزات المعقولة دوراً كبيراً في حياة صاحب الإعاقة؛ فكثير من الأنشطة قد تنفتح طريق المشاركة فيها أمام أصحاب الإعاقة إذا ما تم تهيئة مرافقها لاستيعابهم بها، إلا أنه - في تقديرنا - فإن أهم مجالين تبرز فيهما الحاجة لتوفير هذه التيسيرات أو التجهيزات هما المجال التعليمي والوظيفي؛ فالتعليم مُقدمة كل نجاح يمكن أن يصيبه الفرد داخل المجتمع، والعمل هو رسالة الإنسان في الحياة، وتمكين صاحب الإعاقة من أن يتلقى تعليماً جيداً وأن يحصل على فرصة عمل مناسبة ضمانتان جوهريتان لأن يكون عضواً فاعلاً في المجتمع، لا أن يكون عبئاً على نفسه أو عالة على مجتمعه.   

   غير أن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا التطور الذي يستهدف مساعدة صاحب الإعاقة بتحييد ما تفرضه عليه من معاناة؟ وهل تندرج هذه المساعدة – التي تستهدف إتاحة الفرص المتكافئة أمام أصحاب الإعاقة – ضمن جهود التمييز الإيجابي؟ وهل للإجابة على السؤال الأخير أهمية في ظل التنظيم الدستوري القائم لأحوال أصحاب الإعاقة؟

    نحاول الإجابة على التساؤلات آنفة البيان من خلال تناول موقف كل من المحكمة العُليا الأمريكية، والمحكمة الدستورية العليا في مصر، وأخيراً سنلقي الضوء على موقف الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من هذه المسألة.

    أولاً: المحكمة العُليا الامريكية ومعيار التجهيزات المعقولة

    طبقت المحكمة العُليا الأمريكية "معيار التجهيزات المعقولة" في قضية Southeastern Community College v. Davis, 442 U.S. 397 (1979). ودارت هذه القضية حول ما إذا كان أحد النصوص الواردة بقانون إعادة التأهيل الفيدرالي لعام 1973 the Rehabilitation Act of 1973 – الذي يحظر التمييز ضد أصحاب الإعاقة المؤهلين بالنسبة للبرامج الممولة فيدرالياً – يمنع الكليات المهنية المُتخصصة من فرض مؤهلات (شروط) بدنية للقبول ببرامج التدريب الإكلينيكية (السريرية) بها clinical training programs - أي ذات الصلة بحالات مرضية حقيقية.

    وقد عانت المطعون ضدها «ديفيس» في تلك القضية من إعاقة سمعية خطيرة، ومع ذلك كانت لديها الرغبة في أن تتلقى تدريباً بالكلية الطاعنة يؤهلها للعمل كممرضة مُسَجَّلَة([1]). وأثناء إجرائها المقابلات اللازمة للقبول ببرنامج التمريض بالكلية الطاعنة (كلية تابعة للولاية وتتلقى تمويلاً فيدرالياً)، بدا واضحاً أنها تعاني من صعوبة في فهم الأسئلة الموجهة إليها، وبسؤالها تبين أن لها تاريخاً من الصعوبات السمعية والاعتماد على وسيلة مساعدة على السمع. وبعرضها على إِخْصَائي سمعيات، أشار لحاجتها لوسيلة سمعية مُساعدة تعينها على تمييز الأصوات من حولها، إلا أنه أكَّد أنه حتى في وجود هذه الوسيلة، فإنها ستحتاج للاعتماد على مهارة قراءة الشفاة lipreading skills، حتى يكون هناك تواصل فعَّال بينها وبين المحيط الخارجي.

    بعد ذلك قامت الكلية باستشارة المدير التنفيذي لمجلس التمريض بنورث كارولينا، الذي أوصى بعدم قبول المُتقدمة ببرنامج التمريض، إذ رأى أن الإعاقة السمعية التي تعاني منها ستجعل من غير الآمن السماح لها بمُمارسة التمريض، وأيضاً سيكون من المستحيل عليها أن تشارك ببرنامج التدريب السريري المعتاد، وأن أي تعديلات يلزم إدخالها على البرنامج لتمكينها من المشاركة الآمنة فيه ستحول بينها وبين تحصيل فائدته.

    وفي نهاية الأمر تم رفض طلبها، الأمر الذي حدا بها إلى إقامة دعواها أمام محكمة أول درجة على أساس انتهاك هذا الرفض لقانون إعادة التأهيل، فضلاً عن حرمانها من حقها في الحماية المتساوية وأن تتم مُعاملتها على أساسٍ من الإجراءات القانونية السليمة (الواجبة).

    وقضت محكمة أول درجة لصالح الكلية، مؤكدةً على ما خلص إليه إِخْصَائي السمعيات من حاجة المطعون ضدها إلى قراءة لغة الشفاة، مُضيفة أنه في العديد من المواقف، مثلاً في وحدة الرعاية المركزة بغرفة العمليات أو في وحدة رعاية ما بعد الولادة، فإن كل الأطباء والممرضين يرتدون أقنعة جراحية تكون قراءة لغة الشفاة معها مستحيلة. وفي حالات أخرى، فإن الممرضة المسجلة سيكون مطلوباً منها فوراً اتباع تعليمات الطبيب فيما يتعلق بإمداده بالأدوات والعقاقير، وهي حالات لن يتمكن فيها الطبيب من جذب انتباه الممرضة إلا بوسائل صوتية، مما قد يتعرض معه المرضى للخطر. وانتهت المحكمة إلى أن المدعية لا ينطبق عليها وصف صاحب الإعاقة المؤهل في مفهوم نص قانون إعادة التأهيل، على أساس أن هذا الشخص هو فقط من يستطيع أن يؤدي على نحوٍ مُرضٍ بالرغم من الإعاقة متى أتيح له تدريباً ملائماً وتسهيلات مناسبة، وبالتالي فاستبعادها ليس تمييزياً في مفهوم القانون([2]). 

    وألغت محكمة الاستئناف حكم أول درجة، على أساس الخطأ في تفسير نص القانون. فعلى ضوء اللوائح الإدارية التي صدرت أثناء نظر الاستئناف، ذهبت المحكمة إلى أن نص القانون ألزم الكلية بإعادة النظر في طلب المُتقدمة للالتحاق ببرنامج التمريض بغير اعتبار لقدرتها السمعية، وأضافت أن محكمة أول درجة أخطأت بأخذها إعاقة المُتقدمة في الحسبان لدى تحديد ما إذا كانت مؤهلة للالتحاق ببرنامج التدريب، بدلاً من أن تقصر بحثها حول مؤهلاتها الأكاديمية والفنية.  وأخيراً استظهرت محكمة الاستئناف أن نص القانون أوجب على الكلية القيام بمسلك إيجابي affirmative conduct لتعديل برنامجها ليستوعب إعاقات المُتقدمين، حتى عندما تكون هذه التعديلات مُكَلِفَة([3]).

    وبدأ القاضي «باول» – الذي كتب رأي المحكمة الصادر بإجماع قضاتها – بتفسير نص القانون، رافضاً أي قراءة لعباراته تفرض على المؤسسات التعليمية غضّ الطرف عن إعاقات الأفراد، أو توجب إدخال تعديلات جوهرية على برامجها للسماح لذوي الإعاقة بالمشاركة بها، بل فسره على أنه يتطلب فحسب ألا يتم إقصاء صاحب الإعاقة المؤهل من المشاركة في برنامج ممول فيدرالياً فقط بسبب إعاقته، أي أن مجرد وجود إعاقة ليس أساساً جائزاً لافتراض عدم القدرة على أداء عمل بعينه.

    وأشار «باول» إلى أن محكمة الاستئناف ذهبت إلى أن فئة الأشخاص المؤهلين المحميين بنص القانون تشمل أولئك القادرين على الوفاء بشروط برنامج معين من كل الأوجه إلا في خصوص القيود التي تفرضها عليهم إعاقاتهم. وبأخذ هذا الكلام حرفياً، فإن هذه النتيجة ستمنع المؤسسة التعليمية من أن تأخذ في اعتبارها أي قيد ناجم عن الإعاقة، مهما كان مُعَطِّلاً لصاحبه، وفي هذا تنازل واضح عن اشتراط أية متطلبات بدنية مشروعة. وارتأى «باول» أن فهم محكمة أول درجة هو الأقرب للمعنى الصريح للغة التشريعية؛ فالشخص المؤهل هو الشخص القادر على الوفاء بكل شروط البرنامج رغم إعاقته.

    وأضاف «باول» أن اللوائح الإدارية التي صدرت لتفسير نص قانون إعادة التأهيل تؤكد، لا تناقض، هذه النتيجة. فوفقاً لهذه اللوائح وبالنسبة للخدمات التعليمية، فإن صاحب الإعاقة المؤهل هو الذي يستوفي كل المعايير الأكاديمية والفنية المطلوبة للقبول أو المشاركة بالبرنامج التعليمي. وأُشير بمُلاحظة تفسيرية إلى أن المعايير الفنية يُراد بها كل معايير القبول غير الأكاديمية الضرورية للمشاركة في البرنامج. ومُلاحظة إضافية أكَدت أن الشروط البدنية المشروعة legitimate physical qualifications يمكن أن تكون ضرورية للمشاركة ببرنامج معين.

    بالتالي فاشترط اللياقة البدنية لصاحب الإعاقة قد يكون شرطاً ضرورياً، والقول بغير ذلك معناه أن شخصاً كفيفاً يملك كل مقومات قيادة الحافلة، عدا حاسة البصر، يمكن أن يوصف بأنه مؤهل للقيام بمهمة القيادة، وهو ما لا يمكن أن تكون قد انصرفت إليه نية الكونجرس. ويُستفاد من ذلك أن المقصود بالشرط البدني الضروري ألا تكون إعاقة الشخص مانعة له من مُمارسة النشاط الذي يطلب المشاركة فيه تحديداً. وبالتالي فليس مطلوباً من صاحب الإعاقة أن يتمتع بلياقة بدنية كاملة، لأن ذلك يتنافى مع وجود الإعاقة، فقط يكفي أن يكون ما تبقى لديه من لياقة بدنية كافياً لمُمارسة النشاط أو الاشتراك بالبرنامج المطلوب.

    بعد ذلك انتقل «باول» للإجابة على السؤال عما إذا كانت الشروط البدنية التي تطلبتها الكلية من المطعون ضدها غير ضرورية للمشاركة ببرنامج التمريض.

    أوضح «باول» أنه ما من شك في أن القدرة على فهم الحديث دون الاعتماد على قراءة الشفاة ضرورية لسلامة المريض في الجانب العملي من برنامج التمريض. وهذه القدرة أيضاً لا غنى عنها لأي ممرضة مُسَجَّلة للقيام بالعديد من المهام الطبية المطلوبة منها.

    وأشار «باول» إلى ما ذكرته المطعون ضدها من أن نص قانون إعادة التأهيل، وفقاً لتفسيره الصحيح، يُلزِم الكلية بتبني عمل إيجابي([4]) يُغني عن الحاجة للتواصل الشفهي الفعّال. فمن ناحية أولى، تم اقتراح الإشراف الفردي على المطعون ضدها بواسطة أعضاء هيئة التدريس عندما تقوم بالعناية بالمرضى مُباشرة. علاوة على ذلك، يمكن إعفاء المطعون ضدها كلياً من بعض المُقررات الدراسية المطلوبة. وارتأت المطعون ضدها أنه ليس من الضروري أن تدربها الكلية على القيام بكل المهام التي يمكن للممرضة المُسَجَّلة أن تقوم بها، مادمت قادرة على القيام ببعضها بشكلٍ مُرضٍ، أو قادرة على شغل بعض المواقع التي يُتاح لممرضة مُسَجَّلة أن تشغلها.

    وكانت محكمة الاستئناف قد التقطت طَرَفاً من هذه الحُجّة عندما أشارت إلى أنه في المجتمع الطبي توجد العديد من المواقع التي تستطيع المُصابة بإعاقة سمعية أن تؤدي فيها على نحوٍ مُرضٍ كممرضة مُسَجَّلة، كما في حالة العمل بمكتب أحد الأطباء. بل يمكن النظر إليها على أنها تملك بصيرة استثنائية في خصوص الاحتياجات الطبية والعاطفية لذوي الإعاقات السمعية. فإذا كانت المطعون ضدها قد استوفت كل المعايير الأخرى للقبول والعمل كممرضة مُسَجَّلة، فلا يجب غلق الباب دونها لأنها ربما لا تستطيع أن تؤدي بشكل فعّال كل الأدوار التي قد تختارها الممرضات المُسَجَّلات لحياتهن المهنية.

    وقد وجدت المطعون ضدها تأييداً لحُجتها في بعض أجزاء من اللوائح الإدارية المار بيانها، خصوصاً ذلك النص الذي يتطلب من بعض المؤسسات التعليمية إدخال تعديلات modifications على برامجها لاستيعاب أصحاب الإعاقة، وتقديم وسائل مساعدة auxiliary aids لهم كمترجمي لغة الإشارة([5]).

    ورَدَّ «باول» على ما تقدم بالإشارة إلى أنه من غير المُرَجح أن تستفيد المطعون ضدها من أي برنامج عمل إيجابي يمكن تفسير اللوائح بشكل معقول على أنها تستلزمه. فهذه اللوائح، على سبيل المثال، استبعدت بشكل صريح أية أجهزة أو خدمات من طبيعة شخصية من أنواع الوسائل المساعدة التي يمكن للمؤسسة التعليمية أن تقدمها لصاحب الإعاقة. يُضاف إلى ذلك ضرورة توفير مدرب تمريض يمارس عناية خاصة لضمان سلامة المريض إذا ما شاركت المطعون ضدها في الجانب العملي من برنامج التمريض. علاوة على ذلك، فإن اللوائح لا تتطلب ذلك النوع من تغيير المُقررات الدراسية الذي سوف يكون لازماً حتى يمكن استيعاب المطعون ضدها ببرنامج التمريض.

    وعلى ضوء عدم قدرة المطعون ضدها على الاشتراك في الجوانب العملية ببرنامج التمريض بغير إشراف قريب منها، فإن الكلية تستطيع، بحذر، أن تسمح لها بالاشتراك في الجانب الأكاديمي من البرنامج فقط. وبصرف النظر عن الفوائد التي يمكن للمطعون ضدها أن تُحصّلها من برنامج دراسي كهذا، فإنها لن تتلقى حتى تدريباً مُقارباً للتدريب الذي يمنحه برنامج التمريض المُعتاد. وهذا التغيير الجوهري في طبيعة البرنامج أبعد ما يكون عما تتطلبه اللوائح الإدارية من تعديلات لاستيعاب أصحاب الإعاقة.

    علاوة على ذلك، فإن أي تفسير للوائح الإدارية يتطلب تعديلات واسعة النطاق لضم المطعون ضدها لبرنامج التمريض سيثير شكوكاً كبيرة حول نفاذ (مشروعية) هذه اللوائح. فإذا كانت هذه اللوائح قد تطلبت إجراء تعديلات جوهرية على البرامج القائمة، تتجاوز تلك الضرورية للقضاء على التمييز ضد أصحاب الإعاقة المؤهلين، فإنها بذلك تفعل أكثر من مجرد توضيح معنى نص قانون إعادة التأهيل، بما يشكل توسعاً غير جائزٍ في الالتزامات التي فرضها القانون.

    ورأى «باول» أن لغة وتنظيم قانون إعادة التأهيل يعكسان إدراكاً من الكونجرس للتفرقة ما بين المُعاملة العادلة لأصحاب الإعاقة المؤهلين، وبين الجهود الإيجابية لتجاوز المعوقات التي سببتها الإعاقة. وتأكيداً لهذا الفهم أشار «باول» لبعض النصوص الواردة بالقانون التي كَرَّسَت صراحةً لتبني بعض برامج العمل الإيجابي لصالح أصحاب الإعاقة - كتبني برامج عمل إيجابي تستوعب الحاجات الخاصة لأصحاب الإعاقة لدى توظيفهم بالجهات الفيدرالية. وأوضح «باول» أن نص القانون المُحتج به لم يُشِر إطلاقاً إلى العمل الإيجابي. والمُقارنة بين هذه النصوص وتلك توضح أن الكونجرس أدرك أن استيعاب احتياجات أصحاب الإعاقة قد يتطلب أحياناً تبني برامج العمل الإيجابي، وعرِف كيف ينص على هذه البرامج عندما اتجهت إرادته لذلك. 

    وأضاف «باول» أن الخط الفاصل بين الرفض الجائز لمَدّ نطاق العمل الإيجابي من ناحية، وبين التمييز غير القانوني ضد أصحاب الإعاقة من ناحية أخرى، ليس دائماً واضحاً. ففي بعض المواقف قد يحرم الإصرار التعسفي على الشروط القديمة أصحاب الإعاقة المؤهلين فعلاً من فرص المشاركة في بعض الأنشطة. فالتطور التكنولوجي أعان على إعادة تأهيل أصحاب الإعاقة والانتفاع من قدراتهم، دون فرض أعباء مالية أو إدارية زائدة. في هذه الحالات يكون رفض تعديل برنامج معين لاستيعاب أصحاب الإعاقة غير معقول وتمييزي.

    وفي القضية الماثلة، أوضح «باول» أن رفض الكلية إدخال تعديلات جوهرية على برنامج التمريض بها لا يشكل تمييزاً ضد أصحاب الإعاقة. فشهادة العديد من أعضاء الكلية أكدت أن الغرض من برنامج الكلية هو تدريب أشخاص يمكنهم خدمة مهنة التمريض بكل الطرق المعتادة in all customary ways. وهذا الغرض – وهو أبعد ما يكون عن أن يعكس عداءً ضد أصحاب الإعاقة – تشترك فيه العديد من، إن لم يكن أغلب، المؤسسات التي تقوم بتدريب الأشخاص على تقديم خدمات مهنية. ولا شك أن المطعون ضدها لن تستطيع المشاركة ببرنامج التمريض بالكلية إلا إذا تم النزول بالمعايير المعمول بها بشكل كبير. ونص قانون إعادة التأهيل لا يفرض على أي مؤسسة تعليمية أن تنزل بشكل كبير عن، أو تُجري تعديلات جوهرية على، معاييرها لتستوعب الظروف الخاصة لأصحاب الإعاقة.   

    وفي النهاية ثَمَّن «باول» شغف المطعون ضدها وتصميمها على التغلب على إعاقتها، مُشيراً إلى أن هناك العديد من الأعمال الأخرى التي يمكن أن تكون مؤهلة لأدائها. لكن في القضية الماثلة، فإن المحكمة ترى أن الكلية لم تنتهك نص قانون إعادة التأهيل عندما اعتبرت المطعون ضدها غير مؤهلة للقبول ببرنامج التمريض بها. فلا يوجد في لغة النص أو تاريخه التشريعي ما يشي بنية تقييد حرية المؤسسة التعليمية في أن تتطلب للقبول ببرنامج التدريب العملي بها شروطاً بدنية معقولة.

...

    وقد لَخَّص البعض المسألة المُثارة في القضية الماثلة في تحديد إلى أي مدى يمكن قراءة نص قانون إعادة التأهيل على أنه يشترط على البرامج الممولة فيدرالياً تبني عمل إيجابي لصالح أصحاب الإعاقة. وأوضح هذا الفقه أن نموذج العمل الإيجابي الذي قدمته هذه القضية لا يظهر في الصورة التقليدية المُتمثلة في اتخاذ خطوات للتغلب على التمييز السابق عن طريق منح مزايا لبعض الأقليات العنصرية؛ بل يأخذ شكل قيام مؤسسة بتعديل برامجها لتسمح باستيعاب ومشاركة أصحاب الإعاقة المؤهلين.

    وربط هذا الفقه التحديد المُشار إليه بتعريف نص قانون إعادة التأهيل لصاحب الإعاقة المؤهل. فالتفسير الضيق لهذا التعريف على أنه الشخص القادر على أداء ما يتطلبه البرنامج بكفاءة رغم إعاقته، لا يضع على المؤسسة التي تُدير هذا البرنامج عبء تبني عمل إيجابي لصالح صاحب الإعاقة. أما وفقاً للتفسير الواسع، فإن أي شرط لا يستطيع الشخص الوفاء به بسبب إعاقته يتم التجاوز عنه، وبالتالي فإن الشخص المؤهل يكون هو الشخص المؤهل إلا فيما يخص إعاقته، وليس رغم إعاقته. والتفسير الأخير يوجب على المؤسسة تعويض صاحب الإعاقة من خلال تبني عمل إيجابي لصالحه([6]).

    وانتقد هذا الفقه كلاً من التفسيرين. فالتفسير الضيق (الذي تبنته المحكمة العُليا) على سهولة تطبيقه ومحدودية ما يفرضه من أعباء مالية على مؤسسات التعليم العالي، يجعل من نص قانون إعادة التأهيل نصاً مُناهضاً للتمييز على أساس الإعاقة antidiscrimination statute، لا نصاً يستهدف تمييز أصحاب الإعاقة إيجابياً([7]).

    بالمثل فالتفسير الواسع (الذي تبنته محكمة الاستئناف) على سخائه مع أصحاب الإعاقة، يعيبه عدم ملاءمته. واستشهد صاحب هذا الرأي بمثال الكفيف الذي يملك كل مقومات قيادة الحافلة عدا حاسة البصر، فوفقاً للتفسير الواسع لنص القانون فإن هذا الشخص يُعد مؤهلاً لقيادة الحافلة. فضلاً عن أن هذا التفسير السخي سيُلقي بأعباء مالية كبيرة على مؤسسات التعليم العالي، لما ستحتاجه هذه المؤسسات من القيام بإعدادات وتوفير تجهيزات تجاوز مقدرتها المادية، لاستيعاب الاحتياجات المتنوعة لأصحاب الإعاقة المقبولين لديها([8]).

    ونَبَّه الفقه السابق إلى خصوصية مُلابسات القضية الماثلة، إلى الحد الذي يصعب معه تعميم القضاء فيها على كل الحالات. فالمحكمة لم تستخلص أن نص قانون إعادة التأهيل لا يتطلب القيام بعمل إيجابي بشكل مُطلق، كل ما هنالك أنه ولأن التعديلات الضرورية المطلوب إدخالها على البرنامج لاستيعاب المطعون ضدها كانت استثنائية (كبيرة)، فإنه لم يتم قبولها ببرنامج التمريض. بعبارة أخرى، فإنه في مواقف أخرى، عندما لا تكون التعديلات المطلوب إجراؤها جوهرية، وعندما لا تكون الأعباء المالية والإدارية المطلوب تحملها مُفرِطة، حالئذٍ ربما تكون التجهيزات اللازمة لتيسير مشاركة المُتقدمين من أصحاب الإعاقة واجبة([9]).

    وأشار هذا الفقه للفكرة السابقة بمعيار التجهيزات المعقولة reasonable accommodations، موضحاً أن هذا المعيار هو ما تبنته اللوائح المُفسرة لنص قانون إعادة التأهيل. وأضاف أنه لا ينبغي أن يُفهم مما انتهت إليه المحكمة العُليا في القضية الماثلة أنها رفضت هذا المعيار، كل ما هنالك أنها رفضت قراءة محكمة الاستئناف الواسعة لهذه اللوائح التي تتجاوز ما يسمح به النص. وعملاً بهذا المعيار، فعلى المؤسسة أن تعوض صاحب الإعاقة عما تفرضه عليه إعاقته البدنية أو العقلية من قيود، وذلك بالقيام بالتجهيزات المطلوبة لاستيعابه بها، إلا إذا كانت هذه التجهيزات شديدة الاستثنائية لدرجة أنها تفرض صعوبات جَمَّة على إدارة البرنامج.

    ولدى تقييم معقولية التجهيزات تؤخذ بعض العوامل في الاعتبار، مثل تكلفة إقامة هذه التجهيزات، وقدرة المؤسسة على تحمل هذه التكلفة، وطبيعة إعاقة المُتقدم، وطبيعة البرنامج الذي يتقدم للالتحاق به.

    ولا يضمن هذا المعيار بلوغ نتائج مُتماثلة، أو تحقيق مستوى إنجاز واحد ما بين أصحاب الإعاقة وغيرهم، فالمطلوب فقط أن تتكافئ الفرص، فلا تقف إعاقة لم يختارها شخص ما عقبة في سبيل سعيه في الحياة.

    ونادى هذا الفقه بتبني المعيار السابق، واعتبره حلاً وسطاً يقيم توازناً بين الصعوبات التي تفرضها الإعاقة على صاحبها، وبين ما يملكه الأخير من قدرات وملكات لا ينبغي صرف النظر عنها([10]).

    ثانياً: موقف المحكمة الدستورية العُليا من تمييز أصحاب الإعاقة

    في قضاء شهير لها، ذهبت المحكمة الدستورية العُليا إلى أن "البين من التطور التاريخى لأوضاع المعوقين، وقواعد معاملتهم، أن كثيراً من الوثائق الدولية منحتهم الرعاية التى يقتضيها إنماء قدراتهم، وأن جهوداً تبذل باطراد من أجل تشخيص عوارضهم فى مهدها، وقبل استفحال خطرها، ثم تقييمها للحد من آثارها، وأن آراء عديدة تدعو الدول على تباين اتجاهاتها، لأن تنقل إلى مجتمعاتها - ومن خلال حملاتها الإعلامية بوجه خاصawareness-raising  مايبصرها بأن المعوقين مواطنون ينبغى منحهم من الحقوق ما يكون لازماً لمواجهة ظروفهم الذاتية التى لا يملكون دفعها، لتمهد بذلك للقبول بالتدابير التى تفرضها، وتُعِينهم بها على مواجهة مسئولياتهم. وكان من بين تلك المواثيق، ذلك الإعلان الصادر فى 9/12/1975 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم (3447) فى شأن حقوق المعوقين Declaration on the rights of disabled persons، متوخياً أن تعمل الدول - سواء من خلال تدابير فردية، أو عن طريق تضافر جهودها - من أجل إرساء مقاييس أكثر حزماً للنهوض بأوضاع المعوقين، وتوكيد ضرورة استخدامهم بصورة كاملة، وتحقيق تقدمهم من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، آخذة فى اعتبارها احتياجاتهم الخاصة، وضرورة تطوير ملكاتهم لإعدادهم لحياة أفضل، ولحفزهم على الإندماج فى مجتمعاتهم من خلال إسهامهم فى أكثر مناحى النشاط تنوعاً.

   ويؤكد هذا الإعلان، أن الحقوق المنصوص عليها فيه، لا استثناء منها. ولا تمييز فى نطاقها، يكون مرده إلى العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الآراء على اختلافها، أو الأصل الوطنى أو الاجتماعى، أو الثروة أو المولد، أو بناء على أى مركز آخر يتعلق بالمعوق أو بأسرته. ذلك أن المعوقين - ولعوار فى قدراتهم البدنية أو العقلية بسبب قصور خلقى أو غير خلقى - عاجزون بصفة كلية أو جزئية عن أن يؤمنوا بأنفسهم ما يكون ضرورياً لحياتهم، سواء كأفراد، أو على صعيد مظاهر حياتهم الاجتماعية، أو هما معاً. وكان منطقياً بالتالى، أن يؤكد هذا الإعلان، أن للمعوقين حقوقاً ينبغى ضمانها، بوصفها أساساً مشتركاً للتدابير الدولية والوطنية، يندرج تحتها حق المعوقين الأصيل فى صون كرامتهم الإنسانية، وحمايتهم من ألوان المعاملة المهينة أو التعسفية أو التمييزية، وكذلك من كل استغلال، ودون إخلال بتمتعهم بالحقوق الأساسية التى يمارسها غيرهم من المواطنين الذين يماثلونهم عمراً، وهو مايعنى - وفى المقام الأول - حقهم فى حياة لائقة تكون طبيعية، وكاملة قدر الإمكان، أياً كانت خصائص عوائقهم أو مناحى قصورهم، أو مصدرها، أو درجة خطورتها. ولا يجوز بحال - وعلى ما نص عليه ذلك الإعلان - حرمان المعوقين من حقوقهم المدنية والسياسية، ولا من الرعاية الطبية والنفسية والوظيفية، ولا من التدابير التى تتوخى تمكينهم من الاعتماد ذاتياً على أنفسهم، ولا من الحق فى تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم مهنياً بما يطور ملكاتهم وقدراتهم، مرتقياً بها إلى ذراها، كافلاً دمجهم فى مجتمعاتهم. وهم يتمتعون كذلك بالحق فى الأمن - اقتصادياً واجتماعياً - وفى الحصول على عمل مع ضمان استمراره، وبالحق فى مزاولة مهن منتجة ومجزية .

   وحيث إن الجمعية العامة للأمم المتحدة - فى سعيها لدعم حقوق المعوقين فى فرص يتماثلون فيها مع غيرهم، وألا يكون نصيبهم منها مجحفاً فى مجال الرعاية الأشمل لظروفهم - ارتأت أن تعزز الإعلان المتقدم، بالقرار رقم 96/48 الصادر فى 20/12/1993، لتصوغ بمقتضاه مجموعة من القواعد التى تبين مُسْتَوياتها الفرص المتكافئة التى ينبغى ضمانها للمعوقين the standard rules on the equalization of opportunities for persons with disabilities  وبوجه خاص، لمواجهة أشكال من العوائق التى كشفتها التجربة العملية، وكان من شأنها تعميق قصور المعوقين عن تحمل كامل مسئولياتهم داخل مجتمعاتهم، من بينها جهلهم أو إهمالهم أو خوفهم، بل وأوهامهم وخرافاتهم. وتفصل هذه القواعد، تلك الفرص التى أتاحتها للمعوقين، سواء كان عوارهم دائماً أو عرضياً، بدنياً أو ذهنياً، أو مرضاً عقلياً، أو ظرفاً طبياً، أو من العوارض التى تؤثر فى حواسهم.

   وكان لازماً بالتالى، أن يمتد هذا التكافؤ فى الفرص إلى ميادين متعددة، يندرج تحتها التعليم والأمن الاجتماعى، والحياة العائلية، وتكامل الشخصية، والعقيدة، والاستخدام. بل إن القاعدة رقم (7) التى تضمنها هذا القرار، صريحة فى دعوتها الدول إلى أن يكون إيمانها بضرورة تمكين المعوقين من فرص متكافئة - من أجل الحصول على أعمال منتجة ومربحة فى سوق العمل سواء فى المناطق الريفية أو الحضرية - واقعاً حياً بما يحول دون عرقلة تشغيلهم، أو إخضاعهم لأشكال التمييز التى قد يقيمها المشرع ضدهم، ليتم دمجهم إيجابياً فى إطار الاستخدام المفتوح من خلال التدابير التى تتخذها، وبوجه خاص عن طريق تدريبهم مهنياً  vocational training  ومن خلال تحديد أعمال بذواتها يتولونها، أو احتجازها لهم Reserved or designated employment.

   وحيث إن القواعد التى تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة على النحو المتقدم، وإن لم تكن لها قوة إلزامية تكفل التقيد بها، إلا أن النزول عليها لا زال التزاماً أدبياً وسياسياً، وهى فوق هذا، تعبر عن اتجاه عام فيما بين الدول التى ارتضتها، يتمثل فى توافقها على تطبيقها، باعتبارها طريقاً قويماً لدعم جهودها فى مجال الاستثمار الأعمق لطاقاتها البشرية .

   وحيث إن ... كل معوق ... ينبغى أن ينال المساعدة والوقاية وفرص التأهيل الملائمة التى يتمكن معها من الإسهام إلى أقصى حد مستطاع فى ميزات ومسئوليات الحياة الكاملة فى المجتمع الذى ينتمى إليه، وبما يتمشى وإعادة بناء قطاع هام من الموارد البشرية، يكون نافعاً، ومستقراً، مؤدياً لدوره فى مجال التنمية، وكافلاً - من خلال تأهيل المعوقين - ضمان أكبر قدر من فرص العمل التى تناسبهم.   ... ... ...

   وحيث إن تنظيم أوضاع المعاقين - وطنياً كان أم دولياً - توخِّى دوماً ضمان فرص يتخطون بها عوائقهم، ويتغلبون من خلالها على مصاعبهم، ليكون إسهامهم فى الحياة العامة ممكناً وفعالاً ومنتجاً. ذلك أن نواحى القصور التى تَعْرِض لهم، مردها إلى عاهاتهم، ومن شأنها أن تقيد من حركتهم، وأن تنال بقدر أو بآخر من ملكاتهم، فلا يكونون ’واقعاً‘ متكافئين مع الأسوياء حتى بعد تأهيلهم مهنياً، لتبدو مشكلاتهم غائرة الأبعاد، لا تلائمها الحلول المبتسرة، بل تكون مجابهتها، نفاذاً إلى أعماقها، وتقريراً لتدابير تكفل استقلالهم بشئونهم، وانصرافاً إلى مناهج علمية وعملية تتصل حلقاتها، وتتضافر مكوناتها، متخذة وجهة بذاتها، هى ضمان أن يكون المعوقون أكثر فائدة، وأصلب عوداً، وأوثق اتصالاً بأمتهم. وكان لازماً وقد تعذر على المعوقين ’عملاً‘ أن تتكافأ فرص استخدامهم مع غيرهم، أن يكون هذا التكافؤ مكفولاً ’قانوناً‘ على ضوء احتياجاتهم الفعلية، وبوجه خاص فى مجال مزاولتهم لأعمال بعينها، أو الاستقرار فيها، مع موازنة متطلباتها بعوارضهم التى أعجزتهم منذ ميلادهم، أو بما يكون قد طرأ من أسبابها بعدئذ، وآل إلى نقص قدراتهم عضوياً أو عقلياً أو حسياً، لتتضاءل فرص اعتمادهم على أنفسهم.

    ومن ثم حرص المشرع على تأهيل المعوقين بتدريبهم على المهن والأعمال المختلفة ليقربهم من بيئتهم، وليمكنهم من النفاذ إلى حقهم فى العمل، لا يعتمدون فى ذلك على نوازع الخير عند الآخرين، ولا على تسامحهم، بل من خلال حمل هؤلاء على أن تكون الفرص التى يقدمونها للمعوقين مناسبة لاحتياجاتهم، مستجيبة لواقعهم، وأن يكون هدفها مواجهة آثار عجزهم، ومباشرة مسئولياتهم كأعضاء فى مجتمعاتهم، تَمْنَحهم عونها، وتُقِيلهم من عثراتهم، وليس ذلك تمييزاً جائراً منهياً عنه دستورياً، ذلك أن النصوص المطعون عليها لا تفاضل بين المعوقين وغيرهم لتجعلهم أشد بأساً، أو أفضل موقعاً من سواهم، ولكنها تخولهم تلك الحقوق التى يقوم الدليل جلياً على عمق اتصالها بمتطلباتهم الخاصة، وارتباطها بأوضاعهم الاسثنائية، لتعيد إليها توازناً اختل من خلال عوارضهم. وتلك هى العدالة الاجتماعية التى حرص الدستور على صونها لكل مواطن توكيداً لجدارته بالحياة اللائقة، وانطلاقاً من أن مكانة الوطن وقوته وهيبته، ينافيها الإخلال بقدر الفرد ودوره فى تشكيل بنيانه"([11]).

   وتعقيباً على القضاء مار الذكر، والذي تعلق بالطعن على دستورية بعض نصوص القانون رقم 39 لسنة 1975 بشأن تأهيل المعوقين مُعدلاً بالقانون رقم 49 لسنة 1982، نلاحظ أن المحكمة الدستورية العُليا لم تذكر صراحة فكرة الترتيبات أو التجهيزات المعقولة، وإن كان حديثها عن التدابير الواجب اتخاذها من أجل أن يقوى أصحاب الإعاقة على الاعتماد على أنفسهم وبشكل مستقل يحتمل هذا المعنى في طياته. كما أن اشتراط أن تكون الفرص التي تقدمها الدولة لأصحاب الإعاقة مناسبة لاحتياجاتهم لمواجهة آثار عجزهم ينطوي بطريق اللزوم الحتمي على شرط مُفترض، هو توفير كافة ما يعين هؤلاء على الاستفادة من تلك الفرص بشكل متكافئ مع غيرهم ممن لم تثقلهم الإعاقة بأعبائها، وهو ما لن يكون إلا بتهيئة المرافق لاستقبالهم بدون مشقة، أو بقدر مُحتمل من المشقة، وذلك من خلال إتاحة التيسيرات أو الترتيبات أو التجهيزات اللازمة لتتحقق استفادة هؤلاء من الفرص المُقدمة لهم، بالطبع في الحدود المعقولة، لئلا يكون نفاذ أصحاب الإعاقة إلى تلك الفرص نفاذاً شكلياً أو نظرياً، لا يتحقق به مُراد المشرع الدستوري من تمكين أصحاب الإعاقة من المشاركة الفاعلة في مجتمعهم.

 

    ثالثاً: تباين موقف الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من توظيف كفيفي البصر

    تبنت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة موقفين متباينين من كفيفي البصر فيما يتعلق بالفرص الوظيفية؛ ففي مرة أفتت بجواز تعيين كفيفة كمعيدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومرة أخرى انتهت إلى عدم جواز قبول أوراق أحد المتقدمين من كفيفي البصر في امتحان المسابقة الذي تعقده وزارة الخارجية للتعيين في وظيفة ملحق دبلوماسي.

   أولاً: تعيين معيدة كفيفة البصر

   أرسلت جامعة القاهرة للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع طالبة فتواها بشأن مدى جواز تعيين إحدى الخريجات المتفوقات فى وظيفة معيد بشعبة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية رغم فقدها لحاسة الإبصار، فكان رد الجمعية كما يلي:-

   "بالإشارة إلى كتابكم ... بشأن مدى جواز تعيين الخريجة /... فى وظيفة معيد بشعبة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية رغم فقدها لحاسة الإبصار.

   وحاصل الوقائع – حسبما يبين من الأوراق – أن المعروضة حالتها تخرجت من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية دور مايو 2008 بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف، وكان ترتيبها الخامس على قسم الاقتصاد بالكلية، وأنه بتاريخ 3/11/2008 وافق مجلس قسم الاقتصاد على تكليف ستة معيدين بالقسم من ضمنهم الخريجة المشار إليها، وبتاريخ 12/11/2008 وافق مجلس الكلية على هذا التكليف. وأنه بعرض الأمر على رئيس الجامعة ارتأى مخاطبة السيد الأستاذ المستشار رئيس مجلس الدولة لاستطلاع رأى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فى مدى جواز هذا التكليف فى ضوء أن الخريجة المعروضة حالتها فاقدة لحاسة الإبصار .

   ونفيد أن الموضوع عُرض على الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بجلستها المنعقدة  فى 17 من يونيو سنة 2009م، الموافق 24 من جمادى الآخر سنة 1430هـ، فاستعرضت قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 الذى ينص فى المادة (131) منه على أن ’يعين فى الكليات والمعاهد التابعة للجامعة معيدون ومدرسون مساعدون يكونون نواة أعضاء هيئة التدريس فيها، ويقومون بالدراسات والبحوث العلمية اللازمة، للحصول على الدرجات العلمية وسواها من الأعمال تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس وبالأعمال الأخرى التى يكلفهم بها العميد ومجلس القسم المختص‘، وفى المادة (135) منه على أن ’يشترط فيمن يعين معيداً أو مدرساً مساعداً أن يكون محمود السيرة حسن السمعة‘، وفى المادة (137) على أن ’مع مراعاة حكم المادتين 135,133 من هذا القانون يجوز أن يعين المعيدون عن طريق التكليف من بين خريجى الكلية فى السنتين الأخيرتين الحاصلين على تقدير جيد جداً على الأقل فى كل من التقدير العام فى الدرجة الجامعية الأولى، وفى تقدير مادة التخصص أو ما يقوم مقامها، وتعطى الأفضلية لمن هو أعلى فى التقدير العام وعند التساوى فى التقدير العام تعطى الأفضلية لمن هو أعلى فى مجموع الدرجات، مع مراعاة ضوابط المفاضلة المقررة فى المادة (136) من هذا القانون‘، وفى المادة (148) على أن ’على المعيدين والمدرسين المساعدين بذل أقصى جهد فى دراساتهم وبحوثهم العلمية فى سبيل الحصول على الماجستير أو الدكتوراه أو ما يعادلها، وعليهم القيام بما يكلفون به من تمرينات ودروس علمية وغيرها من الأعمال على أن يراعى فى تكليفهم أن يكون بالقدر الذى يسمح لهم بمواصلة دراساتهم وبحوثهم دون إرهاق أو تعويق‘، وفى المادة (150) على أن ’على المعيدين والمدرسين المساعدين تلقى أصول التدريس والتدريب عليه وفق النظام المقرر‘، وفى المادة (151) على أن ’على المعيدين والمدرسين المساعدين المشاركة فى أعمال المؤتمرات العلمية للكلية أو المعهد والمؤتمرات العلمية اللأقسام، وذلك وفقاً للأحكام المقررة فى اللائحة التنفيذية‘، وفى المادة (160) على أن ’لرئيس الجامعة إعفاء العاملين من غير أعضاء هيئة التدريس من شرط اللياقة البدنية كلها أو بعضها بعد أخذ رأى المجلس الطبى (القومسيون)‘.

   كما استعرضت الجمعية العمومية الوثائق الدولية التى عنيت بحماية الأشخاص ذوى الإعاقة، ومنها الإعلان الصادر فى 9/12/1975عن الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 3447 فى شأن حقوق المعوقين والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص ذوى الإعاقة الموقعة فى نيويورك بتاريخ 30/3/2007 والتى وافقت عليها مصر بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 400 لسنة 2007 وصدق عليها مجلس الشعب فى 11/3/2008 والتى عرفت الأشخاص ذوى الإعاقة بأنهم كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أوعقلية أو ذهنية أو حسية تجعلهم عاجزين بصفة كلية أو جزئية عن أن يؤمنوا بأنفسهم ما يكون ضرورياً لحياتهم سواء كأفراد وعلى صعيد مظاهر حياتهم الاجتماعية أو هما معاً. وإذ أكدت تلك الوثائق أن من حقوق المعوقين التى ينبغى ضمانها حقهم الأصيل فى صون كرامتهم الإنسانية وحمايتهم من ألوان المعاملة المهنية أو التعسفية أو التمييزية وكذلك من كل استغلال، ودون إخلال بتمتعهم بالحقوق الأساسية التى يمارسها غيرهم من المواطنين الذين يماثلونهم عمراً. وهو ما يعنى فى المقام الأول حقهم فى حياة لائقة تكون طبيعية، وكاملة قدر الإمكان، أياً كانت خصائص عوائقهم أو مناحى قصورهم أو مصدرها أو درجة خطورتها، وعدم حرمان المعوقين من حقوقهم المدنية والسياسية ولا من الرعاية الطبية والنفسية ولا من التدابير التى تتوخى تمكينهم من الاعتماد ذاتياً على أنفسهم، ولا من الحق فى تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم مهنياً بما يطور ملكاتهم وقدراتهم، وبما يكفل دمجهم فى مجتمعاتهم، وتمتعهم كذلك بالحق فى الأمن – اقتصادياً واجتماعياً - وفى الحصول على عمل مع ضمان استمراره، وبالحق فى مزاولة مهن منتجة ومجزية على قدم المساواة مع الآخرين. كما حظرت هذة الوثائق التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة، ومنها شروط التوظيف والتعيين والعمل، واستمرار العمل، والتقدم لشغل الوظائف، وظروف العمل الآمنة والصحية.

   واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم أن اللياقة الصحية المتطلبة لشغل وظيفة معينة تدور وجوداً وعدماً مع شروط شغلها والمهام التى يوكل القانون إلى شاغلها القيام بها، ولما كانت الشروط المتطلبة لشغل وظيفة معيد عن طريق التكليف أن يكون المتقدم لشغلها محمود السيرة حسن السمعة وأن يكون من أوائل الخريجين على دفعته الحاصلين على تقدير جيد جداً على الأقل فى كل من التقدير العام فى الدرجة الجامعية الأولى وفى تقدير مادة التخصص أو ما يقوم مقامها. وأن هذه الوظيفة تتطلب من شاغلها – باعتبارها بداية السلم الوظيفى المؤهل لشغل وظائف أعضاء هيئة التدريس بالجامعة - القيام بالدراسات والبحوث العلمية اللازمة للحصول على درجتى الماجستير ثم الدكتوراه، والقيام بما يعهد به إليه القسم المختص من التمرينات والدروس العلمية تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس، وتلقى أصول التدريس والتدريب وفقاً للنظام المقرر لذلك، والمشاركة فى أعمال المؤتمرات العلمية للكلية أو المعهد والمؤتمرات العلمية للأقسام. فمن ثم يتعين أن تتوافر فيمن يشغل هذه الوظيفة اللياقة الصحية الكافية لأداء المهام المشار إليها. ولما كانت المهام سالفة الذكر لا تتطلب لأدائها سوى التفوق العلمى للمتقدم لشغل هذه الوظيفة فى الدرجة الجامعية الأولى وفى مادة التخصص باعتبار أن هذه المهام تعتمد فى الأساس على القيام بالدراسات والبحوث العلمية فى ذات التخصص الذى نجح فيه الخريج بتفوق، وكذلك تدريس مواد هذا التخصص للطلاب، وهو ما يتعين معه القول بأن اللياقة الصحية المتطلبة لشغل وظيفة معيد لا تزيد بأى حال عن اللياقة الصحية التى تمكن الطالب من النجاح فى سنوات الدرجة الجامعية الأولى والحصول على أعلى التقديرات متفوقاً فى ذلك على أقرانه. ومن ثم فإنه إذا توافرت فى المتقدم لشغل هذه الوظيفة الشروط الأخرى المتطلبة قانوناً بخلاف اللياقة الصحية فإنه لا يجوز حرمانه من شغلها لأى سبب آخر.

   كما استظهرت الجمعية العمومية أن الدستور قرر مبدأ المساواة أمام القانون، وكفل تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحريتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيــــد ممارستها. وأضحى هذا المبدأ فى جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققاً للصالح العام. وأنه لما كان من المقرر أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أواستبعاد ينال بصورة تحكيمة من الحقوق أو الحريات التى كفلها الدستور أو القانون وذلك سواء بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للإنتفاع بها، وبوجه خاص على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغير ذلك من مظاهر الحياة العامة.

  ولما كانت المعروضة حالتها قد تخرجت من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية دور مايو 2008 بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف وكان ترتيبها الخامس على قسم الاقتصاد بالكلية، وإذ قررت الجامعة تكليف ستة معيدين بالقسم المشار إليه من ضمن خريجى الدور المشار إليه، فمن ثم يكون من حق المعروضة حالتها التعيين فى وظيفة معيد فى هذا القسم باعتبار أن ترتيبها الخامس من بين الستة الذين وقع عليهم الاختيار.

   ولا ينال من ذلك أن المعروضة حالتها فاقدة لحاسة الإبصار، إذ أن إعاقتها البصرية لم تحل دون تفوقها العلمى على مدار سنوات الدراسة المتعاقبة، وحصولها على أعلى التقديرات متفوقة فى ذلك على أقرانها المبصرين بما يؤهلها لشغل وظيفة معيد. فضلاً عن أن استبعاد المعروضة حالتها من التعيين فى تلك الوظيفة استناداً إلى إعاقتها البصرية يعد منافياً لمبدأ المساواة فى تولى الوظائف العامة، وتمييزاً غير مبرر ضدها بالرغم من توافر شروط شغل الوظيفة فيها" .

  وفي ختام فتواها، عقبت الجمعية بأنه "غنى عن البيان أن الإعاقة البصرية لم تكن حائلاً دون التعيين فى وظائف أعضاء هيئة التدريس منذ إنشاء الجامعة المصرية فى بدايات القرن الماضى، بل والوصول إلى أعلى المناصب الجامعية حيث تم تعيين الدكتور/ طه حسين عضواً بهيئة التدريس بكلية الآداب جامعة القاهرة – بالرغم من إعاقته البصرية وتم تعيينه عميداً للكلية، ثم عين فيما بعد رئيساً لإحدى الجامعات المصرية فى بداية الأربعينيات من القرن الماضى"([12]).

   ثانياً: عدم جواز قبول أوراق متقدم من كفيفي البصر في امتحان وزارة الخارجية للتعيين كملحق دبلوماسي

   أرسلت وزارة الخارجية للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع طالبة فتواها بشأن مدى جواز قبول أوراق أحد المتقدمين لامتحان المسابقة الخاص بالتعيين في السلك الدبلوماسي رغم فقده لحاسة الإبصار، فكان رد الجمعية كما يلي:-

    "بالإشارة إلى كتاب السيد السفير مساعد وزير الخارجية مدير إدارة السلك الدبلوماسي والقنصلى والتفتيش ... بشأن قبول أوراق السيد / ... للتقدم لامتحان المسابقة الخاص بالتعيين في السلك الدبلوماسي.

   وحاصل الوقائع – حسبما يبين من الأوراق – أن المعروضة حالته حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأمريكية عام 2011، وبتاريخ 22/3/2012 تقدم بطلب يلتمس فيه قبول أوراقه بمسابقة الالتحاق بالسلك الدبلوماسي، ونوه في الطلب إلى أنه فاقد البصر وطلب تشكيل لجنة خاصة لاختباره مراعاة لظروفه الصحية. ونظراً لأهمية الموضوع وعموميته فقد طلب السيد السفير مساعد الوزير الإفادة بالرأى من إدارة الفتوى المختصة، حيث عرضت إدارة الفتوى الموضوع على اللجنة الأولى لقسم الفتوى، التى أحالته بدورها إلى الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع لأهميته وعموميته.

   ونفيد: بأن الموضوع عُرض على الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بجلستها المنعقدة بتاريخ 9 من أكتوبرعام 2013م، الموافق 4 من ذي الحجة عام 1434هـ؛ فاستعرضت الإعلان الدستورى الصادر في الثامن من يوليه عام 2013 والذى ينص في المادة (4) على أن ’المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو النوع أو اللغة أو الدين أو العقيدة. وتكفل الدولة تكافؤ الفرص بين المواطنين‘، وينص في المادة (9) على أن ’العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة......‘.

   واستعرضت الجمعية العمومية القانون رقم 45 لسنة 1982 بشأن نظام السلك الدبلوماسي والقنصلى والذى ينص في المادة (6) على أنه ’مع مراعاة ما نص عليه في المادة (5) من هذا القانون: يشترط فيمن يعين في وظيفة ملحق ما يلى: 1- .............. 2- أن تثبت لياقته الصحية بمعرفة المجلس الطبي المختص. 3- أن يجتاز بنجاح امتحان المسابقة الذى تجريه الوزارة لهذا الغرض‘، وينص في المادة (7) المستبدلة بالقانون رقم 69 لسنة 2009 على أن: ’يكون التعيين وترتيب الأقدمية في وظيفة ملحق حسب ترتيب النجاح في امتحان المسابقة الذى تعقده وزارة الخارجية لهذا الغرض ..... ويحدد وزير الخارجية بقرار منه موعد ومكان إجراء الامتحان وشروطه ومواده ونسبة النجاح فيه واللجنة التي تجريه......‘

   وأخيراً استعرضت الجمعية العمومية الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص ذوى الإعاقة الموقعة في نيويورك بتاريخ 30/3/2007، والتي وافقت عليها مصر بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 400 لسنة 2007 وصدق عليها مجلس الشعب في 11/3/2008 ونشرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 3/7/2008، والتي تنص في المادة (27/1) على أن: ’تعترف الدول الأطراف بحق الأشخاص ذوى الإعاقة في العمل، على قدم المساواة مع الأخرين، ويشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لهم لكسب الرزق في عمل يختارونه أو يقبلونه بحرية في سوق عمل وبيئة عمل منفتحتين أمام الأشخاص ذوى الإعاقة وشاملتين لهم ويسهل انخراطهم فيهما. وتحمى الدول الأطراف إعمال الحق في العمل وتعززه، بما في ذلك حق أولئك الذين تصيبهم الإعاقة خلال عملهم، وذلك عن طريق اتخاذ الخطوات المناسبة، بما في ذلك سن التشريعات، لتحقيق عدة أهداف منها ما يلى: (أ) حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة، ومنها شروط التوظيف والتعيين والعمل، واستمرار العمل، والتقدم الوظيفي، وظروف العمل الآمنة والصحية .... (ط) كفالة توفير ترتيبات تيسيرية معقولة للأشخاص ذوى الإعاقة في أماكن العمل...‘.     

   واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم أن دساتير مصر المتعاقبة - ومن بينها الإعلان الدستورى الصادر في 8 من يوليو 2013 - أقرت مبدأ المساواة أمام القانون وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، بما يصون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها، ويتفرع عن هذا المبدأ ضمان حق المعوقين في المساواة بالأسوياء خاصة في مجال العمل، والتزاماً من الدولة بهذه المبادئ صدقت جمهورية مصر العربية على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص ذوى الإعاقة الموقعة في نيويورك بتاريخ 30/3/2007، والتي تلزم الدول الأطراف بضمان حق المعوقين في العمل على قدم المساواة مع غيرهم من المواطنين الأسوياء، وذلك عن طريق اتخاذ الخطوات المناسبة لحظر التمييز في مجال العمل على أساس الإعاقة، وتوفير ظروف العمل الآمنة والصحية، وكفالة توفير ترتيبات تيسيرية معقولة للمعوقين في أماكن العمل عن طريق اتخاذ الخطوات الملائمة لتعديل بيئة العمل أو أسلوب أداء الوظيفة على النحو الذى يتمكن معه المعوق من أداء المهام الأساسية لوظيفته على أساس المساواة مع الآخرين.

   كما استظهرت الجمعية العمومية – وعلى ما جرى عليه إفتاؤها – أن اللياقة الصحية المتطلبة لشغل وظيفة معينة تدور وجوداً وعدماً مع شروط شغلها والمهام التي يوكل القانون إلى شاغلها القيام بها، لذلك يختلف مستوى اللياقة الصحية المطلوبة من وظيفة لأخرى، وهو ما ينعكس على مدى إمكانية شغل ذوى الاحتياجات الخاصة لها، ولما كانت المهام المنوطة بأعضاء السلك الدبلوماسي تتضمن بشكل أساسى استخدام وسائل المراسلة بمختلف أنواعها خاصة المشفرة منها، بالإضافة إلى القدرة على التواصل الفعال مع ممثلي الدول الأجنبية، بما يفرضه هذا التواصل من تبين الدبلوماسي بذاته لتعبيرات وانفعالات من يلتقى بهم من ممثلي الدول الأخرى وطريقة وموضع جلوسهم لنقل ذلك إلى المسئولين بالدولة التي ينتمى إليها، وهى كلها أمور محل تقدير في علاقات الدول، فضلاً عما يفترضه هذا العمل من تعدد اللقاءات الفردية مع نظرائه والتي لا يمكن بحال إلا أن يكون الدبلوماسي فيها منفرداً مع نظيره دون مساعد لما يغلفها من اعتبارات السرية، فضلاً عن اضطلاع الدبلوماسي بمهام مساعدة وحماية المواطنين المصريين الموجودين في دائرة اختصاص البعثات التمثيلية ومباشرة الأعمال القنصلية المكلف بها البعثات التمثيلية، والتي من بينها التوثيق وحضور المؤتمرات ومرافقة الوفود المشاركة، وهى أمور كلها تفترض تمتع من يقوم بها بنعمة البصر وقيامه بها بمفرده دون مساعدة.

   وترتيباً على ما تقدم فإن فقد البصر يحول ابتداء دون توفر شرط اللياقة الصحية المتطلب قانوناً لشغل هذه الوظيفة، ومن ثم لا يجوز قبول أوراق المعروضة حالته في امتحان المسابقة الذى تعقده وزارة الخارجية للتعيين في وظيفة ملحق دبلوماسي.

  دون أن ينال من هذه النتيجة القول بأن استبعاد المعروضة حالته من التعيين بالسلك الدبلوماسي استناداً إلى حرمانه من نعمة البصر يعد منافياً لمبدأ المساواة في تولى الوظائف العامة وتمييزاً غير مبرر ضده، إذ أن حق ذوى الاحتياجات الخاصة في شغل وظيفة معينة إنما يتقيد بتوفر الحد الأدنى من اللياقة الصحية اللازمة لمباشرة المهام الأساسية لهذه الوظيفة، والمساواة وعدم التمييز في تقلد الوظائف يفترض القدرة ابتداء على القيام بمهامها حتى ولو كان بقدر معقول من المساعدة، وهو الأمر غير المتوفر في الحالة المعروضة على النحو سالف البيان. كما أنه لا وجه للقول بأن وزارة الخارجية قامت بالتمييز ضد المعروضة حالته بسبب فقد البصر بعدم توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة التي تمكنه من أداء المهام الأساسية لوظيفة الدبلوماسي تنفيذاً للاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص ذوى الإعاقة التي صدقت عليها مصر ونشرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 3/7/2008، ومنذ ذلك التاريخ أضحت لها قوة القانون، إذ إن ذلك مردود بأنه لا يتصور أن تصل التيسيرات التى يمكن أن توفرها وزارة الخارجية لقبول فاقد البصر في هذه الوظيفة إلى حد التغيير في المهام الأساسية للوظيفة التي يقوم بها الدبلوماسي، وليس في طريقة أدائها، وهو ما سيحدث حتماً في حالة قبول فاقد البصر لشغل وظيفة الدبلوماسي".

   وفي ختام فتواها، عقبت الجمعية بأنه "غنى عن البيان أن الجمعية العمومية لا تضع بهذا الإفتاء حظراً عاماً على تولى ذوى الاحتياجات الخاصة وظائف السلك الدبلوماسي، وإنما يتعين بحث كل حالة على حدة للوقوف على مدى تأثير حالة الاحتياج الخاص على اللياقة الصحية المتطلبة لشغل الوظيفة الدبلوماسية، ومدى إمكانية توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة لمباشرة المهام الأساسية للوظيفة دون تغيير في هذه المهام"([13]).

   § تعقيب على تباين موقف الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع من كفيفي البصر فيما يتعلق بالمنافسة على الفرص الوظيفية في ضوء الدستور القائم والقانون رقم 10 لسنة 2018 بإصدار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة([14]) ولائحته التنفيذية([15]).

   لا يعزب عن نظرنا أن الفتوى الأولى للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع (تجويز تعيين كفيفة بوظيفة معيد) كانت قد صدرت في ظل العمل بدستور 1971، بينما صدرت الفتوى الثانية (رفض قبول أوراق كفيف تقدم لمسابقة الالتحاق بالسلك الدبلوماسي) في ظل العمل بالإعلان الدستوري الصادر في 8 يوليو 2013؛ إلا أنه على أية حال، فإن الوثائق الدستورية المتعاقبة ما انفكت تنص على مبدأ المساواة، شاملاُ بدائرة حمايته أصحاب الإعاقة.

    وعموماً، فالبين من مطالعة الفتويين مارتي الذكر أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لم تتبن موقفاً واحداً من حق كفيفي البصر في تولي الوظائف العامة؛ فبالنسبة لطائفة معينة من الوظائف ارتأت الجمعية أن فقدان حاسة البصر لا يعوق الشخص عن أدائها، خلافاً لطائفة أخرى تراءى لها أن فقدان هذه الحاسة يحول دون أداء مهامها على الوجه المطلوب.

    والسؤال هنا: هل كان هناك ما يبرر تلك المُغايرة التي أجرتها الجمعية بين التعيين بوظيفة معيد وبين التقدم للالتحاق بالسلك الدبلوماسي، فيما يتعلق بتأثير فقد حاسة الإبصار على أداء المحروم منها للعمل الذي يطلب الالتحاق به؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه "معيار التجهيزات المعقولة" في إيجاد خط فاصل بين الأعمال التي يستطيع الكفيف أداءها وتلك التي تمنعه إعاقته البصرية من القيام بها؟

   كما أشرنا لدى تناولنا لموقف المحكمة العُليا الأمريكية من معيار التجهيزات المعقولة، فإن هذا المعيار يقوم على أساس فكرة أن صاحب الإعاقة يكون مؤهلاً لتولي الوظيفة العامة إذا كان قادراً على أداء مهام العمل رغم إعاقته.

   وفي اعتقادنا، تُقاس هذه القدرة بما إذا كان الشخص قادراً على أداء المهام المعتادة للوظيفة التي يطلب الالتحاق بها. وليس ضرورياً أن يكون صاحب الإعاقة قادراً على أداء جميع هذه المهام، فالإعاقة – بحسب تعريفها – تعوق الشخص وتعطله، ولذلك فتبني معيار مُضيق لهذه القدرة قد يُفضي إلى حرمان أصحاب الإعاقة من حقهم الدستوري في تولي الوظائف العامة بشكل مُطلق، إذ لا شك أن أي محروم من نعمة البصر أو السمع أو الحركة لا بد وأن تتقلص دائرة ما يمكن أن يقوم به من أعمال تعتمد بشكل مباشر على ما حُرم منه، سواء في حياته الشخصية أو الوظيفية، ومن ثم فاشتراط قدرة الشخص صاحب الإعاقة على أداء كل المهام التي تتطلبها الوظيفة رغم إعاقته ينافي ما تفرضه الإعاقة من قيود ومعوقات على صاحبها، فالمعيار إذاً يجب أن يعتمد على قدرة صاحب الإعاقة على أداء جانب مقبول من المهام المعتادة للوظيفة التي يتقدم للالتحاق بها رغم إعاقته، وذلك بمجرد توفير التجهيزات المعقولة لأداء هذه المهام، ومعقولية هذه التجهيزات يتحدد بألا تكون هذه التجهيزات شديدة الاستثنائية لدرجة أنها تفرض صعوبات جَمَّة على جهة العمل، سواء من الناحية العملية أو المادية.

    وبمُراجعة موقف الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع من توظيف كفيفي البصر سواء بوظيفة معيد (الفتوى الأولى) أو بوظيفة ملحق دبلوماسي (الفتوى الثانية) يتبين نوعاً من المُغايرة بين الفتويين يتعذر تفسيره. ونميل للقول بأن هذه المُغايرة بين الموقفين ليس من قبيل العدول من جانب الجمعية عن فتواها الأولى في فتواها الثانية، كل ما هنالك أن الجمعية طبقت ذات المعيار تطبيقين مختلفين رغم وجاهة الأسباب التي قد تدعو لتوحيد التطبيق في شأن الوظيفتين.   

   فمن ناحية أولى، فالجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع حينما أفتت بجواز تعيين معيدة كفيفة، اعتمدت على حقيقة أن "اللياقة الصحية المتطلبة لشغل وظيفة معينة تدور وجوداً وعدماً مع شروط شغلها والمهام التى يوكل القانون إلى شاغلها القيام بها"، ولما كانت المهام الموكولة للمعيد "لا تتطلب لأدائها سوى التفوق العلمى للمتقدم لشغل هذه الوظيفة ... باعتبار أن هذه المهام تعتمد فى الأساس على القيام بالدراسات والبحوث العلمية فى ذات التخصص الذى نجح فيه الخريج بتفوق، وكذلك تدريس مواد هذا التخصص للطلاب، وهو ما يتعين معه القول بأن اللياقة الصحية المتطلبة لشغل وظيفة معيد لا تزيد بأى حال عن اللياقة الصحية التى تمكن الطالب من النجاح فى سنوات الدرجة الجامعية الأولى والحصول على أعلى التقديرات متفوقاً فى ذلك على أقرانه. ومن ثم فإنه إذا توافرت فى المتقدم لشغل هذه الوظيفة الشروط الأخرى المتطلبة قانوناً بخلاف اللياقة الصحية فإنه لا يجوز حرمانه من شغلها لأى سبب آخر". واستظهرت الجمعية أن هذا الفهم هو ما يتحقق به مبدأ المساواة الدستوري فى تولى الوظائف العامة. بل عقبت الجمعية بأنه "غنى عن البيان أن الإعاقة البصرية لم تكن حائلاً دون التعيين فى وظائف أعضاء هيئة التدريس منذ إنشاء الجامعة المصرية فى بدايات القرن الماضى، بل والوصول إلى أعلى المناصب الجامعية حيث تم تعيين الدكتور/ طه حسين عضواً بهيئة التدريس بكلية الآداب جامعة القاهرة – بالرغم من إعاقته البصرية وتم تعيينه عميداً للكلية، ثم عين فيما بعد رئيساً لإحدى الجامعات المصرية فى بداية الأربعينيات من القرن الماضى".

   وفي مُقابل ذلك، من ناحية ثانية، ارتأت الجمعية العمومية أن "اللياقة الصحية المتطلبة لشغل وظيفة معينة تدور وجوداً وعدماً مع شروط شغلها والمهام التي يوكل القانون إلى شاغلها القيام بها، لذلك يختلف مستوى اللياقة الصحية المطلوبة من وظيفة لأخرى، وهو ما ينعكس على مدى إمكانية شغل ذوى الاحتياجات الخاصة لها، ولما كانت المهام المنوطة بأعضاء السلك الدبلوماسي تتضمن بشكل أساسى استخدام وسائل المراسلة بمختلف أنواعها خاصة المشفرة منها، بالإضافة إلى القدرة على التواصل الفعال مع ممثلي الدول الأجنبية، بما يفرضه هذا التواصل من تبين الدبلوماسي بذاته لتعبيرات وانفعالات من يلتقى بهم من ممثلي الدول الأخرى وطريقة وموضع جلوسهم لنقل ذلك إلى المسئولين بالدولة التي ينتمى إليها، وهى كلها أمور محل تقدير في علاقات الدول، فضلاً عما يفترضه هذا العمل من تعدد اللقاءات الفردية مع نظرائه والتي لا يمكن بحال إلا أن يكون الدبلوماسي فيها منفرداً مع نظيره دون مساعد لما يغلفها من اعتبارات السرية، فضلاً عن اضطلاع الدبلوماسي بمهام مساعدة وحماية المواطنين المصريين الموجودين في دائرة اختصاص البعثات التمثيلية ومباشرة الأعمال القنصلية المكلف بها البعثات التمثيلية، والتي من بينها التوثيق وحضور المؤتمرات ومرافقة الوفود المشاركة، وهى أمور كلها تفترض تمتع من يقوم بها بنعمة البصر وقيامه بها بمفرده دون مساعدة. وترتيباً على ما تقدم فإن فقد البصر يحول ابتداء دون توفر شرط اللياقة الصحية المتطلب قانوناً لشغل هذه الوظيفة". وحرصت الجمعية العمومية على نفي أي ادعاء بأن استبعاد الكفيف من "التعيين بالسلك الدبلوماسي استناداً إلى حرمانه من نعمة البصر يعد منافياً لمبدأ المساواة في تولى الوظائف العامة وتمييزاً غير مبرر ضده"، مُبررة موقفها هذا بأن "حق ذوى الاحتياجات الخاصة في شغل وظيفة معينة إنما يتقيد بتوفر الحد الأدنى من اللياقة الصحية اللازمة لمباشرة المهام الأساسية لهذه الوظيفة، والمساواة وعدم التمييز في تقلد الوظائف يفترض القدرة ابتداء على القيام بمهامها حتى ولو كان بقدر معقول من المساعدة، وهو الأمر غير المتوفر في الحالة المعروضة على النحو سالف البيان. كما أنه لا وجه للقول بأن وزارة الخارجية قامت بالتمييز ضد المعروضة حالته بسبب فقد البصر بعدم توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة التي تمكنه من أداء المهام الأساسية لوظيفة الدبلوماسي ...، إذ إن ذلك مردود بأنه لا يتصور أن تصل التيسيرات التى يمكن أن توفرها وزارة الخارجية لقبول فاقد البصر في هذه الوظيفة إلى حد التغيير في المهام الأساسية للوظيفة التي يقوم بها الدبلوماسي، وليس في طريقة أدائها وهو ما سيحدث حتماً في حالة قبول فاقد البصر لشغل وظيفة الدبلوماسي".

   والسؤال هنا: لماذا اعتبرت الجمعية العمومية فقدان حاسة البصر حائلاً بين الكفيف وبين التقدم للعمل كملحق دبلوماسي، إذا كانت قد أجازت له أن يعمل معيداً بالكلية؟

   نعتقد أنه لا مقنع لتبرير هذه المُغايرة بين الحالتين بقالة أن المهام المنوطة بأعضاء السلك الدبلوماسي تتضمن بشكل أساسى استخدام وسائل المراسلة المشفرة، فضلاً عن ضرورة التواصل المباشر مع ممثلي الدول الأجنبية، مع ما قد يفرضه هذا التواصل من رَصْد الدبلوماسي بنفسه لتعبيرات وانفعالات من يلتقى بهم من ممثلي الدول الأخرى وطريقة وهيئة جلوسهم، إلى جانب حاجة العمل الدبلوماسي لعقد لقاءات فردية سرية، فضلاً عن أن من بين مهام العمل الدبلوماسي مساعدة وحماية المواطنين المصريين الموجودين في دائرة اختصاص البعثات التمثيلية ومباشرة الأعمال القنصلية، وهى مهام تفترض تمتع من يقوم بها بنعمة البصر وقيامه بها بمفرده دون مساعدة.

    فكل ما تقدم مردود عليه بأنه يمكن – ولذات الأسباب – القول بأن أستاذ الجامعة هو ربان سفينة التعليم الجامعي، وقائد جموع الطلبة الذين يحاضرهم، والتواصل البصري eye contact بين الأستاذ والطلاب ضروري للفت انتباه الأخيرين واستظهار فهمهم للمحاضرات وحفظ النظام داخل قاعات الدراسة، كما أن التفاعل المُباشر بين الأستاذ والطلبة هو الذي يُضفي على العملية التعليمية حيويتها ويعين على تبسيط الأفكار وإيصال المعلومات بشكل أيسر. فضلاً عن أنه في كثير من الأحيان يحتاج الأستاذ الجامعي لشرح بعض الأفكار على لوحة العرض، وهي عملية يتعذر على أي كفيف القيام بها بغير مساعدة خارجية من شخص ما أو بمعونة آداة مُتخصصة. كما أنه من بين مهام أستاذ الجامعة مساعدة الطلاب وشرح ما غُمّ عليهم فهمه في لقاءات فردية بمكتبه بالكلية، ناهيك عن قيامه بوضع امتحانات للطلبة تتسم بطابع السرية، وهي أمور لن يمكنه القيام بها بمفرده، بل بمعونة آخرين. بل إن أبسط الأمور ذات الصلة بالعملية التعليمية كالانتقال من مكتب الأساتذة إلى قاعة المحاضرات وصعود ونزول الدرج المؤدي لهذه القاعة نشاط حركي يحتاج لمعونة من طرف خارجي، ولا يقدر أستاذ الجامعة الكفيف على القيام به بمفرده، سيما مع تزايد أعداد الطلاب وما تشهده الجامعات من تزاحم وتدافع أثناء دخول وخروج الطلاب قبل وبين وعقب انتهاء المحاضرات، وهي أمور قد تهدد سلامة الأستاذ الجامعي نفسه إن حاول الاعتماد على نفسه، بل قد تنال من هيبته أمام طلاب ما زالوا في مقتبل أعمارهم.

   أما القول بأن التيسيرات المطلوبة (أو التجهيزات المعقولة بعبارة أخرى) لإعانة الكفيف على القيام بمهام العمل الدبلوماسي ستقود لتغيير جوهري في هذه المهام، فمردود بأن قيام أستاذ الجامعة الكفيف بالتدريس وإعداد الأبحاث أو تحكيمها وحضور المؤتمرات ومناقشة رسائل الدكتوراه، فضلاً عما قد يوكل إليه من أعمال إدارية إذا ما تولى منصباً إدارياً كرئاسة أحد الأقسام أو وكالة الكلية أو عمادتها أو رئاسة الجامعة ككل – كعميد الأدب العربي طه حسين وهو المثال الذي احتفت به الجمعية العمومية نفسها – كل هذه الأعمال تتطلب بالضرورة مساعدة خارجية من جانب معاونين شخصيين أو توفير أدوات خاصة كمعدات طريقة برايل، ومع ذلك لم تُثن هذه المهام الشاقة أو التجهيزات المطلوبة الجمعية العمومية عن الاعتراف بحق الكفيف المتفوق في أن يكون معيداً بالكلية.

   بل إننا نرى أن العمل بالسلك الدبلوماسي قد يكون أسهل نوعاً ما من العمل بالسلك الجامعي بالنسبة للكفيف، فغالباً ما يتعامل الأستاذ الجامعي مع مئات وربما ألوف من الطلاب تتفاوت أفهامهم ويتباين مستواهم الثقافي والأخلاقي ومن ثم يختلف تقديرهم لقيمة أستاذ الجامعة السامقة، خلافاً للدبلوماسي الذي عادة ما يتعامل مع عدد محدود من نظرائه الأجانب ممن يُفترض فيهم مستوى رفيعاً من الثقافة وقدراً كبيراً من اللياقة. كما أنه ليس معتاداً أن يرافق أستاذ الجامعة مساعد خاص لدى توجهه لقاعات الدراسة، خلافاً للدبلوماسي الذي كثيراً ما يرافقه كثير من المعاونين والمترجمين والحرس الشخصي بل ويحضرون لقاءاته ويدونون أحاديثه، ولم يقل أحد بأن مثل هذه الأمور تعوق العمل الدبلوماسي أو تهدد سريته. فضلاً عن أنه إذا كانت الإعاقة البصرية للدبلوماسي مانعة له من تبين انفعالات نظرائه ومن ثم استظهار مواقفهم غير المُعلنة من بعض القضايا، فالأصعب من ذلك ألا يجيد بعض الدبلوماسيين أحياناً اللغة الأجنبية لمن يحاورونهم مما قد يضطرهم للاعتماد على مترجمين فوريين، ولا شك أن كثيراً من المعاني الجلية أو حتى الإشارات الخفية قد تضيع مع الترجمة الحرفية غير الدقيقة.

   وفضلاً عما تقدم، فكثير من الأعمال الدبلوماسية يقوم بها رجال السلك الدبلوماسي داخل بلدهم، كالدبلوماسيين العاملين بوزارة الخارجية، المسئولين عن التنسيق بين البعثات الدبلوماسية والقنصلية في مختلف دول العالم، وهي مسائل كانت إلى وقت قريب تتم عبر اتصالات هاتفية (غير مرئية) دولية بين المسئولين الدبلوماسيين والسفارات والقنصليات خارج البلاد. وإذا كانت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع قد احتفت بعميد الأدب العربي طه حسين الذي ترأس إحدى الجامعات، مع ما يحوط بوظيفة رئاسة الجامعة من صعوبات إدارية جَمَّة ومشاكل يومية لا حصر لها، فإن من الغريب ألا ترى الجمعية أن بمقدور كفيف البصر أن يعمل – من بين أعمال كثيرة يستطيع أن يباشرها داخل السلك الدبلوماسي – كقنصل في إحدى البلدان يقوم بقيد مواليد المصريين، أو التصديق على إبرام عقود الزواج، أو إصدار جوازات السفر وتجديدها في دائرة اختصاصه!

   باختصار شديد فكل ما قيل لتبرير رفض قبول أوراق الكفيف للعمل كملحق دبلوماسي كان يمكن الاعتماد عليه – من باب أولى – لرفض تعيين من حُرموا نعمة البصر بوظيفة معيد بالكلية. بل إن العمل كدبلوماسي أيسر في اعتقادنا من العمل كأستاذ جامعي بالنسبة لأي كفيف من الناحية العملية.

   وربما كان لاتجاه الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ما يبرره إذا ما ساوت بين الحالتين بأن وَحَّدَت معاملتها بتبني موقف متشدد في شأن الإعاقة البصرية بالنسبة للتقدم للالتحاق بوظيفتي معيد بالكلية وملحق بالسلك الدبلوماسي، على أساس أن العملين يحتاجان التمتع بحاسة الإبصار، وأياً كان وجه الرأي في سلامة هذا الموقف، إلا أن الأكيد أن التسوية بين الحالتين وتبني موقف متشدد حيالهما معاً كان ليحظى بتأييد أوسع نطاقاً مُقارنة بالمُغايرة التي أجرتها بين حالتين متماثلتين، بل بين حالتين كانت ما رفضتها منهما أولى بالتأييد مما أجازتها.

   بل إن ما عقبت به الجمعية في فتواها الثانية من أنها لا تضع "حظراً عاماً على تولى ذوى الاحتياجات الخاصة وظائف السلك الدبلوماسي، وإنما يتعين بحث كل حالة على حدة للوقوف على مدى تأثير حالة الاحتياج الخاص على اللياقة الصحية المتطلبة لشغل الوظيفة الدبلوماسية"، يدعو للتساؤل عن ماهية وظائف السلك الدبلوماسي التي قد تجيز الجمعية تولى ذوى الاحتياجات الخاصة لها إذا لم يكن من سبيل لولوج المنافسة على جميع هذه الوظائف ابتداء بالنسبة لأي محروم من نعمة البصر؟ إلا إذا كان المقصود بهذا التعقيب هو استبعاد غير المُبصرين من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة التي يمكن أن تتقلد وظائف السلك الدبلوماسي، وهو ما سيكون أمراً غريباً في ضوء أن غير المبصرين هم بالضرورة من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ أو ربما أن مقصود الجمعية كان هو السماح لغير المُبصرين – مع الاعتراف بكونهم من ذوي الاحتياجات الخاصة – بالعمل في السلك الدبلوماسي كموظفين بالأعمال الإدارية التي لا تعتبر من قبيل الأعمال الدبلوماسية بمدلولها الفني بما يبرر رفض قبول أوراق تقدمهم للعمل بوظيفة ملحق دبلوماسي، وإذا كان هذا هو المقصود فعلاً، فهل يمكن تبرير قبول إشراك غير المبصرين بالأعمال الإدارية في السلك الدبلوماسي ورفض إشراكهم بالأعمال الدبلوماسية نفسها!!

   ولا مراء أن مثل هذه المُغايرة التي أجرتها الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بتجويزها تعيين كفيف كمعيد في مُقابل رفضها تجويز قبول أوراق كفيف تقدم للعمل كدبلوماسي، يتأذى منها مبدأ المساواة، الذي كرست له المادة (53) من الدستور المصري القائم التي تنص على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. ..."؛ فهذا المبدأ يتغيا – على ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العُليا – أن يكون إسهام أصحاب الإعاقة "فى الحياة العامة ممكناً وفعالاً ومنتجاً. ذلك أن نواحى القصور التى تَعْرِض لهم، مردها إلى عاهاتهم، ومن شأنها أن تقيد من حركتهم، وأن تنال بقدر أو بآخر من ملكاتهم، فلا يكونون ’واقعاً‘ متكافئين مع الأسوياء حتى بعد تأهيلهم مهنياً، لتبدو مشكلاتهم غائرة الأبعاد، لا تلائمها الحلول المبتسرة، بل تكون مجابهتها، نفاذاً إلى أعماقها، وتقريراً لتدابير تكفل استقلالهم بشئونهم، وانصرافاً إلى مناهج علمية وعملية تتصل حلقاتها، وتتضافر مكوناتها، متخذة وجهة بذاتها، هى ضمان أن يكون المعوقون أكثر فائدة، وأصلب عوداً، وأوثق اتصالاً بأمتهم".

    كما تناقض المُغايرة السابقة مقتضيات الأمر الدستوري الذي جاءت به المادة (81) من الدستور القائم التي تنص على أن "تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام، صحياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وترفيهياً ورياضياً وتعليمياً، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالاً لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص".

   والبادي لنا أن المشرع الدستوري في الدستور القائم بنصه على تهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بأصحاب الإعاقة يكون قد تبنى معيار التجهيزات المعقولة. الأمر الذي كان له صداه على المشرع العادي في القانون رقم 10 لسنة 2018 بإصدار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ولائحته التنفيذية، اللذين تبنيا في وضوح شديد معيار التجهيزات او التيسيرات المعقولة، ففي المادة رقم (3) من القانون سالف البيان نجد المشرع نص على أنه "في تطبيق أحكام هذا القانون، يقصد بالكلمات والعبارات التالية المعنى المبين قرين كل منها: .......

الإتاحة: التجهيزات والإجراءات اللازمة للوصول إلى بيئة دامجة وموائمة فيزيقياً ومجتمعياً ومعلوماتياً ومادياً للأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير المعدات والأدوات والوسائل المساعدة اللازمة لضمان ممارستهم لحقوقهم وحرياتهم على قدم المساواة مع الآخرين.

الترتيبات التيسيرية المعقولة: مجموعة الإجراءات أو التدابير أو التعديلات المؤقتة التي تهدف إلى تحقيق المواءمة في حال عدم إمكانية تحقيق الإتاحة، بهدف كفالة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وممارستها على أساس المساواة مع الآخرين، وذلك لحين الوصول إلى الإتاحة. ...."([16]).

   وفي خصوص الحق الدستوري في التعليم، نجد المشرع في القانون مار البيان قد نص في مادته رقم (10) على أنه "مع مراعاة حكمي المادتين (53) و(76 مكرراً) من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، تلتزم الوزارات المختصة بالتربية والتعليم والتعليم الفني والتعليم العالي والبحث العلمي ومؤسسات التعليم الأزهري وغيرها من الوزارات والجهات المعنية باتخاذ التدابير اللازمة لحصول الأشخاص ذوي الإعاقة وأبنائهم من غير ذوي الإعاقة على تعليم دامج في المدارس والفصول والجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية الحكومية وغير الحكومية المتاحة للآخرين، والقريبة من محال إقامتهم في ضوء نوع ودرجة الإعاقة، على أن يتوافر فيها معايير الجودة والسلامة والأمان والحماية.

 كما تلتزم الوزارات المعنية بمحو أمية من تجاوز منهم سن التعليم وفق برامج وخطط وأساليب تتلاءم مع ظروفهم وقدراتهم، بما في ذلك توفير تعليم خاص مناسب للحالات الاستثنائية الناتجة عن طبيعة ونسبة الإعاقة".

   ونص كذلك في المادة رقم (11) على أن "تلتزم مؤسسات التعليم الحكومية وغير الحكومية بمختلف أنواعها بتطبيق مبدأ المساواة بين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم، ويجب على هذه المؤسسات الالتزام بقواعد وسياسات الدمج التعليمي للأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير فرص تعليمية متكافئة مناسبة لجميع أنواع الإعاقة ودرجاتها.

   ويجب أن تتضمن مناهج التعليم في جميع المراحل مفاهيم الإعاقة والتوعية والتثقيف باحتياجات وأحوال الأشخاص ذوي الإعاقة وحقوقهم، وسبل التعامل معهم.

   ويحظر حرمان أي من ذوي الإعاقة من التعليم بمختلف مراحله، أو رفض قبوله للالتحاق بالمؤسسات التعليمية بسبب الإعاقة، وفي حالة مخالفة ذلك تتولى الجهة الإدارية المختصة إنذار المؤسسة بإزالة أسباب المخالفة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الإنذار، وفي حالة عدم إزالة المخالفة خلال المدة المشار إليها يتم إيقاف الترخيص لمدة لا تجاوز ستة أشهر، وفي حالة الاستمرار في عدم إزالة المخالفة يتم إلغاء ترخيص المؤسسة، وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون معايير التحاق الأشخاص ذوي الإعاقة وقبولهم بالمؤسسات التعليمية"([17]).

   وبالنسبة للتعليم الجامعي، نص المشرع في المادة (15) من ذات القانون على أن "تلتزم الوزارة المختصة بالتعليم العالي والمؤسسات التابعة لها بضمان حق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم العالي والدراسات العليا، وبتخصيص نسبة لا تقل عن (10%) من أماكن الإقامة بالمدن الجامعية في الأحوال التي يزيد فيها عدد المتقدمين على هذه النسبة، وفقاً للقواعد المنظمة لذلك.

   كما تلتزم الوزارة المختصة بالتعليم العالي والمؤسسات التابعة لها بتوفير الترتيبات التيسيرية المعقولة لهم بما في ذلك التعلم عن بعد، وذلك طبقاً للمعايير والقواعد الواردة في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمواثيق الدولية ذات الصلة. ويحظر وضع أي قواعد أو شروط تعوق الأشخاص ذوي الإعاقة عن الحصول على هذه الحقوق أو تمنعهم منها".

   ونص في المادة (16) على أن "تلتزم الوزارة المختصة بالتعليم العالي بوضع الخطط والبرامج الكفيلة بإتاحة الحق للأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم بذات الجامعات والكليات والأقسام والمعاهد المتاحة لغيرهم، مع توفير فرص متساوية داخل مؤسسات التعليم العالي الحكومية وغير الحكومية لجميع أنواع الإعاقات دون عوائق، وتوفير سبل الإتاحة بها من لغات التواصل باستخدام التكنولوجيا الحديثة، والبرامج التعليمية والتكنولوجية الداعمة التي تناسب إعاقاتهم المختلفة وكذلك أكواد البناء الخاصة بذوي الإعاقة، كما تلتزم بإنشاء الكليات والمعاهد المتخصصة في إعداد وتخريج كوادر للعمل بمجال الإعاقة وأنواعها".

   وفي خصوص الحق الدستوري في العمل، فقد نص المشرع في المادة (20) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على أن "تلتزم الدولة بضمان حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الحصول على فرص متكافئة للعمل تتناسب مع مؤهلهم الدراسي وإعدادهم المهني، كما تلتزم بعدم إخضاعهم لأي نوع من أنواع العمل الجبري أو القسري، وعليها توفير الحماية لهم في ظروف عمل عادلة بالمساواة مع الآخرين، والسعي لفتح أسواق العمل لهم في الداخل والخارج، وتعزيز فرص العمل الخاصة بهم من خلال مباشرة العمل الحر عن طريق أنشطة التنمية الشاملة ومشروعاتها في ضوء السياسات الاجتماعية للدولة.

   كما تلتزم الدولة بتوفير سبل الأمان والسلامة الملائمة والترتيبات التيسيرية للأشخاص ذوي الإعاقة في أماكن العمل، وضمان ممارسة حقوقهم العمالية والنقابية، وتمكينهم من الحصول بصورة فعالة على برامج التوجيه التقني والمهني، وخدمات التوظيف، والتدريب المهني والمستمر، ويحظر أي تمييز أو حرمان من أية مزايا أو حقوق على أساس الإعاقة في التعيين أو نوع العمل أو الترقيات أو الأجر وملحقاته"([18])

   وكما أُشير بفتويي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع مارتي البيان، فإنه حتى قبل العمل بالدستور القائم وقبل إصدار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ولائحته التنفيذية، فقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 400 لسنة 2007 بشأن الموافقة على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة والموقعة في نيويورك بتاريخ 30/3/2007([19])؛ وقد نصت المادة (2) "التعاريف" من الاتفاقية على أن "’الترتيبات التيسيرية المعقولة‘ تعني التعديلات والترتيبات اللازمة والمناسبة التي لا تفرض عبئاً غير متناسب أو غير ضروري، والتي تكون هناك حاجة إليها في حالة محددة، لكفالة تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة على أساس المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وممارستها".

  وفي ضوء جميع ما تقدم، فإننا نعتقد أن ما استجد من واقع دستوري في ظل دستور 2014 المُعدل، وما أعقبه من تطور تشريعي يعكس هذا الواقع، كل أولئك قد يدعو الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع لمُراجعة موقفها من حق أصحاب الإعاقة في شغل الوظيفة العامة في أقرب فرصة، وذلك بالتخلي عن التفرقة مارة الذكر التي تبنتها، وبشكل عام تبني منهج أكثر استيعاباً لأصحاب الإعاقة.

   وليس معنى ما تقدم، أن أي كفيف، أو بشكل عام أي صاحب إعاقة، يمكنه أن يتقدم للعمل بأي وظيفة، فذاك مما يأباه العقل ويرفضه المنطق، فلا يمكن مثلاً أن يتقدم مبتور الساق للعمل كضابط بالقوات المسلحة، أو أن يتقدم للعمل طياراً مدنياً (أو سائقاً لحافلة كما ذهبت المحكمة العُليا الفيدرالية) كفيف البصر؛ ففي بعض الوظائف تكون سلامة عموم البدن شرطاً أولياً منطقياً لازماً لمُمارسة صميم العمل الذي يتقدم الشخص للالتحاق به. وهنا لا يمكن – عقلاً أو منطقاً – الاحتجاج بأن ضابط القوات المسلحة أو الطيار المدني أو سائق الحافلة يمكنهم أداء المهام التي تُعد من صميم أعمالهم بمساعدة آخرين.

...

  صفوة القول، إن معيار التجهيزات (الترتيبات أو التيسيرات) المعقولة – الذي تبناه الدستور المصري القائم وردده من بعده قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ولائحته التنفيذية، وقبلهم جميعاً الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة والتي وافقت عليها مصر – يقدم حلاً ناجعاً للصعوبات التي يواجهها أصحاب الإعاقة في الانتفاع من الفرص التعليمية أو الوظيفية – أو غيرها من الفرص – التي تقدمها الدولة على أساس من مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، سيما وأن المشرع المصري – الدستوري والعادي – قد أبدى اهتماماً شديداً بقضية الإعاقة، وأحاط أصحاب الإعاقة بحماية دستورية مُكتملة الأركان، لا تقتصر دائرتها فحسب على حظر صنوف التمييز السلبي ضدهم، بل أوجب على الدولة ألا تتخاذل أو تتخذ موقفاً سلبياً من المعوقات التي تعترض طريقهم، وذلك من خلال وضع معيار منضبط يقيم توازناً دقيقاً بين اعتبار أصحاب الإعاقة أعضاء فاعلين في مجتمع حاضن لجميع أبنائه وفي نفس الوقت ضمان ألا يتسبب الإفراط في الزَجّ بهؤلاء إلى مواقع لا تناسبهم في إرهاقهم أو الإضرار بمصالح المرافق العامة التي ينبغي أن تسير دائماً بانتظام واطراد.

    وقد يرى البعض أن أي تخلف عن توفير الترتيبات أو التيسيرات أو التجهيزات المعقولة يُعد تمييزاً سلبياً ضد صاحب الإعاقة، والبعض الآخر قد يُدرج هذه التيسيرات أو التجهيزات ضمن جهود التمييز الإيجابي لأصحاب الإعاقة. وأياً كان وجه الرأي في توصيف هذه التجهيزات، فإنه أخذاً في الاعتبار أن الدستور المصري القائم قد تبنى بوضوح منهج تمييز أصحاب الإعاقة إيجابياً، فإن أي امتناع عن توفير هذه التجهيزات في حدودها المعقولة يُعد انتقاصاً من حقوق صاحب الإعاقة التي كفلها له الدستور ومن بعده النصوص التشريعية ذات الصلة بقضية الإعاقة.

 

الهوامش

 

([1]) إبان رفعها دعواها كانت «ديفيس» ممرضة مُرَخَّصاً لهاLicensed Practical Nurse (LPN) ، وقد سَعَت للالتحاق ببرنامج التدريب المشار إليه بالكلية الطاعنة لكي تحصل على درجة علمية تؤهلها لأن تصبح مُمرضة مُسَجَّلَة Registered Nurse (RN). والممرضة المُرَخَّص لها – خلافاً للمُسَجَّلَة – تعمل تحت إشراف مُستمِر، ولا يُسمح لها بالقيام بالمهام الطبية التي تتطلب درجة كبيرة من التمرس الفني – يُراجع:

Ronald Bruce Hauben, A Campus Handicap? Disabled Students and the Right to Higher Education--Southeastern Community College v. Davis, 9 N.Y.U. Rev. L. & Soc. Change 163, 168, 168 n. 40 (1979-1980).

([2]) رفضت المحكمة الدعوى في شقها الدستوري أيضاً، وتأيد رفض هذا الشق أمام محكمة الاستئناف، ولم تنهض «ديفيس» للطعن على هذا القضاء أمام المحكمة العُليا - يُراجع Southeastern Community College v. Davis, 442 U.S. 397, 404 n. 3 (1979).

([3]) ولأن محكمة الاستئناف قضت لصالح المُستأنفة («ديفيس») على أساس تشريعي فقط، وإذ قعدت «ديفيس» عن الطعن أمام المحكمة العُليا على تأييد محكمة الاستئناف لقضاء محكمة أول درجة برفض الشق الدستوري من دعواها، فلم يكن ثمة ما يدعو للنفاذ للمسألة الدستورية أمام المحكمة العُليا – يُراجع Ronald Bruce Hauben – مرجع سابق – صـ189.

([4]) اصطلاح العمل الإيجابي هو المُرادف الأمريكي لاصطلاح التمييز الإيجابي – يُراجع: محمد عبد الفتاح عبد البر – التنظيم الدستوري للتمييز الإيجابي في الولايات المتحدة الأمريكية – دراسة قضائية فقهية – 2023 – صـ67.

([5]) جاءت هذه اللوائح بأمثلة لتلك التعديلات والوسائل المساعدة. فمن قبيل هذه التعديلات تغيير المدة اللازمة لإتمام مُتطلبات الحصول على الدرجة العلمية، واستبدال بعض المُقررات الدراسية اللازمة لإتمام هذه المُتطلبات، وتغيير الطريقة التي يمكن من خلالها تقديم هذه المُقررات. ومن قبيل الوسائل المساعدة تسجيل النصوص على أشرطة، توفير مُترجمين فوريين أو أي وسيلة أخرى فعالة لتيسير عرض المواد المُقدمة شفهياً لأصحاب الإعاقات السمعية، أو توفير من يقومون بالقراءة داخل المكتبات لأصحاب الإعاقات البصرية، وكذلك تزويد الفصول الدراسية بالمُعدات اللازمة لأصحاب الإعاقات اليدوية، وغير ذلك من الخدمات والإجراءات. وأوضحت اللوائح أن الجهة التعليمية التي تتلقى تمويلاً فيدرالياً لا يلزمها تخصيص مُرافقين شخصيين أو من يقومون بالقراءة لأغراض الاستخدام الشخصي أو الدراسة لأصحاب الإعاقة، ولا يلزمها كذلك توفير أجهزة موصوفة خصيصاً لهم، أو أية أجهزة أو خدمات من طبيعة شخصية.

([6]) Ronald Bruce Hauben – مرجع سابق – صـ166.

([7]) Ronald Bruce Hauben – مرجع سابق – صـ179، 182: 183.

([8]) Ronald Bruce Hauben – مرجع سابق – صـ185.

([9]) Ronald Bruce Hauben – مرجع سابق – صـ174، 177.

([10]) استخلص هذا الفقه أن تطبيق هذا المعيار على حالة المطعون ضدها يحول دون قبولها ببرنامج التمريض بالكلية. فطبيعة إعاقتها، وطبيعة برنامج التدريب الذي تقدمت للالتحاق به، وكذا التعديلات التي كان مطلوباً إدخالها على هذا البرنامج حتى يمكن استيعابها به، كانت استثنائية ومُكَلِّفَة مادياً. يُراجع Ronald Bruce Hauben - مرجع سابق – صـ185: 188.

وساوى البعض بين ألفاظ "التجهيزات" أو "التعديلات" أو "التغييرات" في الدلالة على ذات الفكرة، موضحاً أن التجهيزات المعقولة قد يُقصد بها إدخال أي تعديل على الإنشاءات المادية، أو إزالة أية عوائق هندسية، قد تفرض على أصحاب الإعاقة بعض الصعوبات:

“The concepts of a modification, accommodation, or alteration are generally the same concept. For example, a reasonable accommodation may be the alteration of physical constructions or the removal of architectural barriers.”

Derek Warden, Constitutionalizing Three Theories of Disability Discrimination--Disparate Treatment, Reasonable Accommodation, and Integration--Through A Jurisprudential Pluralistic and Constitutional Pluralistic Reading of the Ninth Amendment (Dissertation), 118 (March 4, 2021).

([11]) المحكمة الدستورية الُعليا – القضية رقم 8 لسنة 16 قضائية "دستورية" – جلسة 5 أغسطس سنة 1995 – منشور بالجريدة الرسمية – العدد 35 في 31 أغسطس سنة 1995.

([12]) الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع - الفتوى رقم 392 بتاريخ 13/7/2009 ملف رقم 58/1/196 - جلسة 17/6/2009.

([13]) الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع - الفتوى رقم 191 بتاريخ 5/3/2014 ملف رقم 86/3/1139 - جلسة 9/10/2013.

([14]) المنشور بالجريدة الرسمية – العدد 7 مكرر (ج) في 19 فبراير سنة 2018.

([15]) الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2733 لسنة 2018 – المنشورة بالجريدة الرسمية – العدد 51 (مكرر) في 23 ديسمبر سنة 2018.

([16]) بالمثل نصت اللائحة التنفيذية للقانون في المادة رقم (1) على أنه "في تطبيق أحكام هذه اللائحة، يقصد بالكلمات والعبارات التالية المعنى المبين قرين كل منها: ....

الخدمات المتكاملة: الخدمات المختلفة والتسهيلات والمزايا العامة مثل الصحة والتعليم والتأهيل والعمل وغيرها، أو الخاصة باستخدام الشخص ذي الإعاقة مثل الأدوات والمعينات المساعدة وغيرها حسب نوع الإعاقة، والتي تقدمها الوزارات والهيئات المصرية للشخص ذي الإعاقة بموجب التشريعات السارية المقررة. ...

غرفة المصادر: غرفة تحتوي على برامج متخصصة تكفل للطالب تعلمه بشكل فردي يناسب خصائصه واحتياجاته وقدراته.

الإتاحة التكنولوجية: إتاحة الوصول إلى تكنولوجيات ونظم المعلومات والاتصال من خلال التدابير المناسبة التي تكفل إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع غيرهم.

التكنولوجيا المساعدة: أي برنامج أو نظام أو معدة من المعدات، سواء كانت منتجاً عادياً أو معدلاً أو مكيفاً وفقا للطلب، يتم استخدامها بهدف زيادة أو تحسين القدرات الوظيفية للأشخاص ذوي الإعاقة أو الحفاظ عليها، وتشمل الأجهزة والبرمجيات دون الأجهزة الطبية التي يتم زرعها في الجسم جراحياً، وتضم ثلاثة مستويات منخفضة ومتوسطة وعالية التقنية. ...".

([17]) بالمثل نصت اللائحة التنفيذية للقانون في المادة رقم (20) على أنه "يحق للشخص ذي الإعاقة الاستفادة من نظام التعليم الدامج من سن الحضانة ورياض الأطفال، وفي مختلف أنواع ومسارات التعليم، وجميع مستوياته، على قدم المساواة مع الأشخاص من غير ذوي الإعاقة، ويحظر حرمان الشخص ذي الإعاقة من حقه في التعلم بسبب إعاقته.

وتلتزم الوزارات المختصة بالتربية والتعليم والتعليم الفني والتعليم العالي والبحث العلمي ومؤسسات التعليم الأزهري وغيرها من الوزارات والجهات المعنية باتخاذ التدابير اللازمة لحصول الأشخاص ذوي الإعاقة على تعليم دامج في المدارس والفصول والجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية الحكومية وغير الحكومية المتاحة للآخرين، والقريبة من محال إقامتهم في ضوء نوع ودرجة الإعاقة، ويستثنى أبناء الأشخاص ذوي الإعاقة من الالتزام بالتوزيع الجغرافي للالتحاق بمؤسسات التعليم الحكومية وغير الحكومية." وتنص المادة (21) من ذات اللائحة على أن "تلتزم الوزارات المختصة بالتربية والتعليم والتعليم الفني والتعليم العالي والبحث العلمي ومؤسسات التعليم الأزهري وغيرها من الوزارات والجهات المعنية بتمكين الشخص ذي الإعاقة من الحصول على التعليم، وتوفير الترتيبات المناسبة اللازمة لذلك، وفقا لما يأتي:

1- ضمان وجود مكان في المؤسسات التعليمية، وتمكينه من التعلم بالأنظمة والبرامج والوسائل واللغات الملائمة لإعاقته.

2- إجراء التعديلات اللازمة في البيئة التعليمية، بما يتيح للشخص ذي الإعاقة القدرة على الحصول على قدر مناسب من النمو المعرفي والانخراط في السلك التعليمي النظامي.

3- توفير العدد الكافي من المختصين المؤهلين لتعليم الأشخاص ذوي الإعاقة بالوسائل والأساليب المناسبة لحالات الإعاقة المختلفة.

4- توفير العدد الكافي من مترجمي الإشارة بكافة المؤسسات التعليمية الحكومية وغير الحكومية التي يتم إلحاق ذوي الإعاقة السمعية بها.

5- إتاحة استخدام المعينات التكنولوجية المختلفة ووسائل الإتاحة وغرف المصادر والمحتوى التعليمي وموائمة المناهج الدراسية وأساليب التدريس والامتحانات والتقويم، بما يتناسب مع الإعاقات المختلفة.

6- إتاحة المواقع الإلكترونية بالمؤسسات التعليمية الحكومية وغير الحكومية لاستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة.

7- تضمين مناهج التعليم في جميع المراحل مفاهيم الإعاقة والتوعية والتثقيف باحتياجات وأحوال الأشخاص ذوي الإعاقة وحقوقهم، وسبل التعامل معهم بأساليب متنوعة ومتطورة.

8- إنشاء مكتب خدمات ذوي الإعاقة بكل جامعة بالتعاون مع الوزارة المختصة بالتضامن الاجتماعي لتيسير حصول الطلاب ذوي الإعاقة بالجامعة على الخدمات المختلفة داخل الجامعة.

9- يطبق على الطلاب ذوي الإعاقة المقيدين على نظام المنازل نظام امتحانات الدمج المطبقة على طلاب الدمج المقيدين بالمدارس النظامية، كما يحق لهم وجود مرافق معهم أثناء الامتحانات".

([18]) انعكاساً لذلك، وفي خصوص فرص الإعداد المهني والتدريب الوظيفي، نصت اللائحة التنفيذية للقانون في المادة رقم (45) على أن "تلتزم الدولة بتوفير فرص الإعداد المهني والتدريب الوظيفي للأشخاص ذوي الإعاقة وفقاً لاحتياجاتهم باستخدام التكنولوجيا الحديثة وأساليب الدمج الشامل لبلوغ أقصى قدر من الاستقلالية، مع ضمان الجودة والسلامة والأمان داخل مؤسسات الإعداد المهني وتوفير جميع سبل الإتاحة المكانية والتكنولوجية، وذلك وفقا للقواعد الآتية: .....

6- ضمان عدم تمييز برامج التدريب المهني السائدة ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، وإتاحتها بالكامل للأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير ترتيبات تيسيرية معقولة فيما يقدم من تدريب تقني ومهني. ...". وكذا نصت المادة (59) على أن "تلتزم الجهات الحكومية وغير الحكومية باتخاذ إجراءات سبل الأمان والسلامة والترتيبات التيسيرية المعقولة لذوي الإعاقة في أماكن العمل، وتصدر الوزارة المختصة بشئون العمل القرارات التنظيمية، لتوفير سبل الحماية والسلامة الملائمة للأشخاص ذوي الإعاقة داخل أماكن العمل".

([19]) منشور بالجريدة الرسمية – العدد 27 في 3 يولية سنة 2008.